ولا تنازعوا

فيصل سعود الحليبي

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/الخلاف سنة كونية 2/مصير ومآل الاجتماع على غير منهج الله الفشل وبعض شواهد ذلك 3/وسائل الحد من فرقة المسلمين 4/بعض فضائل العفو والصفح 5/قصة معبرة عن فضل سلامة القلوب للمسلمين

اقتباس

معاشر المسلمين: إن من المسلمات: أن الخلاف سنة في الأرض لابد أن تقع، فإن الله يقول: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)[هود: 118]. لكن الله -تعالى- اختار لنا طريقًا نجتمع عليه، وتأتلف قلوبنا حوله، وهو الدين، فقال الله -تعالى-: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)[آل عمران:103]. فأي حبل تريد الأمة اليوم أن تستوثق به غير حبل الله، فلا نشك أبدًا أنه حبل ضعيف هزيل سرعان ما ينقطع، وسرعان ما يتهاوى كل من تمسك به. وقلِّب...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله بيده مقادير كل شيء، والحمد لله بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، وله الحمد كله، وله الشكر كله، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيراً.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: اتقوا الله، فإن الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر:18].

 

أيها الأحبة: ربما يأخذنا شيء من الذهول أو العجب أحيانًا، حينما نرى ونسمع ما يقع بين زعماء الأمة من خلاف، في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى الألفة والاجتماع.

 

غير أن هذا العجب سرعان ما يزول حينما نتلفت قريبًا يمنة ويسرة، لنلمح أشكالاً من الفرقة يصعب حصرها في هذه الدقائق بين كل اثنين أو جماعة ينبغي أن يكونوا على أجمل وئام، وأحسن اعتصام.

 

والسؤال الآن: كيف تبدو الألفة بين الزوجين؟! وكيف هي بين الأخوة من أب وأم؟ وكيف هي الألفة بين الأصدقاء والجيران؟ وأين هو الوئام بين الأسر والأحياء والقبائل؟

 

لست متشائمًا، وليست الإجابة على هذه الأسئلة كلها، هي: ليست هناك ألفة، بل الواقع يحكي وجود ألفة واجتماع، ولكن إلى حد ما، وليس على الحد المطلوب.

 

معاشر المسلمين: إن من المسلمات: أن الخلاف سنة في الأرض لابد أن تقع، فإن الله يقول: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)[هود: 118].

 

لكن الله -تعالى- اختار لنا طريقًا نجتمع عليه، وتأتلف قلوبنا حوله، وهو الدين، فقال الله -تعالى-: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)[آل عمران:103].

 

فأي حبل تريد الأمة اليوم أن تستوثق به غير حبل الله، فلا نشك أبدًا أنه حبل ضعيف هزيل سرعان ما ينقطع، وسرعان ما يتهاوى كل من تمسك به.

 

وقلِّب نظرك إن شئت في أي أخوّة لم تكن على دين الله والتمسك بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فستجد أن أصحابها المتمسكون به في شقاء، وإن بدا لهم الأمر أنهم في سعادة.

 

فالزوجان مثلاً إن لم يأتلف قلبيهما على الهداية والرحمة، فلا تصدق أنهما في سكن ومودة، فإن الله يقول: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21].

 

والصديقان الحميمان إن لم يتعاهدا على التقوى، فلا يمكن أن يسعدا بصحبتهما لا في الدنيا ولا في الآخرة، فإن الله يقول: (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[الزخرف:67].

 

والأسرة إن لم تتواصى بالتقوى والمرحمة والإيمان، فلن يكون لها في ذريتها بركة، فإن الله وعد الأسرة المؤمنة بلقاء الفرحة في الجنة، فقال: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)[الطور:21].

 

وقل مثل هذا على مستوى الأمة كلها، فأي نجاح لها أمام أعدائها إذا هي تركت طاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن ثم تمزقت وتفرقت وتنازعت، فإن الله قال: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الأنفال:46].

 

بل يمكننا القول بأن فرقة الأمة ليست إلا نتيجة للفرقة بين أفرادها، فماذا عساك -أيها المؤمن المصلي- أن تفعل تجاه هذا المرض الفتاك الذي بدأ في أنفسنا وسرى إلى الأمة كلها؟!

 

من إن الحقائق المرة التي ربما ثقلت على أنفسنا، هو أننا قد وضعنا أنفسنا جميعًا موضع النقاد لهذه الأمة، وموضع الأطباء لها، ولكننا نسينا أو تناسينا من هو المريض الذي ينبغي أن يتلقى العلاج!.

 

لنبدأ -أيها المسلمون-: علاج الأمة في فرقتها من أنفسنا التي بين جوانحنا، فكم مرة عفونا؟ وكم مرة صفحنا؟ وكم مرة حاولنا أن نعيد المياه لمجاريها؟ وكم مرة تنازلنا عن بعض حقوقنا لإخواننا في سبيل ألفتنا معهم، ومحبتنا لهم؟!

 

لماذا نجعل للشيطان في أنفسنا على إخواننا مدخلاً، فمرة بسوء الظن فيما فعلوا أو قالوا، ومرة بالحسد على نعم الله عليهم، ومرة ببغضهم لخطأ قد وقعوا فيه، ومرة بالشماتة على مصيبة حلت بهم؟

 

إنها شقوق خطيرة مليئة بألسنة نارية ملتهبة، لن تحرق صاحبها، بل ستصيب كل من سيشتم دخانها أو يرى عوارها.

 

متى -أيها الأحباب-: نقف وقفة جادة مع القلوب، لنطهرها من دنس التحاسد والتباغض، لتصفو لنا الحياة، ويبارك الله لنا في الأرزاق والنماء، متى نستلذ بطعم العفو؟ وننعم بكرم الصفح؟.

 

أليس من الأعاجيب حقًا: أن نسمع بأن أخوين قد ولدا من رحم واحدة، لم يكلم أحدهما الآخر عددًا من السنوات؟ أليس من العجب أن نسمع أن زوجين لم يحدث أحدهما الآخر أكثر من خمس سنوات؟ أليس من العجب أن يحلف الجار ألا يدخل دار جاره طيلة عمره! أو يحلف الصديق ألا يحدث صديقه؟!

 

ونريد لأمتنا بعد ذلك الانتصار على أعدائها!.

 

هل نالنا من الأذى من إخواننا المسلمين حتى نشاحنهم كما نال النبي -صلى الله عليه وسلم- من أهله وعشيرته، لقد طردوه من أحب البقاع إليه، وحاربوا دينه ودعوته، وعذبوا أصحابه، وأغروا به الأطفال والمجانين والسفهاء.

 

غير أنهم حينما اصطفوا أمامه بعد أن انتصر عليهم في فتح مكة قام فيهم خطيبًا، فقال: "يا معشر قريش، ما ترون أني صانع بكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)[يوسف:92] "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

 

يا من تخيره الإله لخلقه *** فحباه بالخلق الزكي الطاهر

أنت النبي وخير عصبة آدم *** يا من يجود كفيض بحر زاخر

 

إننا نوقن جميعاً أن النفرة بين النفوس وإيجاد العداوة والبغضاء؛ سببها نزغ الشيطان الذي بدأ مهمته منذ ملايين السنين، وأجلب عليها بعدته وعتاده.

 

وما ذاك إلا بعدما عجز أن يعبد من دون الله تعالى- في هذه الجزيرة المباركة، وفي ذلك يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ"[رواه مسلم].

 

فإذا علمت بأن خصومتك مع غيرك من الشيطان، فيلزمك حينها أن تقابل رجزه بالعفو والتجاوز، وأن تعيد المياه إلى مجاريها، والنفس إلى باريها.

 

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قَالَ إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا"[رواه البخاري].

 

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو التواب الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أخي الحبيب: إنك قد تصفح وتعفو، ولكن خصمك لا يقابل العفو بمثله، ولا الصفح بصفح، فلا يوسوس لك الشيطان أنك وقعت في الإذلال والإهانة، كلا، فأنت يصدق فيك حكم الرسول -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: "لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ"[رواه البخاري].

 

بل وما يهمك أنت إن عفا أو لم يعفو، وقد وعدك الله -تعالى- مقابل صفحك هذا جنات، وليس جنة واحدة تجري من تحتها الأنهار، يقول سبحانه: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ  * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)[آل عمران:133-136].

 

وتذكر معي يا صاحب الصدر الطاهر، ويا صاحب القلب النظيف؛ حديث أَنَس بْن مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِثْلَ ذَلِكَ فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا: فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِيَ الثَّلَاثَ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ -عز وجل-، وَكَبَّرَ، حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ: إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ، وَلَا هَجْرٌ ثَمَّ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ: يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ، فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ"[رواه أحمد].

 

وما أروع قول الشاعر حينما قال:

 

إن الذي بيني وبين بني أبي *** وبين بني عمي لمختلف جدا

إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم *** وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا

ولا أحمل الحقد الدفين عليهم *** وليس كريم القوم من يحمل الحقدا

 

حري بنا -أيها الأحبة في الله-: أن نجدد مع الله طهارة قلوبنا بالإيمان، وغسلها من درن الحقد والحسد، وأن نفتح صفحة جديدة من أهلينا وإخواننا المسلمين مملوءة بالمحبة الخالصة لوجه الله، وأن نبحث لإخواننا الأعذار في تقصيرهم وأخطائهم، حتى نكون صفًا واحدًا أمام أعدائنا، كالبنيان المرصوص، فالله -تعالى- يقول: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ)[الصف:4].

 

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا، أن تعز الإسلام وتنصر المسلمين، وأن تذل الشرك والمشركين.

 

اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قلوبنا، وَتَجْمَعُ بِهَا أمرنا، وَتَلُمُّ بِهَا شَعَثِنا، وَتُصْلِحُ بِهَا غَائبنا، وَتَرْفَعُ بِهَا شَاهِدنا، وَتُزَكِّي بِهَا أعمالَنا، وَتُلْهِمُنِا بِهَا رُشْدنا، وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتنا، وَتَعْصِمُنِا بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ.

 

اللَّهُمَّ أَعْطِنِا إِيمَانًا وَيَقِينًا لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ، وَرَحْمَةً ننَالُ بِهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

 

اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْفَوْزَ فِي الْعَطَاءِ، وَنُزُلَ الشُّهَدَاءِ، وَعَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَالنَّصْرَ عَلَى الْأَعْدَاءِ.

 

ونسألك اللهم دعوة مستجابة لإخواننا المستضعفين في كل مكان، أنت العليم بحالهم يا ربنا، من لهم سواك، يا سامع الشكوى، ويا عالم السر والنجوى، يا عظيم السلطان، يا منزل القرآن، يا من خضعت لك الرقاب، وذلت لجبروتك الصعاب، ولانت بقدرتك الصلاب، اللهم ففك أسراهم، وعافي مرضاهم، واحم أطفالهم وشيوخهم ونساءهم، وأيد مجاهديهم، وبارك لهم في عتادهم، وبدل فقرهم غنى، وخوفهم أمنا، وانشر على أرضهم دينك وكتابك يا عزيز.

 

ربنا اشف صدورنا في اليهود الغاصبين، وفي كل عدو لك وللمسلمين.

 

اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا، اللهم شتت شملهم، وأضعف قوتهم، وزلزل الأرض من تحت أقدامهم، وجمد الدماء في عروقهم، واجعلهم غنيمة للمسلمين، فإنهم لا يعجزونك، وأنت الله الجبار، أنت الله العزيز، أنت الله المنتقم.

 

اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ، وأدر عليهم دائرة السوء، وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

 

اللهم أقر عيوننا بتحرير المسجد الأقصى، وارزقنا فيه صلاة مطمئنة قبل الممات، وما ذلك عليك بعزيز.

 

اللهم أعن أولياء أمورنا وعلماءنا للعمل بكتابك، وتطبيق سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

اللهم من أراد بلادنا وبلاد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه، واجعل تدبيره تدميرًا له.

 

اللهم اخذل أعداءك الذين يخططون حرب دينك، اللهم أذلهم كما أخزيت أبرهة، وخيب آمالهم كما خيبت فرعون وجنوده، فإنك على كل شيء قدير.

 

وصلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

المرفقات

ولا تنازعوا.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات