حفلات الزفاف بين شكر النعمة وكفرها

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: قضايا اجتماعية
عناصر الخطبة
1/ حث الإسلام على الزواج وتيسيره 2/ من واجبات وآداب حفلات الزواج 3/ محرمات ومنكرات مصاحبة للزواج وحفلاته 4/ استدامة النعم بشكر الله عليها بإتباع شرعه

اقتباس

وَلَو أَنَّهُم تَأَمَّلُوا وَفَقهُوا، لَعَلِمُوا أَنَّ النِّعَمِ الَّتِي يَتقَلَّبُونَ فِيهَا، هِبَاتٌ مِنَ اللهِ وَحدَهُ، تَقَعُ حَيثُ شَاءَ عَلَى مَن شَاءَ، فَمَن قَيَّدَهَا بِشُكرِهَا قَرَّت، وَمَن كَفَرَهَا زَالَت وَفَرَّت، قَالَ -سُبحَانَهُ-: (وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفِينَ) [الأعراف:31]، وَقَالَ -تَعَالى- : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِنْ شَكَرتُم لَأَزِيدَنَّكُم وَلَئِنْ كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيبًا) [النساء:1].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: مِمَّا لازَمَ الإِجَازَاتِ في هَذِهِ السَّنَوَاتِ، كَثرَةُ الاجتِمَاعَاتِ، وَتَعَدُّدُ اللِّقَاءَاتِ، وَخَاصَّةً حَفَلات الزَّوَاجِ وَمُنَاسَبَات الأَعرَاسِ، حَيثُ تَلتَقِي الأُسَرُ، وَتَجتَمِعُ العَوَائِلُ، وَيُخَالِطُ النَّاسُ بَعضُهُم بَعضًا، فَتَزدَادُ الإِلفَةُ، وَتَتَأَكَّدُ المُوَدَّةُ، وَتَقوَى العَلائِقُ، وَتَشتَدُّ الرَّوَابِطُ.

 

وَبِقَدرِ مَا في ذَلِكَ مِن الفَرَحِ وَالبَهجَةِ وَالسُّرُورِ، إِلاَّ أَنَّ ثَمَّةَ تَصَرُّفَاتٍ غَرِيبَةً تَصدُرُ مِن بَعضِ النَّاسِ، قَد تَخرُجُ بِهَذِهِ الاجتِمَاعَاتِ عَن مَقصُودِهَا الأَعظَمِ، وَتَصرِفُهَا عَن غَايَاتِهَا النَّبِيلَةِ، إِلى مَقَاصِدَ وَأَغرَاضٍ لَيسَت مِنَ الشَّرعِ وَلا المَرُوءَةِ في شَيءٍ.

 

وَقَد شَرَعَ اللهُ الزَّوَاجَ وَجَعَلَهُ مِن آيَاتِهِ، وَأَخبَرَ أَنَّهُ مِن سُنَنِ المُرسَلِينَ، وَبِهِ أَمَرَ الإِمَامُ وَالقَدوَةُ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- وَأَخبَرَ أَنَّهُ مِن سُنَّتِهِ، قَالَ -سُبحَانَهُ-: (وَمِن آيَاتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِن أَنفُسِكُم أَزوَاجًا لِتَسكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَوَدَّةً وَرَحمَةً إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُون) [الروم:21]، وَقَالَ -تَعَالى-: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِن خِفتُم أَلاَّ تَعدِلُوا فَوَاحِدَةً أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم) [النساء:3]، وَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ- : (وَلَقَد أَرسَلنَا رُسُلاً مِن قَبلِكَ وَجَعَلنَا لَهُم أَزوَاجًا وَذُرِّيَّةً) [الرعد:38].

 

وَقَالَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "يَا مَعشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ استَطَاعَ مِنكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلبَصَرِ وَأَحصَنُ لِلفَرجِ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

 

وَرَوَى البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ ثَلاثَةُ رَهطٍ إِلى بُيُوتِ أَزوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَسأَلُونَ عَن عِبَادَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا أُخبِرُوا كَأَنَّهُم تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: أَينَ نَحنُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-؟ قَد غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُم: أَمَّا أَنَا؛ فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهرَ وَلا أُفطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "أَنتُمُ الَّذِينَ قُلتُم كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَخشَاكُم للهِ وَأَتقَاكُم لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَن رَغِبَ عَن سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّي".

 

وَقَد حَثَّ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- عَلَى تَيسِيرِ الزَّوَاجِ بِفِعلِهِ وَقَولِهِ، فَلَم يُصدِقْ أَيَّا مِن نِسَائِهِ أَكثَرَ مِن ثِنتَي عَشرَةَ أُوقِيَّةً، رَوَى مُسلِمٌ عَن أَبي سَلَمَةَ بنِ عَبدِ الرَّحمَنِ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلتُ عَائِشَةَ زَوجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: كَم كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَت: كَانَ صَدَاقُهُ لأَزوَاجِهِ ثِنتَي عَشرَةَ أُوقِيَّةُ وَنَشًّا. قَالَت: أَتَدرِي مَا النَّشُّ؟ قَالَ: قُلتُ: لا. قَالَت: نِصفُ أُوقِيَّةٍ، فَتِلكَ خَمسُ مِئَةِ دِرهَمٍ، فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لأَزوَاجِهِ.

 

وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "إِنَّ مِن يُمنِ المَرأَةِ تَيسِيرَ خِطبَتِهَا، وَتَيسِيرَ صَدَاقِهَا، وَتَيسِيرَ رَحِمِهَا" أَخرَجَهُ ابنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ وَغَيرُهُمَا وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.

 

وَمَعَ حُبِّهِ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- التَّيسِيرَ، فَقَد حَثَّ عَلَى الوَلِيمَةِ، وَأَوجَبَ قَبُولَ الدَّعوَةِ، وَجَعَلَهُ مِن حَقِّ المُسلِمِ عَلَى أَخِيهِ، فَقَالَ لِعَبدِ الرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ لَمَّا تَزَوَّجَ: "أَولِمْ وَلَو بِشَاةٍ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ. وَقَالَ: "إِذَا دَعَا أَحَدُكُم أَخَاهُ فَلْيُجِبْ، عُرسًا كَانَ أَو نَحوَهُ" رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ. وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "حَقُّ المُسلِمُ عَلَى المُسلِمِ خَمسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعوَةِ، وَتَشمِيتُ العَاطَسِ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

 

بَل لَقَد بَلَغَ مِن شَدِيدِ الاهتِمَامِ بِتَلبِيَةِ الدَّعوَةِ، أَن أَمَرَ بها حَتى مَن كَانَ صَائِمًا، يَحضُرُ وَيَدعُو لِمَن دَعَاهُ وَلَو لم يَأكُلْ، قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُم إِلى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ" رَوَاهُ مُسلِمٌ، وَقَالَ: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُم إِلى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فِإِنْ شَاءَ طَعِمَ، وَإِن شَاءَ تَرَكَ".

 

قَالَ العُلَمَاءُ: وَإِنَّمَا تَجِبُ الإِجَابَةُ عَلَى مَن عُيِّنَ بِالدَّعوَةِ وَخُصَّ بها، وَأَمَّا الدَّعَوَاتُ العَامَّةُ، فَلا يَلزمُ حُضُورُهَا وَتَلبِيَتُهَا، وَإِن دَعَاهُ رَجُلانِ وَلم يُمكِنْهُ الجَمعُ بَينَهُمَا، أَجَابَ السَّابِقَ مِنهُمَا؛ لأَنَّ إِجَابَتَهُ وَجَبَت حِينَ دَعَاهُ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ في حَفَلاتِ الزَّوَاجِ مَا هُوَ حَقٌّ وَاجِبٌ لا يُترَكُ، وَفِيهَا مَا هُوَ مَعرُوفٌ يَجمُلُ بِالكَرِيمِ فِعلُهُ، وَفِيهَا مَا هُوَ مِن قَبِيلِ التَّزَيُّدِ وَالتَّشَبُّعِ، وَغَايَتُهُ الرِّيَاءُ وَالسُّمعَةُ، وَهَذَا الَّذِي يَدُورُ بَينَ الكَرَاهَةِ وَالتَّحرِيمِ.

 

فَمِنَ الوَاجِبِ في حَفَلاتِ الزَّفَافِ إِجَابَةُ الدَّعوَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا مَشرُوطٌ بما لم يَكُنْ هُنَالِكَ مُنكَرٌ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ مُنكَرٌ وَقَدِرَ عَلَى تَغيِيرِهِ فَإِنَّهُ يَحضُرُ وَيُغَيِّرُهُ؛ لِيَنَالَ أَجرَ إِجَابَةِ الدَّعوَةِ وَأَجرَ تَغيِيرِ المُنكَرِ، وَإِنْ عَرَفَ مِن نَفسِهِ أَنَّهُ لا يَستَطِيعُ تَغيِيرَ المُنكَرِ أَو خَشِيَ الفِتنَةَ، لم يَجِبْ عَلَيهِ أَن يُجِيبَ الدَّاعِيَ، بَل لم يَجُزْ لَهُ الحُضُورُ؛ لأَنَّ الدَّاعِيَ بِإِتيَانِهِ المُنكَرَ وَعَدَمِ قِيَامِهِ بِحَقِّ اللهِ، يَكُونُ قَد أَسقَطَ حَقَّهُ عَلَى إِخوَانِهِ.

 

وَمِن ثَمَّ؛ فَإِنَّ مِمَّا يُنَبَّهُ عَلَيهِ في هَذَا الشَّأنِ أَنَّ يَتَّقِيَ المُسلِمُونَ رَبَّهُم في أَنفُسِهِم وَفي إِخوَانِهِم، وَلا يَحرِمُوا أَنفُسَهُم وَإِخوَانَهُم الفَرَحَ الحَقِيقِيَّ بِشُكرِ اللهِ عَلَى فَضلِهِ عَلَيهِم، وَالحَذَرِ مِن مُخَالَفَةِ أَمرِهِ.

 

وَأمَّا المُحَرَّمُ وَالمَنهِيُّ عَنهُ في حَفَلاتِ الزَّفَافِ، فَإِنَّهُ قَد تَعَدَّدَ في زَمَانِنَا وَلِشَدِيدِ الأَسَفِ! فَمِن ذَلِكَ الإِسرَافُ وَالتَّبذِيرُ، وَهُوَ مَرَضٌ خَطِيرٌ، وَدَاءٌ مُستَطِيرٌ، بُلِيَ بِهِ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ في زَمَانِنَا؛ لِعَدَمِ مَعرِفَتِهِم بِأَقدَارِهِمُ الحَقِيقِيَّةِ، وَلِسُوءِ فَهمِهِم لِلمَعنَى الحَقِيقِيِّ لِلكَرَمِ، وَقَصرِهِ عَلَى تَبدِيدِ النِّعَمِ.

 

وَلَو أَنَّهُم تَأَمَّلُوا وَفَقهُوا، لَعَلِمُوا أَنَّ النِّعَمِ الَّتِي يَتقَلَّبُونَ فِيهَا، هِبَاتٌ مِنَ اللهِ وَحدَهُ، تَقَعُ حَيثُ شَاءَ عَلَى مَن شَاءَ، فَمَن قَيَّدَهَا بِشُكرِهَا قَرَّت، وَمَن كَفَرَهَا زَالَت وَفَرَّت، قَالَ -سُبحَانَهُ-: (وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفِينَ) [الأعراف:31]، وَقَالَ -تَعَالى- : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِنْ شَكَرتُم لَأَزِيدَنَّكُم وَلَئِنْ كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].

 

وَمِنَ المَنهِيِّ عَنهُ في حَفَلاتِ الزَّفَافِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى الكِبرِ وَالطُّغيَانِ، أَن يُخَصَّ الأَغنِيَاءُ بِالدَّعوَةِ، وَيُترَكَ الفُقَرَاءُ وَالضُّعَفَاءُ، وَقَد ذَمَّ الحَبِيبُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ فَقَالَ: "شَرُّ الطَّعَام طَعَامُ الوَلِيمَةِ يُدعَى لَهَا الأَغنِيَاءُ، وَيُتركُ الفُقَرَاءُ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

وَمِنَ المُحَرَّمِ الَّذِي يَدخُلُ في الإِسرَافِ وَالفَخرِ وَالخُيَلاءِ، استِعمَالُ السِّلاحِ وَإِطلاقُ النَّارِ بِشَكلٍ عَشوَائِيٍّ في مَجمَعِ النَّاسِ، دُونَ تَفَكُّرٍ في عَوَاقِبِ ذَلِكَ وَنَتَائِجِهِ، أَو حِسَابٍ لِمَا يَذهَبُ فِيهِ وَيُهدَرُ مِن مَالٍ كَثِيرٍ، لَو قُسِمَ عَلَى عَدَدٍ مِنَ الأُسَرِ في بَعضِ البِلادِ المَنكُوبَةِ لأَغنَاهُم وَسَدَّ جُوعَهُم مُدَّةً طَوِيلَةُ.

 

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ، (وَلَا تُطِيعُوا أَمرَ المُسرِفِينَ * الَّذِينَ يُفسِدُونَ في الأَرضِ وَلَا يُصلِحُونَ) [الشعراء:151-152]، وَتَوَاضَعُوا وَتَطَامَنُوا يَرفَعْكُمُ اللهُ، (تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأَرضِ وَلَا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ) [القصص:83].

 

 

الخطبة الثانية:

 

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، (وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا) [الطلاق:4].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: مَا زَالَ النَّاسُ يُحدِثُونَ في زِيجَاتِهِم وَحَفَلاتِهِم أُمُورًا مُنكَرَةً، يَدفَعُهُم إِلَيهَا حُبُّ التَّقلِيدِ وَزَعمُ التَّجدِيدِ، فَيُحَمِّلُون أَنفُسَهُم مَعَ بَذلِ المَالِ وَتَبدِيدِهِ فِيمَا لا يَنفَعُ وَلا يَرفَعُ، أَنَّهُم يَعصُونَ مَن وَفَّقَهُم فَاجتَمَعُوا وَائتَلَفُوا.

 

فَمِن ذَلِكَ أَنَّ بَعضَهُم تَسَاهَلَ في أَن يَخلُوَ الخَاطِبُ بِالمَرأَةِ بَعدَ الخِطبَةِ وَقَبلَ العَقدِ، أَو يُلبِسَهَا خَاتَمًا لِلخُطُوبَةِ أَو عِقدًا أَو نَحوَهُ، وَآخَرُونَ وَلَجُوا بَابًا عَظِيمًا مِن أَبوَابِ الفِتنَةِ وَالإِفسَادِ، حَيثُ تَسَاهَلُوا في دُخُولِ بَعضِ أَقَارِبِ الزَّوجِ عَلَى النِّسَاءِ لِزَفِّهِ إِلى زَوجَتِهِ، أَو دخُولِ الزَّوجِ وَحدَهُ عَلَى زَوجَتِهِ وَهِيَ بَارِزَةٌ بَينَ النِّسَاءِ، وَكُلُّ هَذَا خَطَأٌ جَسِيمٌ وَمُنكَرٌ عَظِيمٌ، يُخَالِفُ مَا قَصَدَ إِلَيهِ الشَّرعُ مِن الفَصلِ بَينَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، حِفظًا لِلأَعرَاضِ وَحِمَايَةً لها مِن أَن تُنتَهَكَ.

 

وَمِمَّا أَتَاهُ النَّاسُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَفِيهِ طَردٌ لِمَلائِكَةِ الرَّحمَنِ وَجَلبٌ لِجُندِ الشَّيطَانِ، الإِتيَانُ بِالمُغَنِّيَاتِ وَالرَّاقِصَاتِ، وَإِغدَاقُ المَالِ عَلَيهِنَّ مِن أَهلِ الزَّوَاجِ أَو مِنَ الحَاضِرَاتِ، لِيُفسِدنَ الحَفَلاتِ بِالغِنَاءِ المُحَرَّمِ, وَيَذهَبنَ بِبَرَكَةِ الاجتِمَاعِ، وَيَحرِمنَ مَن كَانَ فِيهَا خَيرٌ مِن الحُضُورِ وَالبَقَاءِ.

 

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ، وَإِيَّاكُم وَمَا يَذهَبُ بِبَرَكَةِ أَوقَاتِكِم وَأَموَالِكِم، أو يُفسِدُ حَيَاتَكُم وَعلاقَاتِكُم! فَإِنَّكُم مَسؤُولُونَ عَمَّا وُهِبتُم مِنَ النِّعَمِ، (وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشكُرُ لِنَفسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنيٌّ كَرِيمٌ) [النمل:40].

 

 

 

المرفقات

الزفاف بين شكر النعمة وكفرها

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات