كل يعمل على شاكلته

الطيب بن أحمد عشاب

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ حَقيقةٌ لا يُماري ولا يُجادِلُ فيها أحدٌ 2/ تَعَدُّد أَبْواب الْخَيْرِ 3/ أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟4/ طُرُقُ الْخَيْرِ مُتَعَدِّدَةٌ 5/ لِأََعْمالِ الْخَيْرِ أبْوابٌ مُتَنَوِّعَةٌ وكُلّ مُيَسَّر لِمَا خُلِقَ له6/ أَهَمِّيَةُ تَنَوُّعِ المْواهِبِ وَالاسْتِعْداداتِ والقُدُراتِ الفَرديةِ.

اقتباس

إنَّ حَقيقَةَ "كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ"، و"كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ"، تُبَيِّنُ أَنَّ اللهَ -تَبارَكَ وَتَعالى- قَسَمَ بَيْنَ عِبادِهِ مَؤَهِّلاتِهِمْ وَمَلَكاتِهِمْ وَمَواهِبَهُمْ، كَما قَسَمَ أَرْزاقَهُمْ وَأَعْمارَهُمْ وطَبائِعَهُمْ، ونَوَّعَ بَيْنَ أَوْلَوِياتِهِمْ وَاهْتِماماتِهِمْ كَما نَوَّعَ بَيْنَ أَعْراقِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ.

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ للهِ الْواحدِ الأحدِ الفردِ الصمدِ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ. أَحْمَدُهُ سُبحانَهُ وَتَعالى حمْداً كَثيراً مُبارَكاً فيهِ كَما يَنْبَغي لِجَلالِ عِزِّهِ وَعَظيمِ سُلْطانِهِ. وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، أَكْرَمَنا بخيرِ نبيٍّ أُرْسِل وبِأَفْضَلِ كتابٍ أُنْزِل وأَتمَّ نعمتَـهُ علينا بِأَعْظَمِ دينٍ شُرِع (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [المائدة: 3].

 

وَأَشْهَدُ أَنَّ محمداً عبدُهُ ورَسولُهُ، أَرْسلَهُ على حينِ فترةٍ من الرسلِ بيْنَ يدي الساعةِ بشيراً ونذيراً. بَلَّغَ الرسالةَ، أدَّى الأمانةَ، نصح الأمةَ وجاهدَ في الله حقَّ جهادهِ حتى أتاهُ اليقينُ منْ ربِّهِ. فاللهم صلِّ عليه وعلى آله وأزواجِهِ الطيبينَ الطاهرين وعلى أصحابه الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]،

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70- 71].

 

أيها المسلمون.. حَقيقةٌ لا يُماري ولا يُجادِلُ فيها أحدٌ، قرَّرَها اللهُ الْواحدُ الأحدُ، وَهِيَ (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)، فَكُلٌّ يَتْعَبُ وَيَشْقى، حسَبَ طَريقَتِهِ وَسيَرتِهِ التي اعْتادَها وَنَشأ عَلَيْها. وَكُلٌّ يَكدّ وَيَسْعى بما وافَقَ جَوْهَرَ نَفْسِهِ وَنِياتِه. قالَ تَعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً) [الإسراء: 84].

 

إِنَّ قَوْلَهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)، حَقيقَةٌ قَرَّرَها اللهُ تَعالى بِكَلِِماتٍ قَليلَةٍ، وَأَثَرٌ ِمنْ آثارِ حِكْمَةٍ لَهُ في خَلْقِهِ بَليغَةٍ، كَقَوْلِهِ -عزَّ وَجَلَّ-: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)[ الليل: 4] وقََوْلِهِ عزَّ مِنْ قائِلٍ: (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مشْرَبَهُمْ)[ البقرة: 60].

 

وَهِيَ تُبَصِّرُ مَنْ تَدَبَّرَها وَتَأمَّلَها مِنْ أَجْلِ تَحْقيقِ التَّنْظيمِ وَتَوْزيعِ الْأَدْوارِ بِإِخْلاصٍ لِيَعْمَلَ كُلٌّ فِي حُدودِ طاقاتِهِ وَاسْتِعْداداتِهِ، وَلا يَبْغي أَحَدٌ عَلى أَحَدٍ.

 

وَمَعْنى الشَّاكِلَةُ: الطَّرِيقَةُ وَالسِّيرَةُ الَّتِي اعْتَادَهَا صَاحِبُهَا وَنَشَأَ عَلَيْهَا. قالَ ابنُ عاشور[التحرير والتنوير 15/194]: "وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي الْآيَةِ تَجْرِي مَجْرَى الْمَثَلِ". وَقَدْ جاءَتِ السُّنَة الْمُطَهَّرَةُ بِتَقْريرِ هَذا الْمَعْنى كَما في قَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» (البخاري7551 ومسلم 2649) أَيْ: كُلٌّ مُهَيَّأٌ لِما خُلِقَ لَهُ.

 

إنَّ حَقيقَةَ "كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ"، و"كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ"، تُبَيِّنُ أَنَّ اللهَ -تَبارَكَ وَتَعالى- قَسَمَ بَيْنَ عِبادِهِ مَؤَهِّلاتِهِمْ وَمَلَكاتِهِمْ وَمَواهِبَهُمْ، كَما قَسَمَ أَرْزاقَهُمْ وَأَعْمارَهُمْ وطَبائِعَهُمْ ونَوَّعَ بَيْنَ أَوْلَوِياتِهِمْ وَاهْتِماماتِهِمْ كَما نَوَّعَ بَيْنَ أَعْراقِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ.

 

كَما تُبَيِّنُ تَعَدُّدَ أَبْواب الْخَيْرِ، وَهِيَ لا تُفْتَحُ كُلُّهَا في آنٍ واحِدٍ لِكُلِّ إِنْسَانٍ. وَلِذلِكَ كَانَ أصْحابُ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلونَهُ أيّ الأعمالِ أفضَلُ؟ أو أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟ لأنّهم يَعْلمون أنّ الإنسانَ ليس في وُسْعِه وَلا في طاقَتِه أنْ يأْتيَ بِجَميعِ الأعْمالِ. وَكانَ جَوابُهُ مُتَعَدِّداً مُتَنَوِّعًا؛ لِأَنَّهُ أَجابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَمَا يُناسِبُهُ.

 

أَخْرَجَ الْبُخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ»(البخاري: 26).

 

وعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، أَنَّهَا قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» وَقَالَ: «اكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ» (البخاري 6465 ومسلم 783).

 

وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (البخاري 7534).

 

طُرُقُ الْخَيْرِ مُتَعَدِّدَةٌ وَلِأََعْمالِ الْخَيْرِ أبْوابٌ مُتَنَوِّعَةٌ مَفْتوحَةٌ مُشْرَعَةٌ وَكُلُّ بابٍ مِنْها يُدْعَى صاحِبُهُ مِنْ نَظيرِهِ في الْجَنَّةِ.

 

عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقُولُ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ، - يَعْنِي الجَنَّةَ، - يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصِّيَامِ، وَبَابِ الرَّيَّانِ»، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا عَلَى هَذَا الَّذِي يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، وَقَالَ: هَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ»(البخاري 1897، ومسلم 1027).

 

لمَاَّ جَعَلَ اللهُ تَعالى أَبْوابَ الْخَيْرِ مُتَنَوِّعَةً، جَعَلَ أَبْوابَ الْجَنَّةِ ثمانيةً، لِكًلِّ عَمَلٍ بابٌ. عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لاَ يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ»(البخاري 3257).

 

وفي نونية ابن القيم الجوزية:

أبوابُها حقٌ ثمانيةٌ أتت *** في النَّصِّ وهي لصاحِبِ الإحْسانِ

بابُ الجِهادِ وذاك أعلاها وبابُ *** الصَّوْمِ، يُدْعى البابُ بِالرَّيانِ

وَلِكُلِّ سَعْىٍ صالحٍ بابٌ ورَبُ *** السَّعْي منه داخلٌ بأمانِ

وَلَسَوْفَ يُدْعى المرءُ منْ أَبْوابها *** جَمْعاً إذا وافى حُلى الإيمانِ

مِنْهُمْ أبو بَكرٍ هو الصدّيق ذاك *** خَليفَةُ المبْعوثِ بالْقُرْآنِ

 

إنَّ مِنْ حِكْمَةِ اللهِ تَعالى الْبالِغةِ أَنْ خَلَقَ الحْيَاةَ الدُّنْيا مَبْنِيَةً عَلى أَساسِ التَّنَوُّعِ وَمنْ رَأْفَتِهِ تَعالى بِعِبادِهِ أَنْ نَوَّعَ لَهُمْ طُرُقَ الخير وعَدَّدَ لَهُمْ سُبُلَ الْوُصولِ إِلى جَنَّتِهِ وَنَيْلِ رِضْوانِه. فَلَمْ يَحْصُرْ الخْيَْرَ وَالْبِرَّ في بابِ واحِدٍ، لِيَسْتَطيعَ كُلُّ مِنْهُمْ أَنْ يُسابِقَ في الْبابِ الذي يَسْتَطيعُ. (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)[البقرة: 148].

 

وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ في التَّمْهِيدِ (التمهيد لابن عبد البر: 7/185) قِصَّةً مَفَادُهَا "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعُمَرِيَّ الْعَابِدَ كَتَبَ إِلَى مَالِكٍ يَحُضُّهُ إِلَى الِانْفِرَادِ وَالْعَمَلِ وَيَرْغَبُ بِهِ عَنِ الِاجْتِمَاعِ إِلَيْهِ فِي الْعِلْمِ.. فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَسَّمَ الْأَعْمَالَ كَمَا قَسَّمَ الْأَرْزَاقَ، فَرُبَّ رَجُلٍ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ، وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فِي الصِّيَامِ وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الْجِهَادِ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ. وَنَشْرُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ الْبِرِّ، وَقَدْ رَضِيتُ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ لِي فِيهِ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا أَظُنُّ مَا أَنَا فِيهِ بِدُونِ مَا أَنْتَ فِيهِ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ كِلَانَا عَلَى خَيْرٍ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَرْضَى بِمَا قُسِّمَ لَهُ وَالسَّلَامُ".

 

وَهَكَذا تُبَيِّنُ حَقيقَةُ (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) سِرَّ اللهِ في الْفَتْحِ عَلى عِبادِهِ مِنْ أَلْوانِ الطَّاعاتِ وَصُنوفِ الْعِباداتِ وأنواعِ الاجْتِهاداتِ وَطُرُقِ الْمُسابقاتِ إِلى الخْيَرْاتِ، فَمِنْهُمْ مَنْ فَتَحَ عَلَيْهِ في بابِ الصَّلاةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فتَحَ َعَلَيْهِ في قِراءَةِ الْقُرْآنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَتَحَ عَلَيْهِ في الصِّيَامِ أَوْ الصَّدَقاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَتَحَ عَلَيْهِ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تَعَالى، وَمِنْهُمْ مَنْ فَتَحَ عَلَيْهِمْ في مُساعَدَةِ الْمُحْتاجين مِنَ الْمَرْضى وَالْمُعاقِين، وَمِنْهُمْ مَنْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ في إيصالِ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ عَنْ طَرِيقِ مُؤَسَّساتِ المجتمعِ الْمَدَني وَوَسائِلِ الإعْلام الْمُعاصِرَةِ.

 

اللهم اجْعَلْ أَعْمالَنا خالِصَةً لِوَجْهِكَ الكَريمِ واسْتَعْمِلْنا لِدينِكَ وَلا تَسْتَبْدِلْنا. بارَكَ الله ُلي ولَكُمْ في القُرآنِ العظيمِ وسُنَّةِ سَيِّدِ المُْرْسَلين. وآخرُ دَعْوانا أَن الحمدُ للهِ ربِّ الْعالمينَ.

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين..

 

عباد الله... إِنَّ مِنْ فِقْهِ هَذِهِ الْحَقيقَةِ المْقَرَّرَةِ في قَوْلِه تعالى: (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) ألَّا يُعْتَمَدَ عَلَيْها في عَدَمِ الْعَمَلِ..

 

عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي جَنَازَةٍ، فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ، فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا، وَنَدَعُ العَمَلَ؟ قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ»(البخاري 4949).

 

 الإنسانُ عاجِزٌ عَن إِخْفاءِ ما بِداخلِهِ؛ لأنَّ الشَّخْصِيةَ الإنْسانيَةَ وِعاءٌ مَلْموسٌ، صِفاتُهُ تُدْرَكُ بِالْعُقولِ. فالَّذي يُضْفي عَلى شَخْصِيتِه صِفَةَ الصَّلاحِ بمظاهرَ خارجيةٍ سَرْعانَ ما تَنْكشِفُ حقيقتُه. والذي يَدَّعي رَغْبَتَهُ في خِدْمة إخوانِه المسلمين وَتَحْقيقِ المصالِحِ الْعُليا وَهُوَ كاذبٌ سَرْعانَ ما تَنْكَشِفُ نَواياهُ الْحَقيقيةُ عِنْدَ بُلوغه لأهدافِه وتبوئِه المناصبَ.

 

 أَهَمِّيَةُ تَنَوُّعِ المْواهِبِ وَالاسْتِعْداداتِ والقُدُراتِ الفَرديةِ وَضَرورةُ استغلالِها في تَفْعيلِ طاقاتِ الأُمَّةِ بِوَضْعِ الرَّجُلِ المناسِبِ في المكانِ المناسِبِ لِتَتَجاوَزَ أُمَّتُنا أَزْمَةَ خَسارَةِ الطاقاتِ الواعدَةِ وَأَزْمَةِ إِسْنادِ الأَمْرِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ وَهُوَ ما حَذَّرَ مِنْهُ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»(البخاري 6496).

 

وَبيَّنَ أنَّ بَيْنَ يَدَيْ هذه الساعةِ أَنْ يَنْطِقَ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ، وَلمَا سُئِلَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ» (ابن ماجه 4036).

 

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.

 

 

 

المرفقات

يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات