حاجتنا إلى القدوة الحسنة

محمد بن عدنان السمان

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ أثر القدوة على الولد 2/ فضل القدوة الحسنة وآثارها 3/ من أمثلة القدوة السيئة 4/ مقومات القدوة الحسنة 5/ أهمية موافقة العمل القول 6/ القدوة الحسنة مجال رحب واسع 7/ وجوب تعليم الأبناء الفرق بين القدوة الحسنة والسيئة.

اقتباس

كيف يكون قدوة حسنة ذلك الأب الذي يدخن بين أبنائه؟! وكيف يكون قدوة حسنة ذلك الأب الذي يكذب أو يشتم أو ينظر إلى الحرام أمام أبنائه؟! وكيف يكون قدوة حسنة ذلك المعلم الذي يقصر في أداء واجباته مع تلاميذه؟! وكيف يكون قدوة حسنة ذلك الرئيس الذي يتأخر في الحضور إلى العمل أو يقصر في واجبات عمله لمرؤوسيه؟! إذن هذا الأمر الأول المطلوب من المسلم، وهو أنه ينبغي عليه أن يتصف بفعل المعروف وترك المنكر من الأقوال والأفعال في نفسه ابتداءً، ومن ثَم فإنه سيظهر بمظهر القدوة الحسنة لمن هم دونه سنّاً أو وظيفة...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

                                     

الحمد لله وعد المتقين بجنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، أعلى شأن من اتقاه؛ وأجزل لهم المثوبة والأجر، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله ومن تبع ملتهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين وبعد..

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

عباد الله: أوصى أحد السلف معلم ولده قائلاً: "لتكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت".

 

لقد بيّن الوالد لذلك المعلم أثر القدوة على الولد، والقدوة كما تعلمون -يا رعاكم الله-، إما إن تكون قدوة حسنة، كما قال ربنا جل جلاله: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) [الممتحنة: 4]، وكما قال عن نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21].

 

فهو -صلى الله عليه وسلم- أعظم القدوات، ومن هنا قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية والتي في سورة الأحزاب: "هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة أَصْل كَبِير فِي التَّأَسِّي بِرَسُولِ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- فِي أَقْوَاله وَأَفْعَاله وَأَحْوَاله، وَلِهَذَا أَمَرَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- النَّاس بِالتَّأَسِّي بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْم الْأَحْزَاب فِي صَبْره وَمُصَابَرَته وَمُرَابَطَته وَمُجَاهَدَته وَانْتِظَاره الْفَرَج مِنْ رَبّه -عَزَّ وَجَلَّ- صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْم الدِّين، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى لِلَّذِينَ تَقَلَّقُوا وَتَضَجَّرُوا وَتَزَلْزَلُوا وَاضْطَرَبُوا فِي أَمْرهمْ يَوْم الْأَحْزَاب (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُول اللَّه أُسْوَة حَسَنَة)، أَيْ هَلَّا اِقْتَدَيْتُمْ بِهِ وَتَأَسَّيْتُمْ بِشَمَائِلِهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّه وَالْيَوْم الْآخِر وَذَكَرَ اللَّه كَثِيرًا).

 

وكما هناك قدوة حسنة فهناك في المقابل قدوة سيئة و لهذا قال العلامة الشيخ الشنقيطي -رحمه الله-: في قوله تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) [الممتحنة: 4] والأسوة كالقدوة، وهي اتباع الغير على الحالة التي يكون عليها حسنة أو قبيحة.

 

ومن أمثلة القدوة السيئة التي ذكرها الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم، فرعون -عليه من الله ما يستحق-، ولهذا قال عنه رب العزة والجلال: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) أَيْ: اِسْتَخَفَّ عُقُولهمْ فَدَعَاهُمْ إِلَى الضَّلَالَة فَاسْتَجَابُوا لَهُ، فكان قدوتهم السيئة وطريقهم إلى نار جهنم، والعياذ بالله.

 

ومع تعدد القدوات وخاصة في عصرنا هذا، وحاجة الناس إلى الفعل أكثر من القول؛ لأن مستويات فهم الكلام عند الناس تتفاوت: ولكن الجميع يتساوى أمام الرؤية بالعين المجردة لمثال حي، ولهذا لما اتَّخَذَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ اتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَنَبَذَهُ وَقَالَ: إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا" فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. (رواه البخاري ومسلم).

 

فالمسلم أمام القدوات مطالب بأمرين؛ الأمر الأول، أن يكون هو نفسه قدوة حسنة لغيره، فالأب مع أبنائه، والمعلم مع طلابه، والمدير مع مرءوسيه ومراجعيه إلى غير ذلك.

 

 ومقومات القدوة الحسنة خمسة أمور:

الأول: الإخلاص: وهو أن يقصد المسلم بأقواله وأفعاله التقرب إلى الله، والتوصل إلى دار كرامته، وهذا مقوم عظيم من مقومات القدوة الحسنة إن لم يكن هو أساسها ولبها، وجميع المقومات التي تليه مبنية عليه.

 

والثاني: العمل الصالح وفق منهج الاتباع: فلا يكون قدوة حسنة من يخالف عمله سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يكون قدوة حسنة من يبتدع في دين الله ما ليس منه، ولا يكون قدوة حسنة من يجاهر بالمعاصي وعمل السوء.

والثالث: موافقة العمل القول: فهما قرينان، ولا يكون قدوة حسنة أبداً من تخالف أفعاله أقواله، وأعماله كلامه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف: 2].

 

والرابع: علو الهمة: فعلو الهمة عامل مساعد في مقومات القدوة الحسنة، والقدوة الحسنة نوع من التميز، ولهذا ينبغي لصاحبها أن يكون صاحب همة عالية وعزيمة متوقدة.

 

أما خامس مقومات القدوة الحسنة فهو التحلي بالأخلاق الحميدة: وخاصة أمهات الأخلاق كالحلم والصبر والصدق، والشجاعة والوفاء، والحكمة والعدل، وغيرها.

 

أيها المسلمون كيف يكون قدوة حسنة ذلك الأب الذي يدخن بين أبنائه؟!

وكيف يكون قدوة حسنة ذلك الأب الذي يكذب أو يشتم أو ينظر إلى الحرام أمام أبنائه؟!

 

وكيف يكون قدوة حسنة ذلك المعلم الذي يقصر في أداء واجباته مع تلاميذه؟!

وكيف يكون قدوة حسنة ذلك الرئيس الذي يتأخر في الحضور إلى العمل أو يقصر في واجبات عمله لمرؤوسيه؟!

 

إذن هذا الأمر الأول المطلوب من المسلم، وهو أنه ينبغي عليه أن يتصف بفعل المعروف وترك المنكر من الأقوال والأفعال في نفسه ابتداءً، ومن ثَم فإنه سيظهر بمظهر القدوة الحسنة لمن هم دونه سنّاً أو وظيفة.

 

أما الأمر الثاني فسأرجئه إن شاء الله إلى الخطبة الثانية.

أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم....

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله القائل (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، له الحمد كله والشكر كله وإليه يرجع الأمر كله علانيته وسره، والصلاة والسلام على الإمام القدوة، الذي علم الناس الخير، فكان خير معلم وموجه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

 

 أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين.

 

أيها المصلون: تحدثت في الخطبة الأولى عن الأمر الأول المطلوب من المسلم أمام القدوات، وهو أن يكون المسلم قدوة في نفسه، أما الأمر الثاني فهو أن يتخير المسلم لنفسه ومن تحت ولايته القدوات الحسنة ويجنبهم القدوات السيئة.

 

دين الإسلام دين القدوات العظام وأعظم قدوة في الإسلام هم الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وفي مقدمتهم نبينا ورسولنا وقدوتنا وأسوتنا  محمد -صلى الله عليه وسلم- ثم أصحابه رضوان الله عليهم ثم من تبعهم بإحسان.

 

القدوة الحسنة معاشر الأكارم لها ضروب متنوعة ومُثلٌ متعددة، فليست القدوة مقصورة على العلماء، أو على طلبة العلم الشرعي، مع أنهم خير القدوات إن هم جمعوا بين العلم والعمل نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحداً.

 

فالقدوة الحسنة ميدان رحب فهناك قدوات حسنة في بذل الخير والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هناك قدوات حسنة في حفظ القرآن الكريم والعمل به، وحفظ السنة الصحيحة والعمل بها، هناك قدوات حسنة في الإصلاح بين الناس، والبذل والإنفاق في سبيل الله، هناك قدوات حسنة في نفع الناس وتعليم الخير، هناك قدوات حسنة  في إتقان العمل وطلب الرزق، هناك قدوات حسنة في التربية والتعليم وحفظ الناشئة، هناك قدوات حسنة في البر والعبادة وفعل الخير. وبالجملة فكلما اجتمع في الإنسان مقومات القدوة الحسنة كان حرياً أن يُقتدى به.

 

ثم يا معاشر الأفاضل، فمع التواصل العالمي الذي أتى نتاجاً للفضائيات والإنترنت وغيرهما من وسائل الاتصال فإنه ظهر للناس قدوات سيئة تأثر بها بعض الناشئة والشباب من البنين والبنات اهتمت بسفاسف الأمور وتعدت إلى رذائل الأخلاق، وتجاوزت حدود الأدب والشرع فيما هو معلوم ومشاهد، وواجبنا -يا رعاكم الله- تحقيقاً لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم6]، تعليم أبنائنا ما بينا من الفرق بين القدوة الحسنة والسيئة، وما وضحنا من مقومات القدوة الحسنة، ثم نصحهم بالتي هي أحسن وتوجيههم، ليكونوا -بإذن الله- بناة خير لدينهم وينفع الله بهم أسرتهم ومجتمعهم ووطنهم.

 

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم أصلح شبابنا ونسائنا وذرياتنا...

 

 

 

المرفقات

إلى القدوة الحسنة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات