شبابنا في الإجازة بين الواقع والمأمول

مريزيق بن فليح السواط

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ الشباب ثروة الأمة 2/ أهمية مرحلة الشباب 3/ أحوال شبابنا المؤسفة 4/ نصائح للشباب

اقتباس

الشباب ثروة الأمة في حاضرها، وأملها في مستقبلها، والاهتمام بهم علامة وعي الأمة، ودليل حضارتها وتقدمها. الشباب نصر الله بهم الشرائع والأديان، وأظهر الحق في سائر البلدان، وجعل منهم رُواة الحديث وحملة القرآن. الشباب أهم مرحلة في حياة الإنسان؛ فهي مرحلة القوة والحيوية والنشاط، والنبوغ والذكاء، قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً)...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، نحمده بكل المحامد على كل النعم، ونستعينه على منع البلايا ودفع النقم، ونستغفره من جميع الخطايا قبل حلول الندم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أوجدنا من العدم، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا سيد ولد آدم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى، فالتقوى أريح المكاسب، وأجزل المواهب، بها تستنير البصائر والقلوب، وتُحط الخطايا والذنوب.

 

عباد الله: الشباب ثروة الأمة في حاضرها، وأملها في مستقبلها، والاهتمام بهم علامة وعي الأمة، ودليل حضارتها وتقدمها.

 

الشباب نصر الله بهم الشرائع والأديان، وأظهر الحق في سائر البلدان، وجعل منهم رُواة الحديث وحملة القرآن.

 

الشباب أهم مرحلة في حياة الإنسان؛ فهي مرحلة القوة والحيوية والنشاط، والنبوغ والذكاء، قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً)، والسؤال يوم القيامة يأتي عن هذه المرحلة؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن أربع..."، وذكر منها: "وعن شبابه فيما أبلاه".

 

الشباب أكثر الناس استجابة للخير، وأسرعهم تأثرًا لداعي الحق، قال تعالى: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ)، قال ابن كثير -يرحمه الله-: "لم يؤمن لموسى مع ما جاء به من الآيات البينات، والحجج القاطعات، والبراهين الساطعات، إلا قليل من قوم فرعون من الذرية، وهم الشباب".

 

الشباب هم الذين يحملون هم الدعوة، ويبلغون رسالة الدين للناس، يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "ما بعث الله نبيًا إلا شابًا، ولا أوتي العلم عالم إلا شابًا، واستدل على ذلك بقول الله تعالى: (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)، وقال عن يحي -عليه السلام-: (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً)، أي أتيناه العلم. كل جمعة يُسنُّ للمسلم قراءة سورة الكهف، وأصحاب الكهف كانوا شبابًا؛ قال تعالى: (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ)، وقال سبحانه: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ).

 

الشباب قام الإسلام على إيمانهم وصدق تدينهم، وجهادهم وتضحيتهم، فعامّةُ من أسلم أول أمر الدعوة من الصحابة كانوا شبابًا، عمر -رضي الله عنه- أسلم وهو لم يبلغ الثلاثين، وسعد بن أبي وقاص، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، ومصعب بن عمير، وسعيد بن زيد، والأرقم بن أبي الأرقم، وعمار بن ياسر -رضي الله عنهم-، أسلموا وهم في سن الشباب والفتوة، وعلى أيديهم تحقق للإسلام النصر والعزة والتمكين، وواصل المسيرة من بعدهم جيل عظيم من الشباب، مصروا الأمصار، وفتحوا البلاد، وأدخلوا في دين الله العباد، فهذا عقبة بن نافع، ومحمد بن القاسم، وقتيبة بن مسلم، وغيرهم من أبطال المسلمين، كلهم كانوا شبابًا.

 

الشباب هم من يقفون أمام الفتن، ويدفعون عند نزولها البلايا والمحن، أعظم فتنة تمر على البشرية فتنة المسيح الدجال، ومن يقف له، ويبين كذبه؟! شاب من أهل المدينة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يخرج له شاب من أهل المدينة فيقول: أنت الأعور الدجال...".

 

الشباب هم أهل الجنة؛ جاءت امرآة عجوز إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالت: يا رسول: أأدخل الجنة؟! فقال: "لا يدخل الجنة عجوز". ثم أخبرها أنها ستدخلها وهي شابة.

 

عباد الله: الناظر في حال بعض شبابنا يجد حالهم مُخزيًا، وواقعهم مُزريًا، يرى ضياعًا لنخبة من شباب الأمة، يجد جهلاً بالدين، وضياعًا للصلوات، واتباعًا للشهوات، وإغراقًا في الملذات، تجد عند بعض شبابنا شكًا في المُسلَّمات، قد اختلطت عليهم الأوراق، وانقلبت لديهم المفاهيم، فأصبحت الاهتمامات بقضايا ثانوية، وغدت الطموحات عادية، يرى المجد في رنة نغم!! أو ركلة قدم!! أو هزة جسم!! بعض شبابنا تجرد من دثار التقوى ليلبس ما يُزري به من ملبوسات أهل الكفر والضلال، يحاكيهم في حركاتهم، ويشابههم في ملابسهم، ويشاركهم في ترهاتهم وسخافاتهم، بل أصبح البعض يكره الإسلام وشرائع الدين، ويُعْجبُ بالكفرة والمفسدين، ويُفْتن بحضارة الغرب الضالين، زيارة للأسواق وأماكن تجمعات الشباب، تُنْبئُك إلى أي درك وصل شبابنا!! وإلى أي هبوط بلغ أبناؤنا!! حركات ساقطة، وكلمات بذيئة، وملابس سيئة، وتقليعات عجيبة، فلا حياء يردعهم، ولا دين يمنعهم.

 

اسأل مُغسلي الأموات -وأكثر من يموت هم الشباب-، فستسمع منهم ما يُحزنك ويسوؤك، ويُدمي قلبك ويُهيّج دموعك، فهذا شاب يقود سيارته بسرعة جنونية، فينفجر الإطار وتنقلب السيارة عدة مرات، وإذا هذا الشاب ينازع الموت، قد اختلطت الدماء بالدموع، وتمازجت الجراح بالحسرات، فيأتيه شخص ويقول له: قل: لا إله إلا الله، فيرفع هذا الشاب رأسه، وينظر إلى الرجل ويقول: ما صليت ولا أبي صلى، روح الله يلعن دينك!!! ثم يموت على هذه الحال، نعوذ بالله من سوء المنقلب والمآل.

 

وشاب آخر انقلبت سيارته، وانطبقت عليه، واشتعلت فيها النار، فيأتيه الناس وقد احترق نصف جسمه، فيقولون له: قل: لا إله إلا الله، فيصرخ بأعلى صوته وقد احترق نصف جسمه: أنا في سقر!! أنا في سقر!! أنا في سقر!! حتى جاءت النار على كل جسمه واحترق!!!

 

من أوصل أبناءنا إلى هذه الدرجة؟! ومن ضيّع شبابنا وجعلهم أفواجًا ممسوخة؟! من الذي لبّس ودلّس عليهم حتى أُخذوا بنواصيهم إلى سُبل الشيطان؟! فاتقوا الله -معاشر الآباء- وقوموا بواجبكم، وانصحوا لأبنائكم، ربوهم على الصفات الحميدة، والطرق المستقيمة، قربوهم ممن يزرع فيهم الخير، ويحذرهم من الشر، اجعلوا من سلف الأمة قدوة لهم، وعلموهم ما ينفعهم، جنبوهم قرناء السوء ومجالستهم، والسفر معهم ومصاحبتهم، اغرسوا فيهم حب الإسلام ونصرته، والاعتزاز به والدفاع عنه، فإنهم رجاله وحملته: "فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه...

 

عباد الله: لقد كرّم الله الشباب وأنعم عليهم بنعم كثيرة، وحق النعم استعمالها في طاعة الله، والمجاهدة في مرضاته، وإلا كانت هذه النعمة نقمة عليهم، وعلى مجتمعهم، وصارت قنبلة مدوية مفسدة مهلكة للحرث والنسل.

 

وتدبير الأمم، ومفخرة الدول، إنما تكون بكثرة شبابها، وصلاح أبنائها، واستقامتهم على الجادة، وبذل وسعهم لخدمة أممهم ومجتمعاتهم، ودولتنا هذه دولة شابة فتية، ونسبة الشباب فيها تصل إلى 69%، وأكثر من نصف السكان أعمارهم أقل من خمس عشرة سنة، مع ما حَبا الله هذه البلاد من نعم كثيرة ظاهرة وباطنة، فعار أن يكون الشباب عندنا منحرفين ومفسدين، مفرطين في الحقوق والواجبات، منهمكين في المعاصي والملذات، ضلوا ولم يهتدوا، وانحرفوا ولم يستقيموا، والنعم إذا لم تشكر زالت وذهبت، وأعقبتها النقم والمحن.

 

إن من المؤسف حقًا، والمخالف شرعًا وعقلاً أن تجد ما نسبته 60% من شبابنا يقضون جلّ وقتهم أمام القنوات الفضائية!! أضاعوا أمام شاشاتها أوقاتهم، ودمروا حياتهم، فلم يُنتفع بهم في أمر دين ولا دنيا.

 

أيها الشباب: وأنت تقف أمام المرآة، تصلح شماغك، وتنظر في حسن ثيابك، وجمال ساعتك، وبهاء طلتك، هل تحصي نعم الله عليك في جسمك؟! انظر إلى قِوام قامتك، وحُسن منطقك، وسمعك وبصرك، وقوتك ونشاطك!! وغيرك عاجز مريض، أو مقعد حسير!! فاحمد الله على نعمه عليك، واسمُ بنفسك للمعالي، واهجر الذنوب والمعاصي.

 

أيها الشاب: بالله عليك هل شاهدت أعمى يغازل بالأسواق أو ينظر إلى الأفلام الخليعة والصور المحرمة؟! وأنت تنظر إلى الحرام بنعمة البصر!! هل سمعت عن أصم يستمع للأغاني والموسيقى؟! وأنت تستمع لها بنعمة السمع!! هل مرّ بك مشلول يرقص على الأرصفة، ويتمايل داخل سيارته؟! وكم من شبابنا من يرقص بنعمة اليد والرجل على الأرصفة وفي الشوارع وعلى خشبة المسرح؟! هل رأيت مقعدًا يسافر إلى خارج هذه البلاد ليعب من الشهوات، ويشرب الخمر والمسكرات، ويعاشر البغايا والعاهرات!! يمشي على رجليه للحانات والبارات ليقضي شهوة عابرة ونزوة عارمة!! تذهب لذتها وتبقى حسرتها.

 

قد يجد بعض الشباب الذين يمتعون أنفسهم بالحرام لذة ومتعة، مع أنهم يخسرون أعظم خسارة، ويضيعون على أنفسهم أعظم فرصة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم: هل رأيت خيراً قط؟! هل مر بك نعيم قط؟! فيقول: لا والله يا رب".

 

كل الشهوات والملذات، والمتع والمحرمات ينساها بغمسة واحده في النار!!

 

"ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة -فقير مشلول لا يسمع ولا يبصر لكنه تقي نقي، حافظ لفرجه، مقبل على طاعة ربه- فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم: هل رأيت بؤساً قط؟! هل مر بك شدة قط؟! فيقول: لا والله يا رب".

 

ينسى بؤسه وفقره ومرضه بغمسة في الجنة، إنه النعيم المقيم، والفوز الكبير.

 

الحورية قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لنصيفها على الرأس خير من الدنيا وما فيها". هذا الغطاء الذي تضعه على رأسها خير من الدنيا بقصورها وكنوزها ومتعها وشهواتها!! فكيف بمن تحت الغطاء؟!

 

ويقول عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو أطلّت على أهل الأرض لملأت ما بين السماوات والأرض ريحًا، ولذهب ضوء الشمس والقمر، ولو بصقت في بحار الدنيا لتحوّل الماء الأجاج إلى عذب سلسبيل". تحليه بتفلة واحدة!!

 

فيا عجبًا لمن اختار نساء الأرض على نساء السماء!! واشتغل بحور الطين عن الحور العين!! وتبًا لعقل لا يعي وقلوب لا ترعوي!!

 

الشباب غنيمة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اغتنم خمساً قبل خمس...". وذكر منها: "شبابك قبل هرمك".

 

وغنيمة الشباب لابد من استثمارها والمحافظة عليها وشغل الوقت بالعمل الصالح فيها.

 

 

 

 

 

المرفقات

في الإجازة بين الواقع والمأمول

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات