بمناسبة قرب موسم الحج إلى بيت الله العتيق

صالح بن فوزان الفوزان

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/الحج موسم التجارة الرابحة مع الله 2/أهمية الحج وفضله 3/منافع الحج الدينية والدنيوية

اقتباس

من منافع الحج: تذكّر الموقف والحشر يوم القيامة، والعظة والاعتبار، فإن المسلم إذا رأى اجتماع الناس، وتزاحمهم في المشاعر المقدسة، على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، واختلاف طبقاتهم وأحوالهم: الركبان والمشاة، والصغار والكبار، والأقوياء والضعفاء، فإنه يتذكر المحشر الذي يجتمع فيه الأولون والآخرون على اختلاف أعمالهم وأحوالهم، ولهذا ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي شرع لعباده حجّ بيته الحرام، وجعله مطهِّراً لنفوسهم من الذنوب والآثام. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل مَن صلّى وصام، ووقف بالمشاعر وطاف بالبيت الحرام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البرَرة الكِرام، وسلّم تسليماً طيباً مباركاً على الدوام.

 

أما بعد:

 

أيّها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واشكروه، إذ شرع لكم حجّ بيته الذي جعله مثابة للناس وأمناً.

 

عباد الله: يستقبل المسلمون في هذه الأيام موسماً عظيماً من مواسم الدار الآخرة، يتاجرون فيه التجارة الرابحة بالأعمال الصالحة، ألا وهو: موسم الحج إلى بيت الله العتيق، والوقوف بالمشاعر المقدسة، وهو موسم يتكرر كل عام.

 

والحج فيه فريضة على أهل الإسلام، قال تعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97].

 

وقد جعل الله للمسلمين مواسم للخير، منها ما يتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، وهو الصلوات الخمس، ومنها ما يتكرر في كل أسبوع وهو صلاة الجمعة، ومنها ما يتكرر كل عام، وهو صوم رمضان، وحجّ بيت الله الحرام.

 

وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن هذه المواسم المباركة يكفّر الله بها الخطايا ما دون الكبائر، قال صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفّارة لما بينهنّ إذا اجتنبت الكبائر".

 

وقال عليه الصلاة والسلام: "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة".

 

وقال الله -تعالى-: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران: 97].

 

بيّنت هذه الآية الكريمة: أن حجّ البيت فريضة على المستطيع، وهو مَن يجد ما يبلغه من الزاد والمركوب المناسب لمثله بعد تأمين نفقة مَن تلزمه نفقتهم إلى أن يرجع.

 

وقد بيّنت سنّة النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن فريضة الحج مرة واحدة في العمر، وما زاد على ذلك فهو تطوّع، وهذه رحمة الله بعباده، فلو أوجبه عليهم كل عام لما استطاعوا.

 

وقال تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) [الحج: 27 - 28].

 

داعياً الناس إلى الحج، ومبيّناً لهم حكمته، وهي شهود المنافع العظيمة، ولم يحدّد تلك المنافع لكثرتها، ولتفاوت الناس في الحصول عليها، وهي منافع دينية ودنيوية، منها: مغفرة الذنوب، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أتى هذا البيت، فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه".

 

ومنها: استكمال أركان الإسلام؛ لأن الإسلام بني على خمسة أركان: شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام.

 

ولما كان الحج شاقاً لاحتياجه إلى النفقة، واحتياجه إلى قوة البدن، واحتياجه إلى السفر مسافات بعيدة ومن: (مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحـج: 27].

 

لما كان كذلك تأخرت فريضته في الإسلام إلى السنة التاسعة من الهجرة، وجعل فرضه مرة واحدة في العمر.

 

ومن منافع الحج: إظهار قوة الإسلام، وكثرة المسلمين، ووحدتهم، وتآلفهم وتعارفهم.

 

ومنها: تعلّم أحكام الدين، وتدارس مشاكل المسلمين، فإنهم إذا اجتمعوا من أقطار الأرض، وفيهم العلماء والقادة والساسة، تعلم جاهلهم من عالمِهم، وانتفعوا بخبرات قادتهم وساستهم في حلِّ مشاكلهم.

 

ومنها: تعلّم العقيدة، وتطبيقها عملياً وإعلانها بالتلبية: "لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لك، لا شريك لك لبيك".

 

ومنها: إزالة الفوارق بين المسلمين، وبيان أنهم أمة واحدة لا فضل لعربيِّهم على عجميِّهم ولا لأبيضهم على أسودهم ولا لغنيِّهم على فقيرهم، حينما يحرمون بنسك واحد في زيٍّ واحد، ويتجهون إلى بيت واحد، ويسيرون وينزلون في المشاعر في وقت واحد.

 

ومنها: استفادتهم مادّياً واقتصادياً في البيع والشراء، والتأجير في موسم الحج، قال تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ) [البقرة: 198].

 

ومنها: تربية النفوس على تحمّل المشاق في سفر الحج وتنقلاته، وتربيتها على البذل والإنفاق؛ لأن الحج يجمع بين العبادة البدنية والمالية.

 

وتربية النفوس على التواضع والشفقة والرحمة بالضعفة والمساكين في مواطن الزحام، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما دفع من عرَفَة: "أيها الناس: السَّكِينة السكينة".

 

وكان يأخذ بزمام ناقته ليمنعها من السرعة في مواطن الزحام، حتى لا يشقّ على الناس، وإذا وجد متسعاً أسرع السير.

 

فعل صلى الله عليه وسلم ذلك من أجل الرفق بالناس.

 

ومن منافع الحج: إعلان ذكر الله عند ذبح الهدي، والتقرّب إليه بذلك النسك، والتوسعة على النفس، وعلى المسلمين بالأكل من لحمه، قال تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [الحـج: 27].

 

وقال تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) [الحج: 36 - 37].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "أيام التشريق أيام أكل وشرب، وذكر لله -عزّ وجلّ-".

 

ومن منافع الحج: إحياء ملّة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، والاقتداء بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، بإقامة المناسك على هدي هذين الخليلين -عليهما السلام- كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خذوا عنّي مناسككم".

 

وفيه: مخالفة لدين الجاهلية والمشركين.

 

ومن منافع الحج: تهذيب الأخلاق، بالتزام الأفعال والأقوال الحميدة المفيدة، وهجر الأفعال والأقوال الذميمة، كما قال تعالى: (فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ) [البقرة: 197].

 

ومن منافع الحج: تعويد المسلم على التواضع والبساطة في الملبس والمأكل، وتجنيبه عيش الترفه والتنعّم، ولذلك منع المحرم من مباحات كان يتمتع بها في غير حالة الإحرام، كالاستمتاع بين الزوجين، ولبس المخيط، وتغطية الرأس للذكر، والتطيّب، وحلق الشعر، وتقليم الأظافر، والاصطياد.

 

ومن منافع الحج الكبرى: زيارة المسجد الحرام، ورؤية البيت العتيق الذي هو أول بيت وضع للناس، والتشرّف بالطواف به، امتثالاً لقوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحـج: 29].

 

وكذلك الصلاة بالمسجد الحرام الذي تعدل الصلاة الواحدة فيه مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد، والذي أفضل المساجد الثلاثة التي تشدّ إليها الرحال، ولا تشدّ إلى غيرها، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى".

 

وفي رواية: "لا تشدوا" بصيغة النهي.

 

ومن منافع الحج: تذكّر الموقف والحشر يوم القيامة، والعظة والاعتبار، فإن المسلم إذا رأى اجتماع الناس وتزاحمهم في المشاعر المقدسة على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، واختلاف طبقاتهم وأحوالهم: الركبان والمشاة، والصغار والكبار، والأقوياء والضعفاء، فإنه يتذكر المحشر الذي يجتمع فيه الأولون والآخرون على اختلاف أعمالهم وأحوالهم، ولهذا ختم الله آيات الحج من سورة البقرة بقوله: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [البقرة: 203].

 

هذا، وليس بوسعي أن أُحيط بمنافع الحج، ولكني ذكرت ما يحضرني منها على ضوء ما أحفظه من الأدلة، وهو أقل من القليل.

 

وأسأل الله -عزّ وجلّ- أن يتقبل منّا، ومن المسلمين حجنا، وسائر أعمالنا، إنه سميع مجيب.

 

وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ...

 

 

 

المرفقات

قرب موسم الحج إلى بيت الله العتيق

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات