التربية بالأمثال

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ أهمية الأمثال في التربية 2/تعريف المثل وبيان مفهومه 3/السر اللطيف في ضرب الأمثال 4/من أمثال القرآن الكريم 5/من أمثال الهدي النبوي

اقتباس

ولعلنا لاحظنا السر اللطيف في التمثيل، إذ به يتحول الغائب حاضراً، والمعقول محسوساً، والمعنَى مجسَّماً، والمتفرق مجموعاً، وبهذا يؤدي التمثيل أدورا في التربية، كالحث على الإيمان، والإقناع العقلي، والكشف عن الحقائق، والحث على المكارم، والتنفير من المعاصي...

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي أنزل كتابه مفصل الأحكام، ومحكم الآيات، أحمده -سبحانه- عمَّت نعماؤه وتوالت منه المنح والمكرمات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تقَّدس في الذات وفي الأسماء والصفات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، ختمت بنبوته النبوات، وكملت برسالته الرسالات, اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته أفضل الصلوات، وأتم التسليمات، وأزكى البركات، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماوات.

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "العائد في هبته كالكلب، يقئ، ثم يعود في قيئه" [البخاري (2623 ) مسلم (1620)].

 

لن يستطيع أحد بعد سماعه هذا الحديث أن يرجع عن هبة يهبها، فقد علقت تلك الصورة المنفرة بذهنه، وهذا من التربية النبوية بالأمثال؛ لأن لها فعل السحر في التربية، فهي تلامس الوجدان فتهزه، والعقل  فتقنعه.

 

إن الأمثال تلعب دوراً كبيراً في التربية، فهي حكم بليغة موجزة، تجري على ألسن كل فئات المجتمع، المتعلمين وغيرهم، وتكاد تكون في بعض المجتمعات هي الوسيلة التربوية الوحيدة لإذاعة العلم الفاعل؛ لأنها عادة ما تقال للشخص وقتَ حدَثٍ بعينه، ليقوم الحدث بدورِ وسيلةِ إيضاحٍ تعليميَّةٍ للمثَل، فيرتبط به في الذهن، فيسهل تذكره واستعادته.

 

وعندما يقوم شخص بحدث مماثل، يُلقَى له المثل، وهكذا، تظل تجري الأمثال على الألسن, ولقد سمعنا من أجدادنا، الذين لم ينالوا حظا يُذكر من دراسة، سمعنا منهم حِكما بليغة موجزة، ضربوها لنا أمثالاً, ثم وجدنا الواحد من تلك الأمثال يحتل فصلاً كاملاً في كتاب في علم النفس أو الاجتماع, على أن تحصيل العلم من الكتب لا يستفيد منه، عملياً إلا النزر اليسير من المتعلمين.

 

أما المثَل فإنه -لما تقدم- من إيجازه، ومخاطبته العقل، وملامسته الوجدان، وارتباطه بالحدث، لا يملك سامعه إلا الاستجابة له، وهنا نلفت الانتباه إلى وسائل التربية التقليدية، التي كانت أكثر فاعلية، فخلقت مجتمعات سعيدة، لا تعاني من الفجوة بين العلم والسلوك التي نعانيها اليوم.

 

إن المتأمل في الأمثال يجد أنها من عجائب الله من جهتين: أنها تدل على وحدانيته تعالى، وأنها تُعلِّم وتذكر؛ فهذا الكون الواسع الممتد، إذا نظرت إليه نظرة عميقة فاحصة، فستجد أنه يقوم على قوانين طبيعية واحدة، ويتركب من مواد كيماوية محددة, ثم إذا ازداد النظر تعمُّقا وتفحُّصا، فسينكشف لك أنه يشبه بعضه بعضا في السلوك، مما يدل على أن خالقه واحد قدير عليم حكيم خبير.

 

إنه، حقا تشابه بديع، يدل على خالق واحد بديع، ولنتأمل قوله، تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الحديد : 17].

 

لا ينبغي أن نظن أن كل ما ترمي إليه الآية إخبارنا بأن الله تعالى ينزل المطر فتحيا به الأرض الميتة؛ فهذا يعرفه كل أحد، لكن الآية تشير إلى أن قلوبنا، إن ماتت عن ذكره تعالى، يمكن أن تحيا مرة أخرى بما أنزله لنا من الهدْي، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ الْهُدَى، وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ، قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً، وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللهِ، وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ" [البخاري ( 79 ) مسلم (2282)].

 

فلنتأمل هذا التشابه المدهش، القلب يحييه الهَدي المتنَزِّل من السماء إن كان طيباً، والأرض يحييها المطر المتنزل من السماء إن كانت طيبة، لذا عبر القرآن الكريم عن الكافرين بالموتى (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) [النمل : 80]، وعن قلوب بني إسرائيل بأنها: (كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) [البقرة : 74] ، وقال تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) [الأنعام : 122].

 

إن هذا المثل ليدفع الإنسان دفعاً إلى تلمس الهدى، والسعي لتقبُّله، ثم إن القرآن الكريم استخدم هذا المثل -أيضا- للإقناع العقلي لمن يتشكك في الآخرة، فالأمثال تقرب البعيد، وتجسم المعنى، كما قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأعراف : 57]، فلن يستطيع عقل أن ينكر إمكانية البعث بعد أن رآه رأي العين في هذا المثل.

 

ولعلنا لاحظنا السر اللطيف في التمثيل، إذ به يتحول الغائب حاضراً، والمعقول محسوساً، والمعنَى مجسَّماً، والمتفرق مجموعاً، وبهذا يؤدي التمثيل أدورا في التربية، كالحث على الإيمان، والإقناع العقلي، والكشف عن الحقائق، والحث على المكارم، والتنفير من المعاصي.

 

ولقد أكثر القرآن الكريم من ذكر الأمثال، فهي أوقع في النفس، وأبلغ في الوعظ، وأقوى في الزجر، وأقوم في الإقناع، (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [الزمر : 27]، (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) [الرعد : 17]، (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [العنكبوت : 43]، ( وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [إبراهيم : 25]،(وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر : 21].

 

وهي حجة على الناس: (وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ) [إبراهيم : 45])، (وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا) [الفرقان : 39].

 

ومن أمثال القرآن الكريم توحيد الله وعظمته: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ) [النور : 35]، (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا) [العنكبوت : 41].

 

ومن أمثال القرآن الكريم في الإقناع العقلي: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحج : 73]، (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران : 59].

 

ومن أمثاله في الترغيب في الطاعة: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة : 261].

 

ومن أمثاله في التنفير من المعصية والعصيان: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) [البقرة : 275]، (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ) [إبراهيم : 18]، (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا) [الأعراف : 176]، (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ) [الجمعة : 5].

 

وفي السنة المطهرة أخذت الأمثال حظها في التربية، وهي من الكثرة بمكان، من أمثلتها قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا" [ البخاري (528 ) مسلم (667)].

 

ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا" [البخاري (2493)].

 

ويقول: "إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً " [ البخاري (5534) مسلم (2628) ]، وقال: "إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ" [مسلم (789)].

 

ويقول: "إِنَّمَا مَثَلُ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ حِينَ يُصِيبُهُ الْوَعْكُ، أَوِ الْحُمَّى كَمَثَلِ حَدِيدَةٍ تَدْخُلُ النَّارَ فَيَذْهَبُ خَبَثُهَا وَيَبْقَى طِيبُهَا" [ المستدرك للحاكم (1288) ].

 

قلت ما سمعتم، واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ربنا ورب آبائنا الأولين، أنزل إلينا رحمته لتزكيتنا وتربيتنا، (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران : 164]، وقال: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) [الكهف : 54].

 

وبعد:

 

فيا أيها الناس: اتقوا ربكم، واشكروا له، والتمسوا العلم والحكمة من كتابه المبين، ومن سنة رسوله الأمين، وإذا وجدتم الحكمة في أي مكان فخذوا بها، فالحكمة ضالة المؤمن المنشودة، أنى وجدها فهو أحق بها, قال رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "إن من الشعر لحكمة" [ابن ماجة (3755 )]. وحِكَم الشعر صارت أمثالا تروى، ولا يخفى ما في جل الأمثال من الحكمة.

 

ولمَّا علم الشيطان خطورة الخير من الكلام الطيب المفيد الجاري أمثالا على ألسنة الناس، أجرى -أيضا- أمثالا على ألسنتهم، تدعو إلى الرذائل، وتسفِّه الفضائل، فينبغي علينا الانتباه لذلك، وأن نتفحَّص كلامنا، فقد نلعب دورا هدَّاما خطيرا من حيث لا ندري، قال الرسول المربي الكريم: "مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيصْمُتْ .. " [البخاري (6018) مسلم (47)].

 

عباد الله: إن للأمثال خصوصيةً في الحِكَم، ذلك لأنها من المجتمع، تعكس فضائله ورذائله، وكثير من الأمثال الشعبية تحمل المعاني العميقة، على بساطتها وإيجازها، فتجارب مجتمعك الذي أنت فيه قد مرت بمن قبلك من الحكماء، فقدموها لك في طبق من ذهب، فعلينا الإفادة منها في أنفسنا، وفي تربية أهلنا وأبنائنا، والعمل على إذاعتها بين الناس.

 

هذا؛ وصلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على هذا النبي العظيم الذي أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فبدأ بنفسه، وثنى بالملائكة المسبحة بقدسه، وثلث بكم -أيها المؤمنون- من جنه وأنسه، فقال -عزّ من قائل كريم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].

 

 

 

 

المرفقات

بالأمثال

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات