آداب زيارة النبي -صلى الله عليه وسلم-

إبراهيم سلقيني

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/إرسال الله لمحمد -صلى الله عليه وسلم- إلى الناس كافة وبعض حقوقه 2/حكم زيارة النبي –صلى الله عليه وسلم- بعد مماته والأدلة على ذلك 3/آداب زيارة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد مماته

اقتباس

فتح الله به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، وأنقذهم بعد الضلالة، وهداهم إلى الصراط المستقيم، فمن أدنى درجات الوفاء والبر: زيارته، وأن يعرف لأهل الفضل فضلهم، وأن يزار مشيا على رؤوس على الأقدام. أن يزار في حياته، فيتشرف زائره المؤمن بشرف الصحبة، وكفى بذلك شرفا وفضلا. وأن يزار بعد وفاته، في...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله آناء الليل وأطراف النهار، ملء السماوات وملء الأرض حيثما توجه الإنسان وحيثما استقر.

الحمد لله العلي القادر، العزيز القاهر، القدير الذي لا ينسى، الحكيم الذي لا يضل.

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأولاده، وخلفائه الراشدين الهادين المهدين من بعده سيدنا أبوبكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى باقي الصحابة والقرابة والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد:

 

أيها الإخوة المؤمنون: تحدثت فيما سبق حديثا خاطفا عن فرضية الحج وركنيته، وبعض الآثار له، وبعض الأحكام الضرورية فيه.

 

واليوم أتحدث عن زيارة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

إخوتي الأحبة: محمد - صلى الله عليه وسلم - رسول الله أرسله إلى الناس كافة: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)[الأنبياء: 107].

 

(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا)[سبأ: 28].

 

أرسله بأكمل الشرائع، وخاتمة الرسالات جميعا: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)[المائدة:3].

 

وفرض على الناس جميعا: الإيمان به واتباعه، وتطبيق شريعته: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)[النساء:65].

 

وفتح الله به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، وأنقذهم بعد الضلالة، وهداهم إلى الصراط المستقيم، فمن أدنى درجات الوفاء والبر: زيارته، وأن يعرف لأهل الفضل فضلهم، وأن يزار مشيا على رؤوس على الأقدام.

 

أن يزار في حياته، فيتشرف زائره المؤمن بشرف الصحبة، وكفى بذلك شرفا وفضلا.

 

وأن يزار بعد وفاته، في حياته الخاصة وهو في قبره، فينعم زائره بهذه الزيارة، رجاء الثواب، وإرضاءً لمشاعر وعواطف القلب، ورغبة في الوصول إلى شفاعته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

 

وقد أجمع العلماء على أن زيارته  صلى الله عليه وسلم، وزيارة صاحبيه من أفضل المندوبات، ومن القربات التي تقرب من درجة الواجبات.

 

واتفقوا جميعا على أن زيارته سنة مؤكدة، والدليل على ذلك من القرآن ومن السنة.

 

أما من القرآن، فقول الله -عز وجل-: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا)[النساء: 64].

 

وأيضا قوله عز وجل: (وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)[النساء: 100].

 

والآيتان الكريمتان: تدل على أنه لم يخصص الخروج والمجيء بحياته صلى الله عليه وسلم ، بل هو نص عام مطلق، يشمل الخروج إلى الله ورسوله في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد مماته.

 

ويشمل أيضا المجيء: (جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ)[النساء:64].

 

لم يقل في حياته، بل جاء النص عاما مطلقا، فيشمل حال الحياة، وحال الممات؛ لأنه علماء الأصول ذكروا: أن النص العام يبقى عاما حتى يرد نص مخصصا له، والنص المطلق يبقى مطلقا حتى يرد نص مقيدا له، ولم يرد عن الشارع ما يخصص، أو يقيد.

 

ومن ذلك الحديث الصحيح من السنة الصحيحة، روى الحديث البخاري ومسلم، وأصح الأحاديث بعد كتاب الله ما اتفق على روايته الإمامان البخاري ومسلم، والحديث: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزورها فإنها تذكر بالآخرة".

 

وفي رواية: "بالموت".

 

وكفى بالموت واعظا.

 

أما الأحاديث الأخرى التي أنوه عنها، منها قوله صلى الله عليه وسلم: "من وجد سعة فلم يزرني فقد جفاني".

 

ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: "من زار قبري وجبت له شفاعتي".

 

هذه الأحاديث وغيرها كثير، وإن كانت أحاديث ضعيفة، ولكن اتفق العلماء على أن الأحاديث الضعيفة يعمل بها في فضائل الأعمال، لا يعمل بها في أمور العقيدة، أو في أصول العبادات، أو أصول الأحكام التشريعية وقواعدها.

 

أيها الإخوة: أليس من الوفاء أن نزور من نخاطبه كل يوم مرات متعددة في صلواتنا، خطاب مشافهة، فنقول: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"؟.

 

والأفضل بالنسبة للحاج الذي يؤدي حج الفريضة: أن يبدأ بالحج، ويؤخر الزيارة.

 

أما إذا كان حج نافلة، فمخير بين أن يبدأ بالزيارة، أو يبدأ بالحج، إلا إذا قدم عن طريق البر مثلا من بلاد الشام، فالمطلوب أن يزور أولا؛ لأنه من الجفاء أن يمر ببلد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ثم لا يقوم بزيارته.

 

ومن المطلوب أيضا: أن ينوي الزائر زيارة مسجده صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبر صلى الله عليه وسلم أن صلاة في مسجده تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام.

 

وفي بعض الروايات: "الصلاة في المسجد الحرام خير من مائة ألف صلاة فيما سواه، وصلاة في مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- خير من ألف صلاة فيما سواه، وصلاة في المسجد الأقصى خير من خمسمائة صلاة فيما سواه".

 

والمراد بالخيرية هنا مضاعفة الأجير والثواب، لا أن صلاة في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- تؤدى عن قضاء ألف صلاة من الفريضة.

 

وفي الحديث الصحيح أيضا: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا - أي مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والمسجد الأقصى".

 

فلينو الزائر أيضا زيارة المسجد، ولكن -أيها الإخوة- أين هو المسجد الأقصى؟

 

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

وأخيرا أذكر موقفا لأعرابي وقف أمام قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بكل أدب واحترام، وأنشد يقول:

 

إن الملوك إذا شابت عبيدهم *** في رقهم عتقوهم عتق أبرار

وأنت يا خالقي أولى بذا كرما *** قد شبت في الرق فأعتقني من النار

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه، انه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغاما لمن جحد وكفر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، سيد الخلائق والبشر، الشفيع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى أصحابه ما اتصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر.

 

أما بعد:

 

عباد الله: أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فاتقوا الله العلي حق تقواه، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه، وتزودوا من دنياكم لآخرتكم عملا يرضاه.

 

واعلموا أنه لا يضر وينفع، ولا يصل ويقطع، ولا يفرق ويجمع، ولا يعطي ويمنع، ولا يخفض ويرفع، إلا الله.

 

واعلموا أن الله -سبحانه- وله الأمر، أمرنا بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بالملائكة المسبحة بقدسه، فقال عز من قائل مخبرا وأمرا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما تعاقبت الأوقات.

 

اللهم أيد الإسلام والمسلمين، وانصر يا مولانا كلمة الحق والدين، وبدد اللهم شمل الكفرة والفسقة والملحدين.

 

 

 

المرفقات

زيارة النبي -صلى الله عليه وسلم-

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات