وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- 12 ربيع الأول بين الوفاة والاحتفال

محمود الطائي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/تكالب الأعداء على أمة الإسلام 2/أعظم مصيبة أُصيبت بها أمة الإسلام 3/ثناء النبي - صلى الله عليه وسلم - على آمن به ولم يره 4/بداية مرضه صلى الله عليه وسلم وزيارته لقبور أصحابه في البقيع 5/وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأنصار 6/النبي - صلى الله عليه وسلم - يلقي نظرة الوداع على أصحابه وهم يصلون 7/مسارة النبي - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة 8/بعض وصاياه قبل موته 9/ذهول الصحابة عند موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعض مواقفهم 10/كيف تحتفل الأمة بوفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟

اقتباس

اشتد به الوجع، واشتد به الألم، وزاد به المرض، وزادت عليه الحمى فدخل عليه عبد الله ابن مسعود، فقال: إني أراك توعك وعكاً شديداً، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أجل إني لأوعك كما يوعك الرجلان منكم" قال: وأن لك لأجرين يا رسول الله! قال: "نعم". وفي فجر اليوم الأخير: أراد أن يُلقي على المسلمين نظرة الوداع، يلقي على غرسه الذي غرسه بيده، والنبتة الكريمة التي تربت أمام عينيه، وبينما المسلمون يصلون صلاة الفجر، إذ انكشف الستار الذي...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

لو قلبنا الطرف اليوم -عباد الله-: لا نرى الى مصائبَ قد أُصيبت بها امتُنا، ونوازلُ قد نزلت على أهلِنا وإخوتِنا، تكالبت علينا الأمم كما يتكالب الأكلةُ على قصعتهم، وأصبحت أمتُنا فريسةً ينهَشُها أراذِلُ البشر!.

 

أشجان وأحزان، آهات وصرخات، أبثها إليكم، لعلها تلامِسُ شِغافَ قلوبِكم!.

 

في كل قطرٍ على الإسلام دائرةٌ *** ينهدُ من هولها رضوى وثهلانُ

ذبحٌ وصلبٌ وتقتيلٌ بإخوتِنا *** كأنها عُدت لتشفي الحِقدَ نيرانُ

لا خيرَ في العيشِ إن كانت مواطنُنا *** نهباً بأيدي الأعادي أينما كانوا

لا خيرَ في العيشِ إن كانت حضارتُنا *** في كلِ يومٍ لها تنهدُ أركانُ

لا خيرَ في العيشِ إن كانت عقيدتُنا *** أضحى يُزاحمها كفرٌ وعصيانُ

لا خيرَ في العيشِ إن كانت مبادؤنا *** جادت علينا بها للكفرِ أذهانُ

ها قد تداعى علينا الكُفر أجمعُهُ *** كما تداعى على الأغنامِ ذُؤبانُ

والمسلمونَ جماعاتٌ مفرقةٌ *** في كلِ ناحيةٍ ملكٌ وسلطانُ

 

إخوة الإسلام: ولكن! بعد هذه الحسرات والزفرات، جئتُ اليوم لأُخفِفَ من وطئتِها، فأُذكرُ نفسي وإياكم: أنه ما من مصيبةٍ إلا وهناكَ أعظَمُ منها، وما من بليةٍ إلا وهناك اشدُ منها، وإذا تذكرنا المصائبَ العظام هان علينا ما دون ذلك.

 

فإن أعظمَ مصيبةٍ أُصيبت بها أمةُ الإسلام، منذ بزوغ فجر الرسالة الى يومنا هذا، هو: موت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكل مصيبةٍ دون مصيبتنا به تهون.

 

كيف لا؟ وبموته انقطع الوحي من السماء، وبموته انقطعت النبوات، وبموته ظهر الفساد بارتداد العرب؛ فهو أولُ انقطاعِ عُرَى الدين، وبموته فقد المؤمنون أغلى ما يملكون، وبموته فقدنا نحنُ صحبته، وما تكحَّلت أعينُنا برويته.

 

ولكن! عزاؤنا أنه ذكرنا، بل وسمَّانا إخوانه، -فاللهم اجعلنا منهم يارب العالمين-؛ فعن أبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أتى الْمَقْبُرَةَ، فقال: "السَّلَام ُعَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إن شَاءَ الله بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قد رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا" قالوا: أو لسنا إِخْوَانَكَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: "أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لم يَأْتُوا بَعْدُ" فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ من لم يَأْتِ بَعْدُ من أُمَّتِكَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ فقال: "أَرَأَيْتَ لو أَنَّ رَجُلًا له خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ، بين ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، ألا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟" قالوا: بَلَى يا رَسُولَ اللَّهِ، قال: "فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ من الْوُضُوءِ، وأنا فَرَطُهُمْ على الْحَوْضِ".

 

ولكن! وانتبهوا هنا، فقد ذكر رجالاً -نعوذ بالله أن نكون منهم-، فقال: "ألا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عن حَوْضِي كما يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ: ألا هَلُمَّ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قد بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا" -أي بعداً بعداً -والعياذ بالله-.

 

اللهم لا تجعلنا من الذين بدلوا بعدهُ يا لله...

 

وها هو صلى الله عليه وسلم يَطلُبُ مِنا أن نُهونَ علينا المصائب والخطوب؛ فيقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبتَهُ بي؛ فإنها أعظم المصائب".

 

فاصبر لكل مصيبة وتجَّلدِ *** واعلم بأن المرءَ غيرَ مخلدِ

واصبر كما صبر الكرامُ فإنها *** نُوَبٌ تنوبُ اليوم تُكشَف في غد

أوَ ما ترى أن المصائب جمةً *** وترى المنيةِ للعبادِ بمرصَدِ؟

من لم يُصب ممن ترى بمصيبة*** هذا سبيلٌ لستَ عنه بأوحدِ

فإذا ذكرتَ مصيبةً ومصابَها *** فاذكر مصابَك بالنبي محمد

 

-صلى الله عليه وسلم-.

 

كان الرجل من أهل المدينة إذا أصابته مصيبة جاء أخوه فصافحه، وقال: "يا عبد الله! اتق الله، فإن لك في رسول الله أسوةٌ حسنة".

 

في أول شهر ربيع الأول من السنةِ الحاديةَ عشرة لهجرته -صلى الله عليه وسلم-، بدأ يشتكي من ألمٍ شديدٍ في رأسه، وكان أول ما ابتدأ به أنه ذهب إلى البقيع، قال أبو مويهبة: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الليل، وقال: يا أبا مويهبة! لقد أُمرتُ أن أستغفر لأهلِ هذا البقيع، فلما وقف بين أظهرهم سلم على أهل البقيع، فقال: السلام عليكم يا أهل المقابر! هنيئاً لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقِطعِ الليلِ المظلم، يتبَعُ آخرَها أولُها، وآخرُها أشرُ من أولِها، ثم التفت إليَّ، وقال: يا أبا مويهبة! لقد أعطيت -أو أوتيت- مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة، فخيِّرتُ بين ذلك وبينَ لقاءِ ربي والجنة.

 

فقال أبو مويهبة: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا والله يا أبا مويهبة! لقد اخترت لقاء ربي والجنة، يقول: ثم استغفر لأهلِ البقيع، وعاد إلى بيت عائشة -رضي الله عنها- فوجدها، تقول: وآرأساه، فأمسك النبي -صلى الله عليه وسلم- رأسُهُ الشريف، وقال: بل أنا واللهِ يا عائشةُ وآرأساه، ما ضرُّكِ لو مِتِ قبلي فغسلتُكِ وكفنتُكِ وصلّيتُ عليكِ ودفنتُكِ.

 

وقالت رضي الله عنها: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات، فمسح بها على جسده، فلما اشتكى في مرضه الذي توفي فيه، طَفقتُ أنفثُ على نفسهِ بالمعوذات، وأمسح بيدهِ الشريفة على جسده؛ لأن يدهُ أعظمُ بركةٍ من يدي".

 

واشتد به الألم والوجع، وفزع الصحابة، وقلق الناس قلقاً بالغاً، وخاف الناس خوفاً شديداً على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك، قال: "اهريقوا عليَّ من سبع قرب من الماء".

 

تقول أم المؤمنين: "فأجلسناه في مخضَبٍ لحفصة -رضي الله عنها-، وأخذنا وطفِقنا نَصبُ عليه الماء، حتى قال بيده: قد فعلتُنّ، قد فعلتُنّ".

 

فعصَب رأسَهُ عليه الصلاة والسلام، وخرج إلى الصحابة -رضي الله عنهم- وقد فزعوا فزعاً شديداً، فصعد على المنبر، فخطب فيهم، وقال بعدما حمدَ الله -عز وجل- وأثنى عليه، وصلى على نفسه، واستغفر لأهلِ أحد: "أيها الناس! إني بين أيديكم فَرَط، وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا.

 

أيها الناس! إني لا أخشى أن تُشركوا بعدي، ولكني أخشى عليكم الدنيا، أن تنافسوا فيها كما تنافس فيها من كان قبلكم، فتهلكَكُم كما أهلكَتهُم.

 

"أوصيكم بالأنصار، فهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم".

 

ثم قال: "إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عندهُ فاختار ما عند الله".

 

فبكى أبو بكر، يقول أبو سعيد الخدري، فقلت في نفسي: ما يبكي هذا الشيخ؟ إن يكنِ اللهُ خيرَ عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله؟ فكان رسول الله العبد، وكان أبو بكرٍ أعلمَنا، قال: "يا أبا بكر لا تبك، إن أمنَّ الناس عليّ في صحبتِه ومالِه أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذتُ أبا بكر، ولكن أخوةُ الإسلام ومودته، لا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلا سُدَّ، غَيْرَ بَابِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-".

 

واشتد به الوجع، واشتد به الألم، وزاد به المرض، وزادت عليه الحمى فدخل عليه عبد الله ابن مسعود، فقال: إني أراك توعك وعكاً شديداً، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أجل إني لأوعك كما يوعك الرجلان منكم" قال: وأن لك لأجرين يا رسول الله! قال: "نعم".

 

فما من مسلم يصيبه أذى حتى الشوكة يشاكها إلا حطَّ الله بها من خطاياه كما تحطُ الشجرة ورقها.

 

وفي فجر اليوم الأخير: أراد أن يُلقي على المسلمين نظرة الوداع، يلقي على غرسه الذي غرسه بيده، والنبتة الكريمة التي تربت أمام عينيه، وبينما المسلمون يصلون صلاة الفجر، إذ انكشف الستار الذي على بيت عائشة، ورأى المسلمون حبيبهم، رأوه متبسماً، وجهه كأنه قطعةُ قمر، وكادوا يفتنون في صلاتهم، ظنوا أن حبيبهم قد برأ من المرض، وهو على وشك الخروج للصلاة معهم، فأشار إليهم متبسماً: أن اكملوا صلاتكم، وأسدل الستار، وكانت آخر نظرة نظرها إليهم، وآخر ابتسامة.

 

دخلت فاطمة -رضي الله عنها-، وكان يحبها حباً شديداً، فكانت أشبه الناس به، وكانت أحب الناس إليه؛ لأنها هي التي أصابها الله -جل وعلا- بموته.

 

أما جميع أخواتها ففقد متن قبل موته صلى الله عليه وسلم، كانت إذا ما دخلت عليه في حال صحته قام إليها وقبلها بين عينيها، وأجلسها في مجلسه، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يستطيع القيام اليوم، فلما دخلت عليه ووجدته يعاني الألم والمرض، فقالت: وَآكَرْبَ أَبَتَاهُ، فَقَالَ: "لا كَرْبَ عَلَى أَبِيكِ بَعْدَ الْيَوْمِ" فَسَارَّهَا فَبَكَتْ، ثُمَّ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لِفَاطِمَةَ: مَا هَذَا الَّذِي سَارَّكِ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ فَبَكَيْتِ، ثُمَّ سَارَّكِ فَضَحِكْتِ؟ قَالَتْ: ماكنت لأُفشي سِرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن بعد موته صلى الله عليه وسلم قالت: "سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي بِمَوْتِهِ فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ مَنْ يَتْبَعُهُ مِنْ أَهْلِهِ، فَضَحِكْتُ".

 

ثم حذر الأمة من اليهود والنصارى، فقال: "ألا لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، فلا تتخذوا قبري وثناً يعبد من دون الله".

 

ثم أمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب.

 

ثم أوصى الأمة بالصلاة، فهي صلتها بربها، وقرة عينها، فقال: "الصلاةَ وما ملكت أيمانكم، الصلاةَ وما ملكت أيمانكم".

 

فكيف حالنا مع هذه الوصية اليوم؟ كيف هي صلاتنا؟ وهل عملنا بالوصية أم ضيعناها؟

 

ودخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده السواك، فنظر اليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فعلمت أم المؤمنين أنه يريده، فأخذته من يديه وليَّنتهُ بريقِها، وأعطته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخذ يستاك، ويضع يده في ركوةٍ فيها ماء، ويمسح، ويقول: "لا إله إلا الله إن للموت سكرات".

 

وهو في حجرها بين سحرها ونحرها.

 

واقترب الأجل، ودنا الفراق، وانتهت اللحظات، من عمر خير البريات.

 

ويقبل ملك الموت ليعالج أطهر روح على ظهر الأرض، تقول عائشة -رضي الله عنها-: "فرأيته رفع إصبعه إلى السماء، وهو يقول: بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى".

 

فعلمت أنه يخير؛ وسقطت يده عليه الصلاة والسلام، فعلمت أنه قد مات.

 

مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مات حبيب الله، مات إمام الأنبياء، وإمام الأصفياء، وإمام الأتقياء، مات سيد العالمين، وسيد المرسلين.

 

فخرجت تبكي وتصرخ، فقابلها عمر: فعلم أن الأمر قد وقع، وعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد مات، ولكنه لا يصدق، فلما سمع أبو بكر الخبر عاد إلى بيت الحبيب، وكشف الغطاء عن وجهه، وجلس على ركبتيه أمامه فقبله بين عينيه، وهو يبكى، ويقول: "طبت حياً وميتاً يا رسول الله! أما الموتة التي قد كتبها الله عليك فقد ذقتها، فلا ألم عليك بعد اليوم يا رسول الله!" ثم بكى، وخرج الصديق -رضي الله عنه- الذي ثبته الله -تعالى- في هذا الموقف.

 

فوقف ليعلن الحقيقة الكبرى في هذا الوجود كله، فقال: "أيها الناس! من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت، ثم تلا قول الله -جل وعلا-: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: 144].

 

يقول أبو هريرة: "فأخذها الناس من أبي بكر، وكأنهم لم يسمعوها قبل".

 

يقول عمر بن الخطاب: "فلما سمعتها، وعلمت أن رسول الله قد مات عقرت -وقعت على الأرض- ولم تستطع قدماي أن تحملاني، وعلمت أن رسول الله قد مات".

 

وكان هذا ضُحى يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من العام الحادي عشر من الهجرة.

 

يقول أنس: "والله ما رأيت أجمل ولا أحلى من ذلك اليوم الذي دخل فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، فقد أضاء فيها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء".

 

وما إن تسرب النبأ العظيم، وعلم الناس بالخبر، حتى طاشت عقولهم، وعمتهم الحيرة، وأقعدتهم الدهشة، وأظلمت الحياة في وجوههم.

 

قال جابر: "ما دفنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونفضنا أيدينا من تراب قبره، حتى أنكرنا قلوبنا".

 

كذا فليجِلَّ الخطب وليفدح الأمر *** فليس لعين لم يفض ماؤها عذر

ثوى طاهر الأدران لم تبق بقعة *** غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر

 

أما فاطمة، فلما سمعت بالخبر بكت، وقالت: يا أبتاه أجاب رباً دعاه، يا لأبتاه من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه!.

 

ثم قالت مخاطبة أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "يا أنس: أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التراب؟".

 

ماذا على من شم تربة أحمد *** إلا يشم على مد الزمان غواليا

صُبت عليَّ مصائبٌ لو انها  *** صبت على الأيام عدنا لياليا

 

 

الخطبة الثانية:

 

أمة الإسلام أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: هل ينبغي لكِ أن توزعي الحلويات والمشروبات احتفالاً بهذا اليوم؟!.

 

أسألك بربِ محمد -صلى الله عليه وسلم-: أفي يوم وفاته تزين المساجد؟ أيتخذ المسلمون هذا اليوم عيدا؟!

 

يا للحسرة والندامة أمةٌ لا تعلم نبيها متى مات؟!.

 

والله إن من الناس اليوم لتتفطر قلوبهم كمداً أنهم كانوا لا يعرفون أن الثاني عشر من ربيع الأول هو يوم وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-! ويتمنون أنهم لو بَكَّوا بدلَ الدمعِ دماً!.

 

فاللهم لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.

 

اللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته.

 

اللهم أوردنا حوضه، واسقنا بيده الشريفة شربة هنيئةً لا نرد ولا نظمأ بعدها أبداً، يا رب العالمين.

 

اللهم كما آمنا به ولم نره، فلا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله.

 

استغفر الله لي ولكم...

 

 

 

 

المرفقات

النبي -صلى الله عليه وسلم- 12 ربيع الأول بين الوفاة والاحتفال

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات