القول الفصل في صيام الست من شوال وما يثار حولها

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2022-10-09 - 1444/03/13
التصنيفات: الصوم
عناصر الخطبة
1/ حكم صيام الست من شوال 2/ أخطاء يجب الحذر منها 3/ فضل إخفاء النوافل وإسرارها 4/ قول المالكية في صيام الست من شوال 5/أحكام فقهية في صيام الست من شوال 6/ بعض منكرات الأفراح.

اقتباس

مما شرع لنا بعد إتمام صيام رمضان إتباعه بستٍّ من شوال، وهي سُنة، فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ".. عندما يسمع المسلم هذا الحديث النبوي يعلم أن هذا العمل سُنة ينبغي له عملها؛ فإن عمل حاز الأجر، وإن لم يعمل فلا إثم عليه، وهكذا تلقاه الناس من الآباء والأجداد.. والعجيب أن الناس في السنين المتأخرة بدءوا يتحدثون عن هذه السنة حديثاً متبايناً؛ فمنهم من يستنكر على من لم يصم ويبدي تعجبه من عدم صيامه، ويعده مقصراً وهذا بلا شكٍ خطأ! فصيام الست سُنة من عملها أُجر، ومن لم يعملها لم يأثم..

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].

 

أيها الأحبة: الحمد له على إتمام شهر الصيام ونسأله القبول والعود مرات ومرات، ومما شرع لنا بعد إتمام صيام رمضان إتباعه بستٍّ من شوال، وهي سُنة، فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ" (رواه مسلم).

 

وبين ذلك فيما رواه ثَوْبَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ؛ (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)" (حديث صحيح رواه ابن ماجه). وروى النسائي في الكبرى: "جَعَلَ اللهُ الْحَسَنَةَ بِعَشَرِ أَمْثَالِهَا، فشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ تَمَامُ السَّنَةِ".

 

أيها الإخوة: عندما يسمع المسلم هذا الحديث النبوي يعلم أن هذا العمل سُنة ينبغي له عملها؛ فإن عمل حاز الأجر، وإن لم يعمل فلا إثم عليه، وهكذا تلقاه الناس من الآباء والأجداد..

 

والعجيب أن الناس في السنين المتأخرة بدءوا يتحدثون عن هذه السنة حديثاً متبايناً؛ فمنهم من يستنكر على من لم يصم ويبدي تعجبه من عدم صيامه، ويعده مقصراً وهذا بلا شكٍ خطأ! فصيام الست سُنة من عملها أُجر، ومن لم يعملها لم يأثم..

 

ومن الأخطاء التي يجب الحذر منها جعلها مدارَ حديثٍ في المجالس: أنت صمت، نحن صمنا، فلان ما صام، ويستنكرون عدم صومه، ونحوها من الأحاديث التي لا تليق.. والذي ينبغي للمؤمن أن يبني أعماله الصالحة من النوافل على الكتمان؛ بُعداً عن الوقوع بالرياء.

 

فقد كان السلف -رحمهم الله- يخفون أعمالهم عن أقرب الناس إليهم؛ لأن إخفاء النوافل وإسرارها أفضل لاسيما الصيام؛ فإنه سرّ بين العبد وربه، ولهذا قيل: إنه ليس فيه رياء وقد صام أحد السلف النوافل أربعين سنة لا يعلم به أحد، كان يخرج من بيته إلى سوقه ومعه رغيفان فيتصدق بهما ويصوم؛ فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته..

 

وكانوا يستحبون لمن صام أن يظهر ما يخفي به صيامه؛ فعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "إذَا أَصْبَحْتُمْ صِيَامًا فَأَصْبِحُوا مُدَّهَنِينَ"، وقال قتادة: "يُسْتَحَبُ للصائمِ أن يَدَّهِنَ حتى تَذهبَ عَنْهُ غُبْرَةُ الصيامِ".

 

وقال الزبير بن العوام -رضي الله عنه- "أيكم استطاع أن يكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل"، وقال الحسن -رحمه الله-: ".. وإنْ كانَ الرجلُ ليصلي الصلاةَ الطويلة في بيته وعنده الزُّوَّر وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقوامًا ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدًا" .اهـ.

 

وقال ابن العربي -رحمه الله-: "الأصل في الأعمال الفرضية الجهر، والأصل في الأعمال النفلية السر، وذلك لما يتطرق إلى النفل من الرياء والتظاهر بها في الدنيا والتفاخر على الأصحاب بالأعمال وجبلت قلوب الخلق بالميل إلى أهل الطاعة". اهـ.

 

أحبتي: كم أعجب من أناس أخذوا على عاتقهم دعوة الناس لترك صيام الست، وتهوين الأخذ بهذه السنة، فتجدهم تارة يبحثون عن أقوال العلماء الذين لم يروا صيام الست وينشرونها، ويقولون قال: الإمام الفلاني كذا.. أأنتم أعلم منه، وهم لا يعلمون لماذا قال العالم هذا القول..

 

وتارة ينقلون زوراً وبهتاناً تضعيف الأحاديث الواردة بمشروعية صيامها. مع أنها كما سمعتم صحيحة بل أصل هذه السنة مبني على حديث رواه الإمام مسلم في صحيحه.. قال النووي -رحمه الله-: "وفي حديث أبي أيوب دلالة صريحة على استحباب صوم هذه الأيام، وإذا ثبتت السنة فلا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها".

 

ومن أعظم الصد عن الخير: أن يتباهى بعض الناس بعدم الصيام، وربما زكى نفسه لعدم الأخذ بالسنة، وهذا من الجهل وقلة التوفيق؛ فإن كان المبالغون بلوم من ترك صيام الست دون صد عنها قد أخطئوا فمن صد عن الخير لا يقل عنهم خطأ..

 

أقول للجميع: من أراد السنة فليصم.. ومن لم يرد فلا تثريب عليه.. ودعوا عنكم القيل والقال والجدل الذي لا داعي له.. والسنة واضحة ورأي علمائنا الموثقين واضح.. أسأل الله بمنّه وكرمه أن يوفقنا لكل خير ويجعلنا هداة مهتدين..

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها الإخوة: سأشير باختصار لبعض الأحكام التي أشار إليها شيخنا محمد العثيمين -رحمه الله- حول صيام الست: "منها أن الأفضل أن تُصام الست بعد يوم العيد مباشرة؛ لما في ذلك من السبق إلى الخيرات، والأفضل أن تكون متتابعة؛ لأن ذلك أسهل غالبًا؛ ولأن فيه سبقًا لفعل هذا الأمر المشروع.

 

ويُسن أن يصومها في اليوم الثاني من شوال ويتابعها حتى تنتهي.. ويجوز تأخيرها عن أول الشهر لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: "ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ"، والمبادرة وتتابعها أفضل من التأخير والتفريق، لما فيه من الإسراع إلى فعل الخير.

 

والسُّنة أن يصومها بعد انتهاء قضاء رمضان لا قبله، فلو كان عليه قضاء، ثم صام الست قبل القضاء فإنه لا يحصل على ثوابها.

 

ولو لم يتمكن من صيام الست في شوال لعذر كمرض، فإنه يقضيها بعده، ويكتب له أجرها إن شاء الله.

 

وصيام الست عملٌ صالحٌ ينبغي لمن صامه سنة أن يداومَ عليه ويثبتَه، ويدعَ عنه هذه الأقوال المثبطة للعزائم؛ قالت عائشة -رضي الله عنها-: "إنَّ أحبَّ العملِ إلى الله أدومُهُ وإن قلَّ، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا عمل عملاً أثبته" (رواه أبو داود وهو صحيح.. وروى بعضه مسلم)".

 

أيها الأحبة: بدأ بعض الناس يتناقل رأيًا للإمام مالك -رحمه الله- وهو: إن صيام الست مكروه، وحرصًا على إيضاح ما نُقل عن الإمام -رحمه الله- أسوق لكم ما قاله أحد علماء المالكية، قال ابن رشد -رحمه الله- في كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد: "وأما الست من شوال، فإنه ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان، ثم أتبعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر"، إلا أن مالكًا كره ذلك، ولعله لم يبلغه الحديث، أو لم يصح عنده".اهـ.

 

ولقد نقل ابنُ قدامة -رحمه الله- عدمَ بلوغه الحديث، فقد روى عن مالك قوله: "وَلَمْ يَبْلُغْنِي ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ"، يعني صيام الست.

 

أقول: وهذا هو الظاهر والأليق بإمام دارِ الهجرة الإمامِ مالكٍ -رحمه الله-، فقد اشتهر عنه قوله: "كلٌّ يؤخَذُ مِن كلامه ويُرَدُّ، إلا صاحب هذا القبر"، ويشير إلى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-. فهل يمكن أن يردّ حديثًا صحيحًا؟! لا يمكن! أسأل الله أن يوفقنا جميعًا للصواب، وأن يعيذنا من مُضِلاَّت الفتن.

 

وبعد أيها الأحبة أيها المؤمنون بالله ورسله: بعد فرحنا بأيام العيد يفرح كثير منا بزواج أبنائهم وهذا من الفرح المباح ولله الحمد، لكن لا يكن فرحنا سبباً بأذى المؤمنين يقول الله –تعالى- محذرا من ذلك: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب:58]، قال الشيخ السعدي: أذية المؤمنين عظيمة، وإثمها عظيم، ولهذا قال فيها ربنا: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) أي: بغير جناية منهم موجبة للأذى (فَقَدِ احْتَمَلُوا) على ظهورهم (بُهْتَانًا) حيث آذوهم بغير سبب (وَإِثْمًا مُبِينًا) حيث تعدوا عليهم، وانتهكوا حرمة أمر اللّه باحترامها..

 

ومن أعظم الأذى: ما يقوم به بعض الشباب هذه الأيام من إغلاق للطرق في مواكب الأعراس، وما يمارسونه خلال هذا الإغلاق من تفحيط بأنواعه، وإصدار أصوت رمي من السيارات يشبه دوي القنابل، وربما نزلوا من سيارتهم وعملوا بعض الحركات غير اللائقة فيسدون الطرق ويعطلون الحركة يؤذون المؤمنين بذلك وأفعالهم تنافي العقل والمروءة وربما أنهم من غير أهل العرس..

 

وحتى نقضي على هذه الظاهرة أدعو كل من عنده زواج أن يجتمع أهلُ العروسين في مكان الحفل جميعاً، ويدعى الناس من أهل العريس أو العروس إلى مكان الحفل، وبهذا نفوت على العابثين فرصة العبث ونكون سبباً بمنع أذى المؤمنين.. وعلى الجهات المسئولة عقوبة كل من تعدى على حرمات الناس وآذاهم..

 

وصلوا على نبيكم...

 

 

المرفقات

القول الفصل في صيام الست من شوال وما يثار حولها.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات