العلامات الصغرى

محمد حسان

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
1/ الساعة آتية لا ريب فيها 2/ العلامات الصغرى التي وقعت وانقضت 3/ العلامات الصغرى التي وقعت ولم تنقضِ 4/ العلامات الصغرى التي لم تقع بعد

اقتباس

وكان من الحكمة والمنطق قبل أن أتكلم عن مراحل الساعة أن أتحدث عن علامات الساعة الصغرى والكبرى؛ ولذا فإن حديثنا اليوم مع حضراتكم عن العلامات الصغرى بين يدي الساعة.

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدَّى الأمانةَ، وبَلَّغَ الرسالةَ، ونَصَحَ الأمةَ، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم أجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته.

 

وصلِّ اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فحيَّا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وذكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور.

 

طبتم جميعا وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً.

 

حياكم الله جميعاً، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعني وإياكم في الدنيا دائما وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار كرامته؛ إنه ولى ذلك ومولاه، وهو على كل شيء قدير.

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أحبتي في الله: (في رحاب الدار الآخرة)، سلسلة علمية هامة تجمع بين المنهجية والرقائق، وبين التأصيل العلمي والأسلوب الوعظي، تبدأ بالموت وتنتهي بالجنة، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهلها.

 

وهذا هو لقاؤنا الثالث من لقاءات هذه السلسلة المباركة، وكنا قد أنهينا الحديث في اللقاء الأول وتوقفنا مع الجنازة وهى في طريقها إلى القبر تتكلم، ثم توقفنا في اللقاء الماضي مع الجنازة وقد أغلق عليها القبر، ليعيش صاحبها في نعيم مقيم، أو في عذاب أليم إلى قيام الساعة.

 

وكان من الحكمة والمنطق قبل أن أتكلم عن مراحل الساعة أن أتحدث عن علامات الساعة الصغرى والكبرى؛ ولذا فإن حديثنا اليوم مع حضراتكم عن العلامات الصغرى بين يدي الساعة.

 

وكعادتنا، سوف ينتظم حديثنا اليوم مع حضراتكم في العلامات الصغرى في العناصر التالية:

أولاً: الساعة آتية لا ريب فيها.

ثانياً: العلامات الصغرى التي وقعت وانقضت.

 ثالثاً: العلامات الصغرى التي وقعت ولم تنقضِ.

رابعاً: العلامات الصغرى التي لم تقع بعد.

 

فأعرني قلبك وسمعك أيها الحبيب، والله أسأل أن يجعلني وإياكم جميعا من: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ الله وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ) [الزمر:18].

 

أولاً: الساعة آتية لا ريب فيها: أحبتي في الله: إن الحديث عن اليوم الآخر ليس من باب الترف العلمي، ولا من باب الثقافة الذهنية الباردة التي لا تتعامل إلاَّ مع العقول فحسب، بل إن الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان بالله -جل وعلا- لا يصح إيمان العبد إلا به أصلا وابتداءً، كما في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب، وفيه أن جبريل -عليه السلام- سأل الحبيب المصطفى: ما الإيمان؟ فقال الحبيب: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره".

 

لا يمكن أن يستقر الإيمان باليوم الآخر في قلب عبد من العباد إلا إذا وقف على حقيقة هذا اليوم، وعرف أحواله، وكروبه وأهواله.

 

ومن ناحية ثالثة: إذا استقرت حقيقة الإيمان باليوم الآخر في قلب عبد صادق، دفعه هذا العلم بهذا اليوم إلى الاستقامة على منهج الله وعلى طريق الحبيب رسول الله؛ لأنه سيعلم يقينا أنه غداً سيقف بين يدي الله -جل وعلا- ليكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان؛ ليقول له الملك: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الَيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [الإسراء:14].

 

فالهدف من هذه السلسلة تذكير المسلمين للاستيقاظ من غفلتهم ورقدتهم الطويلة، وإيقاظ المسلمين بالتوبة والإنابة إلى الله -جل وعلا- قبل أن تأتيهم الساعة بغتة وهم يخصِّمون، فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون.

 

أيها المسلمون: قال الله -جل وعلا-: (ذَلِكَ بِأَنَّ الله هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) [الحج:6-7].

 

وإذا كان البشر يرون الساعة بعيدة فإن خالق البشر يرى الساعة قريبة، قال -جل وعلا-: (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا * يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا) [المعارج:6-10].

 

وقال -سبحانه-: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ) [القمر:1]. وقال -جل وعلا-: (أَتَى أَمْرُ الله فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) [النحل:1]. وقال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا الله وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].

 

أما عن وقت قيام الساعة فإن هذا من خصائص علم الله -جل وعلا-، لا يعلم وقت قيام الساعة ملك مقرب أو نبي مرسل. قال -سبحانه- في سورة الأعراف: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرض لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ الله وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [الأعراف:187].

 

وقال -سبحانه- في سورة الأحزاب: (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ الله وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا) [الأحزاب:63].

 

وقال -سبحانه- في سورة النازعات: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) [النازعات:42-46]. فلا يعلم وقت قيام الساعة إلا الله.

 

إن جبريل -عليه السلام- هو أعلى الملائكة، ومحمدا هو أعلى الخلق منزلة، ومع ذلك جاء جبريل إلى النبي فقال له: متى الساعة؟ فقال المصطفى: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل!" وهو جبريل، والمسئول هو البشير النذير، لا يعلمان وقت قيام الساعة. أفيتجرأ عاقل بعد ذلك ليقول بأنه على علم بوقت قيام الساعة؟.

 

في صحيح البخاري من حديث ابن عمر أن النبي قال: "مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله"، وتلا النبي قول الله -تعالى-: (إِنَّ الله عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان:34].

 

وإذا كان الله -عز وجل- قد أخفى وقت قيام الساعة، فقد أخبر -سبحانه وتعالى- ببعض العلامات والأمارات التي تكون بين يدي الساعة؛ لينتبه الخلق بالإنابة والتوبة إلى الله -جل وعلا-.

 

وقد سمى القرآن هذه العلامات والأمارات بالأشراط، فقال -سبحانه-: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) [محمد:18]. أي: فقد جاءت علاماتها وأماراتها.

 

وها أنا ذا أقسم العلامات إلى ثلاثة أقسام:

أولا: علامات صغرى وقعت وانتهت.

ثانيا: علامات صغرى وقعت ولم تنقضِ، مازالت مستمرة.

ثالثا: علامات صغرى لم تقع بعد.

 

أولا: علامات صغرى وقعت وانتهت: وأول هذه العلامات بعثة الحبيب المصطفى، ففي الصحيحين أنه قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين"، وأشار بالسبابة والوسطى. متفق عليه. فبعثة النبي علامة صغرى، وموت النبي أيضا، وكلاهما قد مضى، كما في صحيح البخاري من حديث عوف بن مالك قال: "أعدد ستاً بين يدي الساعة..."،  وذكر النبي أن أولها موته.

 

ومن هذه العلامات الصغرى أيضا التي وقعت وانقضت انشقاق القمر، قال -سبحانه-: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ)، وقد وردت الأحاديث الكثيرة الصحيحة عن رسول الله رواها الإمام مسلم في صحيحه أذكر حضراتكم بحديث واحد من هذه الأحاديث.

 

من حديث أنس قال: طلب أهل مكة من رسول الله أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر. فقال: "ماذا تريدون؟"، قالوا: نريد أن تشق لنا القمر في السماء نصفين. فسأل الحبيب ربه فاستجاب الله للمصطفى وشق له القمر في السماء نصفين، فقال المصطفى: "اشهدوا اشهدوا" رواه مسلم. ومع ذلك أنكروا وأعرضوا، وقالوا: سحر مستمر.

 

ومن هذه العلامات الصغرى أيضا خروج نار في أرض الحجاز، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله: "لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببُصْرَى" متفق عليه.

 

وبُصْرَى بلد تسمى حوران في ديار الشام، ولقد وقعت هذه الآية بمثل ما حَدَّث الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى.

 

قال الإمام القرطبي في التذكرة: ولقد وقعت هذه الآية بمثل ما حدث الصادق المصدوق. ففي يوم الأربعاء في الثالث من شهر جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة خرجت نار من أرض الحجاز كانت لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته، رآها من أرض الحجاز جميع أهل الشام.

 

ثانياً: العلامات الصغرى التي وقعت ومازالت مستمرة لم تنقض بعد: جاء في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان قال: "قام فينا رسول الله مقاماً ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حَدَّث به، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه" رواه مسلم.

 

أخبر النبي بالفتن التي ستقع وقال -كما في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة وغيره- قال: "بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا" رواه مسلم والترمذي.

 

فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل على الإيمان فلا يأتي الليل عليه إلا وقد كفر بالرحيم الرحمن! ويمسي على الإيمان فلا يأتي الصباح عليه إلا وقد كفر بالله -عز وجل-!.

 

ومن الفتن التي يتعرض لها المسلم اليوم فتنة الغربة، فالمسلم الصادق يعيش الآن فتنة قاسية ألا وهي فتنة الغربة، قال الحبيب -كما في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة-: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء!" رواه مسلم.

 

فأهل الغربة الآن يفرون بدينهم من الفتن، بل لقد روى الترمذي في سننه بسند حسن أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "سيأتي على الناس زمان القابض فيه على دينه كالقابض على جمر بين يديه".

 

ومن الفتن التي يتعرض لها المسلم فتنة الشهوات، وفي الصحيحين من حديث المسور بن مخرمة أنه قال: قال المصطفى: "فو الله ما الفقر أخشى عليكم! ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافس فيها من كان قبلكم؛ فتهلككم كما أهلكتهم" متفق عليه.

 

إذ يرى المسلم واقع أمته مراً أليماً، في الوقت الذي يرى فيه أمم الكفر ودول الكفر قد قفزت قفزات سريعة جدا في عالم الحضارة والرقي والتطور والمدنية، فينظر المسلم الشاب الغيور إلى واقع الأمة فيرى الأمة ذليلة كسيرة مبعثرة كالغنم في الليلة الشاتية الممطرة، وتعصف الفتنة بقلبه ويتساءل مع نفسه: أهذه هي الأمة التي دستورها هو القرآن ونبيها محمد -عليه الصلاة والسلام- وربها هو الرحيم الرحمن؟ ما الذي بدل عزها إلى ذل؟! ما الذي غير علمها إلى جهل؟! ما الذي حول قوتها إلى ضعف وهوان؟!.

 

وهناك فتنة الأولاد وفتنة الزوجات، قال -جل وعلا-: (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَولادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحذَرُوهُمْ) [التغابن:14].

 

فتن كثيرة، قال المصطفى، كما في الصحيحين من حديث أنس: "إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال، وتكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد" متفق عليه.

 

بل لقد ورد في سنن الترمذي بسند صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يتقارب الزمان بين يدي الساعة، فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كاحتراق السعفة" رواه الترمذي. أي: كاحتراق جريدة من النخيل.

 

ومن علامات الساعة الصغرى التي وقعت ولم تنقض إسناد الأمر إلى غير أهله، ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن أعرابيا دخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يحدث الناس فقال الأعرابي: يا رسول الله، متى الساعة؟ فمضى النبي في حديثه ولم يجب الأعرابي على سؤاله، فلما أنهى النبي حديثه قال: "أين السائل عن الساعة آنفا؟" فقال الأعرابي: ها أنا ذا يا رسول الله. قال: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة". فقال الأعرابي الفقيه: وكيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" رواه البخاري.

 

تدبر معي حديث النبي الذي رواه أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع من حديث أبي هريرة قال: "سيأتي على الناس سنوات خدّاعات: يصدق فيها الكاذب، ويكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخَوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة" قيل: من الرويبضة يا رسول اللـه؟ قال: "الرجل التافه يتكلم في أمر العامة".

 

ومنها تداعي الأمم على أمة الحبيب المحبوب، ففي الحديث الذي رواه أبو داود من حديث ثوبان، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه، أنه قال: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، قالوا: أوَمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: "كلا! إنكم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، وليوشكن الله أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم وليقذفن في قلوبكم الوهن" قيل: وما الوهن يا رسول اللـه؟ قال: "حب الدنيا، وكراهية الموت" رواه أبو داود وأحمد وصححه الألباني.

 

واقع نعيش فيه! واقع تحياه الأمة! تداعت أذل أمم الأرض من اليهود ومن عباد البقر والملحدين على أمة الإسلام في كل مكان، وطمع في الأمة الذليل قبل العزيز، والضعيف قبل القوي، والقاصي قبل الداني، وأصبحت الأمة قصعة مستباحة لأمم الأرض!.

 

ومن العلامات: كما في الحديث الذي رواه أحمد والطبراني في الكبير بسند صحيح من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه- أنه قال: "بين يدي الساعة رجال معهم سياط كأنها أذناب البقر، يغدون في سخط الله ويروحون في غضب الله" رواه مسلم.

 

وفى صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة، قال المصطفى: "صنفان من أهل النار لم أرهما: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسمنة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" رواه مسلم.

 

أيها الأحبة الكرام: لا أريد أن أطيل عليكم أكثر من ذلك، وأرجئ الحديث عن العلامات الصغرى التي لم تقع بعد إلى ما بعد جلسة الاستراحة.

 

والله أسأل أن يجعلني وإياكم جميعا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

 

أما بعد: ثالثاً: علامات صغرى لم تقع بعد.

 

من هذه العلامات التي أخبر عنها النبي ولم تقع ما رواه البخاري ومسلم أنه -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى يكثر المال، ويفيض، حتى يخرج الرجل زكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها" رواه البخاري.

 

من أهل العلم من قال: إن هذا قد وقع على عهد عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-.

 

ومن العلامات التي لم تظهر ما أخبر عنه الصادق المصدوق كما جاء في البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، فيقول كل رجل منهم: لعلى أكون أنا الذي أنجو".

 

وفى رواية قال: "يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً" متفق عليه.

 

ومن العلامات -أيضاً- التي لم تظهر بعد: ظهور المهدي -رضي الله عنه-، فعن عبد اللـه بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلاً منى -أو من أهل بيتي- يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً" رواه أبو داود والترمذي وصححه.

 

يخرج هذا الرجل يؤيد الله به الدين، يملك سبع سنين. رواه أبو داود والحاكم وصححه الألباني.

 

يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، تنعم الأمة في عهده نعمة لم تنعمها قط، تخرج الأرض نباتها، وتمطر السماء قطرها، ويعطى المال بغير عدد.

 

قال ابن كثير: في زمانه تكون الثمار كثيرة، والزروع غزيرة، والمال وافر، والسلطان قاهر، والدين قائم، والعدو راغم، والخير في أيامه دائم. اهـ.

 

وقد تواترت الأحاديث في المهدي تواتراً معنوياً، وقد نص على ذلك الأئمة والعلماء.

 

ونكتفي بذلك القدر، ونسأل الله أن يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

 

 

 

 

المرفقات

الصغرى

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات