حقوق الإنسان (2) مزاعم وحقائق

عبد العزيز بن عبد الله السويدان

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/فشل الغرب في دعاويه 2/حث الإسلام على أداء حقوق قبل مناداة الغرب بذلك 3/ نظرة الغرب للحرية 4/نظرة الإسلام للحرية 5/أقسام الحرية ومعانيها 6/تكريم الإسلام للإنسان 7/نبذ الإسلام للعصبية الجاهلية

اقتباس

أيها الإخوة: من العدل أن نقول: إن بعضا ممن نادوا بالحقوق، نادى به الإسلام قبلهم، فالإسلام نادى بالحرية والعدل والسلام، ونصرة المظلوم، وإعانة الفقير، والحزم في محاسبة المخطئ مهما كان منصبه، أو وجاهته، والحزم في معرفة مصير المال العام، وحق الأطفال والنساء والضعفاء في حمايتهم من الظلم والقهر بغير حق، سواء من الآباء أو الأزواج، أو إي إنسان كان، والحق...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

 

أما بعد:

 

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

ذكرنا فيما مضى أننا نريد عرض مفهوم حقوق الإنسان بمعناه الدارج في العالم الأوروبي والأمريكي، نريد عرضه على دين الله -تعالى-، ونرى الموقف الذي ينبغي للمسلم أن يتخذه تجاه ذلك المفهوم، وقد بينا أنهم في الغرب أخفقوا، وما زالوا يخفقون في الاهتداء إلى المفهوم الشامل، والصحيح لحقوق الإنسان، ما داموا لا يستمدون مفهوم الحقوق، وأساليب تطبيقها إلا من فلاسفتهم ومفكريهم بمعزل عن هدى الله الذي ما بعده إلا الضلال والفشل.

 

ودللنا على فشلهم بإحصاءاتهم أنفسهم، وبأقوال بعض عقلائهم، فأكبر نتائج، أو ثمرات إحقاق الحقوق، هو السعادة، والأمن النفسي، وقوة الروابط الاجتماعية، لكن نرى أنهم بالرغم من رخائهم الاقتصادي، وقوتهم العسكرية والسياسية، وزعمهم إحقاق الحقوق إلا أن الشقاء النفسي والاجتماعي والفساد الأخلاقي والحيرة والقلق، ما زالت علامات بارزة في حياتهم: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طـه: 124].

 

إن الإعراض عن ذكر الله سبب رئيس في الشقاء.

 

أيها الإخوة: من العدل أن نقول: إن بعضا ممن نادوا بالحقوق، نادى به الإسلام قبلهم، فالإسلام نادى بالحرية والعدل والسلام، ونصرة المظلوم، وإعانة الفقير، والحزم في محاسبة المخطئ مهما كان منصبه، أو وجاهته، والحزم في معرفة مصير المال العام، وحق الأطفال والنساء والضعفاء في حمايتهم من الظلم والقهر بغير حق، سواء من الآباء أو الأزواج، أو إي إنسان كان، والحق في الوصول إلى مستوى رفيع من التعليم لجميع فئات المجتمع، وغيرها من الحقوق، فالإسلام وإن كان يتفق معهم في بعض الحقوق، إلا أنه يختلف معهم في المنطلق.

 

لأن للإسلام رؤيته الخاصة في تعريفه، ما هو حق وما ليس بحق، إنما يكون من دين الله –تعالى، فتعريف الحقوق في الإسلام لا تخضع للفلسفات العقلانية، والأهواء البشرية، إنما تخضع لحكم الشرع بما يحويه من آيات وأحاديث، فما كان من الحقوق المتداولة موافقا للدين أقر به، وأمر به، وما كان منها باطلا لم يعترف به، بل حذر منه، ونهى عنه.

 

ولذلك صح في أثر له شواهده أنه صلى الله عليه وسلم قال في حلف الفضول، وهو حلف تداعت إليه قريش في الجاهلية، بأن لا يجدوا مظلوما من أهلها، أو من غيرهم من سائر الناس، إلا قاموا معه حتى ترد عليه مظلمته، قال صلى الله عليه وسلم بعد أن أصبح نبيا رسولا: "لقد شهدت مع عمومتي حلفاً في دار عبد الله بن جدعان ما أحبّ أن لي به حُمْر النَّعَم، ولو دُعيت به في الإسلام لأجبت".

 

يعني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقر العدل، وإحقاق الحق، إذا جاء بصورته الصحيحة، ولو في مجتمع كافر.

 

إن مفهوم الغربيين للحرية مثلا لا دخل لدينهم فيه، بالرغم من إيماننا بأن دينهم محرف، إلا أنهم أيضا أبعدوه من قضايا حياتهم السلوكية والعملية، بل منعوه من أن يتعدى بوابة الكنيسة.

 

وبالتالي، فإن للحرية كصورة من صور الحقوق، طبعا للحرية عندهم مفهوم فلسفي نابع من أذواقهم، لا من دينهم، بخلاف مفهوم المسلمين للحرية، فالمسلمون يؤمنون بأن السعادة والحرية والعدل، وغيرها من المعاني، لا تكتمل بصورتها الصحيحة إلا من خلال الدين وإقراره لها؛ لأنهم يؤمنون بقوله تعالى: (قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ) [الأنعام: 71].

 

وقوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].

 

الإسلام يرى أن للحرية شقين: معنوي وحسي، أما المعنوي: فقد يبدو الإنسان في ظاهره حرا طليقا، يغدو ويروح كما يشاء، ولكنه في حقيقة الأمر أسيرا، ذليلا لعادته، وعبدا مأسور لشهوته، وفي الوقت ذاته قد يبدو الإنسان في الظاهر يرزح في قيود، وراء القضبان، وهو في حقيقة الأمر حر طليق، كالطير في السماء.

 

وهو ما عبر عنه ابن تيمية، وهو مأسور في السجن عندما قال لتلميذه ابن القيم:"المحبوس من حبس قلبه عن ربه -تعالى-، والمأسور من أسره هواه".

 

يصحح مفهوم الحرية رحمه الله تعالى، يقول ابن القيم: "ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه -أي إلى السور- وقال: (فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ) [الحديد: 13].

 

يقول ابن القيم -رحمه الله-: والناس: "عبد محض، وحر محض، ومكاتب قد أدى بعض كتابته، وهو يسعى في بقية الأداء.

فالعبد المحض: عبد الماء والطين الذي قد استعبدته نفسه وشهوته، وملكته وقهرته، فانقاد لها انقياد العبد إلى سيده الحاكم عليه.

 

والحر المحض: هو الذي قهر شهوته ونفسه وملكها، فانقادت معه، وذلت له ودخلت تحت رقه وحكمه.

 

والمكاتب: من قد عقد له سبب الحرية. وهو يسعى في كمالها، فهو عبد من وجه حر من وجه، وبالبقية التي بقيت عليه من الأداء يكون عبدا ما بقي عليه درهم؛ فهو عبد ما بقي عليه حظ من حظوظ نفسه.

 

فالحر من تخلص من رق الماء والطين، وفاز بعبودية رب العالمين، فاجتمعت له العبودية والحرية؛ فعبوديته من كمال حريته، وحريته من كمال عبوديته".

 

هذا الشق الأول: الشق المعنوي، أما الثاني من معاني الحرية، فهي: الحرية الحسية، الجسدية، الإسلام ضبط هذه الحرية ضبطا دينيا، بحيث لا يضر الإنسان نفسه، ولا يضر غيره؛ لأن الإسلام يعتني أول ما يعتني بتحرير حرية معنوية، بتحريره من عبودية الشيطان والهوى، فهو إذا فعل ذلك حرر الإنسان من عبوديته الحسية، ففي مفهوم الإنسان لا يكون حرا على الحقيقة، حتى يكون عبدا لله، هذا هو الحر.

 

وكلما ارتقى الإنسان في مقام العبودية كلما زاد تحرره، والعكس صحيح، كلما تراجع في عبوديته لله كلما بعد عن الحرية، وانغمس في الرق، وقد فقه الصحابة والتابعون هذا المفهوم أشد الفقه، ولهذا نرى ربعي بن عامر عندما أقبل يتوكأ على رمحه، فوق نمارق رستم المجوسي، فخرق عامتها، فقالوا له: ما جاء بكم؟ قال لهم: "إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".

 

إذا هو يقول لهم أنتم عبيد أنفسكم وأمرائكم، جئنا نحرركم، وإن ظننتم أنكم أحرارا وكانت أيديكم مطلقة من القيود، فكون الإنسان حرا لا يعني أن يعيش كالبهيمة.

 

الحرية عند المسلم ليست فوضى مطلقة بلا قيد، بل هي مقيدة بالشرع الحكيم.

 

أما الحرية في مفهوم الغربيين، فهي التمرد على كل معتقد، أو عرف، يقف أمام شهوة الإنسان، ذكرا كان أو أنثى، وهو أمر متفاوت بحسب أنظمتهم وقوانينهم؛ فمنهم من ضبط هذه الحرية بالضوابط الأمنية، يعني بما لا يضر المال العام، أو يضر الآخرين، في مالهم، أو أجسادهم، ومنهم زاد على ذلك قليلا، فأضاف النواحي الصحية الخطيرة، ومنهم من زاد على ذلك أيضا.

 

ولكنهم على كل حال، يغيرون ويبدلون بين فترة وأخرى، ويزيدون وينقصون، بحسب ضغط الشهوات والأهواء، ففي الماضي على سبيل المثال كانوا لا يقرون الشذوذ، ولكنهم مع مرور الزمان أذعنوا، ورضخوا لشهواتهم، فأقروا الشذوذ، بل جعلوا للشاذين حقوقا محفوظة، ومطالبات مسموعة، وفي بعض الولايات الأميركية في زمن ماضي منع الخمر، ومنع الناس منه، ثم بعد بضع سنوات عادوا وأباحوه، وجعلوه حقا من حقوق الناس، فمدار حياتهم على الشهوات والأهواء.

 

وكلما وقف أمام شهواتهم عائق ما، تنظيم قرار، أو حتى عرف كنسي، صرخوا باسم الحرية، ونادوا باسم حقوقهم، وطلبوا بحق كذا، وطلبوا حق كذا، وحق كذا، وصاروا في مظاهراتهم، واعترضوا على الاضطهاد والقهر، كل ذلك من أجل شهوة، من أجل نزوة!.

 

وهي مشكلتنا في كثير من المجتمعات المسلمة على تفاوت بينها، مشكلتنا مع قلة علمانية وتحررية لها نفوذها وحضورها في وسائل ومنتديات الفكر، وبعض الميادين الأخرى، هؤلاء مع الأسف مسخ يعيش بين المسلمين، لا يعترفون بمفهوم الإسلام للحرية، وإنما يقدسون المفهوم الغربي.

 

ولذلك نراهم صمتوا حتى أمام خطيئة الدنمرك في استهزائهم بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، من باب حق التعبير، كما يقولون، وانتقدوا الموقف الإسلامي الشعبي، هكذا هم، ومن أكبر محاور النزاع بيننا وبين الغربيين وأتباعهم: موضوع حقوق المرأة، دأبت الأمم المتحدة سنويا على الاحتفال بما يسمى باليوم العالمي للمرأة، وهو طبعا من صناعة الغرب واختراعه، يحتفل به تكفيرا عن تاريخه الأسود في اضطهاد المرأة، واحتقارها، وبخسها، أبسط حقوقها الآدمية،  لأعوام وأعوام مديدة، حتى اقتنع بعض عقلائهم بعد مسيرة طويلة ومضنية من الكفاح المرير لجمعيات نسائية كثيرة، فأزحن بعض القوانين المجحفة، ولكنهن ما زلن يعشن في بؤس نفسي واجتماعي، حتى هذه الساعة.

 

فالاعتداء والعنف على أشده، والإحساس بالوحدة والوحشة والكآبة طاغ على حياة معظمهن، إذ لا عائل ولا أمان ولا استقرار، ولا حتى إنصاف في المرتبات، يقول المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي: "إن تفوق المرأة في الدراسة لا ينعكس إيجابا على أدائها في سوق العمل، جاءت بمعدلات عالية، أو غير عالية، لا ينعكس على أدائها في سوق العمل، وهو ما يثير الحيرة".

 

وأعرب المتحدث عن اعتقاده بأن السبب في ذلك يرجع إلى أن المرأة ما تزال تتحمل عبء المهام الأسرية أكثر من الرجل، وأن في بعض الأحيان تضطر للعمل نصف وقت الدوام فقط!.

 

ثم يتكلمون عن الحقوق! هل تعلمون أنه أظهرت إحصاءات نشرها الاتحاد الأوروبي بمناسبة يوم المرأة العالمي أن المرأة عندما تخرج إلى أسواق العمل في أوروبا تحصل على نسبة 15% أقل من أجر الرجال في نفس الأعمال، نفس بيئة العمل، طبعا ليس في دينهم ولا نظامهم إلزام للرجل على رعاية وصون المرأة، كما هو في شريعة الإسلام، فالمرأة عندهم متروكة تكابد الحياة لوحدها، وتعاني في البحث عن لقمة العيش، في جو من التربص والمعاناة، مما سيعترضها من ذئاب لا ترحم، وما هذه الاحتفالات والمؤتمرات السنوية، يوم المرأة العالمي إلا شيء من التسكين والتخفيف، ولكن كما هي السنن في إعجابه وتقليده له في زمن الضعف تبعهم كثير من المسلمين والمسلمات.

 

 فبعض النساء العربيات والمسلمات يشاركن أولئك القوم في الاحتفال بهذا اليوم، وبالرغم من أن المشاركة في احتفال كهذا، فيه مخالفة شرعية كبيرة، ففيه خلل في الانتماء الخالص لدين الإسلام، وفيه اختلاط ومنكرات، وفيه تبعية وتشبه، وفقدان للعزة، إلا أننا نقول: يا ليت المشاركات من المسلمات لما أعطين الفرصة للحديث، نادين بتطبيق الشريعة الإسلامية لقناعتهن بحكمتها، وعدلها، ورأفتها وإنصافها، وإحقاقها للحق، لكن مع الأسف تابعن الغربيات في نفس المطالبات القديمة، في المساواة بالرجل في جميع الحقوق، وكأن الإسلام كالكنيسة، لا يعطيهن حقوقهن، وكأن حقوق المرأة لا تتحقق إلا إذا أصبحت وزيرة، أو سفيرة، أو عضوة في البرلمان.

 

أيها المسلمون: إن المسلم إذا انحرف في فكره عن هدي النبوة، ومقاصد الإسلام، فسوف يتوه في غياهب الجهل، ومن تاه في غياهب الجهل، فسوف يَضل ويُضِل.

 

 أسأل الله -تعالى- أن يلهمنا رشدنا، وأن يهدي ضال المسلمين.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه.

 

وبعد:

 

فما زال الحديث عن حقوق الإنسان: كيف أحق الإسلام الحقوق؟ وأرسى دعائم العدل والحرية.

 

أيها الإخوة: يحترم الإنسان ويكرمه من حيث هو إنسان، دون اعتبار لجنسه رجلا كان أو امرأة، ودون اعتبار لقبيلة أو بلد أو نسب أو لون، قال سبحانه: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء: 70].

 

فجعل للإنسان عقلا وضميرا، ولم يجعله بهيمة مسيرة، بل ترك له حرية الاختيار، حتى اختيار العقيدة، وحمله تبعات ذلك الاختيار: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) [البقرة: 256].

 

هذا هو التكريم العام، أما التكريم الخاص، فهو للذين اتقوا ربهم، بحسب تقواهم، لا فرق في ذلك بين ذكر وأنثى، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات: 13].

 

الإسلام برئ من العصبية القبلية، أو العنصرية، إلى جانب براءته من عصبية النسب، بل جعل الفخر بالنسب من الجاهلية المقيتة، فللناس جميعا في المجتمع المسلم كرامتهم، التي لا يجوز أن تمس، ولا يسخر منها أحد، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الحجرات: 11].

 

وللناس جميعا في المجتمع المسلم حرمتهم وحرمة منازلهم، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النــور: 27].

 

وقال سبحانه: (وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا) [الحجرات: 12].

 

فالإسلام يؤكد معنى المساواة المطلقة في كل ناحية من حياة الناس الوجدانية والاجتماعية، دون اعتبار للعنصر، أو القبيلة، أو البيت، أو المنصب.

 

كما أنه يساوي بين الرجل والمرأة في الجزاء: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) [آل عمران: 195].

 

ولما كان بعض ذوي الثراء والنسب يأنف أن يزوج أو يتزوج من الفقير أو الفقيرة، جاء أمر الله -تعالى-: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النــور: 32].

 

قد يختلف الناس في أجناسهم وعناصرهم، فيكون منهم العربي والأعجمي، والسامي، والحامي.

 

وقد يختلفون في أنسابهم وأحسابهم، فيكون منهم من ينتهي إلى أسرة عريقة في المجد، أو من ينتهي إلى أسرة صغيرة مغمورة في الناس.

 

وقد يتفاوتون في ثرواتهم، فيكون منهم الغني، ومنهم متوسط الحال، ومنهم الفقير.

 

وقد يتفاوتون في أعمالهم ومناصبهم، فيكون منهم الحاكم والمحكوم، ويكون منهم المهندس الكبير، والعامل الصغير، ويكون منهم أستاذ الجامعة والحارس بباب الجامعة.

 

ولكن هذا الاختلاف، أو التفاوت، لا يجعل لواحد منهم قيمة إنسانية أكبر.

 

إن القيمة الإنسانية واحدة للجميع، قال صلى الله عليه وسلم: "الناس من آدم، وآدم من تراب"[رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني].

 

فالعربي إنسان، والأعجمي إنسان، والأبيض إنسان، والأسود إنسان، والحاكم والمحكوم إنسان، والغني والفقير إنسان، والرجل والمرأة إنسان، وما دام الكل إنسانا فهم إذا سواسية؛ كأسنان المشط الواحد، لا يتفاضلون إلا بالتقوى، والإيمان والعمل الصالح.

 

أيها المسلمون: لم يكن الحديث عن المساواة في الإسلام حديثا نظريا مجردا قاصرا على الكتب، بل كان مطبقا تطبيقا عمليا واقعيا، فلعلنا نتناول تلك التطبيقات في مقام آخر -إن شاء الله-.

 

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعزنا بالإسلام...

               

 

 

المرفقات

الإنسان (2) مزاعم وحقائق

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات