مرض كورونا وضعف التوكل

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/ تعدد طرق الموت وفرار الإنسان منه 2/ ضعف التوكل على الله يدفع الناس للهروب 3/ وقفات مع انتشار مرض كورونا بالمملكة 4/ أسباب حفظ الإنسان من البلاء والمرض

اقتباس

لا يزال الإنسان بطبعه يفر من الموت ويحاذر كل الطرق الموصلة إليه، ما استطاع لذلك سبيلاً، وما علم أن الموت أمامه وليس خلفه، وما علم أنه يسير إلى الموت ولا يهرب منه، وما علم أنه يقترب منه ولا يبتعد عنه: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ)، ولله في ذلك حكمة، وهي ألا تشتغل بالموت والخوف منه، فليس أمره إليك، ولكن اشتغل بالعمل النافع قبل هجوم الموت: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً).

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد:

 

فيا أيها الناس: لا يزال الإنسان بطبعه يفر من الموت ويحاذر كل الطرق الموصلة إليه، ما استطاع لذلك سبيلاً، وما علم أن الموت أمامه وليس خلفه، وما علم أنه يسير إلى الموت ولا يهرب منه، وما علم أنه يقترب منه ولا يبتعد عنه: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ)، ولله في ذلك حكمة، وهي ألا تشتغل بالموت والخوف منه، فليس أمره إليك، ولكن اشتغل بالعمل النافع قبل هجوم الموت: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً).

 

ولقد جعل الله الحياة دولاً، جيلاً يخلفه جيل آخر، هكذا دواليك حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وكما قيل: أرحام تدفع، وأرض تبلع.

 

عباد الله: مهما تعددت الطرق للموت، وتنوعت الأسباب، إلا أن الموت واحد، ووقته لا يتغير.

 

من لم يمت بالسيف مات بغيره *** تعددت الأسباب والموت واحد

 

وخير من ذلك قوله تعالى: (فإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ).

 

معاشر المؤمنين: في الحقيقة الكل يعلم ما سبق ذكره، ولكن القليل من يعمل بموجبه، ومن أكبر الأسباب التي جعلت الناس يسيرون في الخط المعاكس هو ضعف التوكل على الله، فمن علم أن القدر مكتوب، وأنه لا يكون شيء إلا بأمر الله، وأن ما قدّره الله فهو كائن لا محالة، متى استقرت هذه في القلب، وأيقن بها صاحبها، اطمأن قلبه، وزال همه وخوفه من الأقدار، وانزاحت عنه الوساوس والأوهام، لذا كان لزامًا علينا جميعًا أن نغرس التوكل في قلوبنا غرسًا، ونسقيه بكلام الله وسنة رسوله لننعم بالحياة المطمئنة.

 

أيها المؤمنون: الكل يتكلم عن مرض كورونا المنتشرِ هذه الأيام، ولنا معه وأمثاله وقفات مهمة:

 

الأولى: الأمراض كلها بقدر الله، فلن يصاب أحد إلا بما كتبه الله عليه، فلم الجزع والخوف؟! أخرج الترمذي في جامعه من حديث ابن عباس قال -صلى الله عليه وسلم-: "واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك".

 

الثانية: مرض كورونا كبقية الأمراض التي مرّت بالأمة، فقبله أنفلونزا الخنازير، والطيور، فالواجب أن نستفيد مما مضى، وأن لا نكون ألعوبة في أيدي تجار العقاقير، فما يموت في الحوادث أكثر ممن يموت بالأمراض، فلماذا الهلع من الأمراض؟!

 

الثالثة: فعل السبب مطلوب، ولكن الناظر في حال كثير من الناس، أنه يخاف من المرض وكأنه ينتقل بين الناس بنفسه بلا قدر، وأن العلاجات والأسبابَ هي التي تدفع المرض بنفسها، ونسي القدر والمقدر الحقيقي له.

 

ولنعلم حقيقة الأمر، فمنطقة مكة لم يسجل فيها ولا حالة واحدة حتى تسجيل هذه الخطبة، مع أنها تجمع الأخلاط من الناس من كل بلد، والزحام فيها منتشر، بل الناس يعطس بعضهم في وجوه بعض، ويسعلون كذلك حول الكعبة، وقد حماهم الله، فلا عدوى ولا طيرة، ولا مفر من القدر.

 

الرابعة: البعض من الناس وصل به الهلع لدرجة عظيمة، فتراه لا يلمس شيئًا، حتى السلام على الناس تركه، ويكتفي بالسلام باللسان، ولا يمس شيئًا إلا غسل يديه بالصابون والمعقمات، ويلبس الكمامات، ويرى المرض يتربص به في كل مكان، ولو أصابه زكام أو حمى لهرع للمستشفى، وتجده يتوهم الأمراض في أهل بيته، وهذا من ضعف اليقين، والتوكل على الله، ولتعرف صحة ذلك، انظر لمن يبيع الكمامات والمعقمات، تجد أنها نفدت من عنده، وارتفعت أسعارها.

 

الخامسة: وفي ثنايا هذا الهلع تجد البعض يبدأ في بث الإشاعات، وإرعاب الناس، وهؤلاء نوعان، منهم من يروّج الإشاعات ويذيلها كما وصلني، والآخر يؤلف الإشاعات، وكلاهما داخل في الإثم، فالمسلم في مثل هذه البلاءات يتمثل قول الله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ).

 

فالواجب التثبت وعدم بث الإشاعات، بل الرجوع إلى المصادر الموثوقة أو السكوت عن ذلك.

 

اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، أقول قولي هذا...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

 

فيا أيها الناس: إن المؤمن في هذه الدنيا معرّض للبلاء، من مرض وعدو ونحو ذلك، وقد جعل الله للمسلم ما يحفظه من ذلك، وهي أقوى الأسباب التي يدفع بها مثل ذلك، بل هي أقوى من الأسباب الحسية التي يعتمد عليها البعض، بل البعض يتوكل عليها والعياذ بالله.

 

فأذكار الصباح والمساء خير حافظ من الله للعبد، قال -جل ذكره-: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ).

 

فإذا صلّى العبد الفجر ذكر الله الذكر الوارد دبر الصلاة، ثم جاء بأذكار الصباح، وإذا صلى العصر جاء بالأذكار الواردة دبر الصلاة ثم جاء بأذكار المساء، كما قال تعالى: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ).

 

ومما سنّ لنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- من الأذكار التي تحفظ العبد قول: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق"، كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةِ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ نَزَلَ مَنْزِلا فَقَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ".

 

ومن الأذكار كذلك، ما رواه أبو داود والترمذي وغيرهما عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات، لم يضره شيء".

 

قال القرطبي -رحمه الله- عن هذا الحديث: "هذا خبر صحيح، وقول صادق علمنا دليله دليلاً وتجربة، فإني منذ سمعته عملت به فلم يضرني شيء إلى أن تركته، فلدغتني عقرب بالمدينة ليلاً، فتفكرت فإذا أنا قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات". اهـ.

 

ومن الأسباب الشرعية الواردة: ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من تصبَّح سبع تمراتٍ عَجْوَة لم يضره ذاك اليوم سمٌّ ولا سِحْر".

 

وفي لفظ من تمر العالية -وفي لفظ "من تمر المدينة"- قال شيخنا ابن باز -قدس الله روحه-: "ويرجى هذا في التمر كله".

 

معاشر المسلمين: لنتوكل على الله، فمن توكّل على الله كفاه، ولنعمل بالأسباب والاحتياطات من غير مبالغة ولا ركون للأسباب، ولنعلم أنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، وأن انتشار الفواحش يسبب الأمراض التي لم تعرف من قبل، فما دفع البلاء بمثل التوبة والاستغفار، وكثرة الطاعات، والدعاء.

 

اللهم ارفع عنا الوبا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

 

 

 

المرفقات

كورونا وضعف التوكل

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات