الجدية في استقبال العام الدراسي الجديد من مدلول قوله (فليغرسها)

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: بناء المجتمع
عناصر الخطبة
1/ معين الأمة الذي لا ينضب 2/ الإسلام يدعو أتباعه للجدية وعمارة الأرض حتى آخر لحظة في العمر 3/ تقدير قيمة العمل في الإسلام 4/ وجوب تربية الأبناء على الجدية في الحياة 5/ بعض التعليقات الساخرة من العودة للمدارس 6/ لا تسود أمة الإسلام بغير التعلم والجد والبذل والتفاني بالعطاء

اقتباس

في كل عام وقبل عودة المعلمين والمعلمات والطلاب والطالبات يطلق بعض الناس بعض التعليقات المخذلة والعبارات الساخرة منهم، وأنهم بصدد البداية بالتعب والنَّصَب، وسلام على الراحة، وكفاكم ما استمتعتم به من إجازة وراحة.. والظاهر لي أن هذا من التخذيل غير المشروع.. وحري بأمة اقرأ وأتباع النبي المحفّز والمعزّز لكل عمل إيجابي يُعز الأمة ويعمر الكون أن يكون منطلقهم ومقالهم مهتديًا بقول الهادي البشير: "فليغرسها"..

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

أيها الإخوة: يظل الكتاب والسنة معين الأمة الذي لا ينضب، فمنهما تستلهم العبرة، ومنهما توصف القدوة، ولقد انتهج رسولنا -صلى الله عليه وسلم- نهجاً فريداً في توجيه الأمة، فتارة بالقول وأخرى بالفعل أو بغيرهما، ومما صح عنه في ذلك هذا الحديث فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ" (رواه أحمد وإسناده صحيح على شرط مسلم).

 

والفَسِيلة الصغيرة من النخل التي فُصلت عن النخلة الكبيرة.. قال المناوي: المراد بقيام الساعة أماراتها بدليل حديث "إذا سمع أحدكم بالدجال وفي يده فسيلة فليغرسها، فإن للناس عيشاً بعدُ"، ومقصوده الأمر بالغرس لمن يجيء بعد، وإن ظهرت الأشراط ولم يبق من الدنيا إلا القليل..

وهذه النخلة صغيرة، مع صغرها مجتثة: أي: مقْطُوعَة من أَصلها القوي، وهي النخلة الأم التي هي سبب حياتها ونموها، وستنقل إلى موضع غرس جديد تبدأ به حياةً جديدة.. وتحتاج ممن زرعها إلى عناية فائقة وكبيرة حتى تستمر حية وتنمو لتثمر.. إذاً احتمالات موتها كثيرة، واحتمالات حياتها ضئيلة، وأهل الزراعة يعلمون ذلك.. ثم إذا كتب الله لها الحياة فهي تحتاج إلى سنين لتثمر ويستفاد منها..

أيها الإخوة: لما يقرأ أحدنا الجزء الأول من الحديث يتوقع أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سيوجه من بيده هذه الفسيلة النخلة الصغيرة والقيامة قد ظهرت أماراتها الكبيرة، أن يرميها، ويقوم بين يدي الله ليصلي لله ركعتين، أو يقوم بين يدي الله مسبّحاً مستغفراً، أو يوجهه للصدقة أو غير ذلك من الأعمال التعبدية الخالصة.. 

فهذا هو المتوقع على ما نرى خصوصاً وقد تيقن الناسُ من قرب القيامة فعليهم؛ أن ينصرفوا للحظة المرهوبة؟

فهول يوم القيامة على الأبواب، والدنيا ولت واستقبل الناس اليوم الآخر الذي ينسلخ الناس فيه من كل وشيجة تربطهم بالأرض، ويتطلعون في رهبة الخائف وذهول المرتجف إلى قيام اليوم العظيم الذي: (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج: 2].

 

ولكن هذا التوقع نفاه آخر الحديث، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أغرب ما يمكن أن يخطر على قلب بشر! قال لهم: ".. فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ".. وتقدير الكلام فلا يقل: لمن أغرسها وقد قامت الساعة ولن ينتفع بها أحد؟!

الله أكبر أيها الإخوة: يا ألله! يغرسها؟! وما هي حتى يؤمر الأمر المؤكد بغرسها؟ إنها فسيلة النخل التي لا تثمر إلا بعد سنين؟ والقيامة في طريقها إلى أن تقوم! وعن يقين! والمأمور بالغرس قد تأكد له بأنه لن يجني ثمرة عمله ومع ذلك علّمه أن يعمل.

فيا الله! أيّ دين هذا الذي يدعو أتباعه للجدية وعمارة الأرض حتى قرب آخر لحظة في الحياة الدنيا، وأيّ دين هذا الدين الذي يدعو أتباعه لهذه الجدية والنظرة البانية للحياة.. 

إنه الإسلام وحده هو الذي يمكن أن يوجّه القلوب هذا التوجيه.. ونبي الإسلام وحده هو الذي يمكن أن يهتدي هذا الهدي، ويهدي به الآخرين!

فالجد والعمل في دين الإسلام إلى آخر لحظة من لحظات العمر، بل إلى آخر خطوة من خطوات الحياة! وإلا كيف يوجّه رسولنا بقوله: "يغرسها"، والقيامة تقوم.. نعم قاربت أن تقوم عن يقين!..

أيها الأحبة: هذا التوجيه النبوي الكريم يؤكد على قيمة العمل والجد فيه، وإبرازه، والحض عليه؛ لما فيه من عمارة الأرض لنفسه ولمن يأتي بعده، وهي فكرة واضحة شديدة الوضوح في مفهوم الإسلام. ولكن الذي يلفت النظر هنا ليس تقدير قيمة العمل فحسب، وإنما هو إبرازه على أنه طريق إلى الآخرة وسبب كبير لكسب الأجر.

فيا أيها المربون، يا أيها المدرسون، يا أيها الموجهون، معاشر الآباء والأمهات اغرسوا وربوا أبناءكم على هذه المعاني على الجدية في الحياة، على الحرص على العمل والإنتاج المفيد، بدلاً من الكسل واللعب والانشغال بتوافه الأمور تسعدوا بهم، وتسعد بهم أمتهم، وإن فرّطنا وفرطتم في ذلك فذنب الأمة في رقبة من فرط، وانظر لتفضيل الله للعاملين المجتهدين بقوله: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:95].

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم...

 

 

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة: في كل عام وقبل عودة المعلمين والمعلمات والطلاب والطالبات يطلق بعض الناس بعض التعليقات المخذلة والعبارات الساخرة منهم، وأنهم بصدد البداية بالتعب والنَّصَب، وسلام على الراحة، وكفاكم ما استمتعتم به من إجازة وراحة.. والظاهر لي أن هذا من التخذيل غير المشروع.. وحري بأمة اقرأ وأتباع النبي المحفّز والمعزّز لكل عمل إيجابي يُعز الأمة ويعمر الكون أن يكون منطلقهم ومقالهم مهتديًا بقول الهادي البشير: "فليغرسها"..

 

أما أولئك المخذلون والمثبطون وإن نالوا شيئاً من المكانة وتناقل الناس مقالاتهم وتعليقاتهم فلن يعدوا قدرهم، فهم مخذّلون قد نزلت بهم حرفة التخذيل إلى وظيفة "خفير للعدو" وهذه عقوبة عاجلة نعوذ بالله من الخذلان.. 

وعلينا أيها الإخوة: أن نتجاهل أطروحاتهم وتعليقاتهم، وأن لا نتناقلها فيما بيننا.. فما هي إلا أطروحات ساخطة وتعليقات ساخرة يندب وينوح فيها مطلقوها على أيام إجازة ولت ومضت؛ كان الهدف منها استجمام القوى الجاهدة بعد عام دراسي حافل بالعمل لعام جديد نتطلع فيه بأمل لمزيد من العطاء والعمل.

وهذه الأطروحات والتعليقات يستخرج بها الشيطان مشاعر التحسر على أيام إجازة ولت ومضت، ويسب ويظهر السخط لأيام العمل القادمة.. 

فماذا يريد هؤلاء؟! هل يريدون أن تظل الأمة في إجازة طوال حياتها؟! هل يظنون أن السعادة بالقعود والراحة البدنية الدائمة؟!

هل يريدون ذلك لأمة واجبها قيادة العالم وهدايته؟ وهل أمة سادت بغير التعلم والجد والبذل والتفاني بالعطاء..؟!

أحبتي: أرجوكم لا نقل هذا من الدعابة والتسلية وقطع الوقت! فهذا تسمية لهذا العمل الهدام بغير اسمه.

الواجب علينا أن ننشر البِشْر والفرح بأيام الدراسة والتعلم والعمل الجاد النافع للأمة والأفراد.. 

لماذا لا نطلق عبارات الترحيب والفرح والتحفيز، ونبعث وننشر في الأمة معاني الجد والإيجابية والعمل الجاد والباني للأمة لجميع أفرادها من الموظفين والمعلمين والطلاب ذكوراً وإناثاً.. 

فنحن -ولله الحمد- نرفل بالنعم؛ أرزاق دارّة وخيرات قارّة، وأمن وأمان ومُتَع ننهل منها إناء الليل والنهار..

فلك الحمد ربنا فقد أنعمت على أكثرنا بإجازة مع أهله أحبته بأمن وأمان، وصمنا فيها شهرنا في دعة ورخاء، وطابت أعيادنا في أجواء من الفرح، لا صفارات إنذار ولا قصف ولا قتل ولا تدمير، ولا خوف ولا حصار ولا تشريد.. مع تمام العافية فلك اللهم الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا..

لِمَ لا نقول أهلاً بالأحد يوم الدراسة والعمل الأول: مادمنا بنعمة الإسلام رافلين.. أهلاً بالأحد: وهمنا في الأيام القادمة النهوض للمدارس والأعمال سعيدين مستعدين، وليس للدفاع عن أعراضنا وأموالنا وأراضينا.. أهلا بالأحد: ونحن نفيق من النوم بصحة وعافية..

فلك الحمد ربنا حمد الشاكرين فقد قلت وقولك الحق: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7]، ومن ذلك العذاب أن يزيل عنهم النعمة التي أنعم بها عليهم.

والشكر: هو اعتراف القلب بنعم الله والثناء على الله بها، وصرفها في مرضاة الله تعالى، وكفر النعمة ضد ذلك.

اللهم وفقنا لشكر نعمك، ونعوذ بك من تحوّل عافيتك، اللهم امنح المعلمين والمعلمات والطلاب والطالبات الجد والاجتهاد والنشاط، ووفقهم للعلم النافع والعمل الصالح وجعلهم بناة خير لأنفسهم وأمتهم.. وصلوا وسلموا على خير البرية ومعلم البشرية..

 

 

المرفقات

في استقبال العام الدراسي الجديد من مدلول قوله (فليغرسها)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات