تعظيم سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ السنة النبوية سفينة النجاة 2/ وجوب تعظيم السنة النبوية 3/ حال الصحابة والتابعين والسلف مع السنة النبوية 4/ مظاهر عدم تعظيم السنة 5/ الاستهزاء بالدين كفر 6/ التسليم المطلق والانقياد لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- 7/ تعظيم الأئمة لسُنة خير البرية.

اقتباس

إن التسليم المطلق والانقياد لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- عبادةٌ عظيمة، يُؤجر عليها العبد، وهي من الإيمان الغيب، وقد فقدها البعض ممن أُعجب بعقله، فأخذ يعارض النصوص، ويجادل بلا علم، ويقدم عقله على الوحي، وما علم أن العقل الصحيح لا بد أن يوافق النقل الصحيح، فإن خالفه، فالخلل في العقل؛ لأن النقل وحيٌ من الله. وفي هذا الزمن، زمن الفتن التي يرقِّق بعضها بعضًا، رأينا العجائب والعظائم، رأينا أمورًا لا يسع أحدًا السكوت عنها بحال. فمن ذلك السخريةُ والاستهزاء بالسُّنة النبوية، ومعارضتها بالعقول والآراء والرغبات والعادات...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله....

 

أما بعد فيا أيها الناس: لقد مَنَّ الله على هذه الأمة بأن أرسل لها أفضل رسله، وأنزل عليها أفضل كتبه، وشرع لها أفضل شرائع دينه، وجعلهم خير أمة أُخرجت للناس، فلله الحمد الذي لا ينتهي، وله الشكر الذي لا ينقضي على تلك المنن العظيمة..

 

عباد الله: يقول الله –سبحانه-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21]، فطريقة النبي هي سُنته، وهي الصراط المستقيم الذي به يصل العبد إلى رضوان الله وجنته.

 

فمن هذا المنطلق وجب على كل مسلم أن يعظّم سُنة نبيه، ويسعى جاهدًا في نصرتها وتطبيقها، ونقصد بالسنة طريقةَ النبي -صلى الله عليه وسلم- وهديَه سواء المستحب أو الفرض.

 

معاشر المسلمين: إنَّ الله أرسل رسوله  -صلى الله عليه وسلم-  إلى الناس ليُبيّن لهم ما نُزِّل إليهم، ويُخرِجهم من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط مستقيم، وأوجب عليهم طاعته ومحبته وتعزيره وتوقيره.

 

وقد أخذ بهذا الصحابة -رضي الله عنهم-، وساروا عليه، فكانوا لرسول الله  -صلى الله عليه وسلم-  مُحبِّين طائعين، وكانت سُنته وقوله وهديه مُقدَّمةً عندهم على كلِّ شيء؛ فكلام النبي  -صلى الله عليه وسلم-  هو الأول لا يُقدَّم عليه كلام أحدٍ من البشر كائنًا من كان.

 

كانوا عن السُنة منافحين، ولها حامين، فإذا رأوا أحدًا يعارضها أو يستهزئ بشيءٍ منها – قصدًا أو بغير قصد – وبَّخُوه وقرَّعوه وزجروه، ثم هجروه، لا يكلمونه ولا يساكنونه، وقد يضربونه أو يقتلونه رِدَّةً أو تعزيرًا.

 

وبذلك حموا السُّنة عن كيد الكائدين وعدوان المعتدين. وكانوا بواجب النصيحة لرسول الله  -صلى الله عليه وسلم-  قائمين. ثم جاء بعدهم التابعون فساروا على طريقهم وحذوا حذوهم.

 

حتى إذا بَعُدَ الزمان، وطال بالناس العهد، وضعف الإيمان، وكثر الخبث والنفاق، وقلَّ الورع؛ تجرَّأ كثيرٌ من الناس على القول والكلام، فقال كلٌّ بهواه، وتكلَّم بما لا يرضاه الله ورسوله  -صلى الله عليه وسلم-.

 

وفي هذا الزمن، زمن الفتن التي يرقِّق بعضها بعضًا، رأينا العجائب والعظائم، رأينا أمورًا لا يسع أحدًا السكوت عنها بحال.

 

فمن ذلك السخريةُ والاستهزاء بالسُّنة النبوية، ومعارضتها بالعقول والآراء والرغبات والعادات، كالسخرية والاستهزاء باللحية، ورفعِ الرجل ثوبه فوق الكعبين، وحجاب المرأة، والسواك، والصلاة إلى سترة، وغير ذلك.

 

فتسمع من يصف تلك الأعمال بأوصاف رديئة، أو يتهكَّم بمن التزم بها، فلم يجد هؤلاء ما يملئون به فراغهم إلاَّ الضحك والاستهزاء بمن عمل بالسُّنة وحافظ عليها، فيجعلونه محلاًّ لسخريتهم هازلين لاعبين، فيصدق في مثلهم ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم".

 

ويغفل كثيرٌ من الناس عن أمرٍ خطير، وهو أنَّ الاستهزاء بالدين كفر، سواء كان على سبيل اللعب والهزل والمزاح، أو على سبيل الجد، فهو كفرٌ مُخرِج من الملَّة.

 

قال ابن قدامة: "من سبَّ الله –تعالى- كفر، سواء كان مازحًا أو جادًّا، وكذلك من استهزأ بالله –تعالى-، أو بآياته، أو برسله، أو كتبه". اهـ.

 

عباد الله: إن التسليم المطلق والانقياد لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- عبادة عظيمة، يؤجر عليها العبد، وهي من الإيمان الغيب، وقد فقدها البعض ممن أعجب بعقله، فأخذ يعارض النصوص، ويجادل بلا علم، ويقدم عقله على الوحي، وما علم أن العقل الصحيح لا بد أن يوافق النقل الصحيح، فإن خالفه، فالخلل في العقل؛ لأن النقل وحيٌ من الله.

 

اللهم اجعلنا للسنة معظّمين، ولها متبعين، يا رب العالمين،  أقول قولي هذا...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد فيا أيها المؤمنون: لقد كان سلف الأمة من أشد الناس تعظيمًا لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-  ولعلنا نمر على شيء من خبرهم؛ لنقتفي أثرهم:

 

قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: "لست تاركًا شيئًا كان رسول الله  -صلى الله عليه وسلم-  يعمل به، إلا عملت به، وإني لأخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ".

 

علَّق ابن بطة -رحمه الله- على هذا بقوله: "هذا يا إخواني الصدِّيق الأكبر يتخوَّف على نفسه من الزيغ إن هو خالف شيئًا من أمر نبيه  -صلى الله عليه وسلم-، فماذا عسى أن يكون من زمان أضحى أهله يستهزئون بنبيهم وبأوامره، ويتباهون بمخالفته ويسخرون بسنته"؟!.. نسأل الله عصمة من الزلل، ونجاة من سوء العمل. 

 

وعن أبي قلابة قال: "إذا حدَّثت الرجل بالسُّنة فقال: دعنا من هذا، وهات كتاب الله، فاعلم أنه ضالّ".

 

قال الشافعي:  "أجمع المسلمون على أنَّ من استبانت له سُنة رسول الله  -صلى الله عليه وسلم-  لم يحلّ له أن يدعها لقول أحدٍ".

 

قال الحميدي: "رَوى الشافعي يومًا حديثًا فقلت: أتأخذ به؟ فقال: رأيتني خرجت من كنيسة أو عليَّ زُنّار حتى إذا سمعتُ عن رسول الله حديثًا لا أقول به؟!".

 

وسُئل الشافعي عن مسألة فقال: "رُويَ فيها كذا وكذا عن النبي  -صلى الله عليه وسلم-فقال السائل: يا أبا عبد الله، تقول به؟ فارتعد الشافعي وانتفض، وقال: يا هذا، أيُّ أرضٍ تقلُّني، وأيُّ سماءٍ تظلُّني إذا رويت عن رسول الله  -صلى الله عليه وسلم-  حديثًا فلم أقل به؟ نعم، على السمع والبصر".

 

قال أحمد بن حنبل: "من ردَّ حديث النبي  -صلى الله عليه وسلم-  فهو على شفا هلكة".

قال البربهاري: "وإذا سمعت الرجل يطعن في الآثار أو يريد الآثار، فاتهمه على الإسلام، ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع".

 

وقال أبو القاسم الأصبهاني: "قال أهل السُّنة من السلف: إذا طعن الرجل على الآثار، ينبغي أن يُتهم على الإسلام".

 

قال محمد بن يحيى الذهلي: "سمعت يحيى بن يحيى -يعني أبا زكريا التميمي النيسابوري- يقول: الذّبُّ عن السُّنة أفضل من الجهاد في سبيل الله".

 

قال أبو عبيدٍ القاسم بن سلام: "المتَّبِع لِلسُّنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من الضرب بالسيوف في سبيل الله".

 

قال الحميدي: "والله لأن أغزو هؤلاء الذين يردُّون حديث رسول الله  -صلى الله عليه وسلم-  أحبّ إليّ من أغزو عدَّتهم من الأتراك". وكان الأتراك في زمنهم كفارًا.

 

قال مالك بن أنس: "السُّنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق".

 

عباد الله: إن السُّنة لا تُضرب لها الأمثال، ولا تُوزن بالعقول، ولا مجال لها إلا التسليم لأنها وحي من الله، جاء رجل من أهل اليمن فسمع ابن عباس يقول: "من السنة تقبيل الحجر الأسود"، فقال" يا ابن عباس! أرأيت إن زُحمت؟ أرأيت إن غُلبت؟"

فقال ابن عباس: "دع أرأيت في اليمن". يعني عليك الاستجابة ولا تفرض الاحتمالات لرد السنة.

 

اللهم اجعلنا من أهل السنة الذين بها يقولون... اللهم آت نفوسنا تقواها... اللهم اغفر للمسلمين....

 

 

 

المرفقات

تعظيم سنة النبي صلى الله عليه وسلم.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات