الطفيل بن عمرو الدوسي - رضي الله عنه -

ناصر بن محمد الأحمد

2013-12-26 - 1435/02/23
عناصر الخطبة
1/بعض مناقب الطفيل 2/قصة إسلام الطفيل 3/تهديد قريش للطفيل 4/تاريخ إسلام الطفيل 5/دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم - للطفيل 6/دعوة الطفيل قومه للإسلام 7/بعض مواقف الطفيل مع النبي - صلى الله عليه وسلم- 8/بعض المعارك التي شهدها الطفيل 9/بعث أبي بكر الصديق للطفيل إلى مسيلمة الكذاب 10/استشهاد الطفيل يوم اليمامة 11/بعض الدروس والعبر من قصة إسلام الطفيل

اقتباس

أيها المسلمون: الطفيل بن عمرو الدَّوسي، كان سيداً لقبيلة دوس في الجاهلية، وشريف من أشراف العرب المرموقين، وواحداً من أصحاب المروءات المعدودين، لا تنزل له قدر عن نار، ولا يوصد له باب أمام طارق، يطعم الجائع، ويؤمّن الخائف، ويجير المستجير، وهو إلى ذلك أديب أريب لبيب، وشاعر مرهف الحس، رقيق الشعور، بصير بحلو البيان ومُرّه، حيث تفعل فيه الكلمة فعل الساحر. قال محمد بن إسحاق: "كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على ما...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله...

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: الطفيل بن عمرو الدَّوسي، كان سيداً لقبيلة دوس في الجاهلية، وشريف من أشراف العرب المرموقين، وواحداً من أصحاب المروءات المعدودين، لا تنزل له قدر عن نار، ولا يوصد له باب أمام طارق، يطعم الجائع، ويؤمّن الخائف، ويجير المستجير، وهو إلى ذلك أديب أريب لبيب، وشاعر مرهف الحس، رقيق الشعور، بصير بحلو البيان ومُرّه، حيث تفعل فيه الكلمة فعل الساحر.

 

قال محمد بن إسحاق: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على ما يرى من قومه يبذله لهم النصيحة، ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه، وجعلت قريش حين منعه الله منهم يحذرونه الناس، ومن قدم عليهم من العرب، وكان الطفيل يُحدّث أنه قدم مكة ورسول الله بها، فمشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلاً شريفاً، فقالوا له: أبا الطفيل، إنك قدمت بلادنا فهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، فرّق جماعتنا، وأما قوله كالسحر يفرق بين المرء وبين أبيه، وبين الرجل وأخيه، وبين الرجل وزوجته، وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمه ولا تسمع منه!.

 

قال: فو الله ما زالوا بي حتى أجمعت على أن لا أسمع منه شيئاً ولا أكلمه، حتى حشوت أذُني حين غدوت إلى المسجد كرسفاً -أي قطناً- من أن يبلغني من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه، قال: فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله قائم يصلي عند الكعبة!.

 

قال: فقمت قريباً منه فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله: قال: فسمعت كلاماً حسناً، قال: فقلت في نفسي واثكل أمي، إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليَّ الحَسَنَ من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته، وإن كان قبيحاً تركته، فمكثت حتى انصرف رسول الله إلى بيته فاتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد إن قومك قالوا لي كذا وكذا للذي قالوا لي، فو الله ما برحوا يخوفونني أمرك، حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه، فسمعت قولاً حسناً، وقد وقع في نفسي أنه حق، وإني شاعر، فاسمع ما أقول.

 

فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: هات، قال: فأنشدته، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وأنا أقول فاسمع، ثم قرأ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)[الإخلاص: 1] إلى آخرها و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)[الفلق:1]  إلى آخرها و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)[الناس:3] إلى آخرها، فو الله ما سمعت قولاً قط أحسن منه، ولا أمراً أعدل منه، قال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق.

 

وبعد إسلامه بلغ ذلك قريشاً فهددوه وتوعدوه، وذكَّرهم بأنه سيد دوس وأنهم لو تعرضوا له فلن تتركهم دوس فهابوه، فقال رضي الله عنه:

 

ألا أبلغ لديك بني لؤيٍ *** على الشنآن والعَضَبِ المرَدِّ

بأن الله رب الناس فردٌ *** تعالى جَدّه عن كل ندِّ

وأن محمداً عبدٌ رسولٌ *** دليلُ هدى ومُوضحُ كلِّ رشد

رأيت له دلائل أنبأتني *** بأن سبيله يهدي لقصد

وأن الله جلله بهاءً *** وأعلى جَدّه في كل جَدِّ

وقالت لي قريش عُدّ عنه *** فإن مقاله كالغرّ يُعدي

فلما أن أملت إليه سمعي *** سمعت مقالةً كمشور شهد

وألهمني هَدايا الله عنه *** ومبدل طالعي نحسي بسعدي

ففزت بما حباه الله قلبي *** وفاز محمد بصفاء ودي

 

وكان إسلام الطفيل في مكة بعد رجوع النبي –صلى الله عليه وسلم- من الطائف بعد دعوة ثقيف إلى إسلامه، ورفضهم الإيمان برسالته، وكان ذلك في السنة العاشرة من بعثة النبي-صلى الله عليه وسلم-.

 

وبعد ما أسلم الطفيل -رضي الله عنه- أمره النبي –صلى الله عليه وسلم- بدعوة قومه إلى الإسلام، وأن يرفق بهم، فقال: يا رسول الله اجعل لي آية تكون لي عوناً، فدعا له رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فجعل الله في وجهه نوراً، فقال: يا رسول الله إني أخاف أن يجعلوها مثلة، فدعا له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصار النور في سوطه، وكان يضئ في الليلة المظلمة ولذا يُسمى: "ذو النور".

 

انطلق الطفيل -رضي الله عنه- بعد إسلامه مباشرة إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام، يقول رضي الله عنه: "فلما نزلتُ أتاني أبي وكان شيخاً كبيراً، قال فقلت: إليك عني يا أبتِ فلستَ مني ولستُ منك، قال: ولِمَ يا بُني؟ قال: قلت أسلمت وتابعت دين محمد، قال أبي: ديني دينك، فاغتسل وطهّر ثيابه، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم، قال: ثم أتتني صاحبتي، فقلت لها: إليكِ عني فلست منكِ ولستِ مني، قالت: لِمَ بأبي أنت وأمي؟ قال: قلت: فرق بيني وبينكِ الإسلام، فأسلمت، قال رضي الله عنه: ثم دعوت دوساً إلى الإسلام فأبت عليّ وتعاصت، فقدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: يا رسول الله غلب على دوس الزنا والربا، فادع الله عليهم، بمعنى أنه لا فائدة من دعوتهم، فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم اهد دوساً".

 

قال: ثم رجعت إليهم فأقمت بين ظهرانيهم أدعوهم إلى الإسلام.

 

ولم يزل الطفيل بأرض دوس يدعوهم إلى الله، حتى هاجر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة.

 

ومضى بدر وأحد والخندق، والطفيل بأرض قومه يدعوهم إلى الإسلام، حتى قدم على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بمن أسلم من قومه ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- بغزوة خيبر، فنزل المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دوس، ثم لحقوا برسول الله –صلى الله عليه وسلم- بخيبر فأسهم لهم مع المسلمين.

 

وكان ممن قدم مع الطفيل من الدوسيين أبو هريرة، فكلم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أصحابه أن يشركهم في الغنيمة ففعلوا، يقول الطفيل: وقلنا: يا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- اجعلنا في ميمنتك، واجعل شعارنا مبروراً، قال: ففعل، وبقي الطفيل مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى فتح مكة.

 

أيها المسلمون: وللطفيل -رضي الله عنه- مواقف مع النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ روى مسلم بسنده عن جابر: أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ؟ قَالَ: حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلْأَنْصَارِ، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَمَرِضَ فَجَزِعَ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ، حَتَّى مَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ، فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ وَرَآهُ مُغَطِّياً يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-.

 

فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّياً يَدَيْكَ؟ قَالَ: قِيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ، فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ".

 

وبعد فتح مكة في السنة الثامنة بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ببعث رسله لهدم الأصنام وحرقها، وممن بعثه الطفيل -رضي الله عنه- قال: فقلت يا رسول الله ابعثني إلى ذي الكَفَّين صنم عمرو بن حُمَمَة الدوسي، وهو الصنم الذي كان يعبده في الجاهلية حتى أحرقه، قال: أجل فاخرج إليه فاحرقه. فقال الطفيل: يا رسول الله أوصني؟ قال: "افش السلام، وابذل الطعام، واستحي من الله كما يستحي الرجل ذو الهيئة من أهله، إذا أسأت فأحسن: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)[هود: 114].

 

قال: فخرجت حتى قدمت عليه، قال: فجعلت أوقد النار وهو يشتعل بالنار واسمه ذو الكفين وأنا أقول:

 

يا ذا الكَفَيْن لستُ من عبادكَ *** ميلادنا أقدمُ من ميلادكَ

إني حشوتُ النار في فؤادكَ

 

فلما أحرقه أسلموا جميعاً

 

وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعاً فوافوا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام.

 

أيها المسلمون: عاد الطفيل مع النبي من غزوة الطائف إلى المدينة، فكان مع النبي –صلى الله عليه وسلم- بالمدينة، حتى قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما ارتدت العرب أيام خلافة الصديق -رضي الله عنه- خرج المسلمون لقتالهم، فكان الطفيل في مقدمة من خرج، فجاهد حتى فرغوا من طليحة الأسدي وأرض نجد كلها.

 

ثم بعثه أبو بكر الصديق إلى مسيلمة الكذاب.

 

يقول الطفيل -رضي الله عنه-: "خرجت ومعي ابني مع المسلمين -عمرو بن الطفيل- حتى إذا كنا ببعض الطريق رأيت رؤيا، فقلت لأصحابي: إني رأيت رؤيا عبّروها لي، قالوا: وما رأيت، قلت: رأيت رأسي حُلق وأنه خرج من فمي طائر، وأن امرأة لقيتني وأدخلتني في فرجها، وكان ابني يطلبني طلباً حثيثاً فحيل بيني وبينه، قالوا: خيراً، فقال: أما أنا والله فقد أولتُها، قالوا: وبماذا أولتَها؟ قال: أما حلق رأسي فقطعه، وأما الطائر فروحي، وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرض تُحفر لي وأدفن فيها، فقد رجوت أن أقتل شهيداً، وأما طلب ابني إياي فلا أراه إلا سيغدو في طلب الشهادة ولا أراه يلحق بسفرنا هذا.

 

فقتل الطفيل -رضي الله عنه- شهيداً يوم اليمامة، وقطعت يد ابنه، ثم برئ جرحه بعد مدة من الزمن، وبقيت اليد مقطوعة؛ فبينا هو عند عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في أحد الأيام إذ أُتي بطعام فتنحى عنه، فقال عمر: مالك لعلك تنحيت لمكان يدك؟ قال: أجل، قال: واللّه لا أذوقه حتى تسوطه بيدك، فو اللّه ما في القوم أحد بعضه في الجنة غيرك.

 

ثم خرج في معركة اليرموك في خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقتل شهيداً -رضي الله عنه-.

 

بارك الله...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: هذه باختصار قصة الطفيل بن عمرو الدوسي -رضي الله عنه وأرضاه-، ولنا مع قصته عدة وقفات:

 

أولاً: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا) [الأنعام: 122].

 

إن الكفر انقطاع عن الحياة الحقيقية الأزلية الأبدية، التي لا تفنى ولا تغيب؛ فهو موت وانعزال عن القوة الفاعلة المؤثرة في الوجود كله، والإيمان اتصال واستمداد واستجابة، فهو حياة.

 

فالطفيل كان ميتاً وإن كان يأكل ويشرب؛ لأنه كان كافراً، فأسلم فأحياه الله -عز وجل-.

 

إن الكفر حجاب للروح عن الاستشراف والاطلاع فهو ظلمة، وختم على الجوارح والمشاعر فهو ظلمة، وتيه في التيه وضلال فهو ظلمة.

 

وإن الإيمان تفتح ورؤية وإدراك واستقامة فهو نور بكل مقومات النور.

 

إن الكفر انكماش وتحجر فهو ضيق وشرود عن الطريق الفطري الميسر، فهو عُسر وحرمان من الاطمئنان إلى الكنف الآمن فهو قلق.

 

وإن الإيمان انشراح ويسر وطمأنينة وظل ممدود.

 

وما الكافر إلا نبتة ضالة لا وشائج لها في تربة هذا الوجود ولا جذور، إن هو إلا فرد منقطع الصلة بخالق الوجود، فهو منقطع الصلة بالوجود، لا تربطه به إلا روابط هزيلة من وجوده الفردي المحدود في أضيق الحدود، في الحدود التي تعيش فيها البهيمة.

 

وأما الصلة بالله، والصلة في الله، لتصل الفرد الفاني بالأبد الباقي.

 

ثم تصله بموكب الإيمان والأمة الواحدة الضاربة في جذور الزمان.

 

ويجد الإنسان في قلبه هذا النور كما وجده الطفيل رضي الله عنه، فتتكشف له حقائق هذا الدين، ومنهجه في العمل والحركة تكشفا عجيباً، إنه مشهد رائع باهر هذا الذي يجده الإنسان في قلبه حين يجد هذا النور: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا) [الأنعام: 122].

 

كذلك كان المسلمون قبل هذا الدين، قبل أن ينفخ الإيمان في أرواحهم فيحييها، ويطلق فيها هذه الطاقة الضخمة من الحيوية والحركة والتطلع والاستشراف، كانت قلوبهم مواتا، وكانت أرواحهم ظلاما، ثم إذا قلوبهم ينضح عليها الإيمان فتهتز، وإذا أرواحهم يشرق فيها النور فتضيء، ويفيض منها النور فتمشي به في الناس تهدي الضال، وتلتقط الشارد، وتطمئن الخائف، وتحرر المستعبَد، وتكشف معالم الطريق للبشر، وتعلن في الأرض ميلاد الإنسان الجديد.

 

ثانياً: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم.

 

الطفيل -رضي الله عنه- لم يُعرف بأنه من علماء الصحابة، ولم يكن من رواة الأحاديث ونقل مشكاة النبوة، لكن يكفيه أن أبا هريرة -رضي الله عنه- حسنة من حسناته، فكل ما جاء من الخير العظيم ونشر العلم ورواية الأحاديث على يدِ أبي هريرة -رضي الله عنه-، أكثر من سبعة آلاف حديث، يُكتب في ميزان حسنات الطفيل بن عمرو الدوسي –رضي الله عنه وأرضاه-.

 

ثالثاً: معظم الصحابة -رضي الله عنهم- بمجرد أن يسلم، يفهم مباشرة أن الإسلام دين حركة وعمل ودعوة وبذل وتضحية، فيتحول مباشرة وفي نفس اللحظة من مسلم جديد إلى داعية إلى هذا الدين.

 

وهذا ما فعل الطفيل -رضي الله عنه-، أسلم اليوم ومن الغد انطلق إلى قبيلته يدعوهم للإسلام، وهنا نلاحظ كيف أنه رضي الله عنه وقد قطع تلك المسافة الطويلة من مكة إلى بلده على جمل، ومع ذلك بدأ بالدعوة إلى الله -تعالى- مباشرةً قبل أن يرتاح ويُلقي تعب السفر ووعثاءه عنه، فَهِمَ القوم مراد الله -عز وجل- فصدقوا الله -تعالى- فصدقهم.

 

رابعاً: دين الإسلام يعزز أصحاب المبادرات، ولا يرضى لك بأن تلغي عقلك وتسير خلف الباطل والظلم، ومن كان كذلك فليس له ذكر في الإسلام ولا ذكر في التاريخ.

 

فهذا الطفيل -رضي الله عنه- لو استمع لقريش لبقي على كفره وانتهى أمره دون ذكر، فلا مكان في التاريخ للمترددين ولا للمتقاعسين ولا لمن لا رأي له ولا لمن هو تابع حمية ونصرة للباطل والظلم ملغياً عقله، هؤلاء لا يذكرهم التاريخ ولن يكونوا أصحاب فضل وسبق، ولن يحدثوا تغييراً، فالبشرية تذكر أصحاب المبادرات والأبطال والعلماء وكل صاحب فضل على أمته وقومه والبشرية جمعاء، أما بقية البشر فهم غثاء كغثاء السيل.

 

خامساً: زعماء قريش حينما قاوموا الدعوة والتغيير كانت لهم مصلحة بأن تبقى القيادة والريادة لهم دون غيرهم حفاظاً على مكانتهم، وكان معهم أعوان تابعون لهم ينفذون ما يأمرون به إرضاء لزعمائهم فقط، تقاسموا السيئات معهم دون مصلحة، ومِن قريش من لم يرض بذلك، ولكنه صمت خوفاً أو خشية الملامة أو الضغط الاجتماعي كما يقال، وهم الغالبية الصامتة فلم يذكرهم التاريخ أيضاً، ولكن كان هناك رجال قاوموا الظلم ونصروا الحق حينما أدركوا إنه حق، وهم أصحاب العقول النيرة الذين يميزون بين الحق والباطل، ولهم الجرأة على مواجهته مهما علا شأنه، فكان نصيبهم إما الاسلام وهو أكبر فضل، أو دخولهم التاريخ على تلك المروءة والشهامة.

 

 

اللهم...

 

 

 

 

المرفقات

بن عمرو الدوسي - رضي الله عنه -

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات