صحابية تشتكي إلى الله (خولة بنت ثعلبة)

محمد جمعة الحلبوسي

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/أهمية قصة \"خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ الأنصارية الخزرجية\" 2/نبذة تعريفة عن \"خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ الأنصارية الخزرجية\" 3/قصة \"خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ\" وبعض الفوائد المستفادة منها 4/بعض فضائل \"خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ\" 5/كيفية تعامل الزوج مع مشاكل الزوجة

اقتباس

نقف اليوم وإياكم في هذه الدقائق الغالية مع قصة من قصص القران ... هذه القصة اهتزت لها السموات العلا، هذه القصة تحمل في طياتها من العبر والدلالات، ما يجعل المرأة المسلمة ترفع رأسها عاليا، بفخر واعتزاز، لاهتمام الإسلام بها، هذه القصة لسيدة من سيدات المسلمين، هذه السيدة دخلت الإسلام من أوسع أبوابه، وأضاء الإيمان جوانحها، وصقل نفسها، حتى...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

نقف اليوم وإياكم في هذه الدقائق الغالية مع قصة من قصص القران ... هذه القصة اهتزت لها السموات العلا، هذه القصة تحمل في طياتها من العبر والدلالات، ما يجعل المرأة المسلمة ترفع رأسها عاليا، بفخر واعتزاز، لاهتمام الإسلام بها.

 

هذه القصة لسيدة من سيدات المسلمين، هذه السيدة دخلت الإسلام من أوسع أبوابه، وأضاء الإيمان جوانحها، وصقل نفسها، حتى غدت لا ترى شيئا إلا من منظار الإسلام.

 

هذه السيدة هي صحابية من الأنصار، مثال الزوجة الوفية للعشير، محافظة على قيم أسرتها وركائزها، إنها "خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ الأنصارية الخزرجية" والملقبة ب"المجادلة" وَزَوْجِها "أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ"  -رضي الله عنهما-.

 

ولنستمع سوية إلى قصة هذه المرأة التي خلدها الله -تعالى- في قرانه المجيد لتكون درسا وعبرة للرجال والنساء على حد سواء.

 

وقصتها: أن زوجها كان شيخاً كبيراً قد ساء خلقه، قالت: فدخل علي يوماً فراجعته بشيء، فغضب، فقال: أنت عليّ كظهر أمي شبهها بأمه، وإذا شبه الإنسان زوجته بأمه يريد التحريم فقد حرمت عليه زوجته.

 

ولكن بعدما هدأت أعصابه وسكن فؤاده أراد أن يجامعها، فقالت له: لا يا أوس لا تقربني حتى أسال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنها حدود الله: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطلاق: 1].

 

انظروا إلى هذه المرأة التي كان مبدأها في الحياة: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".

 

ها هو أوس بن الصامت زوجها، وأحب الناس إليها، يطلب حقه منها كزوجة، فتقسم أن لا تمكنه من نفسها حتى تستشير معلمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتسأله في هذه القضية؛ لأن الظهار في الجاهلية كان يعني الطلاق، ولا تدري هل أقر الإسلام ما كان ساريا في الجاهلية أم للإسلام حكم آخر؟

 

فذهبت إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، واسمعوا كيف عرضت أمرها بأسلوب يعجز اللسان عن التعبير عنه، فقالت: يا رسول الله إن أوسًا تزوجني وأنا شابة مرغوب في، فَلَمَّا كَبِرْتُ وَمَاتَ أَهْلِي، ظَاهَر مِنِّي! جعلني عليه كأمه، يا رسول الله، وإنَّ لي مِنْهُ صِبْيَةً صِغَارًا، إنْ ضَمَمْتُهُمْ إلَيْهِ ضَاعُوا، وَإنْ ضَمَمْتُهُمْ إليَّ جَاعُوا.

 

فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا خولة مَا أرَاكِ إلاَّ وَقَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ" فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ تَفْعَلْ؛ فَإنِّي وَحِيدَةٌ لَيْسَ لِي أَهْلٌ سِوَاهُ، وراحت تناقش المصطفى - صلى الله عليه وسلم- الحديث وتراجعه القول وتجادله، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لها: "يا خولة مَا أرَاكِ إلاَّ وَقَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ" فراحت، تقول: "اللَّهُمَّ إَلَيْكَ أَشْكُو حَالِي وانفرادي وَفَقْرِي إلَيْهِ".

 

أيها المسلم الكريم: إن المسالة ليست مسالة زوجها إنما هي مسالة أولادها، أولاد إنْ ضَمْتُهُمْ إلَيْهِ ضَاعُوا، وَإنْ ضَمْتُهُمْ إليَّ جَاعُوا، إن ضمتهم إليها جاعوا؛ لأنها لا تقوى على الضرب في مناكب الأرض، وإن ضمتهم إليه ضاعوا؛ لأنه إما أن يتزوج فتسيء زوجته معاملة الأولاد، وإما أن يعيش أعزبًا فيكون الشقاء لذلك شكت أمرها إلى الذي هو أقرب إليها من حبل الوريد.

 

يا من يرى ما في الضمير ويسمع *** أنت المعد لكل ما يتوقع

يا من يرَجَّى للشدائد كلها *** يا من إليه المشتكى والمفزع

مالي سوى فقري إليك وسيلة *** فبالافتقار إليك فقري أدفع

مالي سوى قرعي لبابك حيلة *** ولئن رددت فأي باب أقرع

إن كان لا يرجوك إلا محسن *** فالمذنب العاصي إلى من يرجع

حاشا لجودك أن تقنط عاصيا *** الفضل أجزَلُ والمواهب أوسع

 

فيا ترى ماذا حدث؟

 

بعد توجهت إلى الله: "اللَّهُمَّ إَلَيْكَ أَشْكُو حَالِي وانفرادي وَفَقْرِي إلَيْهِ".

 

وإذا بالأمين جبريل -عليه السلام- يرفرف بأجنحة الرحمة على الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- بقرآن يتلى إلى يوم القيامة، واسمع إلى ما قاله ربنا -جل جلاله-: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [المجادلة: 1].

 

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا خولة، أبشري" قالت: خيرًا، قال: فقرأ عليها: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا) [المجادلة: 1].

 

هذه الآية من سورة المجادلة، وهذه السورة بالذات لم تخل آية من آياتها من لفظ الجلالة، وهو "الله" وإنما ذكر "الله" في كل آية من آياتها؛ لأن هذه الحادثة تتعلق بأقدس قضية، وبأقوى مسألة، وهي: "الحياة الزوجية" فعندما أوشك البيت أن ينهدم ضجت السموات العلا.

 

فأين المسلمون من هذا الدرس العظيم؟ أين الذين يتساهلون في هذا ضياع أسرهم؟ أين هم من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" [رواه مسلم]؟

 

نحن نرى اليوم مع الأسف من الناس من يجري الطلاق على لسانه كما يجري الماء من أعلى الجبل، وبكل سهولة، وإذا أراد أن يحلف على نفسه أو على غيره، قال: علي الطلاق! فإذا انتقضت يمينه؛ وقع في الحرج، وصار يسأل عن الحلول التي تنقذه من هذه المشكلة، وبعضهم يأخذ فيه الشيطان مأخذه عند الغضب، فيطلق زوجته بالثلاث دفعة واحدة.

 

بل بعض من لا يخاف الله حينما يقع نظره على امرأة؛ يغريه الشيطان بها، ويتعلق بها قلبه، وهي متزوجة، فيحاول إفسادها على زوجها؛ ليطلقها زوجها، ومن هذه حالته؛ فإن عليه إثم عظيم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- تبرأ منه، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ -أي: أفسد- امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ" [رواه أبو داود].

 

وبعض النساء أيضًا تطلب من زوجها الطلاق من غير بأس، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ" [رواه ابن ماجة].

 

فواجبنا تقوى الله في أنفسنا، وواجبُنا رعايةُ الحقوق الزوجية، وواجبنا أن نتحلى بالصبر والأناة في الأمور، فعسى أن نوفّق لسلوك الطريق المستقيم.

 

(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [المجادلة: 1 - 4].

 

 

الخطبة الثانية:

 

قالت خولة: "قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مُريه فليعتق رقبة" قالت: فقلت يا رسول الله، ما عنده ما يعتق؟ قال: "فليصم شهرين متتابعين" قالت: فقلت: والله إنه شيخ كبير، ما به من صيام؟ قال: "فليطعم ستين مسكينًا وسقًا من تَمر" قالت: فقلت: يا رسول الله، ما ذاك عنده؟ قالت: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فإنا سنعينه بعَرَقٍ من تمر" قالت: فقلت: يا رسول الله، وأنا سأعينه بعَرَقٍ آخر، قال: "فقد أصبت وأحسَنْت، فاذهبي فتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرًا".

 

قالت: ففعلت.

 

تلكم هي خولة بنت ثعلبة التي أنزل الله -تعالى- فيها قرانا يتلى، وشرع من أجلها جانب هام من جوانب الشريعة الإسلامية التي رفعت من شان المرأة المسلمة، وحافظت على كرامتها أبد الدهر.

 

تلكم هي خولة بنت ثعلبة التي في ذات يوم مرت بعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أيام خلافته، وكان خارجا من المنزل، فاستوقفته طويلا ووعظته، قائلة له: "يا عمر، كنت تدعى عمير، ثم قيل لك عمر، ثم قيل لك: يا أمير المؤمنين، فاتّق الله يا عمر، فإن من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب، وعمر -رضي الله عنه- واقف يسمع كلامها بخشوع، فقيل له: يا أمير المؤمنين، أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف كله؟! فقال عمر: والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت "إلا للصلاة المكتوبة" ثم سألهم: أتدرون من هذه العجوز؟ قالوا: لا، قال رضي الله عنه: هي التي قد سمع الله قولها من فوق سبع سماوات. أفيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟!" رضي الله عنه وأرضاه.

 

فاتق الله -أيها المسلم- خاصة في زوجتك، فإن الشكاوى كثيرة، وإننا مطالبون بالصبر على المرأة، وبالحلم، ومن أراد أن تكون امرأته على الصراط المستقيم فقد أخطأ خطًا مبينًا، فعن أَبي هريرة -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلعٍ، وَإنَّ أعْوَجَ مَا في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فَإنْ ذَهَبتَ تُقيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإنْ تَرَكْتَهُ، لَمْ يَزَلْ أعْوجَ، فَاسْتَوصُوا بالنِّساءِ" [مُتَّفَقٌ عَلَيهِ].

 

ثم قل لي أيها الرجل: إذا أردت المرأة كاملة لا عيب فيها، فالمرأة تريد رجلًا كاملًا لا عيب فيه، فهل يوجد رجل كامل لا عيب فيه؟

 

ثم لماذا لا ننظر في عيوبنا قبل أن ننظر في عيوب غيرنا؟ لماذا لا نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب غيرنا؟

 

أسأل الله أن يردنا إلى الحق، وأن يأخذ بنواصينا إلى العدل، وأن يوفقنا لما فيه رضاه.

 

 

المرفقات

تشتكي إلى الله (خولة بنت ثعلبة)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات