ذكر الله

عبدالله بن عياش هاشم

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ فضل ذكر الله تعالى 2/ كثرة ذكر الله تعالى دليل على محبته 3/ ضرورة الحرص على الذكر وحث الأهل عليه 4/ التحذير من الغفلة عن ذكر الله تعالى 5/ دلالات الغفلة عن الذكر.

اقتباس

فأكثروا من ذكر الله، فإن ذكر الله حياة، والغفلة عن ذكره موت، ففي الصحيحين، من حديث أَبِي مُوسى الأشعري -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ".

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إنّ الحمد للّه نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ -تعالى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أما بعد: أَيُّهَا النَّاسُ، إن ربكم -جلَّ في علاه- يدعوكم إلى ذكره: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الأحزاب:41-42]؛ فأكثروا ذكره في كلِّ وقت، وفي كلِّ مكان، وفي كلِّ حال.

 

إن الله -تعالى- أثنى على الذاكرين له فقال: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار) [آل عمران:190-191].

 

فأكثروا من ذِكْرِ الله -أيها المسلمون- في كلِّ حال، اذكُروا الله في الصحة، واذكروا الله عند المرض، واذكروا الله في الغنى، واذكروا الله عند الفقر، اذكُروا الله في السلْمِ والأمن، (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [البقرة:239]، واذكروا الله في حال الحرب، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأنفال:45].

 

أيها المؤمنون: إن الله -تعالى- أمركم بذكره، ووعدكم عليه أفضل الجزاء، وهو الثناء في الملأ الأعلى على مَنْ ذكره، فقال -جلَّ وعلا-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة:152].

 

وفي الصحيحين، عن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "يَقُولُ اللهُ -تعالى-: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً".

 

فأكثروا من ذكر الله، فإن ذكر الله حياة، والغفلة عن ذكره موت، ففي الصحيحين، من حديث أَبِي مُوسى الأشعري -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ".

 

أيها المسلمون: أكثروا من ذكر الله -تعالى-؛ فبذكر الله تسبقون غيركم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَان، فَقَالَ: "سِيرُوا، هَذَا جُمْدَانُ، سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ"، قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ" رواه مسلم.

 

يا عبد الله: إذا أصابك غَمٌّ، إذا داهمك هَمٌّ، أو تكالبت عليك الأحزان، وضاقت عليك نفسك، عليك بذكر الله، (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28].

 

"سبحان الله"، "الحمد لله"، "لا إله إلا الله"، "الله أكبر"، "لا حول ولا قوة إلا بالله"... كلمات خفيفات قليلات، لكنها عند الله عظيمة، وفي ميزان الله ثقيلة، وفي الصحيحين، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمنِ: سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ! سبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ!".

 

أخي الحبيب: إن المحبَّ يكثر ذِكر حبيبه، فتراه يذكُرُه في كلِّ حال وفي كلِّ مكان، بل ويتقرَّب إلى حبيبِه بما يحبُّه، ويستجْلِبُ حُبَّه بفِعْلِ ما يُحِب.

 

فإن كنت محبًّا للرحمن فأكثر ذِكْرَه، وإن كنت معظِّمًا لرَبِّ السموات والأرض فبادر لذِكْرِه، وإن كنت مُحِبًّا للقُرْبِ من الله فأكثر ذِكْرَه، وإن كنت طامعًا ببساتين الجنة فجَوِّد غرْسك بذِكْرِ الله تَجْنِ أطيب الثمر، فإن الحبيب -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عن جابر وصححه الألباني.

 

أيها المسلمون: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:21]، فتأسوا بالحبيب -صلى الله عليه وسلم-، فقد ثبت في صحيح مسلم أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ".

 

وفي صحيح مسلم -أيضًا- من حديث سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ. لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ".

 

فكن -يا عبد الله- ذاكرًا لله، واعمر قلبك بذكر الله، واملأ حياتك بذكر الله، و"لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا بِذكر اللَّهِ".

 

واحرص على أن تحثَّ أهلك وولدك بالإكثار من ذكر الله، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ".

 

اللهم أَحْيِ قلوبنا بذكرك، وأحي بيوتنا بذكرك، واجعل آخر أحوالنا على ذكرك، وابعثنا يا ربنا مع الذاكرين.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...

 

 

الخطبة  الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تعالى- وَأَطِيعُوهُ، (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].

 

 

يأمرنا ربنا -جلَّ وعلا- بالإكثار من ذكره، في كل أحوالنا، خاصة عُقَيْبَ الصلاة، فيقول -عز وجل-: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة:10].

 

ويحذرنا -عز وجل- من الغفلة عن ذكره: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ?أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [الحشر:19].

 

بل عَدَّ الله -عز وجل- الغفلة عن ذكره -تعالى- من خصال النفاق والضلال، فقال -جلَّ وعلا-: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء:142]، ويقول -تبارك وتعالى-: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ? إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة:67].

 

فاحذر -يا عبد الله- من الغفلة، من خصال النفاق الضلال، وكن ذاكِرًا لله، شاكرًا لله، وكن مُكْثِرًا لذكر الله، واعمر حياتك وبيتك بذكر الله -تعالى-، فإنَّ الله -تبارك وتعالى- يأمر بالإكثار من ذكره في كل الأحوال، ويحذرك من الغفلة، فيقول: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) [الأعراف:205].

 

حرك قلبك –أخي الحبيب- بذكر الله، فبذكر الله يحيا القلب، وبذكر الله تطمئن  النفس، وبذكر الله تسكن الأفئدة، وبذكر الله تستقيم الحياة، وبذكر الله تُغْفَر الذنوب، وبذكر الله تَعْظُم الأجور، وبذكر الله تَعْلُو الدرجات.

 

اللهم...

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...

 

 

 

المرفقات

الله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات