أهمية الصلاة وفرضيتها

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الصلاة
عناصر الخطبة
1/ أعظم الفرائض بعد التوحيد 2/ تعظيم قدر الصلاة 3/ الصلاة مفزع كل منيب 4/ فضائل الصلاة 5/ توعد تارك الصلاة والمتهاون بها بأشد العقوبة 6/ حرص السلف على الصلاة 7/ أقسام الناس مع الصلاة في العصر الحاضر 8/ حكم تارك الصلاة

اقتباس

إن الصلاة أول الإسلام وآخره ومن عظم منزلة الصلاة كثرة ذكرها في القرآن، فتارة تخص بالذكر، وتارة تقرن بالزكاة، وتارة بالصبر، وتارة تقرن بالنسك، ثم إن وجوبها عام على الذكر والأنثى والحر والعبد، والغني والفقير، والمقيم والمسافر، والصحيح والمريض، وهي أول ما يُحاسَب عليه العبد من أعماله يوم القيامة، وهي آخر ما يَفقد العبد من دينه، وهي توأم الدين، ولا يستقيم دين إلا بها.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله...، أما بعد:

 

أيها المؤمنون: إن من نعم الله التي أنعم بها على عباده، لينالوا بها المنزلة العالية عنده سبحانه والقربة إليه – جل جلاله – نعمة عظيمة، هي صلة بين العبد وربه، وخلوة يناجي بها العبد خالقه، يُفضي إليه فيها بتوبته، ويقر بخطيئته، ويسكب دمعته ليخرج منها طاهراً مطهراً من الذنوب.

 

إن هذه النعمة: هي فريضة الصلاة، الركن الثاني من أركان الإسلام، إنما كانت الركن الثاني؛ لأنها أول فريضة بعد الإخلاص لله بالعبادة، (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة: 5]، وقال سبحانه: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة: 11]، أي: تابوا بخلع الأوثان وعبادتها، وأقاموا الصلاة، فالصلاة أعظم الفرائض بعد التوحيد، وأحب الأعمال إلى الله تعالى فرائضه.

 

أخرج البخاري من حديث أبي هريرة  –رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "قال الله تعالى: وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه".

 

ومما يدل على تعظيم قدر الصلاة ومباينتها لسائر الأعمال: إيجاب الله تعالى لها على سائر أنبيائه ورسله، وإخباره عن تعظيمهم إياها، فمن ذلك أن الله –تعالى- قرَّب موسى نجيا وكلمه تكليماً، فكان أول ما افترض عليه بعد عبادته إقام الصلاة، ولم ينص على فريضة غيرها، فقال تبارك وتعالى مخاطبا لموسى بكلماته ليس بينه وبينه ترجمان: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) [طه: 13- 14].

 

ومما يدل على عظيم قدرها: أن سحرة فرعون الذين اتخذوه إلهاً، يحلفون بعزته؛ لما أبطل الله كيدهم وسحرهم بما وهب موسى من المعجزات، لم يُلْهَمُوا طاعةً يرجعون بها إلى ربهم، ويرضونه بها، ظنًّا منهم أن يغفر الله لهم بذلك إلا السجود، وهو أعظم الصلاة، (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ) [الشعراء: 46]، فعفّروا وجوههم لله في التراب؛ خضوعاً له، فلم يجعل الله لهم مفزعاً إلا إلى الصلاة، مع الإيمان به وهي مفزع كل منيب.

 

ولما وضع إبراهيم الخليل زوجه وابنه إسماعيل – عليهم السلام – بوادٍ غير ذي زرع ولا أنيس قال: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم: 37]، ولم يذكر عملاً غير الصلاة، فدل على أنه لا عمل يوازي الصلاة.

 

أيها المؤمنون: لقد تكاثرت النصوص الدالة على فضل الصلاة، ومزاياها على سائر العبادات، فمن ذلك: أن الصلاة أول فريضة فُرضت على الأمة بمكة، بعد استقرار العقيدة في قلوب المسلمين، كما أنها فُرضت على الأمة بغير واسطة، بل عرج بالنبي – صلى الله عليه وسلم – حتى تلقى فرضيتها مخاطبة مع الله تعالى، وهي خمس صلوات في اليوم والليلة في العمل، وخمسون في الأجر.

 

أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي ذر – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما فرضت عليه الصلاة وهو في السماوات، فُرضت عليه خمسون صلاة، فما زال يراجع ربه في التخفيف حتى بلغت خمساً، فلما ولّى نودي، هي خمس وهي خمسون لا  يبدل القول لدي، الحسنة بعشر أمثالها.

 

ومن فضلها: أنها تكفر صغائر الذنوب، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال – صلى الله عليه وسلم -: " أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ؟ قَالُوا: لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا. قَالَ: فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا".

 

وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال رسول الله: – صلى الله عليه وسلم –: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".

 

ومن فضل الصلاة: أنها تنهى من حافظ عليها بمتطلباتها عن الفحشاء والمنكر، قال ابن مسعود وابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد من الله إلا بُعداً".

 

 وقال أبو العتاهية – رحمه الله – في قوله: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت: 45]، قال: "إن الصلاة فيها ثلاث خصال، فكل صلاة لا يكون فيها شيء من هذه الخلال فليست بصلاة، الإخلاص والخشية وذكر الله، فالإخلاص يأمر بالمعروف، والخشية تنهاه عن المنكر، وذكر القرآن يأمره وينهاه".

 

ولما كان للصلاة من فضل ومكانة في الإسلام، كانت أول مفروضة بعد الشهادتين، وعند موت النبي – صلى الله عليه وسلم – أوصى بها، أخرج الإمام أحمد من حديث أم سلمة – رضي الله عنها – قالت: "كان آخر وصية رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الصلاة، الصلاة وما ملكت أيمانكم، حتى جعل نبي الله يلجلجها في صدره وما يفيض بها".

 

أيها المؤمنون: إن الصلاة أول الإسلام وآخره ومن عظم منزلة الصلاة كثرة ذكرها في القرآن، فتارة تخص بالذكر، وتارة تقرن بالزكاة، وتارة بالصبر، وتارة تقرن بالنسك، ثم إن وجوبها عام على الذكر والأنثى والحر والعبد، والغني والفقير، والمقيم والمسافر، والصحيح والمريض، وهي أول ما يُحاسَب عليه العبد من أعماله يوم القيامة، وهي آخر ما يَفقد العبد من دينه، وهي توأم الدين، ولا يستقيم دين إلا بها.

 

أخرج الترمذي من حديث معاذ بن جبل – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم –قال: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله"، فمتى سقط العمود ذهب الدين!!

 

اللهم أعنا على أداء الصلاة في أوقاتها مع المسلمين على الوجه الذي يرضيك عنا يا رب العالمين.

 

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله: إن من قواعد الشرع أنه إذا كان الأمر واجبًا ورتّب عليه أجرًا عظيمًا، فإن الإثم والعقاب يكون كذلك عظيمًا لمن تخلف عن فعله، فإذا كانت الصلاة بهذه المنزلة، فإن الله تعالى توعد تاركها والمتهاون بها أشد العقوبة.

 

ولقد كان السلف الصالح -رضوان الله تعالى عليهم- يحرصون أشد الحرص على الصلوات لما يعلمون من أهميتها، ولقد امتدحهم الله – عز وجل – بقوله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور: 37- 38].

 

إلا أن الناس من بعدهم، دبَّ فيهم الضعف والخور وظهر التهاون بأداة الصلاة جماعة مع المسلمين مما حدا بهم إلى تأخيرها عن وقتها أو تركها بالكلية والعياذ بالله، (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم: 59].

 

قال ابن كثير – رحمه الله -: "لما ذكر الله تعالى حزب السعداء وهم الأنبياء – عليهم السلام – ومن اتبعهم من القائمين بحدود الله وأوامره المؤدين فرائض الله، التاركين لزواجره – ذكر أنه خلف من بعدهم خلف-، أي قرون أُخر أضاعوا الصلاة، وإذا أضاعوها فهم لما سواها من الواجبات أضيع؛ لأنها عماد الدين وقوامه، وخير أعمال العباد، وأقبلوا على شهوات الدنيا وملذاتها، ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها، فهؤلاء سيلقون غيًّا، أي خسارًا يوم القيامة". ا هـ.

 

قال أبو الأشهب العطاردي: "أوحى الله تعالى إلى داود: يا داود: حذر وأنذر أصحابك أكل الشهوات، فإن القلوب المعلقة بشهوات الدنيا، عقولها عني محجوبة، وإن أهون ما أصنع بالعبد من عبيدي إذا آثر شهوة من شهواته عليَّ أن أحرمه طاعتي".

 

عباد الله: إن الناس في هذا الزمن لا يخرجون عن ثلاثة: (محافظٍ) على الصلاة في أوقاتها، أو (متهاون) بها فيصلي أحيانًا ويفرط أخرى، أو (تاركٍ) لها بالكلية، فأما المحافظون فأولئك جزاؤهم عند رب العالمين، وليبشروا وليعلموا أنهم سيلقون الله غدًا مسلمين.

 

أخرج مسلم في صحيحه قول ابن مسعود: "من أحب أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهن" يعني: في المساجد.

 

أما المتهاونون بها فليتقوا الله – عز وجل – وليعلموا أن الصلاة خير موضوع، وأن التهاون بها طريق إلى تركها، وأن المتهاون بها متوعد بعذاب الله، (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون: 4- 5].

 

قال ابن مسعود: "هم الذين يصلون لكنهم يؤخرونها عن وقتها".

 

خصوصاً صلاة الفجر، التي أصبحت تئن من كثرة من يضيعها، فالسهر على المباحات أو المحرمات، ثم نوم عن الصلوات بلا خوف من الله تعالى.

 

أين نحن من سعيد بن جبير الذي قال: "والله ما أذن المؤذن منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد"، وأين نحن من الأعمش -سليمان بن مهران- الذي لما حضرته الوفاة بكى ابنه، فقال: "لا تبك يا بني، فو الله ما فاتتني تكبيرة الإحرام منذ أربعين سنة".

 

 وأما من ابتلي بترك الصلاة فلا يعرفها إلا في الجمعة، ولربما نسي حتى الجمعة، فنقول لمثل هذا ألا تعلم يا عبد الله أن: تارك الصلاة محكوم بكفره، وأنه يُستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قُتل، وأنه لا يجوز له أن يتزوج بمسلمة، ولا  أن يكون ولياً على مسلمة في نكاحها ولو كان أباها؛ لأن الكافر لا تجوز ولايته على المسلمين، وأنه لا يرث من أقربائه المسلمين، ولا يرثون منه، وأنه لا تقبل منه صدقة ولا صوم ولا حج، ولا أي عمل حتى يتوب.

 

وأنه إذا مات فلا يُغسل ولا يُكفن ولا يُصلى عليه، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، وأنه إذا مات وهو تارك للصلاة فهو من أهل النار، (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) [المدثر: 42- 43].

 

 ونحن في هذا الشهر نرى الإقبال من الناس على المساجد والصلاة جماعة، ألا فلنُعْلِنُها توبةً لله، أن لا تفريط في الصلاة بعد اليوم، ولنجعلها صفحة جديدة في حياتنا، فمن أراد أن ينعم فليحافظ على صلاته.

 

فالواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس الرجوع إلى رب العالمين بالتوبة النصوح، وأن ينصح كل منا نفسه، ومن له عليه ولاية، أو أقاربه أو جيرانه ممن يتهاونون بالصلاة، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].

 

أيها المؤمنون: إن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، وكلنا يعلم أن الحياة محدودة والأنفاس معدودة، وأن الموت يأتي فجأة، وليس بعد الموت إلا الجنة في نعيم أبديّ أو النار في عذاب سرمديّ، من أسباب عذاب النار ترك الصلاة.

 

تعوذوا بالله من الفتن، واستمسكوا بشرع الله يمكِّن لكم في الأرض، اللهم أيقظنا من الغفلات، وألهمنا رشدنا، واستباق الخيرات..

 

 

 

 

المرفقات

الصلاة وفرضيتها

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات