بيعة الإمام .. ما لها وما عليها

وليد بن سالم الشعبان

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ رحمة الله للأمة بحفظها بإمام يقودها 2/ اعتناء السلف بأمر الولاية العامة اجتناباً للفتن 3/ منهج أهل السنة في التعامل مع الأئمة 4/ من حقوق الرعية على وليّ أمرهم 5/ من المخالفات في شأن معاملة الحكام   

اقتباس

لقد كان السلف الصالح المهتدون بهَدْي الكتاب والسُّنة يُولُون أمر الولاية العامَّة اهتمامًا خاصًّا، لا سيَّما عند ظهور بوادر الفتن؛ نظرًا لما يترتَّب على الجهل بها أو إغفالها مِن الفساد العريض في الدِّين والعباد والبلاد، فكانوا يُبيِّنون السُّنة في التعامل مع الولاة، ويُحذِّرون من طرائق وتصرُّفات أهل الأهواء والبدع الذين يفسدون وينشطون زمن القلاقل والأحداث، فيبثّون سمومهم وشرورهم عبر الخطابات والفضائيات، باسم النصيحة والإصلاح والمظاهرات السلمية، زعموا!.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مالكُ الملك يؤتي الملك من يشاء وينزعه عمن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.

 

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ورغّب في لزوم الجماعة، وحذر من الفرقة والمنازعة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه، فهو القائل: "من يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني"، وهو القائل: "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية".

 

أمّا بعد عباد الله: فاتقوا الله تعالى في السر والعلانية، وراقبوه -جل وعلا- في الغيب والشهادة مراقبة مَن يعلم أن ربَّه يسمعه ويراه، فهو سبحانه السميع البصير.

 

معاشر المؤمنين: يقول الله -سبحانه وتعالى- في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) [النساء:59]، ألا وإن من رحمة الله -سبحانه وتعالى- بأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- وجود إمام يجتمع عليه المسلمون، يسوسهم بكتاب الله وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وذلك من رحمة الله -سبحانه وتعالى- بعباده، حيث بوجود الإمام تُحفَظ البلادُ، ويُكَفُ الشرُ عن العباد.

 

يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: لقد كان السلف الصالح المهتدون بهَدْي الكتاب والسُّنة يُولُون أمر الولاية العامَّة اهتمامًا خاصًّا، لا سيَّما عند ظهور بوادر الفتن؛ نظرًا لما يترتَّب على الجهل بها أو إغفالها مِن الفساد العريض في الدِّين والعباد والبلاد، فكانوا يُبيِّنون السُّنة في التعامل مع الولاة، ويُحذِّرون من طرائق وتصرُّفات أهل الأهواء والبدع الذين يفسدون وينشطون زمن القلاقل والأحداث، فيبثّون سمومهم وشرورهم عبر الخطابات والفضائيات، باسم النصيحة والإصلاح والمظاهرات السلمية، زعموا!.

 

والعبد المسلم حين يسمع ويطيع للأمير، لا تزلّفاً ولا مداهنة، إنما هي عبادة لله -تعالى- ودِيانة، وامتثالاً لأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وتأسِّيًا بالسلف الصالح في معاملتهم لولاة الأمور.

 

عباد الله: ومن صار إماما للمسلمين، واستتب له الأمر وجب السمع والطاعة له، وحرم الخروج عليه أو عدم اعتقاد إمامته، فليس لأحد أن يبيت وهو قد نزع البيعة, ووجب على جميع المسلمين أن يعتقدوا صحة ولايته، سواء كان قُرشيّاً أو عبداً حبشيّاً، وعلى هذا عمل المسلمون من عهد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومَن بعدَهم.

 

ومن حقوق إمام المسلمين: النصح له، فلا يكون في قلب المسلم غش لولي أمره، بل يحب اجتماع القلوب عليه، ويحرص على تعظيم منصب الولاية والوالي تعظيماً لله -جل وعلا-، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-، وهو حديث حسن: "السلطانُ ظل الله في الأرض, فمن أهانه أهانه الله, ومن أكرمه أكرمه الله"، وقال سهل بن عبدالله التُّستَريُّ: لا يزال الناس بخيرٍ ما عظَّموا السلطان والعلماء، فإن عظَّموا هذين أصْلَح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفوا بهذين أفسدوا دُنياهم وأُخراهم.

 

ومن حق ولي الأمر أن تناصحه وتذكره بالله -عز وجل-، لكن ذلك يكون سرا، لقول الخليل المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه"، وعليه؛ فإن التشهير بالحكام على المنابر وفي المحاضرات والمجالس ليس من هدي السلف الصالح.

 

ومن النصح له: الدعاء له بالصلاح، كما نص على ذلك أهل السنة في كتب بيان معتقد السلف، قال الإمام البربهاري: "إذا رأيت الرجل يدعو للسلطان فاعلم أنه صاحب سُنة إن شاء الله -تعالى-، وإذا رأيته يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى"، وفي الحديث عن رسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم"، أي: تدعون لهم ويدعون لكم.

 

ومن حقوق ولي الأمر إعانته على قتال الخوارج والبغاة، كما ذكر الفقهاء في باب قتال البغاة والخوارج، فيعان باليد واللسان، والإبلاغ عن المفسدين والمخربين، سواء لأمور الدين أو الدنيا.

 

ومن حقوقه أيضاً: أنه لا يجوز الافتيات على الإمام فيما هو من خصائصه، فليس لآحاد الرعية إقامة الحدود أو إعلان الجهاد، بل ذلك للإمام؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-، كما في الحديث الذي أخرجه البخاري: "إنّما الإمام جُنَّة، يُقَاتَل من ورائه، ويُتَّقَى به".

 

ومن حقوق الرعية على ولي أمرهم أن يسوسهم بكتاب الله، وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأن يحكّم فيهم كتاب الله -سبحانه وتعالى-، وأن يعدل في الرعية، فإنه موقوف مسؤول بين يدي الله يوم القيامة، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

اللهم لك الحمد حمداً كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً له وإقراراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله بشيراً ونذيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.

 

أما بعد: عباد الله، ومن المخالفات في هذا الباب، باب معاملة الحكام:

 

أولا: الاستكبار والأنفة من السمع والطاعة لولاة الأمر، وهذا من فعل أهل الجاهلية، فإنهم كانوا يرون السمع والطاعة لأمرائهم مذلة وخَوَرا وجُبْنا، فجاء دين الإسلام بهدم هذا الاعتقاد الجاهلي، فأمرهم الله -سبحانه وتعالى- بالاجتماع على ولاة أمرهم، والسمع والطاعة لهم في المنشط والمكره في غير معصية الله، حتى ولو اختص بالمال من دون الرعية فإنه يسمع له ويطاع بالمعروف.

 

ثانيا: ومن المخالفات أن الرجل لا يبايع إمامه إلا للدنيا، إن أعطاه وفي له بالبيعة، وإن لم يعطه لم يف بالبيعة، وهذا فيه وعيد شديد، وتهديد أكيد. اسمع لما قاله نبي الأمة -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم"، وذكر منهم فقال: "ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها وفي، وإن لم يعطه منها لم يف" متفق عليه.

 

فهذا الرجل بايع الإمام؛ لكنه بايعه للدنيا لا للدين، ولا لطاعة رب العالمين، إن أعطاه من المال وَفي، وإن منعه لم يف! فيكون هذا الرجل -والعياذ بالله!- متبعا لهواه، غير متبع لهداه، ولا طاعة مولاه، بل هو بنى بيعته على الهوى.

 

ثالثا: من المخالفات في باب معاملة الحكام: زعم بعضهم أنه لا سمع ولا طاعة لولي الأمر إن كان له ذنوب ومعاصٍ وظلم، وهذا الزعم باطل، إذ ليس من شرط طاعة الإمام أن يكون معصوما لا يأتي خطيئة أبدا، فصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمعوا للحجاج بن يوسف وأطاعوا، مع ما عند هذا الرجل من ظلم وسفك للدماء، وقال عليٌّ -رضي الله عنه-: "إن الناس لا يُصلحهم إلا إمام بَرٌّ أو فاجر، فإن كان برًّا فللراعي والرعية، وإن كان فاجرًا عبَدَ فيه المؤمن ربَّه، وعمِل فيه الفاجر إلى أجله".

 

رابعا: ومن المخالفات: أنه لا سمع ولا طاعة إلا إذا اتحد المسلمون على خليفة واحد، وهذا كلام باطل، فالناس منذ أزمنة بعيدة من زمن الأئمة الأربعة ومن بعدهم والمسلمون متفرقون كل جهة لها إمام، وكل إمام مسموع له ومطاع بإجماع المسلمين، لم يقل أحد من المسلمين إنه لا تجب الطاعة إلا إذا كان الخليفة واحدا لجميع بلاد الإسلام، ولا يمكن أن يقول أحد بذلك! لأنه لو قيل بهذا ما بقى للمسلمين الآن إمام ولا أمير، ولمات الناس كلهم ميتة جاهلية؛ لأن الإنسان إذا مات وليس له إمام فإنه يموت ميتة جاهلية، يحشر مع أهل الجهل.

 

وآخر هذه المخالفات قول بعضهم: نحن لم نبايع الإمام، فليس كل واحد بايعه. فيقال: هذه شبهة شيطانية باطلة؛ هل الصحابة -رضي الله عنهم- حين بايعوا أبا بكر، هل كل واحد منهم بايع؟ هل بايعت العجوز في بيتها واليافع في سوقه؟ أبدا! المبايعة لأهل الحل والعقد، ومتى بايعوا ثبتت الولاية على كل أهل هذه البلاد، شاء أم أبى، وإنما الواجب البيعة القلبية، الاعتقاد القلبي أن هذا إمامي وولي أمري.

 

اللهم وفقنا لطاعتك، ودلنا على سبيل مرضاتك، واهدنا صراطك المستقيم.

 

اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك، واجعلهم أنصارا لدينك، واجعلهم مفاتيح للخير، مغاليق للشر، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم اجعلهم ولاية رحمة وعدل وهداية يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا واستقرارنا وجماعتنا يا أرحم الراحمين.

 

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا فى ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، و? مبلغ علمنا، و? تسلط علينا من ? يرحمنا.

 

اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار.

 

اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز.

 

اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أعلنّا وما أسررنا، وما أنت أعلمُ به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيءٍ قدير.

 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

المرفقات

بيعة الإمام .. ما لها وما عليها.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات