أفلا يتفكرون

عاصم محمد الخضيري

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ التأمل والتفكر في خلق الله سبحانه عبادة 2/ ثمرات النظر في ملكوت الله وفي عظمته 3/ في كل شيء له آية تدل على أنه الواحد 4/ غفلة الناس عن مطالعة أسرار الكون 5/ مفاسد التفسير المادي فقط للأشياء من حولنا 6/ تأملات في بعض المخلوقات 7/ فشل كل النظريات المادية الإلحادية 8/ تفكر واشكر واحمد الله.

اقتباس

ألم تذبحنا هذه الماديات وتفسيراتها، والحسيات وأسئلتها؟ تعبنا من كل حسٍ يلد بلادة، ولا يلد قرباً من الله، تعبنا من كل تفسيرٍ ماديٍ صرف يكفر بالله، يا ويحها، تلك العقولُ التي علمت ظاهرًا من الحياة الدنيا، وكفرت بكل شيء يشهد أن الله على كل شيء قدير, يا ويحها تلك العقولُ التي نسيت رب العقول، يا ويحها، وأصحابَها، ماتوا كما عاشوا وما علموا، أن الإله هو القدير الباقي. دعونا نؤمن ونتفكرُ ساعةً عن الملكوت، دعونا نخرج من صخب الحياة ومثيراتها، دعونا نسْكَنُ إلى سكن، دعونا نستريح عن ذكر مخلوقينَ ضِعَافٍ مهازيلٍ عُزَّلٍ عن كل قوة...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل ربي عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم اللهم تسليما كثيرا.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

 

أما بعد:

وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد

ولله في كل تسكينة *** وتحريكة أبدا شاهدُ

 

يخلق الله لنا عيونا، ويخلق عقولا ليكون بعضها شاهداً على بعض،

قُلَّبٌ نحن منذ القدم بين سماء وأرض، وبين جو وبحر وبر، ويقتلنا اعتياد الأشياء من حولنا، ننظر لكل ما حولنا على أنه هو، ولا تستوقفنا مثاراته وسؤالاته المتقافزة في أذهاننا وأصوله، ومن أيّ شيء خُلِقَ؟ ومن خَالِقُه؟

 

وفي كل ذرة من ذرات هذا الملكوت، تحمل آلافا من الأسئلة، ولكل سؤال هاهنا جواب،

نساءل الحصى وما تحتها؟ والرمال وحبَّاتها، والجبال وأوتادَها، نساءلهن مَن أودعهن؟ وأسكنهن، وأبدعهنَّ، نُساءل البحار وما تبلعه، والأنهار وما تخبئه، وعن ملايين المخلوقات التي خلف المحيطات عن مكنوناتها وأسرارها، ونُساءل الظلماتِ في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، عن ضمائرها المستترة، وعن عظيم ما صنع الباري وما خلقًا!

 

عظيم أنت يا الله*** عظيمٌ كل ما تصنع،

عظيم كل ما سبَّحك*** اليومَ إجلالا ومن يركع

 عظيم كلُّ هذا الأفق عن *** نور السما يسطع،

عظيم أنت والأوصاف *** ما أجلى وما أروع

 

تدفعنا الحياة المدنية إلى تفسير كل شيء تفسيرا مادياً، ولا تأخذنا الحقيقة الأولى والأخيرة فيه، بأن الله خلقه وصوره فأحسن صُوره.

 

كم هي باهتة هذه الحياة ونحن نموت ولم نعبدِ الله بالنظرِ في ملكوته وفي عظمته وفي كبرياءه في كل صنيعة من صنائعه،

 

أهاب بك الله العزيز بآيه *** فكن صاح في هذي الدنا متفكرا

أيكون آخرُ شيء يمكن أن تفكر به هو التفكر في ملكوت الله؟

 

لقد كان نبي الهدى -عليه الصلاة والسلام-، يقوم في جوف الليل ليصلي، ثم ينظر إلى السماء ويقول: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 90- 91]، والله أهاب بأولي الألباب، فمن لم يكن منهم، فلا يسمعنَّ الخطاب.

 

عظمة الله تتجلى أينما التفتت عيناك في ملكوته متأملاً؛ عظمة الله تراها في السماوات وفي الجبال، وفي الرمال الخضر والصحاري،

فقف بنا يا ساري، حتى *** أريك بديع صنع الباري

الأرضُ حولَكَ والسماء *** اهتزَّتا لروائع الآياتِ والآثارِ

ولقد تمرُّ على الغدير تخالُه *** والنبتِ مرآةٌ زهَتْ بإطارِ

حلو التسلسل موجُه وخريرُه*** كأناملٍ مرّت على أوتارِ

ينسابُ في مُخْضَلَّةٍ مُبْتَلَّةٍ، *** منسوجةٍ من سندس ونضَارِ

سبحان من خلق الوجودَ مصوِّرًا*** تلك الدّمى ومقدّرِ الأقْدارِ!!

 

يتفرعن ربٌ مزعوم موهوم مجذوم على الناس ويقول أنا ربكم الأعلى، ثم يسأل موسى عليه السلام قائلاً: (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى) [طه: 49]، فلا يموت الجواب في فم موسى -عليه السلام-, لأنه رأى اليقين في ملكوت السماوات والأرض في كل ذرة صغرى وكبرى! أوَ هناك يا موسى أقوى برهانٍ على ربوبية الله من صنعه وخلقه؟ كلا يا فرعون، (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه: 50]، هو (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى) [طه: 53]، فسبحان من خلق الوجود مصورا، هذي الدنا، ومقدرِ الأقدار.

 

هل يستطيع أحد في هذا العالم، وفي هذا الكون، وهل يستطيع كيان، أو منظمة، أو مؤسسة، أو هيئة علمية، أن تدّعي وتزعمَ أنها هي التي أعطت كل شيء خلقه ثم هدَت؟. كلا والله , بل هو الله العزيز الحكيم، إنه الله الذي (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه: 50].

 

إن هذه الهداية المطلقة لم تستثن أحدا, شَمِلت عالم النبات، وشملت عالم الحيوان، وعالم الإنسان، وعالم البر، وعالم البحر، وعالم الجو، فالله يتجلى في عصر العلم، كلما مرَّ يوم، وكلما اكتُشف اكتشاف, رأينا بها شهودا بأن الله ليس له شريك، قتل الإنسان ما أكفره، ضمن له ربه أن يريَه آياته ليعتبر فما اعتبر، وقد نزّل في الكتاب أن (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت: 53]، بلى كفى بالله شهيدا ووكيلا.

 

يا أيها الإنسان مهلاً ما الذي، عن صنعة الخلاق قد أنساكا؟!

لن يحتاجَ الأمرُ إلى كبيرٍ فلسفة، ولا متخصصين في الطبيعة الحيوية والتطبيقية والكيمياء الجيولوجية والهندسة الأرضية والفسيولوجيا والوراثة والنبات والغابات والتربة وعلم النفس وفلسفة العلوم..

 

حسبك حسبك أيها الإنسان، كل شيء له آية تدل على أنه الواحد، هذه عظمة الله كما تراها في السماء فإنك تراها في رملة سوداء خلف صفاة سوداء في ظلمة سوداء، عظمة الله كما تراها في الإبل كيف خُلقت، فإنك تراها في البيضة الصغيرة تتفتح على مخلوق لا يشم إلا لطف الله ورحمته وبديعَ ما صنع الباري وما خلق، عظمة الله كما تراها في فوهات البراكين وهزيمِ الرعود ودمدمة الزلازل، فإنك تراها في خطرات السنيم تقول: سبحان من خلق الوجود مصورا، هذي الدنا ومقدرِ الأقدار.

 

عظمة الله، كما تراها رأيَ العين في بردٍ عبوس قمطرير زمهرير فإنك تراها، في حر يصهر الحديد، ويذيب الجليد، وتفور منه الجلود !

 

عظمة الله، تراها في كل شيء لا يستوقفك، تراها في كل شيء تظنه باهتًا، وهو يحدثك عن أعظم الأسرار حينَ التأمُّل !!

 

عظمة الله تراها في تقلبات الأجواء، حين تقول لك: إن الذي خلق الفصول الأربعة قادرٌ على أن يجعل اليوم الواحد، يجرَّ معه الفصول الأربعة !

 

إنْ في الشتاءِ ببرده، والصيفِ جاء بحره، وربيعه وخريفه، عظمة الله كما تراها في هذه التقلبات، تراها في جو بديع، تكاد أن تقسم بالله أن نفحاته نفح من الجنة الخضراء تغرينا بجنة الخلد، عند الله بارينا، (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88].

 

عظيمُ أنت يا ألله*** عظيم كل ما تصنع

عظيم كلُّ هذا الأفق*** عن نور السما يسطع

 عظيم أنت والأوصاف *** ما أجلى وما أروع!!

 

ألم تذبحنا هذه الماديات وتفسيراتها، والحسيات وأسئلتها؟ تعبنا من كل حسٍ يلد بلادة، ولا يلد قرباً من الله، تعبنا من كل تفسيرٍ ماديٍ صرف يكفر بالله، يا ويحها، تلك العقولُ التي علمت ظاهرًا من الحياة الدنيا، وكفرت بكل شيء يشهد أن الله على كل شيء قدير, يا ويحها تلك العقولُ التي نسيت رب العقول، يا ويحها، وأصحابَها، ماتوا كما عاشوا وما علموا، أن الإله هو القدير الباقي.

 

دعونا نؤمن ونتفكرُ ساعةً عن الملكوت، دعونا نخرج من صخب الحياة ومثيراتها، دعونا نسْكَنُ إلى سكن، دعونا نستريح عن ذكر مخلوقينَ ضِعَافٍ مهازيلٍ عُزَّلٍ عن كل قوة.

 

تقلقنا أحاديث الأرض ولقد وددنا أن لو عرجنا إلى السماء، يقلقنا زيف الحضارات، وجحيم الكربات، ولهيب الهزائم والنكبات، وإشاعة المنكرات،، ووأدِ يد الإصلاح في الأرض، تقلقنا هذه الأحاديث..

 

ولكن: دعونا نستريح بملكوت الله، ونسبح له، على كل هذه البراهين اللامعة الساطعة الجامعة الراكعة لله ..

 

دعوا فؤادي يهيم اليوم في ملأ أعلى *** إذا هام كل الناس في الطين

من أنت أيها الإنسان، وأنت *** تسبح في بحر من الأدلة والبراهين

على عظمة الله، من أنت والله يقول لك: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الذاريات: 21]، فلا تبصر عظمة الله التي تتجلى فيك،

 

من أنت،،! حتى تكون وحدك من بين المخلوقات التي لا تسبّح الله في كل أحوالها عرفانا له، من أنت؟ والله قد صفَّ لك كل شيء لتهتدي له، قتل الإنسان ما أكفره، من ذا الذي عن صنعة الخلاق قد أسلاكا،

 

وكل هذه المخلوقات قد أشهدت على نفسها بانقيادها وذلها وصغارها لله،

وتُشْهدك هذه الكائنات بطاعتها لله وبعظمة الله فيها، ثم لا تتفكر ولا تتأمل، والله يقول: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) [يونس: 101].

 

قل للنبات يجف بعد تعهد *** ورعاية من بالجفاف رماك

وإذا رأيت النبت في الصحراء *** يربو وحده فاسأله من أرباك

 

أيها الإنسان:

قل للمرير من الثمار مَنِ الذي *** بالمر من دون الثمار غذاك

وإذا رأيت النخل مشقوق النوى*** فاسأله من يا نخل شقَّ نواكا

وإذا رأيت النار شب لهيبها *** فاسأل لهيب النار من أرواك

وإذا ترى الجبل الأشم مناطحا*** قمم السحاب فسله من أرساك

وإذا ترى صخراً تفجر بالمياه *** فسله من بالماء شق صفاك

وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال *** سرى فسله من الذي أجراك

وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج *** طغى فسل من ذا الذي أطغاك

وإذا رأيت الليل يغشى داجيا *** فاسأله من يا ليل حاك دجاك

وإذا رأيت الصبح يسفر ضاحيا *** فاسأله من يا صبح صاغ ضحاك

وإذا ترى الثعبانَ ينفث سمه *** فاسأله من ذا بالسموم حشاك

واسأله كيف تعيش يا ثعبان *** أو تحيى وهذا السم يملأ فاك

واسأل بطون النحل كيف تقاطرت *** شهدا وقل للشهد من حلاك

بل سائل اللبن المصفى كان بين *** دم وفرث ما الذي صفاك

وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا ***ميت فاسأله يا حي من أحياك

وإذا رأيت البدر يسري ناشرا *** أنواره فاسأله من أسراك

ستجيب ما في الكون من آياته*** عجب عجاب لو ترى عيناك،

فاسجد لمولاك القدير فإنما *** لا بدّ يوما تنتهي دنياك

وتكون في يوم القيامة ماثلا*** تجْزى بما قد قدمته يداكا

 

فسبحان من خلق الوجود مصورا، هذي الدنا ومقدر الأقدار،

(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 185].

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبدُه ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد: إن أسهل العبادات التي شرعها الله لعباده على الإطلاق هي عبادة التفكر، رويَ أن أحدهم كان مسرفًا على نفسه في الخطايا، وعندما توفي، رآه أحد علماء أهل السنة في المنام في هيئة حسنة، عليه ثياب بيض، جالس في بستان، قال يا هذا كيف حالك؟ قال: لقد أتيت إلى الكريم الغفار فغفر لي، قال: بماذا غفر لك وماذا عملت؟ قال: بقصيدتي التأملية في وردة النَّرجس:

 

تأمل في نبات الأرض وانظر*** إلى آثار ما صنع المليكُ

عيون من لُجَين شاخصات *** بأحداقٍ كما الذهبُ السبيكُ

على قضب الزَّبَرْجَد شاهداتٌ*** بأن الله ليس له شريكُ

 

يقول باحثون غربيون في كتاب: الله يتجلى في عصر العلم: "إن النظام والقانون وذلك الإبداع الذي نلمسه في الكون حيثما اتجهت أبصارنا يستحيل أن يكون ذلك قد تم عن طريق المصادفة العمياء أو الخبطة العشواء؛ إنه لابد لكل ذلك من خالق مبدع عليم خبير أحاط بكل شيء علما وقدر كل شيء ثم هدى".

 

ولقد ذهب بعض العلماء إلى أن بالإنسان حاجة بيولوجية تدفعه إلى الإيمان بالله فطرة الله التي فطر الناس عليها،

 

يا ربِّ: هذا العصرُ أَلْحَدَ عندما*** سخَّرت يا ربي له دنياك

ما كان يطلق للعلا صاروخه ***حتى أشاح بوجهه وقلاك

أو ما درى الإنسان أن جميع ما*** وصلت إليه يداه من نعماك

 

لله في الآفاق آيات لعل *** أقلها هو ما إليه هداك

فسبحان من خلق الوجود مصورا هذي الدنا ومقدرِ الأقدار،

خلق الله الإنسان وأعطاه خلقه ثم هدى، وخلق الله الحيوان وأعطاه خلقه ثم هدى،

 

أروني استعدادات البشر، أروني صنع البشر، أروني خلق البشر... (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحج: 73] .

 

والله لو اجتمعت معاملُ الأرض، وصنَّاعُ القنابلِ العنقودية والذرية والنُّووية، ورائدو كل اختراع وصناعة، على أن يردوا على ذبابٍة روحها ما استطاعوا، ولو اجتمع خبراء كل زمانٍ، من كلَ مكان في صعيدٍ واحد على أن يشكّلوا جناح بعوضة، ما فعلوا، لن تنفد عظمة الله، هذا لعاب الكلب ما وسعت صناعتكم، له تمثيلا.

 

 فمن الذي خلق الوجود وصورا، سبحانه خلق الوجود مصورا، هذي الدنا ومقدر الأقدار، فيا أيها الإنسان مهلاً، ما الذي عن صنعة الخلاق قد أسلاكا؟!

 

يقول علماء الحيوان: جعل الله في خياشيم الكلب مادة شامّة، يَعرف بها من بعيد صديقه من عدوه، ولا يصيب الكلب عرق، فإذا أراد أن يتنفس من المسام، لَهِث في الليل والنهار كمَثَل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركْهُ يلهث..

 

فمن الذي خلق.. الوجود وصورا،.. سبحانه خلق الوجود مصورا، هذي الدنا ومقدرِ الأقدار؟!

 

يُرسل الإنسانُ الحمامَ الزاجل، يحملُ الرسائل من مكان إلى مكان، ويعود إلى صاحبه، فلا يَضِل، ولا يضيع، ولا يضطرب، فمن الذي هداه؟ إنه الذي أعطى كلَّ شيء خلقه ثم هدى.

 

فسبحان من خلق الوجود مصوراً*** هذي الدنا ومقدرِ الأقدارِ،

سبحان من كلٌ له قد *** أسلم الأمر العظيم وكبرا!!

وإذا رأيت النمل يحمل رزقه*** يوما فسل من ذا الذي أعطاكا

 

يخلق الله النملة، تذهب لرِزقِها في البكور وتقبل في العشي، ويعلمها رحمانُها قدومَ الشتاء، فتدخِّر له قوتها، من الصيف في مخازنَ تحت الأرض، حتى إذا أتى الشتاء، كان عندها ما تعيش عليه، وإذا خافت أن تنبت الحبةُُ التي خزنتها، قسمتها نصفين لئلا تنبت، فمن علّمها؟ ومن هداها؟ إنه الذي (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه: 50]،.

 

فسبحان من خلق الوجود وصورا، سبحانه ومقدر الأقدار، ويا أيها الإنسان مهلا، ما الذي، عن صنعة الخلاق قد أسلاكا، آمنت به العجماوات البهماوات، وسبحت له، أما الإنسان فقتل الإنسان، ما أكفره؟!

 

خرج رجل في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، إلى ضاحية من ضواحي المدينة يرعى الغنم، فأخذ الذئب من غنمه شاة، فطارده الرجل حتى أخذ منه شاته، فقال الذئب بلسان فصيح: أتأخذ رزقاً رزقنيه الله، فدُهش الرجل وقال: يا عجباً !! ذئب يُكلّمني.. قال الذئب: "أين الراعي يوم لا راعي لها إلا أنا". يقول له: أنت الآن تحميها،

 

ولكن سوف يأتي زمن قبل الدجال لا راعي إلا الذئب، يتكلم عن شرط من أشراط الساعة، وفي هذا اليوم لن تمنعها أنت ولن تحميَها؛ لأنني أنا الذي سأحميها.

 

ثم قال الذئب للرجل لما تعجّب من تكليمه إياه: أتعجب من ذلك؟ أعجبُ من ذلك رجل بين الحرتين، يوحى إليه صباح مساء،

 

يقول الذئب للرجل: هناك أعجب من تكليمي لك، أن رجلاً وهو النبي -صلى الله عليه وسلم-، يأتيه الوحي من السماء، لا يقرأ، ولا يكتب، وما تعلّم، وما درس، ومع ذلك أتى بشريعة ربانية، وبوَحيٍ سماوي، وبمنهج خالد.,,

 

وفي الصحيح أن الرسول -عليه الصلاة والسلام-، قال: "أتى رجل من بني إسرائيل فركب بقرة، كما يُركب الحمار، فالتفتت إليه البقرة وقالت: ما خُلقنا لهذا، إنما خُلقنا للحرث"، من أنطقها؟ أنطقها الذي (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه: 50].

 

أيها المُسْتعمرون في هذه الأرض:

إن قضية الخلق والهداية هي من أجل القضايا التي عالجها الرسل والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، وتقدَّمَ العلم، وتطورت الأبحاث، وكلما تطور العلم، كلما اهتدى الإنسان، وعلم أنَّ لهذا الكون إلهاً لا إله إلا هو.

 

 قديما رأينا أولئك الذين كانوا في المستعمرة السوفيتية وراء السور الحديدي، خرج كثير منهم يقول لا إله إلا الله، دلَّهم العلم على ربِّ لا شريك له، تبارك الله رب العسر واللين، (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28].

 

اجلس بنا نتفكر ساعة، (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [المؤمنون: 88].

 

اجلس بنا نتفكر في هذه العبادة الغائبة، التي كانت من ورد نبينا في كل ليلة،  يتعارُّ من الليل -عليه الصلاة والسلام-، ثم ينظر إلى السماء، ثم يقرأ عشر آيات من آل عمران..

 

اجلس بنا نتفكر ساعة، وكيف أن:

لله في الآفاق آيات عجب *** عجاب لو ترى عيناكا

والكون مشحون بإسرار إذا ***حاولت تفسيرا لها أعياكا،

 

ونقول حينها، رباه:

إن لم تكن عيني تراك فإنني *** في كل شيء أستبين علاكا

يا منبت الأزهار عاطرة الشذا *** هذا الشذا الفواح نفح شذاكا

فأجب دعائي واستجب لرجاوتي ***ما خاب يوما من دعا ورجاكا

 

إن النظريات الغربية المادية المعاصرة والشيوعية القديمة الملحدة، التي قررت أن الطبيعة هي التي أحدثت وأبدعت وصورت هذا الكون، قد أعلنت إفلاسها، وثبت فشلها، وذهبت إلى غير رجعة....!!

 

فلا خالق، ولا رازق، ولا مصور، ولا مُبدع إلا الله فسبحان من خلق الوجود مصورا ذاك الفضا ومقدر الأقدار، (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت: 53]، بلى كفى بالله شهيدا ووكيلا..

 

همسات قصيرة:

الهمسة الأولى: اجعل التفكر اليومي من وردك الذي لا تتنازل عنه، فإنه من أجل العبادات، وأعظم القربات..

 

الهمسة الثانية: اجعل من طاعاتك اليومية، أن تشكر الله فيما آتاك،

خرجت إلى الصحراء، تفكر، واشكر واحمد الله،

رأيت نعم الله في غيوثه وأمطاره، تفكر واشكر واحمد الله،

جلست تتأمل في صنوف النبات، تفكر واشكر واحمد الله،

 

الهمسة الثالثة:

أعظم لازم لشكر الله على عطياته، ألا تُكفر نعمُه،

فلا تكن آلاء الله هي السبب المباشر في كفرانها.

 

الشكر ليس عبارة مسموعة ***وقفت بثغرك ثم ماتت فيه

الشكر منك عبارة وعبادة *** فعلية ما الشكر بالتمويه،

 

الشكر ليس كلمات تردد، بل مواقفا تتجدد بشكر المنعم المتفضل، و(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].

 

إلهي لك الحمد الذي أنت أهله *** على نعم ما كنت قط لها أهلا

إن ازددنا تقصيرا تزدنا تفضلا*** كانا على التقصير نستوجب الفضلا

 

كانت هذه الخطبة بعنوان: أفلا يتفكرون،

والخطبة القادمة إن شاء الله بعنوان: أفلا يشكرون،

 

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك،

اللهم وفقنا للعمل الصالح الذي يرضيك عنا، وتوفنا على الإسلام والسنة،

واجعلنا من أولي الألباب الذي يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض،

 

اللهم صلّ وسلم ..

 

 

المرفقات

يتفكرون

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات