بأخلاقنا نسمو

خالد بن سعد الخشلان

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ أهمية الأخلاق الحسنة 2/ أهمية تهذيب سلوك المسلم وإصلاحه 3/ علامات حسن الخلق 4/ تعريف حُسن الخلق؟ 5/ علامات حسن الخلق 6/ سوء فهم خطير لموضوع حسن الخلق 7/ خطورة الاقتصار على الإتيكيت الغربي فقط 8/ أهم الأسباب التي ينال بها حسن الخلق 9/ من أحق الناس بحسن التخلق معه.

اقتباس

من مظاهر هذا الزمن أن كثيرًا من المجتمعات تعيش أزمة أخلاق؛ فالأخلاق السيئة وجدت لها رواجًا عند كثير من الناس، والأدهى من ذلك والأمَرّ أن تلحظ كثيرًا من أبناء المسلمين يحصر الأخلاق الفاضلة في بعض المظاهر الحسنة الموجودة عند الغرب، فالأخلاق عنده لا تعدو أن تكون الانضباط في المواعيد، والصدق في المعاملة، وإتقان العمل، والحرص على استثمار الوقت، ولا شك أن هذه المظاهر هي من الأخلاق الفاضلة والأفعال الحميدة التي حثّ عليها ديننا الحنيف، لكن ليس معنى ذلك أن تنحصر الأخلاق فيها. إن المؤسف أن تجد بعض أولئك النفر المعجبين بالغرب وحضارته المادية متجرئًا على حدود الله وحرماته، مجاهرًا بمعصية ربه، متكبرًا على عباد الله وخلقه، متهاونا بالفرائض، منغمسًا في المحرمات، ويرى أنه بعد ذلك على خلق حسن....

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله -عز وجل- وراقبوه، وتضرعوا إلى ربكم بسؤاله الثبات على الدين، والاستقامة عليه في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن، وتنوعت أسباب الضلال والإضلال، فنسأل الله -عز وجل- أن يحيينا مسلمين وأن يميتنا مسلمين غير خزايا ولا مفتونين، كما نسأله -سبحانه وتعالى- أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والتسليم له ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه والبعد عنه.

 

أيها الإخوة المسلمون: إن رسالة الإسلام التي جاء بها خاتم أنبياء الله ورسله إمام المرسلين، رسالة شاملة عامة تتناول جميع جوانب الحياة جاءت رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- لتصلح عقائد الناس مما طرأ عليها من الشرك والبدع والخرافات، جاءت رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- لتصلح أعمال الناس بعدما غزتهم الجاهلية في أعمالها ومفهوماتها وأخلاقها.

 

جاءت رسالة محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم- لتهذب أخلاق الناس، وتزكي نفوسهم بالأخلاق الحميدة والصفات الجميلة، وتطهرهم من رذائل الخلاق ودنس الصفات والأفعال.

 

وإن الناظر إلى القرآن الكريم والسنة المشرفة يلحظ ذلك الاهتمام العظيم في آيات القرآن الحكيم وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- يلحظ ذلك الاهتمام العظيم بالجانب الأخلاقي؛ حيث تزخر نصوص القرآن الكريم وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- تزخر بجملة عظيمة من النصوص الدالة على أهمية الأخلاق الحسنة، والحث عليها، وإعلاء مكانتها، والتحذير من أضدادها من الأخلاق السيئة والنهي عنها.

 

يقول الله -عز وجل- في شأن نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]، إن في هذه الآية الكريمة الإشادة بخلق النبي -صلى الله عليه وسلم- تنويها وتمجيدا بالأخلاق في ميزان الله -عز وجل-.

 

وفي آية أخرى يخاطب الله -عز وجل- رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأعراف: 199- 200].

 

وفي ذلك حث للنبي -صلى الله عليه وسلم- وفي الوقت ذاته أمر لأمته بالتحلي بالأخلاق الحسنة جاء في تفسير هذه الآية الكريمة (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) هو أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك.

 

وفي قول الله -عز وجل- (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الفرقان:63]، في هذه الآية الكريمة دعوة قرآنية كريمة إلى تهذيب سلوك المسلم وإصلاحه كالاختيال في المشي، والتكبر على الخلق، والاستطالة في المنطق، والبذاءة في اللسان، والعنف والغلظة في المعاملة جميعها وبائل خلقية وسلوك فردي مذموم صرحت هذه الآية القرآنية بالتحذير منه.

 

وفي هذا كله دعوة بليغة إلى تهذيب الجوارح وترويضها على ترك الأخلاق المذمومة والصفات السيئة.

 

وأما السنة المباركة فهي مليئة كذلك بالتوجيهات النبوية الداعية إلى التخلق بالأخلاق الفاضلة، جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله: "أوصني" قال "اتق الله حيثما كنت"، قال: زدني، قال "أتبع السيئة الحسنة تمحها"، قال: زدني، قال "خالق الناس بخلق حسن".

 

وسئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي المؤمنين أفضل إيمانًا؟ فقال -صلى الله عليه وسلم- "أحسنهم خلقا".

 

وبيّن -صلى الله عليه وسلم- أن الإنسان لا يملك الناس بماله ولا بجاهه، وإنما يملكهم حقيقة وصدقًا بحسن خُلقه وصفاء سريرته وسمو طبعه، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق".

 

لقد بلغ من حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على الأخلاق الحسنة أنه كان أحيانا يستفتح صلاته بسؤال الله حسن الخلق فقد كان مما يقوله -صلى الله عليه وسلم- في دعاء الاستفتاح أحيانا: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَعْمَالِ وَأَحْسَنِ الأَخْلاقِ، فَإِنَّهُ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلا أَنْتَ، وَقِنِي سَيِّءَ الأَعْمَالِ وَسَيِّءَ الأَخْلاقِ، فَإِنَّهُ لا يَقِي سَيِّئَهَا إِلا أَنْتَ".

  

أيها الإخوة في الله: لقد وعى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذه التوجيهات الكريمة وهذه النداءات النبوية بالتخلق بالأخلاق الفاضلة، فطبقوها في حياتهم والتزموها في سلوكهم فتجسدت فيهم معاني الأخلاق الفاضلة، فإذا ذكرت الأخلاق الفاضلة فصحب محمد -صلى الله عليه وسلم- خير من يضرب بهم المثل فيها بعد رسل الله عليهم الصلاة والسلام، بل أصبح أولئك الصحب الأبرار -رضوان الله عليهم- دعاة إلى الأخلاق الحميدة ومعالي الأمور؛ لأنهم -رضي الله عنهم وأرضاهم- إذا سمعوا كلام ربهم وكلام نبيهم -صلى الله عليه وسلم- بادروا إلى التطبيق والعمل بادروا إلى الاستجابة والانقياد كل آية يسمعونها وكل حديث يسمعونه يعلمون يقينًا أنهم مخاطبون به وأنهم مطالبون بتطبيقه وتمثيله.

 

هذا هو الفرق العظيم بين أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- وهم يسمعون كلام ربهم وحديث نبيهم، ومن أتى بعدهم من المسلمين حيث الاستجابة التامة والانقياد المطلق والطاعة التامة عند أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- لأمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

يقول عمر -رضي الله عنه-: "خالطوا الناس بالأخلاق"، ويقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لكل بنيان أساس وأساس الإسلام حسن الخلق".

 

ويقول أنس بن مالك -رضي الله عنه- خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد ليبلغ بحسن خلقه أعلى درجة في الجنة وهو غير عابد، ويبلغ بسوء خلقه أسفل درك في جهنم وهو عابد"، ويقول بعض التابعين: "في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق".

 

إخوة الإسلام: لم تكن دعوة القرآن الكريم ولا دعوة السنة النبوية إلى الأخلاق في دين الإسلام لم تكن هذه الدعوة دعوة مجردة عن العمل أو دعوة قولية فحسب أو دعوة إلى أمور مثالية يصعب على العبد تطبيقها وتنفيذها، بل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأفعاله وسلوكه ومعاملته مع الأعداء والأصدقاء مع الأهل والأقربين، مع المبغضين والشانئين، مع الناس كلهم أجمعين مع الرجال والنساء مع الصغار والكبار، كان -صلى الله عليه وسلم- القدوة والمثل في كل خُلق حسن ووصف حميد، لم يكن -صلى الله عليه وسلم- لم يكن فاحشًا ولا متفحشًا بلفظه وقوله، يقول أنس -رضي الله عنه-: "خدمت النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، والله ما قال لي: أُفّ قط، ولا قال لشيء لِمَ فعلت كذا، وهل فعلت كذا".

 

وعن تواضعه -صلى الله عليه وسلم- تقول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وقد سئلت: ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل في بيته؟ فقالت: "كان -صلى الله عليه وسلم- يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويقوم إلى الصلاة".

 

ولو رجعت أخي المسلم إلى كتاب مثل "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم -رحمه الله- لرأيت نماذج رائعة وأمثلة حية وسيرة عطرة مما كان -صلى الله عليه وسلم- عليه من كمال خُلق، وسمو طبع، وحسن وصف، وذوق رفيع دقيق.

 

يقول ابن القيم -رحمه الله-: "كان -صلى الله عليه وسلم- أفصح خلق الله، وأعذبهم كلامًا، وأسرعهم أداء، وأحلاهم منطقا، حتى إن كلامه ليأخذ بمجامع القلوب ويسبي الأرواح، وكان طويل السكوت لا يتكلم في غير حاجة ولم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابًا. وكان جل ضحكه التبسم، بل كله التبسم " -صلى الله عليه وسلم-.

 

أيها الإخوة المسلمون: ما ارتفع من ارتفع من عباد الله إلا بالإيمان الصادق والخلق الفاضل، وما سما من سما في الدنيا إلا بالإيمان والأخلاق الفاضلة، وما علت درجة من علت درجته في الآخرة إلا بإيمانه وحُسن خلقه.

 

فهل لك أخي المسلم رغبة في هذه المنزلة العلية والمرتبة المنيفة، إن الخلق الفاضل ليس أمراً صعبا وعسيرا لا يمكن الاتصاف به، وإنما يحتاج إلى مجاهدة وصبر وتصبر، وتخلق وتطبع، يقول علي -رضي الله عنه-: "حسن الخلق في ثلاث خصال: اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتوسعة على العيال".

 

وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "حُسن الخلق بسط الوجه وبذل الندى وكف الأذى

وجمع بعضهم علامات حسن الخلق فقال: "هو أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل، قليل الفضول، برا وصولاً، وقورا صبورا، شكورا حليما، رفيقا عفيفا شفيقا، لا لعانا ولا سبابا، ولا نماما ولا مغتابا ولا عجولا، ولا حقودا ولا بخيلا، ولا حسودا، بشّاشًا هشّاشا، يحب في الله ويبغض في الله، ويرضى في الله ويغضب في الله".

 

هذه -أيها الإخوة- في الله جملة يسيرة من علامات حسن الخلق بالتخلق بها وبأمثالها يسمو المرء وينبل، ويعلو قدره وتعلو منزلته، ويكتب له القبول عند الخلق في هذه الدنيا.

 

فعلى المرء أن يتأمل في سلوكه وصفاته وأخلاقه؛ إذ وجود هذه الصفات وغيرها من النعوت الكريمة دليل على حسن الخلق وسمو الطبع وكرم النفس والذوق الرفيع وانعدامها أو بعضها دليل على نقص في الخلق، بل ونقص في الإيمان وخلل في السلوك.

 

العاقل -أيها الإخوة المسلمون- في هذه الدنيا من اشتغل بتحصيل ما فقده من الأخلاق الحسنة، وتطهير نفسه من الأخلاق الدنية والرذائل والقبائح، ومن جاهد نفسه على ذلك وصل إلى مراده بتوفيق الله -عز وجل- وصدق الله -عز وجل- إذ يقول: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69].

 

بارك الله لي ولكن في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي أحصى كل شيء عددًا، ووسع كل شيء رحمة وعلما، أحمده سبحانه على آلائه وأشكره على نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله -عز وجل- في أقوالكم وأفعالكم وسلوكم حتى تنضموا من جملة عباد الله المتقين وأوليائه المفلحين المبشرين في الدنيا بالرفعة وعلو القدر والمكان، وفي الآخرة جنات النعيم والمنازل العلى فيها.

 

أسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من عباده المتقين حقا ومن المؤمنين صدقا إن ربي سميعا قريب.

 

أيها الإخوة في الله: إن من مظاهر هذا الزمن أن كثيرًا من المجتمعات تعيش أزمة أخلاق؛ فالأخلاق السيئة وجدت لها رواجًا عند كثير من الناس، والأدهى من ذلك والأمَرّ أن تلحظ كثيرًا من أبناء المسلمين يحصر الأخلاق الفاضلة في بعض المظاهر الحسنة الموجودة عند الغرب، فالأخلاق عنده لا تعدو أن تكون الانضباط في المواعيد، والصدق في المعاملة، وإتقان العمل، والحرص على استثمار الوقت، ولا شك أن هذه المظاهر هي من الأخلاق الفاضلة والأفعال الحميدة التي حثّ عليها ديننا الحنيف، لكن ليس معنى ذلك أن تنحصر الأخلاق فيها.

 

إن المؤسف أن تجد بعض أولئك النفر المعجبين بالغرب وحضارته المادية متجرئًا على حدود الله وحرماته، مجاهرًا بمعصية ربه، متكبرًا على عباد الله وخلقه، متهاونا بالفرائض، منغمسًا في المحرمات، ويرى أنه بعد ذلك على خلق حسن.

 

إن هذه الأمور غاية السقوط، وإن ادعى من ادعى أن ذلك حرية شخصية وأمور خاصة بالفرد لا علاقة لأحد بها.

 

أيها الإخوة في الله: إن من الغايات النبيلة التي يجب أن يسعى لها المسلم في حياته أن يكون ذا خُلق حسن؛ فإن ذلك من أعز ما ينشده المسلم في هذه الحياة؛ ليكون محبوبا عند الله، وعند عباد الله، وفي الآخرة يُحشر في زمرة المتقين والصادقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

 

وإن من أهم الأسباب التي ينال بها حسن الخلق: سؤال الله -عز وجل- والتوجه إليه والتضرع إليه –سبحانه- بالدعاء الصادق في أن يحسن الله خُلق المرء؛ فهو -سبحانه- وحده مالك القلوب والنفوس، ولهذا كان من دعائه -صلى الله عليه وسلم- " اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي".

 

وتقدم دعاؤه -صلى الله عليه وسلم- في افتتاح الصلوات: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ، فَإِنَّهُ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلا أَنْتَ".

 

إن دعاء الله والتوجه إليه من أعظم الأسباب وأنفعها للظفر بالمطلوب والنجاة من المرهوب.

 

ومن الأسباب الجالبة لحسن الخلق: مجاهدة النفس وحملها على التخلق بالأخلاق الحسنة؛ فيحمل الإنسان نفسه على الحلم والصبر والبشاشة على الدوام والاستمرار؛ حتى تعداد نفسه ذلك، فتكون تلك الأخلاق الحسنة سجية دائمة؛ إذ كثيرا ما تكون الأخلاق تكلفا وتجملا في البداية، ثم تصير طبعا وسجية للنفس في النهاية.

 

وأما مصاحبة الصالحين والأخيار من حملة الأخلاق الفاضلة والخلال الحسنة؛ فالسبب الرئيس في اكتساب الصفات الحميدة والسلوك الحسن، وقديما قيل: "الطبع يسرق من الطبع الشر والخير معًا".

 

إن على المصاحب أن يسأل أصحابه وإخوانه عن نفسه، ويسألهم بيان عيوبه وعليهم النصح في ذلك وتنبيهه على أخطائه بأسلوب حسن.

 

هذا عمر -رضي الله عنه- يقول: "رحم الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي"، وكان يسأل سلمان عن عيوبه، فإذا قدم عليه قال: "ما الذي بلغك عني مما تكرهه؟"

 

ومن الأسباب المعينة على التخلق بالأخلاق الفاضلة: أن يستفيد الإنسان مما يقوله أعداؤه ومبغضوه؛ فإن العدو حريص على إبداء النقائص وإظهار المعايب.

وعينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلةٌ *** وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِيَا

 

وشأن المسلم ألا يغتر بنفسه، بل يقبل الحق وينتفع به وإن خرج من أفواه أعدائه ومبغضيه.

 

ومما يعين على اكتساب الأخلاق الفاضلة: مخالطة الناس؛ ذلك أن المرء بالمخالطة يرى أصنافا من الناس وأنواعًا من الأخلاق؛ فيها الحسن وفيها السيئ، فما كان منها حسنا حاول أن يتأدب ويتخلق به، وما كان منها سيئا تنفر منه الطبائع والنفوس السليمة ابتعد عنه وحذره.

 

قيل لنبي الله عيسى -عليه السلام- وقد سئل: من أدبك؟ فقال عليه السلام: "رأيت جهل الجاهل شينًا فاجتنبته".

 

إن من الأسباب المعينة على التحلي بالأخلاق الحسنة: مطالعة أخبار الصالحين، وقراءة سير النبلاء الفاضلين من أهل الإسلام من العلماء والعُبّاد والزهاد والقادة والمصلحين، ومحاولة التأسي بهم والاقتداء بحسن فعالهم وجميل خصالهم.

 

أيها الإخوة المسلمون: إذا كان من شيء تُختَم به هذه الخطبة عن حسن الأخلاق؛ فإن من أحق الناس بحسن التخلق معه: الوالدين؛ الأب والأم اللذين أمرنا الله -عز وجل- بالإحسان إليهما في غير ما آية من كتاب الله، فاحرص أخي المسلم على التلطف مع والديك، وبذل أقصى المعروف إليهما، ومصاحبتهما بأقصى ما تستطيع من الأخلاق الحسنة بأقوالك وأفعالك وأمورك كلها، بل لو قدر أنهما أساء إليك فقابل ذلك كله بالإحسان.

 

إنهما أحق من تصحبه في هذه الدنيا بالإحسان والمعروف، إنهما أحق من تخالقه بالأخلاق الحسنة والصفات الحميدة؛ لأنهما أبواك؛ لأنهما والداك السبب في وجودك في هذه الحياة الدنيا بعد تقدير الله -عز وجل-.

 

ثم يأتي بعد ذلك زوجتك وأهلك "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، و"استوصوا بالنساء خيرا"، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

إن من الخطأ أن يكون الإنسان خارج بيته وأسرته ذا خلق حسن وذوق رفيع مع أصحابه وجلسائه، ومع الناس الأبعدين عنه تجده ذا خلق حسن معهم وذا ذوق رفيع؛ معهم يصبر على جهلهم، ويعفو عن خطأهم، ويصفح عن خطأهم، ولكنه ما إن يعود إلى بيته مع والديه أو مع زوجته أو مع أولاده إذا هو ينقلب صورة أخرى معاكسة لتلك الصورة التي كان عليها في الخارج!! وهذا والله عين الخطأ، وأخشى أن يكون علامة من علامات النفاق.

 

على المرء أن يكون داخل بيته مع والديه وزوجته وأولاده على أحسن ما يكون من الأخلاق الفاضلة، وبقدر ما تكون كذلك مع أهلك مع والديك وزوجك وأولادك بقدر ما تكون عليه من أخلاق حسنة تصلح أسرتك وتستقيم أمورك.

 

أسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا جميعا للأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة وأن يجعلنا من عباد الله المتقين وأوليائه المفلحين.

 

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال عز من قائل (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا"، اللهم صلّ وسلم وبارك...

 

 

 

 

المرفقات

نسمو

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات