تِبر وتراب

محمد الصادق مغلس

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/حديث تشبيه المؤمن بالذهب 2/أوجه التشابه بين المؤمن والذهب 3/بذل الجهد في جمع المسلمين ولم شملهم 4/خصال تفوق بها المسلمين على أرباب الحضارة الغربية

اقتباس

أيها المؤمنون: إن الإنسان المؤمن نفيس، وهو بمحل عظيم عند الله -تبارك وتعالى-، وعند ملائكته، وعند سائر المؤمنين، بل حتى عند الجمادات، يقول الله في غير المؤمنين: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ)[الدخان: 29]. بمعنى أن السماء والأرض وما فيها من جمادات تبكي على المؤمن إذا فارق الحياة؛ لِمَا كان يصعد من عمل صالح منه، والإيمان في جوف المؤمن جوهرة نفيسة لا تضيع أبداً، وفي يوم القيامة عندما يجازَى الناس بأعمالهم، فإن...

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب: 71 - 70].

 

أما بعد:

 

فان خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

 

أيها المسلمون: روى الإمام البيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَثَلُ المؤمن مَثَلُ سبيكة الذهب، إذا نفخت عليها احمرت، وإذا وزنت لم تنقص".

 

يضرب الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث مثلاً للمؤمن، ويمثله عليه الصلاة والسلام بسبيكة الذهب.

 

الذهب كما تعلمون سيد المعادن، والناس يَهْفُون إلى الذهب ويهتمون به.

 

وبعضهم يصل به الأمر إلى حد عبادته: "تعس عبد الدرهم والدينار" كما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

 

والدينار مصنوع من الذهب، وهو وإن كان سيد المعادن فهو من أعراض الدنيا، لا يجوز بحال أن يحل في قلب الإنسان، ينبغي أن يكون في جيبه وليس في قلبه!.

 

يشبِّه الرسول -عليه الصلاة والسلام- المؤمن بالذهب.

 

والذهب له خصائصه، ومنها: أنه لا يتغير مهما تغيرت الظروف التي حوله، ويدخل في النار، والنار تؤثِّر في المعادن، ولكن الذهب الخالص يبقى على صفائه؛ فلا يتكدَّر ولا يلحقه غش.

 

كذلك المؤمن يُبتلى وتنزل به المحن، ولكنه يبقى خالصاً صافياً، لا يتزلزل إيمانه، ولا يهتز إسلامه، ولا يتأثر كما يتأثر غير المؤمنين: "مَثَلُ المؤمن مَثَلُ سبيكة الذهب" تزداد الابتلاءات، فيزداد إيمان المؤمن حُسْناً وبريقاً؛ لأن الذهب يزداد احمراراً، ويزداد صفاءً، ولا ينقص وزنه، سبيكة الذهب هي سبيكة الذهب، والفتن التي يتعرض لها المؤمن لا تُنْقِص من إيمانه.

 

أيها المؤمنون: إن الإنسان المؤمن نفيس، وهو بمحل عظيم عند الله -تبارك وتعالى-، وعند ملائكته، وعند سائر المؤمنين، بل حتى عند الجمادات، يقول الله في غير المؤمنين: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ)[الدخان: 29].

 

بمعنى أن السماء والأرض وما فيها من جمادات تبكي على المؤمن إذا فارق الحياة؛ لِمَا كان يصعد من عمل صالح منه، والإيمان في جوف المؤمن جوهرة نفيسة لا تضيع أبداً، وفي يوم القيامة عندما يجازَى الناس بأعمالهم، فإن المؤمن مهما قلَّ إيمانه ينفعه هذا الإيمان.

 

وقد ورد في الحديث المروي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- الذي أخرجه البخاري ومسلم: أنه بعد أن يشفع الأنبياء، ويشفع الملائكة، يُخْرَجُ مِن النار مَنْ في قلبه دينارٌ من الإيمان.

 

والدينار ذَهبيٌّ كما تعلمون، والإيمان ذهبي نفيس؛ فلا يضيع منه شيء، ولو كان المقدار منه قليلاً، لا يضيع مثقال الدينار منه، بل ينفع صاحبه في ذلك المقام، ثم ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه يخرج بعد ذلك: "مَن كان في قلبه مثقال نصف دينار من إيمان".

 

إنها نَفَاسَة الذهب لا تضيع، وهذه نَفَاسَة الإيمان لا تضيع كذلك.

 

ثم ذكر عليه الصلاة والسلام أنه: "يخرج بعد ذلك من النار مَن كان في قلبه مثقال ذرَّة من إيمان".

 

والذرة وإن صغرت فهي مقدار ذهبي لا يضيع في ميزان الله -جل وعلا-، إنه ليس ذهباً من ذهب الدنيا، إنه ذهب الإيمان، فلا يضيع عند الله -تعالى-.

 

أيها المؤمنون: لقد شبَّه الرسول -عليه الصلاة والسلام- الناس في الحديث الآخر بالمعادن، فقال عليه الصلاة والسلام: "الناس معادن كمعادن الفضة والذهب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة؛ فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف"[أخرجه مسلم].

 

الناس يشبهون المعادن؛ فإذا كان يوجد فيهم من هو في المقام الرفيع؛ فهناك من هو في المقام الأدنى، هنالك أصالة في البشرية، وهنالك زيف، فالأصلاء هم الذين استقروا على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والزيوف هم أولئك الذين تنكَّروا للفطرة، وساروا خلف العدو المبين، خلف الشيطان الرجيم؛ فانحط مقدارهم وانحطت قيمتهم.

 

أيها المسلمون: لا سواءَ بين المؤمن وغير المؤمن، كما أنه لا سواء بين الذهب والتراب، لا سواء بين التِّبر والتراب، لا مقارنة بين المؤمن والكافر، المؤمن وإن كان عاصياً فإنه أفضل من الكافر بما لا يقاس، ولو كان الكافر صاحب مظهر ومنجزات في نظر أهل الدنيا؛ فإنه لا قيمة له عند الله، ولا عند عباد الله، ولا عند مخلوقات الله، أليس الله يقول: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً)[الكهف: 105-103].

 

لا قيمة لهم عند الله ولا وزن، وكذلك لا قيمة لهم عند عباد الله المؤمنين.

 

لقد وصف الله المنافقين في العقيدة، مع أنهم يظهرون الإسلام بأقبح وصف، لَمّا كانت قلوبهم خالية من الإيمان: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[التوبة: 95].

 

وصفهم بما وصف به المشركين: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)[التوبة: 28].

 

هذه هي قيمة الكافرين!.

 

ويجب أن يكون الموقف واضحاً للمؤمن من أهل الإيمان، وللمؤمن من أهل الكفران والشرك، لا يجوز أن تختلط الألوان والأوراق، المؤمن نحرص عليه ونعامله معاملةً تليق به، نكرم المؤمن بقدر ما عنده من إيمان، ولابد أن نتبرأ من الكافرين: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ)[القلم: 35].

 

(أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)[ص: 28].

 

لا نسوي بين التبر والتراب، لا نسوي بين من عنده قَبَسٌ من نور، ومن يتخبط في الظلمات، لا بد أن يكون هذا واضحاً في حياتنا، في ولائنا وبرائنا.

 

إذا تعاملنا مع أهل الشرك والكفر والعلمانيين، فلا بد أن نتعامل معهم بميزان الله جل وعلا-، ولا بد أن نتعامل مع أهل الإيمان بميزان الله، هذا المؤمن أخوك وإن فرق بينكم البلد، أو الجنسية، أو القبيلة، أو الشعب، أو الجماعة، هو أخوك يجب أن لا تفرط فيه، لا تفرط في أخيك مهما قل إيمانه، وحاول أن ترتقي به، وأن تفتح عيونه أكثر على النور، وعلى الهدى والإيمان، وأن تنمِّي فيه جوانب الخير، قال عليه الصلاة والسلام: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير".

 

لا مقارنة بين المؤمن والكافر.

 

إن كثيرين يتبشبشون في وجوه العلمانيين والكافرين؛ فإذا جاء أخوه المسلم قطب جبينه، وعبس وجهه، ما هكذا علمنا الإسلام، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)[البينة: 8 - 7].

 

فالكافر شر البرية والخليقة، والمؤمن خير البرية.

 

هنالك من يعجبون بالكافرين، ويزعمون أنهم أهل تقدّم وترتيب ونظام في حياتهم، وينسون تنكّرهم لأعظم حقيقة في الحياة، وهي: الإيمان، وينسون أنهم يعيشون حياة الحيوانات، كما وصفهم الله بذلك: (أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[الأعراف: 179].

 

وقال تعالى: (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)[الروم: 7].

 

قال الشاعر:

 

أبُنَيَّ إن من الرجال بهيمةً في *** صورة الرجُل السميعِ المُبْصِرِ

فَطِنٌ بكلِّ مُصيبةٍ في مالِهِ *** فإذا أُصيـبَ بدينـهِ لـم يَشْعُـرِ

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم فاستغفروه.

 

 

الخطبة الثانية:

 

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)[الفاتحة2-4].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ)[الحشر: 18-20].

 

أيها المسلمون: يجب أن يحرص المسلمون بعضهم على بعض، كما يحرص المهتمون بالذهب على مثاقيل الذهب، لا يفرطون في شيء منها.

 

صحيح أن أمة الإسلام موزعة على مساحة واسعة، وابتليت بالتشرذم، ولكن لا بد من بذل الجهد لمحاولة لمّ الشمل، وجمع الكلمة بقدر الإمكان، كما يكون معك ذهب قد تشتت هنا وهناك؛ فإنك تحاول جمعه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الأرواح جنود مجندة".

 

وهو حديث علقه البخاري من طريقين؛ فازداد قوة، ورواه مسلم موصولاً، وذكر الحافظ ابن حجر أنه وصله الإسماعيلي وأبو يعلى، فهو حديث متفق عليه.

 

وأهل الإيمان في هذه المساحة الشاسعة من العالم الإسلامي جنود مجندة، وهم غصة في حلق الكفر.

 

يكفي -أيها المسلمون-: أن الإسلام اليوم، هو أكبر قضية تشغل الكافرين، أقاموا من أجلها التحالفات، وغزوا الغزوات، وخسروا المليارات، وحاكوا المؤامرات.

 

هذا يدلنا على مبلغ تأثير المسلمين، رغم تشرذمهم، قيمة الإسلام والمسلمين قيمة عظيمة، إنها قيمة ذهبية.

 

المسلمون جنود مجندة بعملهم للإسلام، هؤلاء يعلمون هنا، وهؤلاء يعملون هناك، إنهم كاللؤلؤ المنثور، ما أرفع قيمة اللؤلؤ! وانتثار اللؤلؤ قد يعطيه لوناً من الحسن.

 

ولله حكمة في أن المسلمين على هذا النحو يبتليهم الله -تعالى-، ويستعصون على الكافرين؛ فلا يملكون إحكام القبضة عليهم، وإن كنا نعلم أن الوحدة لا يعدلها شيء.

 

لقد أراد الله -تعالى- في آخر الزمان أن يدوخ المسلمون الكفر رغم تشرذمهم، وأن يعملوا للإسلام من كل زاوية، ويجمعهم جميعاً الكتاب والسنة، ولا يدخل معهم من لم يكن ملتزماً بهاذين الأصلين، أو الوحيين.

 

والمعجبون بالغرب الذين يجلدون المسلمين صباح مساء، وأنهم متخلفون، وأنهم في ذيل القافلة، لا يعلمون أن بصيصاً من نور عند المسلم لا تعدله بحار من الظلمات عند الكافر.

 

ماذا عند هؤلاء الكافرين أكثر من بحار الظلمات: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ)[النور: 40].

 

وصلوا إلى القمر، بنوا ناطحات السحاب، صنعوا الصواريخ عابرات القارات؛ كل هذا في الميزان الدقيق، ميزان الإيمان لا قيمة له، إنهم حيوانات لا قيمة لها: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ)[محمد: 12].

 

إن المسلمين رغم تشرذمهم عندهم الإيمان، وهو أغلى نعمة: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً)[المائدة: 3].

 

هذه النعمة لا مثيل لها.

 

والمسلمون عندهم الأخلاق الكريمة، عندهم الصفات الحميدة، عندهم الخير في كل المجالات.

 

ثم إن لهم من دنيا الناس زراعة كزراعة الآخرين، وصناعة كصناعة الآخرين؛ ألم يصلوا إلى السلاح النووي في الباكستان؟

 

عندهم الثروات الهائلة ورؤوس الأموال، وعندهم الاقتصاد، عندهم سائر أعراض الدنيا، بل إن كثيراً من الكفاءات عند أولئك الغربيين كفاءات إسلامية، ومعظم رؤوس الأموال هنالك إسلامية.

 

فالمسلمون موجودون ملء السمع والبصر على سطح الأرض.

 

فلا يجوز أبداً أن تُسَبَّ الأمة الإسلامية، وتتهم بأنها ذيلية.

 

صحيح بأن هنالك منافقين ومنحرفين وعملاء، ولكن هذا بالنسبة لمجموع الأمة الإسلامية شيء قليل، وشيء يسير، فلا بد أن نعظم ما عظم الله، لا بد أن نعظم شأن الإسلام والمسلمين، لا بد أن نندفع نحو إصلاح الذات، وتكميل وترميم الوضع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

أما أن يقال: لا يوجد في المسلمين كفاءة، ولا صناعة؛ فهذه جناية، وهي تصدر عن أولئك المنبهرين بالمغضوب عليهم والضالين، وهي لا تتأتى أبداً من العلماء المنصفين، الذين يزنون الأمور بموازينها، ويعرفون الحقائق.

 

أيها المسلمون: فلنحرص على جمع الكلمة ما استطعنا، وعلى الولاء والمحبة والمناصرة لسائر إخواننا المسلمين.

 

إن العالم كله يهتز بسبب جهاد قلة من أهل الإيمان في فلسطين، أو في الصومال، أو في العراق، أو في أفغانستان، أو في الشيشان، أو في سائر الأقطار، رغم القلة فكيف لو اجتمع هؤلاء؟!

 

لقد أغرقوا من قبل الاتحاد السوفيتي، أغرقوه فمات واندثر بجهادهم، واليوم التحالف الغربي الكبير في طريقه للغرق إن شاء الله؛ فهل يقال بعد ذلك: إن أمة الإسلام ميتة!.

 

كلا والله.

 

مَن يقول هذا الكلام هو الميت!.

 

أيها المسلمون: علينا أن ننظر بمنظار الشرع، وأن نعاير بالمعايير الإيمانية، وأن نقيس الأمور بمقياس الكتاب والسنة، قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ)[المنافقون: 8].

 

ننظر إلى إخواننا المؤمنين بهذا المنظار، دون احتقار لأي مسلم؛ حتى لو كان بينك وبينه عداوة: "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم"[رواه مسلم].

 

اكسروا الحواجز والحدود التي نصبها شياطين الإنس والجن، بين الجنود المجندة من أهل الإيمان، بين الشعوب، بين القبائل، بين الجماعات، دمروا هذه الحواجز، وابدؤوا.

 

يبدأ كل إنسان من عنده، قال عليه الصلاة والسلام: "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"[رواه الجماعة إلا النسائي].

 

لا تجعلوا هذه الحواجز تسجنكم في زنازين مغلقة، بل انطلقوا وانفتحوا بعضكم على بعض، وتذكروا قول الله -جل وعلا-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات: 10].

 

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

 

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب الدعوات.

 

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

 

اللهم أصلح من في صلاحه صلاح الإسلام والمسلمين، وأهلك من في هلاكه صلاح الإسلام والمسلمين.

 

اللهم أصلح أمر أمة الإسلام، اللهم أبرم لأمة الإسلام أمر رشد، يُعَزُّ فيه أهل طاعتك، وتزول فيه سيطرة أهل المعاصي على عبادك، يا رب العالمين!.

 

اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، ولا تولِّ عليهم شرارهم، اللهم أعِدْ للمسلمين وحدتهم المفقودة، وخلافتهم الراشدة.

 

اللهم انصر عبادك المجاهدين في مشارق الأرض ومغاربها، على أعدائك أعداء الدين.

 

أيها المسلمون: يقول الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90].

 

وأقم الصلاة.

 

 

 

 

المرفقات

وتراب

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات