عناصر الخطبة
1/ الثبات على الطَّاعات بعد رمضان 2/ وصية نبوية عظيمة 3/ فضل صيام الست من شوال.اقتباس
يا من كنتَ إلى الخير ساعيًا.. وعن الشرِّ نائيًا.. وعلى الفقير حانيًا.. وللقرآن تاليًا.. ومن المساجِد دانيًا.. وفي الليل قائمًا وداعيًا.. مُصلِّيًا وخاشعًا وباكيًا: لا تعُد بعد رمضان عاصيًا.. وعلى العباد عاديًا.. وعن الفريضة ساهيًا. وبئس العبد من يعبُد ربَّه في رمضان، ثم إذا خرجَ استثقلَ بالعبادة، وتسربلَ بالنُّقصان بعد الزيادة، وأطاعَ الشياطين والمرادَة.. يا عبد الله! لا تكُن ممن رجعَ على قفاه.. وخالفَ جهةَ ممشاه.. ونقضَ ما أحكمَت يداه.. وهدمَ ما شيَّده وبناه..
الخطبة الأولى:
الحمد لله بارِئ النَّسَم، ومُحيِي الرِّمَم، ومُجزِل القِسَم، أحمدُه حمدًا يُوافِي ما تزايَدَ من النِّعَم، وأشكرُه على أولَى من الفضل والكرَم، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له شهادةً تعصِمُ من الزَّيغ وتدفعُ النِّقَم، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوثُ رحمةً للعالمين من عُربٍ وعجَم، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه صلاةً تبقَى، وسلامًا يَترَى.
أما بعد، فيا أيها المسلمون: اتَّقوا الله فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
الدنيا متاعٌ يذهب، ومالٌ يُنهَب، ودارٌ تخرَب، وروحٌ تُسلَب، فطُوبَى لمن شدَّ مطيَّته بأكوار الرِّحال، وأدركَ فُسحةَ العمر قبل الارتِحال.
ما زالَ يلهَجُ بالرَّحيلِ وذِكرِه *** حتى أناخَ ببابِه الجمَّالُ
فأصابَه مُستيقظًا مُتشمِّرًا *** ذا أُهبةٍ لم تُلهِهِ الآمالُ
فيا من نسِي المآل ولجَّ في الضلال:
أدرِك حياتَك فالبقاءُ قصيرُ *** والموتُ يهجُمُ بغتةً ويُغيرُ
ولئن مضيتَ لتنزِلنَّ بحُفرةٍ *** وليسألنَّك مُنكرٌ ونكيرُ
ولتبكينَّ على الفواتِ بحُرقةٍ *** إن الحسابَ على العُصاة عسيرُ
فالمُذنِبون إلى الشقاء مصيرُهم *** من قصَّروا أخزاهم التقصيرُ
يا من أمسكَ عن المُفطِّرات في رمضان وراقبَ المعبودَا.. يا من قطَّع الليل تسبيحًا وتلاوةً وركوعًا وسجودًا.. يا من بذل المال تعبُّدًا وإحسانًا وكرمًا وجُودًا.. يا من جاهدَ النفسَ وصانَها عن الحَدور والهَبوطِ وعلا بها نُجودًا: لا تكُن ممن عملَ صالحًا ثم انقطع.. لا تكُن ممن أعطَى قليلاً ثم أكدَى وامتنَع.. لا تكُن ممن هجَر الذنبَ ثم رجَع.
يا من كنتَ إلى الخير ساعيًا.. وعن الشرِّ نائيًا.. وعلى الفقير حانيًا.. وللقرآن تاليًا.. ومن المساجِد دانيًا.. وفي الليل قائمًا وداعيًا.. مُصلِّيًا وخاشعًا وباكيًا: لا تعُد بعد رمضان عاصيًا.. وعلى العباد عاديًا.. وعن الفريضة ساهيًا.
وبئس العبد من يعبُد ربَّه في رمضان، ثم إذا خرجَ استثقلَ بالعبادة، وتسربلَ بالنُّقصان بعد الزيادة، وأطاعَ الشياطين والمرادَة.
يا عبد الله! لا تكُن ممن رجعَ على قفاه.. وخالفَ جهةَ ممشاه.. ونقضَ ما أحكمَت يداه.. وهدمَ ما شيَّده وبناه.
يا عبد الله! العزيمةَ العزيمةَ، والثباتَ الثبات؛ فمن رُزِق الصريمة والعزيمة أمَّته الخيراتُ والبركات، ومن مُنِح الثبات نحَته الفتوحُ والهِبات؛ لأن العزيمة تأمرُ بالأنفع، والثباتَ يحمِلُ على الأرفَع.
قال شدَّادُ بن أوسٍ - رضي الله عنه -: قال لي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا شدَّاد بن أوس! إذا رأيتَ الناسَ قد اكتنَزوا الذهب والفضَّة، فاكنِز هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألُك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرُّشد، وأسألُك مُوجِبات رحمتك، وعزائِم مغفرتِك، وأسألُك شُكر نعمتِك، وحُسن عبادتِك، وأسألُك قلبًا سليمًا، ولسانًا صادقًا، وأسألُك من خير ما تعلَم، وأعوذُ بك من شرِّ ما تعلم، وأستغفِرُك لما تعلَم، إنك أنت علاَّم الغيوب" (أخرجه أحمد والطبراني، واللفظُ له).
فامضِ بالثبات والعزيمة على حالتِك الجميلة، وطريقتِك المُستقيمة، وليكُن عملُك دِيمة؛ فعن علقمة قال: سألتُ أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: قلتُ: يا أم المؤمنين! كيف كان عملُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ هل كان يخُصُّ شيئًا من الأيام؟! قالت: "لا، كان عملُه دِيمة، وأيُّكم يستطيعُ ما كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يستطيعُ؟!" (متفق عليه).
وإن أحبَّ العمل إلى الله تعالى أدوَمُه وإن قلَّ، والقليلُ الدائم ينمُو ويزكُو ويربُو، والكثيرُ الشاقُّ يُورِثُ السآمةَ والملال، والانقِطاع وترك الوِصال.
اللهم ارزُقنا الاستِقامة على الطاعات، والمُسارعةَ إلى الخيرات، والثبات على الحقِّ حتى الممات، يا سميعُ يا رحيمُ يا كريمُ يا مُجيبَ الدعوات.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي شرَّفَنا بالكتاب والسنَّة، وجعلَنا من خير أمَّة، أحمدُه على نعمه الجمَّة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تكون لمن اعتصمَ بها خيرَ عصمة، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنَا محمدًا عبدُه ورسولُه أرسلَه ربُّه للعالمين رحمة، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه صلاةً وسلامًا دائمَين مُمتدَّين مُتلازمَين إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وراقِبوه، وأطيعُوه ولا تعصُوه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].
أيها المسلمون:
صيامُ الستِّ من شوال سُنَّةٌ ثابتةٌ في أصحِّ الأقوال، دلَّ عليها الدليلُ الذي قرَّر أهلُ الجلالة في الرواية اعتمادَه، وصحَّحوا إسنادَه؛ فعن أبي أيوب الأنصاريِّ - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صامَ رمضانَ ثم أتبعَه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر" (أخرجه مسلم).
وعن ثوبان - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من صامَ ستَّة أيامٍ بعد الفِطر كان تمام السنة، من جاء بالحسنة فله عشرُ أمثالها" (أخرجه أحمد وابن ماجه).
وفي صيام الستِّ من شوالِ *** فضيلةٌ عند أُولِي الإجلالِ
وصيامُها عقيبَ العيد من المُسارَعة إلى الخير، والمُبادَرة إلى العبادة.
وتحصُلُ فضيلتُها بصومها مُتتابعةً أو مُتفرِّقة، في أول الشهر أو آخره، ولا يصحُّ صيامُها بنيَّة التشريك بينها وبين قضاء الفائِت من رمضان؛ فمن فعلَ ذلك لم يسقُط بها القضاء.
ويحرُم اتخاذُ ثامن شوالٍ عيدًا، يُصنَعُ فيه طعامٌ كطعام العيد، ويُهنَّأُ فيه بتهنئة العيد، ويُسمِّيه بعضُ العوام عيد الأبرار، ويقولُ من أكملَ صيامَ الستِّ: هذا عيدي! فمن فعلَ شيئًا من ذلك فقد ابتدعَ في الدين، وخالفَ نهجَ السلَف الصالحين.
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "وأما ثامنُ شوال فليس عيدًا، لا للأبرار ولا للفُجَّار، ولا يجوزُ لأحدٍ أن يعتقِده عيدًا، ولا يُحدِث فيه شيئًا من شعائر الأعياد".
وصلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا وسيِّدنا محمدٍ بشير الرحمةِ والثواب، ونذيرِ السَّطوة والعقاب، الشَّافِع المُشفَّع يوم الحساب، وارضَ اللهم عن جميع الآلِ والأصحاب، وعنَّا معهم يا كريمُ يا وهَّاب.
اللهم أعزَّ الإسلام وانصُر المُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداء الدين، وانصُر جنودَنا المُرابطين على القوم المُعتدين يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تُحبُّ وترضَى، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ونائِبَيه لما فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين يا رب العالمين.
اللهم مُنَّ على جميع أوطان المُسلمين بالأمن والرخاء والاستِقرار يا رب العالمين.
اللهم ارفع عنَّا وعن بلاد المُسلمين الفتنَ والشُّرور، والمِحَن والحروب والنِّزاعات والصِّراعات يا رب العالمين.
اللهم اشفِ مرضانا، وارحَم موتانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وانصُرنا على من عادانا يا رب العالمين.
اللهم اجعل دعاءَنا مسموعًا، ونداءَنا مرفوعًا يا سميعُ يا قريبُ يا مُجيبُ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم