حقوق العباد

محمد بن علي السعوي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/حرمة الظلم وبعض صوره 2/خطر أخذ أموال العباد والتساهل فيها وكيفية التوبة منها 3/حقيقة الظلم وبعض مظاهره وصوره 4/قصص في بعد السلف عن الذنوب وخوفهم من سوء الحساب

اقتباس

المفلسُ على الحقيقةِ؛ إنَّهُ الظالمُ والمعتدي، الذي تذهبُ حسناتُهُ لغيره. بل وتضافُ إليهِ سيئاتِ المظلومين، فكم من أُناسٍ في هذه الدنيا قد أَرصدوا الأموالَ وكدَّسُوها، وعاشوا عَيشَ المترفين، ولكنهم قد يكونونَ من المُفلسين يومَ القيامةِ، الذين تتلاشى خيراتُهم، وتذهبُ حسناتُهم إلى من ظلموهم واعتدوا عليهم. بل إنَّ من الحسرةِ النزولَ إلى الحضيضِ في الإفلاسِ، بحيثُ بعد فناءِ الحسناتِ تُحْمَلُ على الظالمِ سيئاتُ المظلومين، ثُمَّ ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ لله الحكمُ العدل، الذي يفصلُ بين الناسِ يومَ القيامة: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصلِينَ)[الأنعام: 57].

وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحده لا شريك له: (لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ)[الأنعام:62].

وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، إمامَ المتقين، وأسوةَ الناسِ أجمعين، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وأصحابهِ والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومَ الدين، وسلمَ تسليماً كثيرًا.

 

أما بعد:

 

فـ(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[لقمان: 33].

 

معشر المسلمين: يقولُ اللهُ -تبارك وتعالى- في الحديثِ القدسي: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلا تَظَالَمُوا"[رواه مسلم].

 

عن أبي ذرٍ -رضي الله عنه- قوله: "فلا تظالموا".

 

قال النووي -رحمه الله-: "أي لا يظلمُ بعضُكم بعضًا"[شرح النووي على صحيح مسلم (16 / 132)].

إذ هو محرم.

 

ومن الظُلمِ -أيُّها المسلمون-: الاعتداءُ على حقوقِ الآخرينَ، وإيذاؤُهم في دمائِهم وأموالهم وأعراضهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كلُ المسلم على المسلم حرام دمُه ومالُه وعرضُه"[رواه مسلم].

 

ومن الظلمِ: المماطلةُ بدينٍ، أو قرض، وذلك بعدمِ وفائهِ، أو أدائهِ إلى صاحبه، وهو يَقدرُ على ذلك، قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ"[رواه البخاري ومسلم].

 

عباد الله: من عليهِ حقوقٌ لغيرهِ فليُؤدها، ومن عليهِ مظالمُ للناسِ فليتحللْ منها اليومَ قبلَ الإفلاس، قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ"[رواه مسلم (4 /1997)].

 

فالمفلس في الدنيا: هو الذي لم يبقَ لهُ مالٌ ولا متاع، والشتمُ هو قبيحُ الكلام، والقذفُ هو الاتهامُ بالزنا.

 

قوله: "أكل مال هذا" أي: أخذهُ ولم ينوِ ردَّهُ، سواءً أخذهُ بحقٍ أو بغير حق.

 

قوله: "وسفك دم هذا" أي: قتلهُ أو جرحه.

 

قوله: "فيُعطَى هذا من حسناته" أي: يكونُ التسديدُ يومَ القيامةِ لأصحابِ المظالمِ ممَّا يملكُ الظالمُ والمعتدي، من الحسناتِ التي قدَّمَها في الدنيا على مقدارِها بالعدل، فإن فَنيت حسناتُهُ قبلَ أن يقضي ما عليهِ ظهرَ حينئذٍ إفلاسهُ على الحقيقة.

 

وبالتالي لا بُدَّ من وفاءِ ما تبقى من المظالمِ التي عليه، ومن ثَمَّ يكونُ التسديدُ عن طريقِ تحملِ خطايا من ظلمهم، ثُمَّ يُطرحُ في النار.

 

ذلكَ هو المفلسُ على الحقيقةِ، إنَّهُ الظالمُ والمعتدي، الذي تذهبُ حسناتُهُ لغيره.

 

بل وتضافُ إليهِ سيئاتِ المظلومين، فكم من أُناسٍ في هذه الدنيا قد أَرصدوا الأموالَ وكدَّسُوها، وعاشوا عَيشَ المترفين، ولكنهم قد يكونونَ من المُفلسين يومَ القيامةِ، الذين تتلاشى خيراتُهم، وتذهبُ حسناتُهم إلى من ظلموهم واعتدوا عليهم.

 

بل إنَّ من الحسرةِ النزولَ إلى الحضيضِ في الإفلاسِ، بحيثُ بعد فناءِ الحسناتِ تُحْمَلُ على الظالمِ سيئاتُ المظلومين، ثُمَّ يُطرحُ في النارِ -نعوذُ باللهِ من سُوءِ المنقلب-.

 

أيُّها المسلمون: إنَّ حقوقَ العبادِ أمرُها شديد، قال عبدُ الله ابن الزبير -رضي الله عنهما-: لما نزلت هذهِ الآية: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)[الزمر: 30 – 31].

 

قال: يا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيُكررُ علينا ما يكونُ بيننا، مع خواصِ الذنوب؟ قال: "نعم ليُكرَرَنَّ عليكم حتى يُرَدَّ إلى كلِ ذِي حقٍّ حقه، قال الزبير: واللهِ إنَّ الأمرَ لشديد"[رواه البيهقي وغيرهِ (السنن الكبرى 6 / 155)].

 

وكتبَ رجلٌ إلى ابن عمرٍ -رضي الله عنهما-: أن اكتب إليَّ بالعلمِ كله، فكتبَ إليه: "إنَّ العلمَ كثيرٌ ولكن إن استطعت أن تلقى اللهَ خفيفَ الظهرِ من دماءِ الناسِ، خميصَ البطنِ من أموالهم، كافَ اللسانِ عن أعراضهم، لازمًا لأمرِ جماعتهم فافعل"[سير أعلام النبلاء (3 / 222) نقلاً: أين نحنُ من أخلاقِ السلف، ص113].

 

أيُّها المسلمون: إنَّ حقوقَ العبادِ لا يضيعُ منها شيءٌ، فعَنْ عَائِشَةَ -رضي اللهُ عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الدَّوَاوِينُ عِنْدَ اللَّهِ -عز وجل- ثَلاثَةٌ: دِيوَانٌ لا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئًا، وَدِيوَانٌ لا يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا، وَدِيوَانٌ لا يَغْفِرُهُ اللَّهُ، فَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لا يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَالشِّرْكُ بِاللَّهِ، قَالَ اللَّهُ -عز وجل-: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)[المائدة: 72].

 

وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئًا، فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، مِنْ صَوْمِ يَوْمٍ تَرَكَهُ أَوْ صَلَاةٍ تَرَكَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ -عز وجل- يَغْفِرُ ذَلِكَ، وَيَتَجَاوَزُ إِنْ شَاءَ.

 

وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لا يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا، فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا الْقِصَاصُ لا مَحَالَةَ"[أحمد (6 / 240)].

 

قال العلماءُ: حقوقَ العبادِ مبنيةً على المُشاحَّة، وحقوقَ اللهِ مبنيةً على المسامحةِ، أي فيما عدا الإشراكُ به سبحانه [روائعَ من أقوالِ الرسولِ-صلى الله عليه وسلم- (ص 404)].

 

 وقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ"[رواه مسلم].

 

والجلحاء: هي الشاةُ التي لا قُرونَ لها.

 

والقصاصُ بين البهائمِ ليس قصاصَ التكليفِ، وإنَّما هو قصاصُ مُقابلة.

 

أيُّها المسلم: إن كانَ عندكَ مظالمُ لغيرك، أو حقوقٌ فعليك أن تتحللَ منها اليومَ قبلَ العرضِ على الحكَمِ العدل، الذي لا يَظلمُ الناسُ شيئاً، ولكنَّ الناسَ أنفسهم يظلمُون، قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ ولا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ، أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ"[رواه البخاري].

 

قوله: "من كانت له" بمعنى عليهِ؛ كقوله تعالى: "وإن أسأتم فلها" أي عليها.

 

وفي لفظٍ من الحديث: "من كانت عنده مظلمة لأخيه".

 

وهذا ظاهرُ المعنى.

 

قوله: "من عرضه" العِرْض بكسرِ العينِ وسكون الراء، هو مكانُ المدحِ والذمِ من الإنسانِ، من جسدهِ، أو نفسه، أو خُلُقهِ، أو عمله، أو حسبهِ ونسبه.

 

وقولهِ: "أو شيء" أي من الأشياءِ، قال ابن حجرٍ -رحمه الله-: "وهو من عطفِ العامِ على الخاص، فيدخلُ فيه المالُ بأصنافه، والجراحاتُ حتى اللطمةِ ونحوها".

 

فليحذرِ المسلمُ والمسلمةُ من الظلمِ، فإنَّ الظلمَ ظُلماتٌ يومَ القيامة.

 

والظلمُ: اسمٌ للجورِ ومجاوزةِ الحدِّ، ووضعِ الشيءِ في غيرِ موضعهِ الشرعي، قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "الظلمُ يشتملُ على معصيتينِ: أخذِ مالِ الغيرِ بغير حقٍّ، ومبارزةِ الربِّ بالمخالفةِ، والمعصيةُ فيه -أي في الظلم- أشدُ من غيرها؛ لأنَّهُ لا يقعُ غالباً إلاَّ بالضعيفِ الذي لا يقدرُ على الانتصار، وإنَّما ينشأُ الظلمُ عن ظُلْمَةِ القلب؛ لأنَّهُ لو استنارَ بنورِ الهُدى لاعتبر، فإذا سعى المتقونَ بنورِهم الذي حصلَ لهم بسببِ التقوى، اكتنفت ظلماتُ الظلمِ الظالمَ، حيثُ لا يُغني عنهُ ظلُمهُ شيئا" [ابن الجوزي -رحمه الله- ص100 ج5 فتح الباري].

 

نسألُ الله -تعالى- العفو والعافية، وأن يُعيذنا من حالِ الخاسرين، وأن يُجنبنا أسبابَ الظُلمِ، وأن يُعيذنا من مصيرِ الظالمين.

 

أقولُ قولي هذا، واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم، ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروهُ إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والعاقبةُ للمتقين، ولا عُدوانَ إلاَّ على الظالمين، وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلاَّ اللهَ وحدهُ لا شريكَ له: (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) [الأعراف: 196].

وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسولهُ، صلى الله عليه وعلى آلهِ وأصحابهِ أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وسلمَ تسليماً كثيرًا.

 

أمَّا بعد:

 

فيَا أيُّها المسلمون: اتقوا اللهَ -تعالى-، وخُذوا حذرَكُم من سيئاتِ أعمالكم، وأدُّوا الحقوقَ التي عليكم، واعتبروا بعملِ الصالحينَ من قبلكم.

 

معشرَ المسلمين: من الظُلمِ وتجاوزِ الحدودِ في الحقوقِ: أكلُ أموالِ الناسِ بالباطلِ، كالسرقةِ، والاختلاسِ، وجحدِ العاريةِ، وأكلِ مالِ اليتيمِ ظُلمًا، وغصبِ الأرضِ وأخذها بغيرِ حقٍّ، قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنْ الْأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ"[رواهُ البخاري].

 

قوله: "قيد شبر" أي قدرَ شبرٍ.

 

وفي هذا إشارةٌ إلى استواءِ القليلِ والكثيرِ في الوعيد.

 

ومن الظُلمِ: منعُ الأُجرةِ عن مُستحِقِها من العُمالِ وغيرِهم، بعدَ وفاءِ عملهم، قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: "قَالَ اللَّهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِه أَجْرَه"[رواه البخاري].

 

عبادَ الله: لقد كانَ السلفُ الصالحِ –عليهم رحمةُ الله- يحذرونَ من حقوقِ العبادِ، ويخافُونَ من سُوءِ الحسابِ، كتبَ رجلٌ إلى ابنِ عمرٍ -رضي اللهُ عنهما-: أن اكتب إليَّ بالعلمِ كلهِ، فكتبَ إليه: "إنَّ العلمَ كثيرٌ ولكن إن استطعت أن تلقى اللهَ خفيفَ الظهرِ من دماءِ الناسِ، خميصَ البطنِ من أموالهم، كافَ اللسانِ عن أعراضهم، لازمًا لأمرِ جماعتهم فافعل"[سير أعلام النبلاء (3 / 222) نقلاً: أين نحن من أخلاق السلف ص113].

 

وعن عوفِ بن الحارثِ -رضي اللهُ عنه- قال: سمعتُ عائشةَ -رضي الله عنها- تقولُ: "دعتني أمُّ حبيبةَ عندَ موتها -رضي الله عنها- فقالت: قد كانَ يكونُ بيننا ما يكونُ بين الضرائرِ، فغفرَ اللهُ لي ولكِ ما كانَ من ذلك، فقلتُ: غفرَ الله لكِ كلَهُ، وحَلَلَكِ من ذلك، فقالت سررتِني سركِّ الله، وأرسلت إلى أمِّ سلمة، فقالت لها مثلَ ذلك".

 

وعن عطاءِ بن أبي رباحٍ -رحمه الله- قال: حدثتني فاطمةُ امرأةُ عُمرَ بنِ عبدِ العزيز -عليهم رحمة الله- أنَّها دخلت عليه، فإذا هُو في مُصلاهُ، يدُه على خدهِ، سائلةٌ دموعُهُ، فقلتُ يا أميرَ المؤمنين، ألشيءٍ حدث؟ قال يا فاطمة: إني تقلدتُ أمرَ المسلمين، فتفكرتُ في الفقيرِ الجائع، والمريضِ الضائع، والعاري المجهود، والمظلومِ المقهور، والغريبِ المأسور، والكبيرِ، وذي العيالِ، في أقطارِ الأرضِ، فعلمت أنَّ ربِّي سيسألُني عنهم، فرحمتُ نفسي وبكيت عليه رحمةُ الله ورضوانُه.

 

أيُّها المسلمُ: عليكَ أن تتداركَ أمركَ قبلَ حلولِ أجلكَ، وذلكَ بردِّ الحقوقِ إلى أهلِها، أو باستعطافِهم للحصولِ على مُسامحتِهم وعفوهم، قبلَ يومِ الجزاءِ والقصاص.

 

نسألُ اللهَ -تعالى- أن يكفيَنا بحلالهِ عن حرامه، وأن يُغنيَنا بفضلهِ عمن سِواه، وأن يُعيذَنا من شرورِ أنفسنا، ومن سيئاتِ أعمالنا.

 

عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

اللهمَّ صلِ وسلم على عبدكَ ورسُولِكَ نبينا محمد، وارضِ اللهمَّ عن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعينَ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوكَ وإحسانكَ ورحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.

 

اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ وانصرِ المسلمين، وأذلَ الشركَ واخذلِ المُشركين، ودمر أعداءَك أعداءَ الدين، واجعل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًا، وسائرَ بلادَ المسلمين.

 

اللهمَّ أصلح ولاةَ أمرِنا وولاةَ أمورِ المُسلمين، اللهمَّ وأصلح بطانتهم ومستشارِيهم، اللهمَّ واحفظ علينا أمنَنَا وإيماننا، واستر عوراتَنَا، وآمن روعَاتِنَا، وأعذنا اللهمَّ من غلبةِ الدينِ، وقهرِ الرجالِ، وشماتةِ الأعداءِ، ونسألُكَ اللهمَّ خشيتَكَ في الغيبِ والشهادةِ، اللهمَّ اعصمنا بدينكَ، وبسنةِ نبيِّكَ -صلى الله عليه وسلم- من الاختلافِ في الحقِّ، ومن إتباعِ الهوى، ومن سبيلِ الضلالةِ، ومن شُبهاتِ الأمورِ، ومن الزيغِ والخصومات.

 

اللهمَّ جنبنا أسبابَ الظُلمِ والبغيِّ والعُدوان، واصرف عنَّا وعن المسلمينَ ظُلمَ الظالمين، وعدوانَ المُعتدين.

 

اللهمَّ رحمتكَ نرجو فلا تكلنا إلى أنفُسِنا ولا إلى أعمَالِنا وجُهدِنا طرفةَ عين، وأصلح لنا شأنَنَا كله.

 

اللهمَّ وفقنا لما تحبُ وترضى، وبارك لنا في أوقَاتِنا، وصالحِ أعمَالِنا.

 

اللهمَّ إنَّا نعوذُ بكَ من مُوجباتِ سخطكَ، وأليمَ عقابك.

 

اللهمَّ اكفنا والمسلمينَ شرورَ الكفارِ والمنافقين، وانتصر لعبادِكَ المظلُومِين، وارحمِ الضعفاءَ والمساكين.

 

اللهمَّ يا من لا يرضَ عن القومِ الفاسقين، ويا من لا يَرُدُّ بأسهُ عن القومِ المُجرمين، عليكَ بالذينَ يصدُّونَ عن سبيلكَ، ويبغونَها عوجاً، وهم بالآخرةِ هم كافرون.

 

اللهمَّ اغفر للمؤمنينَ والمؤمناتِ، الأحياءَ منهم والأمواتِ، برحمتكَ يا مجيبُ الدعوات.

 

اللهمَّ اشفِ مرضَانا، وعافِ مُبتلانا، واقضِ الدينَ عن مَدينَنَا، واجبر مُصابَنا، وتولَ أمرَنا، وأصلح لنا أعمَالنا، واغفر لنا ذُنوبنا، واجعلنا من عِبادِك الفائزينَ المنصورين.

 

اللهمَّ إنَّا نسألُك قلوباً سليمةً مُطمئنة، تقنعُ بعطائك، وترضى بقضائِك، وتؤمنَ بلقائكَ، ونسألكُ اللهمَّ حُسنَ القولِ وصالحَ العمل.

 

واجعلنا اللهمَّ من الذين يُجزونَ أجرَهم بأحسنِ ما كانوا يعملون.

 

ربنَا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ يا عزيزُ يا غفار.

 

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90].

 

فاذكروا اللهَ العظيمِ الجليلِ يذكُرُكم، واشكروهُ على نعمهِ يزدكُم، ولذكرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

 

 

 

 

 

المرفقات

العباد

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات