كفالة اليتيم

محمد أسعد

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ حاجة كل مجتمع لرعاية أيتامه 2/ أمر الإسلام بالإحسان إلى اليتامى 3/ الاعتداء على أموال اليتامى ظلم كبير وإثم عظيم 4/ المشابهون للأيتام في المعاناة والأسى 5/ دور أم الأيتام في رعايتهم 6/ واجب المجتمع تجاه أم الأيتام 7/ كن صالحا في نفسك واتق الله في الأيتام

اقتباس

كفالة اليتيم مساهمة في بناء مجتمع خال من الحقد والكراهية، مجتمع تسوده الرحمة والمحبة، واليتيم إذا لم يجد من يعوضه حنان أبيه، ربما نفر طبعه، وشرد فكره، فلا يحس برابطة ولا يجيش صدره بمودة، وقد يكون أداة فساد في المجتمع.. والإحسان إلى اليتيم سبب لجلب الخيرات والبركات ودفع البلايا والمضرات. والحنو على اليتامى سبب لرقة القلب وذهاب قسوته: شكا رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قسوة قلبه فأوصاه أن يمسح رأس اليتيم.

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحَمْدُ للهِ رَبّ العَالَمِينَ، أَوصَى بِالإِحْسانِ إِلى الأَيْتامِ، وأَمَرَ لَهُمْ بِجَمِيلِ الرِّعايَةِ وحُسْنِ القِيامِ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحمَّداً عَبْدُ اللهِ ورَسُولُهُ، وَجَدَهُ ربه يَتِيماً فَآواهُ، وضَالاًّ فَأَرشَدَهُ وهَداهُ، وعَائلاً فَرَزَقَهُ وأَغنَاهُ، --صلى الله عليه وسلم-- وَعلَى آلِهِ وصَحْبِهِ رُعاةِ حُقُوقِ المِسكِينِ واليَتِيمِ، وعَلَى مَنْ سَارَ علَى نَهْجِهم واقتفى أثرهم  إِلى يَوْمِ الدِّينِ.

 

 أَمّا بَعْدُ، فلا يخلو مجتمع من أطفال يتامى فارق الموت عنهم آباءهم قبل وصولهم سن التكليف، ومعلوم حاجة اليتيم إلى العطف والحنان والعناية والرعاية والإحسان، ذلكم ما أولاه الإسلام العناية البالغة، وأكده في نصوص قرآنية وحديثية كثيرة.

 

 أمر الله تعالى بالإحسان إلى اليتامى فقال -عز وجل-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ) [النساء: 36] وقال -عز وجل-: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) [البقرة: 220].

 

أخذ الله العهد على الأمم قبلنا بالإحسان إلى اليتامى فقال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ) [البقرة: 83].

 

حَثَّ الإسلاَمُ على رعاية اليتيم بِتَوفِيرِ حاجاته ومتطلباته، وجعل النفقة عليه خير نفقة ينفقها المسلم، يرجو ثوابها عند الله، قَالَ تَعالَى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [البقرة: 215].

 

أوصى الله تعالى بحفظ مال اليتيم ورعايته وتنميته وعدم الاعتداء عليه بأي شكل من الأشكال، فقال : (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) [الأنعام: 152].

 

الاعتداء على أموال اليتامى ظلم كبير وإثم عظيم، يوجب الله لصاحبه العقوبة في الدنيا والآخرة، يقول تعالى: (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا)[النساء: 82]، وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء: 10].

 

مشاعر اليتيم، ربما أثرت فيها الكلمة العابرة، لذلك نهى الله -تعالى- عن أذيته وإهانته بأي نوع من الإهانة والأذى، فقَالَ تَعالَى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) [الضحى: 9].

 

ظلم اليتيم وقهره قرين التكذيب بيوم الدين في كتاب الله -عز وجل-، لعظم الجرم فيه عند الله تعالى، يقول سبحانه: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) [الماعون: 1- 3].

 

ومن إكرام اليَتِيمِ والقيام بحقه: تأْدِيبه ورِعايَته، فإِذا كَانَ كَافِلُ اليَتِيمِ فِي مَقامِ والِدِهِ، فَإِنهُ يُؤْمَرُ بِكُل مَا يُؤْمَرُ بِهِ الوالِدُ مِنْ تَربِيَةٍ حَسَنةٍ وتَنشِئةٍ سَلِيمَةٍ علَى مَكارِمِ الأَخلاَقِ وجَمِيلِ الصِّفاتِ، فهَذا نَبِيّ اللهِ زَكَريّا -علَيهِ السَّلاَمُ- يكفل الصديقة مَريمَ ويُتابِعُها ويُراقِبُها، ويَسألُها عَنِ الرّزقِ الذِي وَجَدَهُ عِنْدَها، قَالَ تَعالَى: (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[آل عمران: 37].

 

وبالجملة فكل حق كفله الإسلام للإنسان فهو حق لليتيم يجب على المجتمع توفيره ورعايته وحفظه إلى أن يصبح قادراً على الاعتماد على نفسه والقيام برعاية شؤونه.

 

نشأ نبينا -صلى الله عليه وسلم- يتيمًا، فبشرى لليتامى، فخير البشر محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يتيمًا. قال تعالى:  (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى) [الضحى:6].

 

ما اليُتْمُ إلاَّ ساحةٌ مفتوحةٌ *** منها نجهِّز للحياةِ عظيما

  حَسْبُ اليتيم سعادةً أنَّ الذي *** نشرَ الهُدَى في الناسِ عاشَ  يَتيما

 

كفالة اليتيم مساهمة في بناء مجتمع خال من الحقد والكراهية، مجتمع تسوده الرحمة والمحبة، واليتيم إذا لم يجد من يعوضه حنان أبيه، ربما نفر طبعه، وشرد فكره، فلا يحس برابطة ولا يجيش صدره بمودة، وقد يكون أداة فساد في المجتمع.

 

 والإحسان إلى اليتيم سبب لجلب الخيرات والبركات ودفع البلايا والمضرات. والحنو على اليتامى سبب لرقة القلب وذهاب قسوته: شكا رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قسوة قلبه فأوصاه أن يمسح رأس اليتيم.

 

وإكرام اليتيم سبيل إلى الفوز بالجنة والنجاة من النار, قال تعالى في وصف المؤمنين المتقين: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) [الإنسان: 8 - 12].

 

كافل اليتيم مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، ففي الحديث: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين"، وأشار بالسبابة والوسطى وفرّج بينهما شيئًا.

 

ومثل الأيتام في المعاناة والأسى: الأطفال المجهولة أنسابهم، والأطفال الذين فقدوا رعاية والديهم بغير يتم، أو غاب عنهم آباؤهم غيبة طويلة، أفقدتهم الشعور بعاطفة الأبوة، وتركتهم يجابهون بأنفسهم مصاعب الحياة، فلهم جميعا على المجتمع حق الرعاية والإحسان والإكرام.

 

فاتقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، وأدّوا مَا أَوجَبَ اللهُ علَيكُم فِي شأْنِ اليَتامَى وأَموالِهم، فإِنّهم أَبْناؤُكم وأَمانَةٌ فِي أَعناقِكُم.

 

 أقُولُ قَوْلي هَذَا، وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.

  

الخطبة الثانية

 

  الحمد لله...

 

أَمَّا بَعْدُ، فالأم هي الكفيلة الأولى لأبنائها، تحفّهم بعطفها وحنانها، وتقاسمهم الحزن على فراق زوجها، وتحمل هم رعايتهم وتنشئتهم كما لو كان أبوهم حاضراً موجوداً؛ إنها الجديرة بما أعد الله تعالى للكافلين للأيتام من رفيع المنزلة وعظيم الجزاء، متى استشعرت مسؤوليتها وقامت بواجبها حسب طاقتها ووسعها، وكَمْ أَثبَتَتْ أُمَّهاتٌ فِي تَربِيَةِ أَولاَدِهِنَّ ما عَجِزَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنَ الرِّجالِ.

 

واجب على المجتمع أن يكون لها سنداً وعوناً، واجب على المجتمع أن يحفظ كرامتها، ويعينها على أداء رسالتها، وألا يسمح لأحد أن يستغل ضعفها وضعف صغيرها وحاجتها وقلة حيلتها، من أجل ذلك أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمرأة واليتيم وحذّر من الإساءة إليهما؛ حيث قال: "اللهم إني أحرّج حق الضعيفين، اليتيم والمرأة" (رواه أحمد وابن ماجه)، أي: أضيِّق على الناس في تضْييع حقهما، وأشدد عليهم في ذلك.

 

 وقال أيضًا: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل".

 

ألا فليتذكر الإنسان أن ما نزل بغيره فترك أولاده أيتامًا، قد ينزل به هو الآخر فيترك أولاده أيتامًا، فالعاقل من يحرص أن يكون لليتيم كما يحب أن يكون الناس لأبنائه في حياته وبعد مماته، يقول تعالى: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء: 9- 10].

 

أيها الأب الكريم: كن صالحًا فصلاحك خيرٌ تقدمه لنفسك ولذريتك من بعدك، قال تعالى: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) [الكهف: 82]، قال ابن كثير: "فيه دليلٌ على أنَّ الرجل الصالح يُحفَظ في ذريَّته، وتشمَلهم بركة عبادته في الدنيا والآخِرة".

 

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

اليتيم1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات