خطبة عيد الفطر المبارك لعام 1434هـ

مشعل بن عبد العزيز الفلاحي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: الفطر
عناصر الخطبة
1/مشروعية الفرح في العيد 2/ بعض أحزان المسلمين ومآسيهم 3/الفرح على قدر الانجازات 4/خطر العيش في أوهام الحياة 5/وصايا نافعة في العيد

اقتباس

من حقنا: أن نفرح، وتأخذ مشاعرنا ألقها الروحي والنفسي، وتخرج اليوم تكتب حظها من الأنس من واقع الحياة. ما أكثر أفراحنا في مساحات الأرض؟! كم هي أفراحنا في أرض الشام؟! هذا الصمود الكبير في دمشق، وحلب، وحمص وغيرها من قرى ومدن سورية لا توفيها المشاعر حقها من الفرح. فئة قليلة لا تملك سلاحاً كافياً، ولا مالاً وافياً، وتتكالب عليها أمم الأرض، وتظل صامدة، رغم كل الظروف؛ لتقول لأمم الأرض: إنها...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، من يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

 

الفرح بالعيد منهج شرعي، وليس ديننا صورة جامدة في جسد، وإنما رحلة مشاعرية في حياة الإنسان!.

 

هذا نبينا -صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان" قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر".

 

كل شيء في ديننا، ولا يمكن لصورة رائعة في الحس إلا ولها مساحتها الكبرى في دين الله -تعالى-اليوم أو غداً في ساحات الجزاء والحساب.

 

من حقنا: أن نفرح، وتأخذ مشاعرنا ألقها الروحي والنفسي، وتخرج اليوم تكتب حظها من الأنس من واقع الحياة.

 

ما أكثر أفراحنا في مساحات الأرض؟! كم هي أفراحنا في أرض الشام؟!

 

هذا الصمود الكبير في دمشق، وحلب، وحمص وغيرها من قرى ومدن سورية لا توفيها المشاعر حقها من الفرح.

 

فئة قليلة لا تملك سلاحاً كافياً، ولا مالاً وافياً، وتتكالب عليها أمم الأرض، وتظل صامدة، رغم كل الظروف؛ لتقول لأمم الأرض: إنها رغم قلتها وضعف مؤونتها، إلا أنها قادرة على البقاء في وجه المدنية الحربية بكل صورها.

 

وها هي تكتب أمس الاستيلاء على مطار ينغ، وتتقدم صوب قلب الحدث.

 

يالله! إنها أرض الشام أرض المحشر، أرض النصر! أرض الجهاد، ف"حي على الفلاح، حي على الجهاد!".

 

لا تسألوا عن الدماء التي أريقت هنا أو هناك؛ لأن الأرض لا تصلب إلا بدماء الأحرار، ولكن اسألوا عن سر هذا الإصرار، عن سر هذا الإقدام، عن سر هذا البقاء، ويعود العالم من جديد يبحث عن مخرج ولا يدري كيف يصنع؟!.

 

إنها العزة ترفع رايتها من جديد، وها هو الغيث يبل أرضكم، ويعيد الفأل إليكم من ،جديد ويقول لكم: كل شيء ممكن وليس هناك شيئاً مستحيلاً، وفي كتاب الله -تعالى-: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)[آل عمران: 140].

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

يجب أن تقاس أفراحنا بقدر إنجازاتنا، كم حققت لنفسك؟ ما هو مشروعك؟ ما عملك؟ ما هي رسالتك؟

 

أرجوك لا تعيش هامشياً، أو عالة في واقع الأحداث، قم، تحرك، ابن مستقبلك، قم شارك في تكوين أمتك، واجهد في وضع لبنة البناء التي تمثل دورك.

 

مضى عام من حياتك، فهلاّ أخذت جولة على أفكارك ما الذي تغيّر فيها؟ ما الجديد المثير في حياتك؟ ما الأحداث التي صنعتها؟ والآثار التي خلفتها؟ والرسائل الإيجابية التي بثثتها في واقعك؟

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

ما أنتم صانعون -أيها المعايدون- في هذه الفترة الفاصلة بين رمضان المنصرم ورمضان المقبل؟!

 

إنها فرصة كفيلة ببناء مستقبل عريض فقط حين ندرك فرص الزمان.

 

إن الأيام تجري، والأعوام تتعاقب، ولن يتوقف يوم، أو شهر، أو زمان، ينتظر أحداً، وإنما تمضي وتبقى شواهدا في النهاية على تاريخ الإنسان!.

 

قم فاستدرك أيامك، ودوّن أهدافك، واكتب خطتك، وامض تدون قصة نجاحك الكبرى في عالم الأرض.

 

آه كم من فرّط سيبكي؟! وكم من مضيع سيندم؟

 

إنما هذه ذكرى قبل زمن الفوات.

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

ما أكثر ما تطارد بعضنا الأوهام، وتقف حائلة دون كثير من نجاحاتنا في الواقع؟

 

كثيرون كانوا يرددون أنهم لا يستطيعون أن يتموا ختمة في الشهر، وكثيرون لم يفكروا في صيام يوم تطوع بحجة طول النهار، وآخرون لم ينفصلوا عن بعض عاداتهم السيئة بحجة عدم القدرة على ذلك، وجاء رمضان فبدد تلك الأوهام، وقضى عليها وكفنها، فختم كتاب الله -تعالى- مراراً، وصام شهراً كاملاً، يصل اليوم إلى خمسة عشر ساعة، وترك بعض المألوفات التي كان ينازع في عدم الصبر عليها، وتحولت تلك الأوهام التي تطارده إلى لا شيء.

 

إن جزءًا كبيراً من مشكلاتنا اليوم هي بعض نتائج الأوهام التي نعيشها في حياتنا، حين تسأله: لماذا لا تحمل مشروعاً، وتتخصص فيه، وتبدأ رحلة حياتك الكبرى؟

 

يبادرك أنه لم يجد مشروعه، أو لا يستطيع، أو ثمة حوائل وظروف ومشكلات لم تمكنه.

 

ويبقى في النهاية هملاً بلا مشروع، ويمضي عمره دون كبير نفع لنفسه ومجتمعه وأمته.

 

وتسأل آخرين: لماذا تبقون أسرى لهذه العادات؟ لماذا لا تتحركون في مجتمعاتكم؟ لماذا لا تحملون مشاريع وتشاركون في أسهم البناء؟

 

ويقوم الوهم ماثلاً يحدثك: لا نستطيع! لا نقدر! مشغولون! مجهدون! لدينا ارتباطات! ظروفنا لا تسمح.

 

ويعود الوهم يخطو في حياتهم من جديد، وليتهم علموا غداً بين يدي الله -تعالى- ما ذا ينتظرهم؟! وليتهم علموا غداً كم هي المساحات فيما بينهم وبين أصحاب المشاريع، وفي حديث نبينا -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَيُونَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَيُونَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ، أَوِ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ".

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

أيها المعايدون: دعوكم من مساحة الشكوى، فهذه حيلة الضعفاء الجبناء.

 

إذا رأبت الرجل يشتكي فذلك دليل ضعفه، وفتور همته، وخواء روحه من معاني الكبار.

 

إن كنتم مرضى فما تصنع فيكم الشكوى! إنما تزيدكم وهناً على وهن، هل تتسولون الشفاء من الخلق؟! أم تستعطفونهم في الشفقة عليكم! فذلك محض قدر الله -تعالى- لكم، وهو ألطف بكم من أنفسكم؟!.

 

وفي حديث نبيكم -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ".

 

هل تأخر تعينك؟ أو زاد دينك؟ أو تعثرت وظيفتك؟ أو تفاقمت مشكلتك؟

 

لا عليكم من كل ذلك؛ ففي الصبر زيادة أجر، وفي الفأل وقت الأزمات حسن ظن بالله -تعالى-.

 

إياكم أن تهتز ثقتكم في الله -تعالى-! قوموا، تحركوا، ابحثوا عن الأسباب، فهي جزء من القدر.

 

حاولوا، افتحوا الأبواب المغلقة، والنوافذ الموصدة، وأحسنوا الظن بالله -تعالى-.

 

وكم من حلم قطع نصف مسافة في الطريق إليك وقد آن العناق؟!.

 

إلى الذين غرقت أعينهم من البكاء على رحيل من يحبون وما يدريكم أنهم في الجنان خالدون؟! كم من ميت يعيش أفراح النهايات؟ أما بلغكم أن القبر أول منازل الآخرة؟ وأن الصالح يوسع له في قبره مد بصره؟ ويأتيه عمله في صورة أبهج رجل، وأحسن منظر، ويفتح له باب إلى الجنان، فيأتيه من نعيمها وريحها ما يسر به أعظم السرور؟

 

مالكم وللبكاء على فائت لا يعود؟

 

إن كانوا في قلوبكم، فأهيلوا عليهم من الدعاء والعمل الصالح، وخلدوا ذكرياتهم في كل حين، وإلا فدعوا ما تجلبوا به عليهم الأحزان.

 

قوموا عيشوا عيدكم، وذوقوا لذته، وافرحوا، فهذا أمر الله -تعالى- وشرعه وقدره، ومنهجه للعالمين.

 

أيها المعايدون: عليكم بدوائر التأثير، المساحات التي تملكون فيها القرار والعمل والبناء، املؤوا تلك المساحات بالعمل، تحركوا فيها، أثيروا غبارها، دعوكم من مساحات الهموم، لا تنشغلوا بها، فإنها مصيدة الضياع.

 

من الذي أشاع لديكم مفاهيم النقد حتى وصلت إلى هذه الدرجة من الفوضى؟

 

كثيرون ينتقدون وهم قاعدون، ينتقدون على الأفراد، وعلى المجتمعات، وعلى الدول، وعلى الأمم وهم قاعدون، لا مشروع لهم ولا حركة في الواقع، دوائرهم فارغة، وحياتهم فوضى، ومع كل ذلك يملؤون الأماكن ضجيجاً دون أثر، ويدوشونك بأصواتهم دون عمل.

 

ما أحوجنا إلى العودة إلى دوائر تأثيرنا وملئها، والتأثير فيها، وإحداث التغيير من خلالها؟

 

هكذا هم الكبار في كل زمان ومكان.

 

أيها المعايدون: مدوا أيديكم إلى إخوانكم، هيا استعلوا على دوائر الشيطان، قوموا إلى الحياة فأعيدوا إليها البسمة، أعيدوا صورة العيد الجميلة، ودعوا هذا النزاع والفرقة والشتات.

 

إن كنتم صمتم لله -تعالى- فهذا هو الذي صمتم له يدعو للوصال، ويتوعد المعرضين: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:22-23].

 

وكل عملكم الفائت سيظل موقوفاً لن تروا أثره حتى تصغوا لأمره -تعالى-.

 

أما قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا".

 

ألا وصلوا وسلموا...

 

 

 

 

المرفقات

عيد الفطر المبارك لعام 1434هـ

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات