آثام وإجرام في الشهر الحرام

عادل العضيب

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ تعظيم الأشهر الحرم 2/ الشرك أعظم الظلم 3/ مصيبة تأسيس معبد للهندوس في جزيرة العرب 4/ ظلال من جعلوا عقولهم حاكمة على شريعة الله 5/ طاغية الشام لا يعرف شهرًا حرامًا 6/ فضائل شهر ذي القعدة 7/ الحث على المبادرة بالحج وعدم تأخيره.

اقتباس

شعب يُبَاد، وأعراض تُنتهك والعالم يتفرج، دماء ودموع وأشلاء تستنطق الحجر؛ لكنه عالم أقسى من الحجر، هذا هو الغرب وهذه دول الكفر، لو أبيد المسلمون من أولهم لآخرهم ما تحركوا لأجلهم، بل يفرحون بذلك، بل هذا ما يخططون له، أما لو قتل كافر واحد لتحركت الهيئات العالمية والمنظمات الحقوقية، وأين منظماتهم وهيئاتهم عن هذه السنوات التي تطحن فيها الآلة العسكرية الشعب السوري، قتلى وجرحى ومرضى ومشردون، كأنهم ليسوا بشرا، شعب أعزل أمام طاغية سفاح مجرم ليس لهم إلا الله...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله يقضي ما يشاء، ويحكم ما يريد، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء شهيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الولي الحميد، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله سيد العبيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فيا أيها المسلمون، ربنا عليم حكيم، يخلق ما يشاء من الخلق، ويصطفي ويختار مما يشاء كما قال جل وعلا: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [القصص:68].

 

اختار من الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل لأعظم المهام وأجلّها، واختار من بين الرسل رسلا وأنبياء، واختار أولي العزم الرسل من باقي الرسل، واختار من بين البقاع مكة وجعلها قبلة للعالمين ومهوى لأفئدة الملايين، واختار أرض حجرة عائشة -رضي الله عنها-؛ لتضم أشرف وأعظم جسد؛ جسد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واختار من بين الأشهر أشهرًا أربعة خصها بالتعظيم والتحريم.

 

قال جل وعلا: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) [التوبة:36].

 

هذه الأشهر الحرم: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، دخل قبل أيام ذو القعدة، وهو أول الأشهر الحرم التي عظّم الله شأنها، ونهى عن ظلم النفس بالمعاصي فيها، فقال جل وعلا (فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) [التوبة:36].

 

مع أن ظلم النفس بتعدي حدود الله حرم في كل وقت، لكنه في الأشهر الحرم أعظم، فعظِّموا -رحمكم الله- هذه الأيام، واحذروا من الفجور فيها والعصيان؛ تعظيمًا لما عظّم الله؛ حتى تكونوا من المتقين، (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32].

 

عظِّموا حرمات الله إن أردتم الخير من الله، (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) [الحج:30]، وإنه مما لا يغتفر ويحذر الشرك بالله، فإذا كان الله قال: (فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ).

 

فالشرك أعظم الظلم كما قال جل وعلا: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13]، وإنك لتحزن عندما تسمع أو تقرأ عن مئات القبور في بلاد المسلمين يُطاف بها كما يطاف بالبيت العتيق، وتُدعى من دون الله، وتُذبح له الذبائح، وتُقرَّب لها القرابين، ويُنذر لها من دون الله، بل زاد الشر في بعض البلاد بفتح معابد للمشركين من هندوس ونحوهم، وهذا حرام باتفاق العلماء، وكيف يؤسَّس للشرك، وتُبنَى مناراته في بلاد الإسلام بعد أن طهَّرها الله منه.

 

والمصيبة أن بعض الذين لا يعرفون الفرق بين الواجب والمستحب، قد نصبوا أنفسهم للحكم على هذا الفعل، فباركوه وعدوه من التسامح، وقالوا: لا يُعقل أن يسمح لنا ببناء المساجد في بلادهم، ولا نسمح لهم ببناء معابدهم.

 

وهذا من الجهل العظيم والتطاول على شرع رب العالمين، ومتى كانت عقولكم حاكمة على شريعة الله؟! وقد ضل من ضل من الملاحدة والفلاسفة، عندما جعلوا عقولهم حاكمة على شريعة الله، كما اعترض على قطع اليد بربع دينار، مع  أن ديتها خمسمائة، فقال أحدهم:

يَدٌ بَخْمِس مئين عَسْجَد وُدِيَتْ *** ما بالها قُطعت في ربع دينار؟!

 فرد عليه أحدهم فقال:

عز الأمانة أغلاها وأرخصها *** ذل الخيانة، فافهم حكمة الباري

 وقال الآخر:

لما كانت أمينة كانت ثمينة *** فلما خانت هانت

 

ونقول لهؤلاء: دين الإسلام هو الدين الحق الذي ارتضاه الله للناس، أما هؤلاء فدينهم باطل، ومع ذلك لا يكرهون على الدخول في الإسلام؛ (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) [البقرة:256]، لكن لا يُظهرون طقوسهم الدينية، ولا يبنون معابدهم في بلاد الإسلام، أبى الله أن يكون ذلك ورسوله.

 

ومن عز الإسلام أنهم لا يبنون معابدهم في بلاد الإسلام، ثم نقول لهؤلاء الذين يتكلمون عن سماحة الإسلام: لماذا لا تعرفون سماحة الإسلام إلا مع الكافر؟! وتنسون هذه السماحة وتطئون بأقدامكم إذا تعلق الأمر بجماعة إسلامية كما تنادونها؟! نبئونا إن كنتم صادقين!!

 

عباد الله لقد عظم الجاهلية الأشهر الحرم، فكانوا يمتنعون عن القتال فيها، وإن طال الأمر عليهم أخروا الشهر الحرام للشهر الآخر، فكانوا يؤخرون المحرم لصفر؛ لذا قال الله: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ) [التوبة:37]، يقاتلون في المحرم ويؤخرون حرمته لصفر.

 

 لكن طاغية الشام لا يعرف شهرًا حرامًا، طابت نفسه بسفك الدماء، من طابت نفسه بسفك الدم الحرام، لم يعظّم الشهر الحرام، وقبل أيام ارتكب زبانية مجزرة جديدة في دوما تضاف إلى مجازره السابقة، فقد استهدفت قوات النظام السوري- أخذهم الله وجعل الذل عليهم والصغار- استهدفت السوق الشعبي بدوما مما أسفر عن قتل مائة وجرح ثلاثمائة،  ولا جديد في الأمر، شعب يُبَاد، وأعراض تُنتهك والعالم يتفرج، دماء ودموع وأشلاء تستنطق الحجر؛ لكنه عالم أقسى من الحجر، هذا هو الغرب وهذه دول الكفر، لو أبيد المسلمون من أولهم لآخرهم ما تحركوا لأجلهم، بل يفرحون بذلك، بل هذا ما يخططون له، أما لو قتل كافر واحد لتحركت الهيئات العالمية والمنظمات الحقوقية، وأين منظماتهم وهيئاتهم عن هذه السنوات التي تطحن فيها الآلة العسكرية الشعب السوري، قتلى وجرحى ومرضى ومشردون، كأنهم ليسوا بشرا، شعب أعزل أمام طاغية سفاح مجرم ليس لهم إلا الله.

 

 فاحفظ أيها التاريخ أن العالم نُزعت منه الرحمة، اللهم انتصر لإخواننا في بلاد الشام، اللهم عجل لهم بالفرج يا رب العالمين.

 

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم أنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلّ اللهم وسلّم على آخر الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد: فيا معاشر المسلمين: شهر ذي القعدة أول الأشهر الحرم، وسمي بذلك لقعودهم عن القتال فيه، ومن خصائصه أن عمرة النبي -صلى الله عليه وسلم- سوى عمرته التي قرنها مع حجته كانت في ذي القعدة، وله فضيلة أخرى وهي أنه قيل: إنه ثلاثون يومًا التي واعد الله فيها موسى.

 

قال مجاهد في قوله جل وعلا: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً) [الأعراف:142]، قال: ذو القعدة، قال: (وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) [الأعراف:142]، قال: عشر ذي الحجة.

 

ومما ينبه له مع دخول هذه الشهر أن يحرص الإنسان الذي لم يحج على أداء فريضة الإسلام، فقد أعلنت وزارة الحج عن فتح باب التسجيل في حملات الحج، فبادروا للحج فإن الصحيح يمرض، والفارغ يُشغَل، والحي يموت.

 

وقد ذهب جمع من الصحابة الكرام وعلماء الإسلام إلى أن الحج واجب على الفور لمن استطاع إليه سبيلاً، قال الخليفة الراشد عمر- رضي الله عنه-: "لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظرون من كان له غنى ولم يحج فيفرضوا عليهم الجزية؛ ما هم بمسلمين".

 

وقال على- رضي الله عنه-: "من استطاع الحج فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديًّا أو نصرانيًّا". فما هو عذر أولئك الذين وطئت أقدامهم هذه الدولة ما عذرهم عند الله، وقد أخطأت أقدامهم بيت الله العتيق؟ قد جاوزا الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين فلم يحجوا، ما هو عذرهم وقد سمعوا المنادي فلم يجيبوا النداء؟ (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحج:27].

 

فتداركوا الأمر قبل الرحيل وقبل الممات، واستعينوا على بلوغ المقصود برب الأرض والسموات (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران:97].

 

هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير الورى محمد المصطفى؛ امتثالاً لأمر الله جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

 

اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعلى سائر الصحابة أجمعين  وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم انتصر للمستضعفين من المسلمين، اللهم كن لهم ناصرا ومعينا ومؤيدا وظهيرا، اللهم عجل لهم بالنصر يا ذا الأفراج، يا قوي يا قادر.

 

اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى واجمع لنا بين الدين والدنيا والأخرى، اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك وأنت راض عنا غير غضبان.

 

اللهم فك أسر المأسورين، اللهم فرج هم المهمومين، اللهم نفس كرب المكروبين، اللهم اقض الدين عن المدينين.

 

اللهم أصلح فساد قلوبنا واجعلنا هداة مهتدين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا، اللهم أحسن إليهم كما أحسنوا إلينا.

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

المرفقات

إجرام في الشهر الحرام

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات