فقدان الهوية

عقيل بن محمد المقطري

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ معنى الهوية 2/ التناقض الواضح 3/ التغريب والحرب على الهوية الإسلامية

اقتباس

لقد جعلت الشريعة الحنيفية تميز الأمة المسلمة في مظهرها عمن عداها من الأمم مقصدًا أساسيًا لها، بل إن أهل كل ملة ودين يحرصون على مظاهرهم باعتباره معبرًا عن هويتهم، دليل ذلك أنك ترى أتباع العقائد والديانات مجتهدين في التميز والاختصاص بهوية تميزهم عن غيرهم وترمز إلى عقيدتهم، وهذا أوضح ما يكون في عامة اليهود الذين يتميزون بصرامة بطاقياتهم ولحاهم وزنانيرهم.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين وحجة الله على الناس أجمعين، وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

إخوة الإسلام: يقول الله تعالى: (هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ).

 

ويقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "فادعوا بدعوة الله التي سماكم بها المسلمين والمؤمنين عبد الله".

 

هنا سؤال أيها الإخوة لو سئله كثير من أبناء الأمة لما أجاب إجابة صحيحة؛ فلو قيل لشخص ما هويتك؟ لأجاب: أنا يمني، ولقال آخر: أنا مهندس أو أنا طبيب أو... إلخ.

 

ولكن الإجابة الصحيحة أن يقول: أنا مسلم، وليس هذا المهم، بل الأهم منه أن تعرف ماذا تعني هذه الكلمة، فما معناها؟!

 

أنا مسلم: تعني الانتماء لدين الله الذي أنزله من فوق سبع سماوات على أفضل أنبيائه -عليه الصلاة والسلام-، إنها تعني موافقة الفطرة التي فطر الله الناس عليها؛ قال الله: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

 

أنا مسلم تعني طريقة تفكير وأسلوب عمل ونمط تصرفات ومنهج حياة.

 

أنا مسلم تعني اصطفاءً واجتباءً وطهارة ونقاءً وسمو ارتقاء.

 

أنا مسلم ممن قال الله فيهم (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ).

 

أنا مسلم ممن قال الله فيهم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ).

 

أنا مسلم ممن قال الله فيهم: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً).

 

أنا صاحب الدين الذي قال الله فيه: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ).

 

أنت مسلم نعم تلك هويتك يا من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.

 

هويتك الإسلام به تحيا وفي سبيله تجاهد وعليه تموت إن شاء الله.

 

ولكن يا ترى هل هي هوية ألف مليون مسلم ممن ينتسبون إلى هذا الدين؟!

 

هل لازالت هذه الهوية مشهورة على أرض الواقع للمنتسبين لهذا الدين؟! إنها مأساة -يا عباد الله- حين تبحث عن جواب لهذه التساؤلات فلا تجد جوابًا حين تجد أن هوية الأكثرية قد انمحت أو طمست، تنظر وتتأمل فترى هذا مشرق وهذا مغرب ولا تكاد ترى من أفراد الأمة الوسط إلا القليل.

 

المسلم بفطرته ومخبره، يُعرف بهيئته وسلوكه، بتعامله مع الناس، فهل إذا تفحصنا واقعنا وجدنا من هذه سمته؟!

 

إنني أتساءل: أين هي الأخلاق الإسلامية في واقعنا؟! أين الصدق؟! أين الأمانة؟! أين الأخلاق؟! أين الوفاء بالوعد؟! أين حب الخير للناس؟! أين الإيثار وغيرها من الأخلاق؟! هل لا تزال حية على أرض الواقع أم أننا لا نكاد نجدها إلا في كتاب أو تحت التراب.

 

أما أصبح كثير منا إذا أراد أن يؤكد وعده يقول تلك العبارة المتداولة بين الناس: "وعد إنجليزي".

 

ألم تسمع كثيرًا من أصحاب الأعمال يقولون: إن العامل الكافر أكثر إخلاصًا من المسلم؟! تلك هي طرف من أخلاق المسلمين.

 

أما إذا تحدثنا عن الهيئة والمنظر فحدث ولا حرج عن رجال المسلمين ونسائهم، ملابس غربية وطريقة أكل غربية وقصة شعر غربية.

 

أيها المسلمون: إن قصة التغريب والحرب على الهوية الإسلامية قد صاحبتها دعوة إلى تقسيم الدين إلى مظهر وجوهر؛ بحيث يتخلى المسلمون عن المظهر بحجة أن الجوهر كاف.

 

هذه دعوة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وقد انطلت على كثير من المسلمين حتى قبلوها دون إدراك لمخاطرها.

 

لقد جعلت الشريعة الحنيفية تميز الأمة المسلمة في مظهرها عمن عداها من الأمم مقصدًا أساسيًا لها، بل إن أهل كل ملة ودين يحرصون على مظاهرهم باعتباره معبرًا عن هويتهم، دليل ذلك أنك ترى أتباع العقائد والديانات مجتهدين في التميز والاختصاص بهوية تميزهم عن غيرهم وترمز إلى عقيدتهم، وهذا أوضح ما يكون في عامة اليهود الذين يتميزون بصرامة بطاقياتهم ولحاهم وزنانيرهم.

 

والمتدينون من النصارى يعلقون الصليب والمسيح بعمائمهم ولحاهم وشواربهم.

 

إذا كان هذا كله صبغة الشيطان فكيف لا نتمسك بصبغة الرحمن؟! (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ).

 

ومن سمات الهوية التي فُقِدت: صفة الحياء، فأين الحياء وخاصة عند المرأة المسلمة؟!

 

يأتيك الجواب: رحم الله الحياء؛ فقد كان خير خصال المرأة المسلمة بعد الإيمان.

 

وإذا أردت البيان فقل لي بربك: أي حياء عند امرأة تخرج للأسواق تزاحم الرجال تتكلم مع هذا وتضاحك ذاك؟! وبعد هذا يقال: إن الحياء ليس في الحجاب إنما الحياء في القلب، والقلوب نظيفة طاهرة!!

 

عباد الله: يقول ربنا ومولانا في محكم كتابه: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى).

 

هذا نداء لنساء نبينا -عليه الصلاة والسلام- وقلوبهن أطهر القلوب بشهادة ربنا -عز وجل- وشهادة رسولنا عليه الصلاة والسلام.

 

يا من يزعم أن القلوب طاهرة: أين أنت من قوله -عليه الصلاة والسلام-: "لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافر امرأة إلا ومعها محرم". فقال رجل: يا رسول الله: إني اكتتبت في غزوة كذا وزوجتي خرجت حاجّة!! فقال له: "اذهب فحج مع امرأتك".

 

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما". ويقول: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء".

 

إن كلامنا عن الحياء كسمة من سمات الهوية الإسلامية للمرأة المسلمة؛ لأن المرأة المسلمة تتعرض لعملية اغتيال عن طريق قتل حيائها، فإذا فقدت المرأة حياءها فقد فقدت حياتها؛ فإن الحياء من الحياة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت".

 

فإذا تحدثنا في مجال الفكر فلقد حوربت الهوية الإسلامية وغربت من قبل الأعداء، وظهرت آثار فقدان الهوية في أفكار ومناهج تنادي بالتقريب بين الأديان، وأقيمت مؤتمرات للتقريب بين من يقول: لا إله إلا الله، ومن يقول: إن الله ثالث ثلاثة، بين من يقول: (اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)، وبين من يقول: (عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ).

 

ومن هنا ظهرت أفكار تنادي بتبني الحضارة الغربية بعجرها وبجرها، وحلوها ومرها، حتى نصل إلى ما وصلوا إليه كما يزعمون.

 

أقوام ينتسبون إلى هذا الدين يطالبون الأمة أن تنصهر في بوتقة غربية لتخريج عن دينها وهويتها وأخلاقها، حاول بعضهم فعل ذلك ولم يحصلوا على مطلوبهم، فكانوا كالمنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى.

 

يقول محمد حسين هيكل -وهو أحد من كانوا يدعون إلى هذا-: "لقد خيل إليّ زمانًا كما لا يزال يخيل إلى أصحابي أن نقل حياة الغرب والعقلية والروحية سبيلنا إلى النهوض، لكنني أدركت بعد جهد أنني وضعت البذرة في غير منبتها، فإذا الأرض تهضمه ثم لا تتمخض عنه ولا تبعث الحياة فيه، ورأيت أن تاريخنا الإسلامي وحده هو البذر الذي ينبت ويثمر".

 

أيها المسلمون: كانت تلك بعض معالم فقدان الهوية عند فئة من هذه الأمة، وإننا إذ نذكر هذه المعالم لنعلم علم اليقين أن ذلك كائن في هذه الأمة كما قال -عليه الصلاة والسلام-: "لتتبعن سنن من كان قبلكم".

 

هذا الحديث ينبئنا عن فقدان الأمة لهويتها، ولقد حدث كما أخبر وظهر جليًا ووجد أمتين في أمة ومجتمعين في واحد، قسم متمسك بهويته وآخر منحل عنها.

 

إننا جميعًا مسؤولون أمام الله عن إصلاح هذه الأمة وإلا فمغبة البعد عن منهج الله ستقع على الجميع؛ قال سبحانه: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ)، وقال سبحانه: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ). فما دام في الأمة مصلحون فهم صمام أمان.

 

وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- قال -عليه الصلاة السلام-: "يغزو جيش الكعبة حتى إذا كانوا ببيداء يخسف بأولهم وآخرهم ومن ليس منهم"، فقالت عائشة -رضي الله عنها-: كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟! فقال -عليه الصلاة والسلام-: "يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم".

 

ومع هذا كله فنحن لا ندعو الناس للقنوط من رحمة الله تعالى؛ فإن هذا محرم في شرعنا، ونصر الله قادم بإذن الله؛ قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).

 

 

 

المرفقات

الهوية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات