أسس الدولة الإسلامية الأولى

علي مشاعل

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ تأسيس الدولة بعد الهجرة 2/ كيف كانت البداية 3/ بناء المسجد 4/ أهمية المسجد في الإسلام 5/ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار 6/ وثيقة تنظيم العلاقة مع غير المسلمين

اقتباس

ومع واقع النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين بعد الهجرة، مع تأسيس الدولة الإسلامية في أرض طيبة الطيبة، مع الخطوات التي سلكها النبي -صلى الله عليه وسلم- معلمًا ومشرعًا ومبينًا للأمة، سواء كان لها دولة أم لم يكن لها دولة، في حالات الضعف والقوة، في حالات وجود الأرض التي يقفون عليها أم في حالات الهجرة والقلة.

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد كما أنت أهله، وصلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه كما هو أهله، وافعل بنا ما أنت أهله، فأنك أهل التقوى وأهل المغفرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

 

أما بعد:

 

ومع واقع النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين بعد الهجرة، مع تأسيس الدولة الإسلامية في أرض طيبة الطيبة، مع الخطوات التي سلكها النبي -صلى الله عليه وسلم- معلمًا ومشرعًا ومبينًا للأمة، سواء كان لها دولة أم لم يكن لها دولة، في حالات الضعف والقوة، في حالات وجود الأرض التي يقفون عليها أم في حالات الهجرة والقلة.

 

تعلمون -أيها الإخوة- أن أول شيء فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة بناء المسجد، لماذا؟! لماذا ابتدأ بالمسجد؟! لأن المسجد هو الذي يعبّر عن صلة العبد بربه، ولأن صلة العبد بربه هي أعظم صلة وأجلّ علاقة، ولأن العناية بهذه الصلة والعلاقة بين العبد وربه هي المهم في حياة الإنسان، وهي التي يجب أن يبدأ فيها أو يبدأ بها في تأسيس علاقاته وصلاته، علاقة العبد بربه.

 

إذا نظرنا حولنا ورأينا كيف الذين كفروا بربهم قطعوا الصلة بينهم وبين الله، رأيناهم يتخبطون، رأيناهم في تيه وضلال وضياع، رأيناهم إذا وجدوا النعمة لا يجدون كيفية استعمالها ولا إرضاء خالقها وواهبها، وإذا رأوا المصيبة والكارثة لا يعرفون الموقف الذي يجب أن يكون، رأيناهم يتخبطون في سرائهم وضرائهم، في ليلهم ونهارهم، في عسرهم ويسرهم.

 

أما المؤمن فهو مع الله سبحانه، إن الله معنا في الغار، في بدء الهجرة، إن الله معنا، حتى لا ينقطع العبد عن الله، وحتى لا يضيع العبد في مفاوز الحياة، يكون قوله وفعله وحاله وسلوكه من إشعاعات قوله: (إِنَّ اللّهَ مَعَنَا)، ومن وحي هذه المعية تكون السعادة.

 

المسجد الذي هو كهف المؤمن، الذي هو مكان تعميق الصلة، لا أقول: إن المكان الوحيد للصلة بين العبد وربه هو المسجد، لا، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصلّ"، أي لا تتوقف صلاة العبد على أن تكون في مسجد، وخاصة إذا كان مسافرًا أو متنقلاً هنا أو هناك، لكن المسجد هو الأرض الرحمانية النورية التي تتجمع فيه أنوار الله وتتنزل فيه رحمات الله على المجتمعين في بيت الله.

 

والصلاة في المسجد كما تعرفون تضاعف عن الصلاة في البيت، لكن الصلاة تصح في كل مكان طاهر من كل قلب طاهر.

 

بناء المسجد هو بناء للصلة؛ لأنه إذا أردنا أن نقوّي العلاقات فيما بيننا فمن خلال حلقة المسجد والحضور فيه نتعارف ونتآلف ونتحاضر، ويعرف بعضنا بعضًا، ويدعو بعضنا لبعض، ويستغفر بعضنا لبعض، ويفيض بعضنا على بعض حبًّا وشفقة ورحمة وحنانًا، يجمعنا بيت الله، ألم تسمعوا -أيها الإخوة- إلى ذلك الصنف الذي يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: "رجل قلبه معلق بالمساجد"، يحب المساجد، يحب بيوت الله، يشعر بالطمأنينة فيها ويشعر بالسكينة فيها، فهو أول الداخلين أو من أوائلهم، أو آخر الخارجين أو من أواخرهم؛ لأن المسجد يفيض عليه من تنزل الرحمة ومن أنوار الرب سبحانه، فيخرج وقد غُسل قلبه من هم الدنيا، ويخرج وقد طهر قلبه من درن الدنيا ومن سيئات هذه الدنيا.

 

يشعر بهذه الروحانية الهائلة تتنزل على قلبه عندما يكون القلب مفتوحًا، وفتحه بالتوبة، فتحه بالاستغفار، فتحه بتهيئته بتلقي رحمات الله سبحانه، بالطهارة الظاهرة والباطنة، بأن يكون متطهرًا تمامًا من الحديثين ومن النجاسة ومن الجنوب والآثام، عندئذ يكون القلب والجسد في أتم حالة لتنزل رحمات الله -عز وجل- ولتلقي سكينة وحيه بالإلهام وتنزل الملائكة على عباد الله الصالحين.

 

فالله يوحي للأرض وللنحل وللمخلوقات بأن يلقي في قلوبهم الخير والحق والثبات والصواب، المسجد الذي ابتدأ به -عليه الصلاة والسلام-، وقد كانت رسالة المسجد في ذلك العهد جامعة شاملة كاملة، فيه العلم والمعرفة، فيه الحب والتآلف، فيه السكينة والطمأنينة، فيه الذكر والتقرب إلى الله، فيه قراءة القرآن وفيه التعارف والتآلف، وفيه تهيئة أمور المسلمين وقضاء حوائجهم وتفقد أحوالهم، وفيه الاستعداد لمواجهة الأعداء ودراسة أحوال الأمة داخليًا وخارجيًا، وفيه وفيه من تنظيم العلاقة بين العبد وربه وبين العبد وأخيه وبين المسلمين وغيرهم، كل ذلك ينطلق من أرض المسجد وروحانية المسجد وأنوار المسجد.

 

ولا أريد أن أطيل في هذا الأمر، فهو يحتاج منا إلى وقفات، عندما نستعرض المسجد كيف كان وكيف صار وكيف ينبغي أن يكون وكيف يؤدي المسجد رسالته!! الموضوع في طوله وعرضه يحتاج منّا إلى لملمة واختصار.

 

ولأنتقل إلى الخطوة الثانية بعد بناء المسجد وهي المؤاخاة، كيف يتوحد المسلمون دون أخوة؟! كيف يقوى المسلمون دون شعور بالأخوة الكاملة والجسد الواحد؟! كيف يعز المسلمون ويغلبون غيرهم ويكون لهم كيان وهم في تقطع الأواصل وتقطع المشاعر؟! إنه لا يكون.

 

لذلك نجد في القرآن إثبات الأخوة الإيمانية من الله -عز وجل- بقوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)، (إِنَّمَا): تأكيد، (الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ): جملة تفيد الثبات والاستقرار والدوام وليست جملة فعلية تفيد التجديد أو الانقطاع: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ).

 

لقد آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة بين المسلمين هناك، ولما هاجر آخى بين المهاجرين والأنصار، أخوتان وتشديد لهما، إخاء في مكة حتى يتعاون المسلمون وهم يدخلون في الدين تحت وطأة العذاب والشدة والضنك والمتابعة، وفي المدينة بين أهل الديار من الأنصار وبين المهاجرين الذين ضحوا بالأموال والديار، إخاء يُبنى على الحب لا على المصلحة، الحب الإيماني هو الذي يجمع بينهم، والتضحية في سبيل الله هي التي تؤلف بينهم.

 

لقد أدرك الأنصار تضحية المهاجرين وقدروا وثمنوا قدومهم إليهم، لذلك كانوا خير أنصار لخير ضيوف قدموا عليهم.

 

لقد خيّرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أن يقاسموا المهاجرين بأموالهم وديارهم وبين أن يستأثر الأنصار بالديار؛ لأن الله أحل لهذه الأمة الغنائم، كانت محرمة على الأمم قبلها، كانت غنائم الأمم السابقة تجمع بعد نهاية المعارك، فإن قبلها الله رفعت أو احترقت، وإلا بقيت لا يقربها أحد ولا ينتفع بها أحد، لكن من خصوصيات النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمته أن الله أحل لهم الغنائم، غنائم المعارك المشروعة بين المسلمين والكفار والفيء الذي يأخذونه دون قتال، فماذا فعل الأنصار -أيها الإخوة- بعد أن خيروا بقسم أموالهم بينهم وبين المهاجرين أو إعطاء الغنائم؟! قالوا: يا رسول الله: نقسّم أموالنا وديارنا بيننا وبين إخواننا المهاجرين ونترك لهم الغنائم كلها، أي موقف هذا؟! لا يريدون دنيا ولا يريدون طمعًا، هم لم يسلموا ولا يؤمنوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من أجل الغنائم، وطمعًا في الأموال، إنما آمنوا وأسلموا عن قناعة، وقد كانوا يسمعون قبل رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- من اليهود أن نبيَّ آخرِ الزمان قد أطل أوانه، وقد جاء وقته، وأن اليهود يهددون الأوس والخزرج بأنهم سيؤمنون بهذا النبي، وسيقتلون الأوس والخزرج قتل عاد وإرم، هكذا كان اليهود يقولون في المدينة.

 

فلما رأى الأوسُ والخزرجُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ورأوا العلامات التي سمعوها من اليهود متوفرة فيه قالوا: لنسبق اليهود إلى الإيمان بالنبي، فقد عرفنا صفاته وعرفنا أخلاقه.

 

الأخوة التي نفتقدها اليوم، نفتقدها في الشعور والإحساس وإن كنا نقولها ونلمسها في الكلام والأقوال، لكنه في الشعور والإحساس قد ضعفت فينا وسط ضغوط المادة والحياة، وسط حب الدنيا وشهواتها، وسط نسيان الآخرة والبعد عن الدين ومعاني الإيمان، أصبح الإحساس بين الأخ وأخيه في النسب والدين إحساسًا ضعيفًا.

 

اجتمع إخاء نسب وإخاء دين، ومع ذلك تجد العلاقات متقطعة، وتجد الإحساس غير مشترك، وتجد الشماتة ربما من الأخ بأخيه، والحسد ربما من الأخ لأخيه، لماذا؟! إنه ضعف الإيمان، ضعف الدين في القلوب؛ لأن الذي يحسد إنما يعترض على الله، إيمانه ضعيف، يحسد أخاه، لماذا؟! من الذي رزقهم؟! من الذي أعطاهم؟! من الذي أنعم عليهم؟! إنه الله، فلماذا يحسدون؟! لماذا يحقدون؟!

 

المؤمن لا يحقد على أحد؛ لأن صاحب الحقد أسود القلب، صاحب الحقد ضعيف الإيمان، أين العفو؟! أين السماحة؟! أين طلب الأجر من الله -سبحانه وتعالى-؟! أين الحلم والصبر؟! أين الإيمان الذي يفرز كل هذه المعاني؟!

 

لذلك الإخاء يجب أن يحييه في قلوبنا، يجب أن نتعاهده، يجب أن نصونه، يجب أن نسقيه بمعاني الإيمان، معاني الدين، الإخاء الذي نؤجر لو فهمناه وعملنا به، نحتسب ذلك عند الله -عز وجل-، قد يسيء لنا المسلم لكننا نكون سباقين إلى العفو والإحسان، ألم يقل الله -عز وجل-: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)!!

 

ثلاث درجات في العلاقات أو التفاعل بين الإنسان وأخيه، لو أغضبك ولو استفزك ولو أساء إليك فأنت تكظم الغيظ، نقول قولاً سهلاً لكنه يلزمنا عند التطبيق، يلزمنا عند اللقاء في هذه الأحوال، عند الغضب عندما يأتي الشيطان لينفخ في نفوسنا ويستفز أعصابنا نتذكر: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ)، نتذكر: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ).

 

ليس العفو ضعفًا، إنما العفو قوة، فالعفو عند المقدرة من شيم الكرام، أما عند الضعف فهو من علامات الضعف، يمكنني أن آخذ حقي وأن أكيل الصاع صاعين، ومع ذلك أعفو، فإذا عفوت لأكمل المعروف والإحسان وأزيل كل آثار الخلاف وأستأنف قلبه ونجعل القلبين حبيبين، والله يحب المحسنين.

 

إحسان وعطاء وإنفاق، فتجد القلب قد غسل غسلاً، وأزيلت كل آثار النفوس وغمومها وهمومها وخلافاتها.

 

الإخاء: إخاء فيه تضحية وفيه عفة أيضًا، تتجلى هذه التضحية والعفة مع مواقف المهاجرين والأنصار كلها، وعلى الأخص ما فعله سعد بن الربيع الأنصاري مع عبد الرحمن بن عوف المهاجري -رضي الله عنهما- لما قال سعد: يا عبد الرحمن: لقد آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بيننا، فنحن أخوان مؤمنان، لكل واحد منا الحق على صاحبه، فتعالَ أقاسمك مالي وداري وزوجاتي بأن أطلق واحدة منهن لتتزوجها.

 

تضحية وصدق، ولا يكون الصدق والتضحية إلا بعد فهم الدنيا وحقارتها للتنازل عنها، وإذا كانت الدنيا غالية على نفسي كيف أتنازل لأخي عنها؟! إن الأب يبخل بالدنيا على ابنه، وإن الأخ يبخل بالدنيا على أخيه، فلا يعطي الأب ابنه، فكم من مشاهد تمنِّي بعض الأبناء موت آبائهم ليرثوا المال الذي كنزه الأب وادخره وبخل به على ابنه وعلى نفسه.

 

إنها الدنيا تحدها رأس كل خطيئة، حب الدنيا يقطع العلاقات ويورث العقوق بين الآباء والأبناء، ويورث الحقد بين الأقارب والأبناء، لكن الإيمان يجعل البعيد يضحي بماله للبعيد، لكن البعد هذا نسبي ومادي، أما القلوب والإيمان فهو واحد، لا بعد ولا تنافر، إنما وحدة وتقارب.

 

يتنازل عن نصف ماله، يطلق زوجته، ولا يطلق الزوجة الأقل جمالاً والأقل حبًّا، إنما يختارها صاحبه، قد يقول قائل: كيف يطلعه على زوجتيه؟! لم تكن الأحكام قد كملت كما هي الآن، بحيث الحجاب وعدم الرؤية وعدم النظر، كلا، كانت الأمور في بدايتها، الأحكام الشرعية لم تكمل بعد من حيث العلاقات والحجاب، لذلك لم يكن هناك غضاضة أن يختار المهاجري أخو الأنصاري زوجة ويقول: أريد هذه، فيقول: طلقتها، ثم بعد ذلك يتزوجها.

 

لكن المهاجري كان عفيفًا، كان شريفًا، كان كريمًا، كان قنوعًا، قال: "يا أخي: بارك الله لك في أهلك وفي مالك، دلوني على السوق"، أريد أن أعمل، أريد أن أكسب، أريد أن أشتري، أعمل وأجد وأكسب، ولا أتواكل على الآخرين، كما يقول المثل: "إذا كان صاحبك عسلاً فلا تأكله كله"، إذا عرض عليك كل هذا فلا تستغله، اشكره، وإن كنت محتاجًا فخذ قدر الحاجة، ثم بعد ذلك اعمل واكسب حتى تكون عضوًا فاعلاً وتكون صاحب عطاء لا صاحب أخذ، فاليد العلي خير وأحب إلى الله من اليد السفلى.

 

إخاء، وبعد الإخاء وثيقة ودستور تنظم العلاقة بين المسلمين وبين غير المسلمين ممن في البلد أو حولها، علاقة قائمة على الاحترام والتقدير في بدء الدولة الإسلامية، علاقة لا تكره الآخر ولا تنفيه ولا تستبعده مادام يحافظ على الأمن والأمان، ما لم يتهجم على الدين الحق، ما لم يسخر من أحكام الإسلام، مادام إنسانًا متحضرًا لا يكيد ولا يخدع ولا يمكر ولا يؤذي ولا يسخر من الدين أساسًا ولا من أحكامه.

 

فالإسلام يتقبله، اليهود وغيرهم، لكنه متى حصل الصراع بين المسلمين واليهود -حصل ذلك بعد خيانات اليهود بعد أن تآمر اليهود مع أعداء المسلمين من المشركين بعد أن كاد اليهود ونقضوا العهود- إذاً في مثل هذه المواقف لا يكون الإسلام سمحًا ولا مسالمًا؛ لأن السماحة هنا ذل، والمسالمة هنا عار؛ لأن العدو قد نقض العهد، وضرب بكل الاتفاقات عرض الحائط، فأي إنسانية معه! ليس معه إلا القوة، لا يفل الحديد إلا الحديد، إذا تواضعت لمن اعتدى عليك من غير المسلمين فإنه الذل، أما من المسلمين فالعفو والسماحة هي القوة والإيمان.

 

لذلك نجد النبي -صلى الله عليه وسلم- خاض الحروب مع طوائف اليهود كلها ومع المشركين؛ لأنهم أهل عدوان وأهل ظلم ونقض للعقود، وأهل فك للمواثيق وأهل غدر، يتآمرون ليلاً وسرًا، ويبيّتون الخطط والمؤامرات ضد المسلمين، والمسلمون لا يكونون مخدوعين ولا أذلاء، ولا يقبلون بمثل هذه المواقف، وهذه هي الحكمة، فالإسلام سماحة ورحمة، لكنه أيضًا شوكة وسيف عند من يريد القضاء عليه وعند من يكيد، وإلا تحولت السماحة إلى ذل وهوان، وتحول الإسلام إلى ميوعة في المواقف وانهزامية في النفوس.

 

إخوة الإيمان: ثلاثة أشياء: بناء مسجد، ومؤاخاة، ووثيقة وضعت العلاقة والقوانين بين المسلمين وغيرهم، فماذا نستفيد نحن؟!

 

نستفيد بالمسجد أولاً أن نهتم ببيوت الله تشييدًا وبناءً وصلاة وحضورًا، علم ورسالة، استفادة وتآلف، إحياء لهذه الرسالة العظيمة من العناية بأنفسنا وبمساجدنا؛ لأن أعداء الإسلام لا يغضبون ولا يقهرون بمثل ما يتجمع المسلمون في مساجدهم، في جمعاتهم، في حجهم، في عرفاتهم، إن ذلك يغيظ الكفار، إنه يجعلهم يتساءلون: ما الذي جمع هؤلاء؟! هل دعاهم الطعام؟! ما الذي دعاكم إلى بيت الله في هذا اليوم؟! هل وجهت لكم دعاوى إلى البيوت؟!

 

إن الله الذي دعاكم، فأسرعكم إجابةً هو الذي يكون أقرب إلى الله -عز وجل-، دعاكم الله للحضور إلى بيته لصلاة الجمعة لسماع التذكرة والموعظة فاستجبتم، إن هذا أمر يغيظ الكفار ويجعلهم يغضبون ويكيدون ليدمروا رسالة المساجد إن لم يستطيعوا تدمير بنيانها، لأنهم يمكرون في كثير من مواقفهم، فهم لا يواجهون المسلمين مواجهة علنية، ولا يأتون ليهدموا مع كونهم متذرعين بذرائع مختلفة في مواطن متعددة من أراضي العالم التي أصابتها الحمى، حمى الصراع بين الكفر والإيمان، لكنهم يريدون إزالة المعاني لهذه الشعائر الدينية، يريدون تفريغ العبادات من محتواها لتكون جوفاء شكلية لا معنى لها.

 

إذًا لابد من التفاعل في كل عباداتنا، سواء كانت صلاة ووقوف بين يدي الله أم سماعًا لخطبة أو موعظة، نتفاعل تفاعلاً قويًا في عقولنا، في قلوبنا، لنغير من مناهجنا، من سلوكنا، من تصوراتنا، من معاملاتنا، حتى نتقرب إلى الله أكثر، وحتى نتحول عن حالنا إلى حال أحسن... وهكذا.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

 

 

المرفقات

الدولة الإسلامية الأولى

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات