العاقبة للإسلام

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/ العاقبة للمتقين 2/ عدم اليأس من انتصار الدين 3/ المبشرات بعودة الإسلام وهيمنته على الأديان 4/ من الدلائل على عودة الإسلام قوياً عزيزاً 5/ من أسباب التخاذل وعدم النصر   6/ لماذا تأخر نصر الأمة؟

اقتباس

الواجب على المسلم أن يعلم علم اليقين أن الله ناصرٌ لدينه ولجنده، ولكن بشرط أن يسعوا إلى النصر، فإذا سعى العبد وأصلح نفسه واستقام على دينه، أتاه النصر من الله، وعلى المسلم أن لا يستعجل النصر، فإن النصر مع الصبر.. ولا ينبغي للمرء أن يتطرق إلى قلبه اليأس والقنوط، ولنعلم أنه يجب على كل مكلّف أن يسعى لتطبيق دينه وإصلاح فساد نفسه، وأن يسعى لإعداد الأهبة لصراع الحق مع الباطل...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله...، أما بعد:

 

معاشر المؤمنين: إن ما يحدث من زحمة الأحداث، وكثرة النكبات، والضعف القابع على المسلمين في هذه الأيام، يصيب ضعاف الإيمان، ومتذبذبي التوكل بشيء من اليأس والإحباط من أن يعود الإسلام عزيزا منيعا، ومن انتفاء الذل الواقع عليهم.

 

وإن هذا الشعور أمر خطير قد يؤدي بالإنسان إلى الكفر والعياذ بالله، (إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87].

 

عباد الله: من اطلع إلى بعض النصوص القرآنية والأحاديث النبوية المخبرة بعزة الدين بعد ذلته، وأن العاقبة للمتقين، زال عنه ما يجد من تلك الوساوس، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 33].

 

فهذه الآية دالة بصريح العبارة أن الغلبة والظهور لهذا الدين، وأنه سيظهر ويهيمن على كل الأديان، ولا يظن الظان أن ذلك قد تحقق في زمن النبوة، بل ما حصل في زمن النبوة هو جزء من هذا الوعد الصادق، أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث عائشة –رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يذهب الليل والنهار حتى تُعبَد اللات والعزى"، فقالت عائشة: يا رسول الله: إن كنت لأظن حين أنزل الله: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) أن ذلك تاماً، قال: "إنه سيكون من ذلك ما شاء الله".

 

ومما يدل على أن انتشار الإسلام ليس مخصوصاً بزمن النبوة، تلك الفتوحات التي حصلت بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- شرقا وغربا.

 

أخرج مسلم في صحيحه من حديث ثوبان قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها".

 

هذا ولقد كان فتح بلاد الروم وفارس بعد زمن النبوة، وقد كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قد بشَّر بذلك، بل إن من المبشرات بعودة الإسلام وهيمنته على الأديان، وعودة عز المسلمين بعد ذلهم تلك الفتوح التي أخبر عنها المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ولم تقع حتى الآن، فمن ذلك:

 

ما أخرج الإمام أحمد من حديث أبي قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص وسُئل أيّ المدينتين تُفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق، قال: فأخرج كتاباً فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله نكتب إذ سئل: أيّ المدينتين تُفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟ فقال: "مدينة هرقل تفتح أولاً"، يعني قسطنطينية، وقد فُتحت القسطنطينية وهي الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني في القرن التاسع الهجري.

 

وسيحقق الفتح الثاني -بإذن الله- كما أخبر به المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ألا وهو فتح "رومية" وهي مدينة روما عاصمة إيطاليا الآن.

 

فمن يمر بخيال فكره أن المسلمين سيملكون إيطاليا وعاصمتها، وربما قال البعض: فأين القوى العظمى، نقول له ولأمثاله: إن ذلك لن يتحقق حتى تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة الإسلامية كما أخبر بذلك المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، أخرج الإمام أحمد من حديث حذيفة بن اليمان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضّاً، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون مُلكاً جَبْرِيّاً فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت".

 

فهذه الخلافة على منهاج النبوة لم تقع حتى الآن، ولتقعن بإذن الله كما أخبر به المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ومن الدلائل على عودة الإسلام قوياً عزيزاً، أن الإسلام سيطأ على الأرض كلها، حتى لا يبقى بيت إلا دخله الإسلام، وهذا لم يحدث حتى الآن، أخرج ابن حبان في صحيحه ?قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر".

 

عباد الله: إن هذه العودة للإسلام تحتاج إلى رجال أخلصوا لله في دينهم، فأقاموا دين الله وطبّقوا شرعه، واستعدوا بالعَدد والعُدد، ولا يكون ذلك بالتواكل وانتظار الفرج من الله بلا بذل للسبب والنهوض إليه بنية ويقين.

 

اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويهتدي فيه أهل معصيتك.

 

 

الخطبة الثانية

 

معاشر المؤمنين: إن من أسباب التخاذل والركون إلى الدنيا، هو ما أصاب بعض المسلمين من القنوط واليأس من نصر الله، حتى ظهر للذل أثر واضح على خُلقه وسلوكه بل وكلامه.

 

وإن الواجب على المسلم أن يعلم علم اليقين أن الله ناصرٌ لدينه ولجنده، ولكن بشرط أن يسعوا إلى النصر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7]، (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].

 

فإذا سعى العبد وأصلح نفسه واستقام على دينه، أتاه النصر من الله، وعلى المسلم أن لا يستعجل النصر، فإن النصر مع الصبر، (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة: 214].

 

معاشر المؤمنين: مهما بلغ الضعف بالمسلمين ومهما ابتعدوا عن دينهم، فلن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة، أخرج البخاري ومسلم من حديث معاوية قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي وعد الله".

 

فإياك عبد الله أن تكون ممن اغتر ببهارج دنيا الكافرين، وزخارفها، واعلم أن الإسلام ظاهر على الدين كله، فيا ليت شِعري من هم أولئك الأفذاذ الذين سيُظهر الله دينه على أيديهم؟!

 

معاشر المؤمنين: ألم تعلموا أن المسلمين سيقتتلون مع النصارى، وسيهزمونهم ويكسرون الصليب، أخرج البخاري في صحيحه من حديث عوف بن مالك قال -صلى الله عليه وسلم-: "اعدد ستًّا بين بيد الساعة -وذكر منها-: ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا"، وفي رواية في السنن "فيقوم رجل من الروم فيرفع الصليب ويقول: غلب الصليب، فيقوم رجل من المسلمين فيقتله".

 

واعلموا أنه لا تقوم الساعة حتى يقتتل المسلمون مع اليهود وينطق الحجر نصرةً للمسلمين، أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر قال -صلى الله عليه وسلم-: "تقاتلون اليهود فتسلطون عليهم حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر، فيقول الحجر: يا عبد الله: هذا يهودي ورائي فاقتله".

 

وفي نهاية الحياة قبل قيام الساعة، بعد خروج الدجال، ينزل عيسى ابن مريم -عليه السلام- فيقتل الدجال، ولا يقبل إلا الإسلام، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابنُ مريم حكما مقسطاً، وإماما عادلا، فكيسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويفيض المال"، وفي رواية "ولا يقبل إلا الإسلام".

 

وبهذا يظهر لنا جليا أن العاقبة للمتقين، وأن النصر لهذا الدين، فلا ينبغي للمرء أن يتطرق إلى قلبه اليأس والقنوط، ولنعلم أنه يجب على كل مكلّف أن يسعى لتطبيق دينه وإصلاح فساد نفسه، وأن يسعى لإعداد الأهبة لصراع الحق مع الباطل.

 

أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال هذا الدين قائمًا، يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة".

 

إذاً فالدين قائم إلى قيام الساعة، والقتال عليه ماضٍ إلى قيام الساعة، ولكن قد يتأخر نصر الله أحياناً، وذلك لحكم عظيمة، يضيق المقام عن ذكرها، من أعظمها:

 

- ابتلاء المؤمن وتمحيصه، (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ) [آل عمران: 154].

 

- ومنها كذلك: أن يراجع المسلمون أمر دينهم، ويتمسكوا به، ويعضوا عليه بالنواجذ.

 

- ومنها كذلك: أن يستكينوا لربهم ويتضرعوا إليه ويكثروا من العبادة والدعاء، (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 42- 43].

 

الله أعذنا من مضلات الفتن...

 

 

 

المرفقات

للإسلام

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات