حماية الله للدين والأنفس والأموال والأعراض والعقول

منديل بن محمد آل قناعي الفقيه

2022-10-08 - 1444/03/12
عناصر الخطبة
1/شواهد حماية الله للدين 2/صور وشواهد حماية الله للأنفس 3/عقوبة قاتل النفس بغير حق في الدنيا والآخرة 4/كفارة القتل وعفو أولياء المقتول عن القاتل 5/صور وشواهد حماية الله للأموال 6/الوسائل الشرعية لحماية الأعراض وصيانتها

اقتباس

من حماية الله للأعراض: أن أمر الله المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، وأوجب على النساء الحجاب والتستر، وحرم عليهن إبداء شيء من زينتهن، ومنع الرجال من الدخول على النساء، وبين أن دخول الرجال على النساء، هو الموت؛ ففي الصحيحين عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي اللهُ عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ" فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ". وحرم الاختلاط، و...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله القوي العظيم يقضي بالحق، ويحكم بالعدل، وهو العليم الحكيم.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاة من العذاب الأليم، والفوز بالنعيم المقيم.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه ربه بالهدى ودين الحق، فدعا الناس إلى الهدى، ودلهم على الصراط المستقيم، صلى الله وسلم عليه وعلى آله ومن سار على طريقه إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

اتقوا الله -عباد الله-: ففيها السلامة والنجاة: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[الزمر: 61].

 

واشكروه على ما أنعم به عليكم من حماية الدين والنفس والمال والعرض والعقل.

 

لقد حمى الله الدين بما أقام عليه من الآيات البينات، حتى تتمسكوا به عن علم وبصيرة.

 

وحماه بما رتبه من الجزاء الوافر على فعل الحسنات؛ لترغبوا فيها وتقيموها.

 

وحماه لكم بما حذركم به من عقوبة المخالفات؛ لترهبوا منها، وتحذروا من الوقوع فيها.

 

وحماه بما أقامه من الجهاد بالنفس والمال.

 

وحمى الله الأنفس، فأكد تحريمها في كتابه، وعلى لسان رسوله، وجعل القتل قرين الشرك، فقال: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)[الفرقان:68].

 

وقال: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[الأنعام:151].

 

وعَنْ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- عَنَْ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا"[البخاري ومسلم].

 

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ": قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: "الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ"[البخاري ومسلم].

 

وعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا"[البخاري].

 

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ"[مسلم].

 

ومن أجل حرمة النفس وتحريمها، فقد رتب الله على قتلها عقوبات أخروية، وعقوبات دنيوية، فأما العقوبات الأخروية، فقد قال تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93].

 

وفي هذه الآية: أربع عقوبات كل واحدة منها توجل القلب، وتفزع النفس، وترهبها.

 

(فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا) فيا ويله ما أصبره على نار جهنم التي فضلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءا.

 

(وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ) وبئسما حصل لنفسه من غضب الله عليه.

 

(وَلَعَنَهُ) فطرده وأبعده من رحمته.

 

(وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) فويل لقاتل المؤمن التعمد من هذه العقوبات النار، وغضب الجبار، واللعنة والعذاب العظيم.

 

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ"[البخاري ومسلم].

 

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: "يَأْتِي الْمَقْتُولُ مُتَعَلِّقًا رَأْسَهُ بِإِحْدَى يَدَيْهِ، مُتَلَبِّبًا قَاتِلَهُ بِيَدِهِ الأُخْرَى يَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا، حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ الْعَرْشَ، فَيَقُولُ الْمَقْتُولُ لِلَّهِ: رَبِّ هَذَا قَتَلَنِي، فَيَقُولُ اللَّهُ -عز وجل- لِلْقَاتِلِ: تَعِسْتَ، وُيَذْهَبُ بِهِ إِلَى النَّارِ"[الطبراني وصححه الألباني].

 

وعن أَبَي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ وَأَبَي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ"[الترمذي وصححه ابن حبان والألباني].

 

أيها المسلمون: هذه عقوبة قاتل النفس بغير حق في الآخرة إن لم يتب، أو يقم عليه الحد، فالله قال في شأن التائبين: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الفرقان: 68-68].

 

وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رضي الهُ عنه- قَالَ: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي مَجْلِسٍ، فَقَالَ: "تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ"[البخاري ومسلم].

 

وأما عقوبته في الدنيا فالقصاص، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) [البقرة:178].

 

(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:179].

 

النفس بالنفس جزاءا وفاقا، كما فعل بأخيه المسلم، وأفقده حياته، فجزاؤه أن يفعل به كما فعل.

 

وقد جعل الله لولي المقتول سلطانا شرعيا، وسلطانا قدريا، أي قدرة في شرع الله وقضائه، وقدرة على قتل القاتل، كما قال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) [الإسراء:33].

 

فهذه الآية كما تدل على أن الله جعل لولي القاتل سلطانا شرعيا في قتل القاتل، فقد يفهم منها أن الله جعل له سلطانا قدريا بحيث يكون قادرا على إدراك القاتل، وقتله، فهيأ له من الأسباب ما يتمكن بها من إدراكه، والله على كل شيء قدير، وبكل شيء محيط.

 

أيها المسلمون: ومع كل ذلك إلا أن الله -تعالى- قد سمى القاتل أخا لولي المقتول: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) [البقرة:178].

 

فيا ولي المقتول: اعلم أن عتق الرقبة من أعظم القربات عند الله، بل هي من الأعمال التي تجتاز بها عقبة هذه الحياة الدنيا: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ)[البلد: 11-13].

 

والمراد: عتق الرقبة، وعتقها بأحد أمرين: إما أن تكون هذه الرقبة عبدا أو أمة، فيعتقها إن كانت ملكا له، أو يشتريها ثم يعتقها.

 

وإما أن تكون الرقبة قاتلا، وله عليه سلطان في القصاص، فيتنازل عن قتله، ويعفو عنه.

 

ويكون بذلك قد جاز العقبة.

 

ولئن كان ولي الدم قد فقد قريبا، وعزيزا لديه، إلا أن القصاص لن يعوضه عن قريبه، وعزيزه مع أنه حق له، ولكن الله قد قال: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 134].

 

فالعفو العفو -أخي المسلم-: إن كان لك دم عند أحد من إخوانك المسلمين من جيرانك، أو أقربائك، فإن العفو خير لك من القصاص، وستبقى بعد العفو صاحب فضل، وصاحب منة وحسنة، لا ينساها لك من قتل قريبك.

 

والعفو خير من القصاص إذا كان المقتول ذا أسرة، وعليه دين، فيلجأ إلى الدية لتبرأ ذمة المقتول من الدين، فإنه مرهون في قبره بدينه، حتى يسد عنه، وإن نبينا قد قال فيما روي عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي الدَّهْمَاءِ قَالَا: أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَقُلْنَا: هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ -عز وجل- إِلَّا بَدَّلَكَ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ"[المسند وصححه شعيب الأرنؤوط].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بهدي سيد المرسلين....

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها المسلمون: ذكرت في الخطبة الأولى: أن الله أنعم علينا بحماية الدين والنفس والمال والعرض، وبقي الحديث عن حماية المال والعرض والعقل، فأقول:

 

لقد حمى الله -تعالى- أموالنا، ومن حمايته لأموالنا: أن جعل عقوبة السارق قطع يده إذا تمت الشروط: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[المائدة: 38].

 

بل أمر صلى الله عليه وسلم بقطع يد جاحد العارية، فلو استعار منك شخص شيئا يساوي ما تقطع به يد السارق، ثم جحده وأنكر، وقال: ما استعرت منك شيئا، فثبتت عليه العارية، فإنه تقطع يده لجحوده؛ ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أَنْ تُقْطَعَ يَدُهَا، فَأَتَى أَهْلُهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَكَلَّمُوهُ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيهَا فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ" فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

 

فَلَمَّا كَانَ الْعَشِىُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَاخْتَطَبَ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَإِنِّي وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا".

 

وأما حماية الله للأعراض، فقد ذكر الله جانبا كبيرا منها في سورة الحجرات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)[[الحجرات: 11-12].

 

وفي الصحيحين عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ ".

 

وأوجب الحد ثمانين جلدة على من قذف محصنا بالفاحشة، وأوجب الحد على الزاني إن كان محصنا بالرجم بالحجارة، حتى الموت.

 

وإن كان غير محصن لم يتزوج بالجلد مائة جلدة، وتغريب عام.

 

وأما حد اللوطي، وهو إتيان الرجل الرجل، فهو القتل إذا كانا بالغين غير مجنونين، سواء كانا متزوجين أم لا؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ" [المسند وصححه الحاكم والألباني].

 

وقد أجمع الصحابة على مقتضى هذا الحديث.

 

ومن حماية الله للأعراض: أن أمر الله المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، وأوجب على النساء الحجاب والتستر، وحرم عليهن إبداء شيء من زينتهن، ومنع الرجال من الدخول على النساء، وبين أن دخول الرجال على النساء، هو الموت؛ ففي الصحيحين عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي اللهُ عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ" فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ".

 

وحرم الاختلاط، وكل ما من شأنه ضياع الأعراض وانتهاكها.

 

وكذلك حرم الخلوة بالمرأة الأجنبية، وهي التي يجوز له أن يتزوج بها عاجلا أو آجلا.

 

بل حرم سفر المرأة بدون محرم.

 

كل ذلك صيانة للأعراض، وحماية لها من عبث العابثين، وتآمر الليبراليين والعلمانيين المنافقين.

 

فاحمدوا الله -أيها المسلمون-: على هذه الحماية لدينكم وأنفسكم وأموالكم وأعراضكم، وسلوه أن يوفقكم للقيام بشكره، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، ففي ذلك سعادة الدنيا والآخرة.

 

وأما حماية الله للعقل، فلها حديث آخر -إن شاء الله-.

 

اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك.

 

اللهم املأ قلوبنا بخشيتك، وأقبل بها على طاعتك، واحشرنا في زمرة الصالحين.

 

صلوا وسلموا على رسول الله...

 

 

 

 

المرفقات

الله للدين والأنفس والأموال والأعراض والعقول

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات