حقوق ولي الأمر

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ الإسلام دينٌ كامل من جميع الوجوه 2/ على المحكومين تجاه الحاكم حقوق عظيمة 3/ قاعدة: لا دين إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمام ولا إمام إلا بسمع وطاعة 4/ جِماع حقوق ولاة الأمر على الرعية 5/ البيعة وأحكامها 6/ وجوب الحذر من الخروج على الإمام 7/ الحذر من سب الولاة ولعنهم وشتمهم والوقيعة فيهم.

اقتباس

إن من توجيهات الإسلام السديدة وهداياته العظيمة؛ بيان ما يجب على الرعية تجاه الراعي، وعلى المحكومين تجاه الحاكم من حقوقٍ عظيمة لا تنتظم مصالح العباد الدينية والدنيوية إلا بها؛ فإن الرعية -عباد الله- متى رعَوا تلك الحقوق واعتنوا بها تحققت لهم الخيرية وانتظمت جميع مصالحهم الدينية والدنيوية؛ من أمنٍ وأمانٍ، وبُعد عن القلق والاضطراب والمخاوف، وانتظامٍ لجميع مصالح العباد. وإن من المتقرر أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمام، ولا إمام إلا بسمع وطاعة؛ فهي أمورٌ آخذ بعضها ببعض، لابد من مراعاتها والعمل على تحقيقها لتتحقق للعباد خيريَّتهم ولتنتظم جميع مصالحهم...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، ومبلِّغ الناس شرعه، ما ترك خيرًا إلا دل الأمة عليه ولا شرًا إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أمَّا بعدُ أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى، فإنَّ من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه. وتقوى الله جل وعلا: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.

 

أيها المؤمنون عباد الله: إن الإسلام -دين الله عز وجل الذي رضيه لعباده ولا يرضى لهم دينًا سواه- دينٌ كامل من جميع الوجوه وفي جميع الأبواب والمجالات، حيث جاء هذا الدين بما يحقق للعباد العزَّ والرفعة، والسلامة والأمان، والصلاح والفلاح، والسعادة في الدنيا والآخرة. ولا يزال أهل الإيمان بخير ماداموا متمسكين بآداب هذا الدين العظيمة وتوجيهاته السديدة عن رضًا وإيمان وقَبولٍ وتسليم.

 

أيها المؤمنون عباد الله: وإن من توجيهات الإسلام السديدة وهداياته العظيمة؛ بيان ما يجب على الرعية تجاه الراعي، وعلى المحكومين تجاه الحاكم من حقوقٍ عظيمة لا تنتظم مصالح العباد الدينية والدنيوية إلا بها؛ فإن الرعية -عباد الله- متى رعَوا تلك الحقوق واعتنوا بها تحققت لهم الخيرية وانتظمت جميع مصالحهم الدينية والدنيوية؛ من أمنٍ وأمانٍ، وبُعد عن القلق والاضطراب والمخاوف، وانتظامٍ لجميع مصالح العباد.

 

نعم عباد الله؛ إن من المتقرر أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمام، ولا إمام إلا بسمع وطاعة؛ فهي أمورٌ آخذ بعضها ببعض، لابد من مراعاتها والعمل على تحقيقها لتتحقق للعباد خيريَّتهم ولتنتظم جميع مصالحهم.

 

عباد الله: وجِماع حقوق ولاة الأمر على الرعية ترجع إلى خمسة حقوق عظيمة؛ لابد من العلم بها، والعمل على تحقيقها:

 

الحق الأول: النصح لولي الأمر، والحذر الشديد من الغش والحقد والحسد والغل ونحو ذلك؛ فإنَّ ما كان من هذا القبيل فإنه ليس من الإسلام في شيء، وإنما هو من أعمال الجاهلية الجهلاء، ثبت في صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ" قُلْنَا: لِمَنْ يا رسول الله ؟ قَالَ: "لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ".

 

وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالنُّصْحُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ" وهو حديثٌ تواتر نقله عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، رواه عنه جمع من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.

 

الحق الثاني عباد الله: عقد البيعة للإمام القائم المستقر ببيعة أهل الحل والعقد له؛ وهم العلماء والوجهاء، وبقية الناس تبَع.

 

وأما - عباد الله - التخلي عنها وعدم التقبُّل لها فإنه من أمر الجاهلية، وقد جاءت الشريعة بالتغليظ في ذلك والتحذير منه، ففي صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ولَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً"، ولهذا لا يحل لمسلم أن يبيت ولا ليلة واحدة وليس في عنقه بيعة للإمام؛ الإمام القائم الذي بايع له أهل الحل والعقد، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية.

 

عباد الله الحق الثالث: السمع والطاعة للإمام في المنشط والمكره والعسر واليسر وفي أثرَة على العباد، ما لم يؤمر العبد بمعصية الله، ففي الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "عَلَى الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ ما لم إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ"، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ".

 

الحق الرابع عباد الله: وجوب الحذر من الخروج على الإمام ونقض البيعة ونزع اليد من الطاعة؛ فإن ذلك كله من أعمال الجاهلية وصفاتهم، وقد جاء في هذا الباب أحاديث كثيرة عن نبينا الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- منها: ما ثبت في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً".  والأحاديث في هذا الباب كثيرةٌ معلومة.

 

الحق الخامس عباد الله: الحذر من سب الولاة ولعنهم وشتمهم والوقيعة فيهم وانتقاص مكانتهم؛ فإن ذلك يجلب شرًا عظيما وبلاءً مستطيرا، وقد جاء في النهي عن ذلك نصوص، وقد روى ابن أبي عاصم في السنة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «نَهَانَا كُبَرَاؤُنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: لَا تَسُبُّوا أُمَرَاءَكَمْ، وَلَا تَغُشُّوهُمْ، وَلَا تُبْغِضُوهُمْ، وَاتَّقُوا اللهَ وَاصْبِرُوا؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ قَرِيب»، وروى عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: «إِيَّاكُمْ وَلَعْنَ الْوُلَاة، فَإِنَّ لَعْنَهُمُ الْحَالِقَة، وَبُغْضَهُمُ الْعَاقِرَة».

 

بل إن الواجب - عباد الله - تجاه الولاة الدعاء لهم بالخير والصلاح والتسديد والمعافاة، واعلم رعاك الله أن دعاءك لولي الأمر دعاءٌ لنفسك وللأمة؛ فإن صلاح ولي الأمر صلاحٌ للأمة، وقد جاء عن الإمام المبجَّل أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى أنه قال: «إني لأدعو للخليفة بالتسديد والتوفيق بالليل والنهار وأرى ذلك واجبًا عليَّ».

 

اللهم يا رب العالمين نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن توفقنا أجمعين رعاةً ورعية حكامًا ومحكومين لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال.

 

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمد الشاكرين، وأثني عليه ثناء الذاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد عباد الله: اتقوا الله تعالى، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلمُ أنَّ ربَّه يسمعُه ويراه.

 

عباد الله: ولنذكر نعمة الله -تبارك وتعالى- علينا في هذا البلد المبارك والوطن المبارك على ما نعيشه من أمنٍ وأمان وسلامةٍ وإسلام وعافية، فإنها -عباد الله- نعمةٌ عظيمة جديرٌ بكل واحدٍ منَّا أن يذكرها، وأن نشكر المنعِم جل في علاه؛ فإن الشكر مؤذن بالمزيد، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7].

 

عباد الله: إن ما نعيشه في هذه البلاد بين الرعاة والرعية من محبةٍ ووئام وودٍّ وإخاء وتبادل دعاء يعَدُّ نعمة عظيمة ومنَّة جسيمة منَّ الله تبارك وتعالى علينا بها، وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ"؛ أي تدعون لهم ويدعون لكم. وهذا - من فضل الله ومنِّه وكرمه - واقعٌ نعيشه، نسأل الله الكريم المزيد من فضله، ونسأله جلَّ في علاه أن يتم علينا نعمته وأن يزيدنا من فضله العظيم.

 

عباد الله: وإننا نتوجَّه إلى الله ربنا سائلينه –سبحانه- بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وبأنه الله الذي لا إله إلا هو أن يتمَّ علينا أجمعين في هذا الوطن المبارك في ظل ولاية الملك المؤيد سلمان السِّلْم والأمان، والإسلام والإيمان، والبر والخير والإحسان؛ فإنه جل وعلا وحده المستعان وعليه التكلان.

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-،  اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينا، وحافظًا ومؤيِّدا، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

 

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال، اللهم وأيِّده بتأييدك ووفِّقه بتوفيقك، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم وفِّقه ونائبيه وإخوانه وأعوانه يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكّاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

 

المرفقات

ولي الأمر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات