الحذر والاحتياط والاعتبار مما للمعاصي والذنوب من الأخطار

الحسين أشقرا

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/الإسلام أجل نعم الله على الإنسان 2/حال العرب المأسوية قبل الإسلام 3/حال العرب حال تمسكهم بالإسلام 4/حال الأمة عندما تتخلى عن الإسلام 5/متى تكون الأمة مؤهلة للنصر؟ 6/أسباب القحط وتأخر نزول الأمطار

اقتباس

عباد الله: تأخرت عنا قطرات الغيث والمطر، ولن ولا تنزل إلا بإذن من يتصرف في القدر، ومن ذكر منكم نعم الله عليه فقد شكر، وإن المعاصي والذنوب هي المانعة لما ينفع البشر. فتذكروا -أيها المسلمون والمسلمات-: أن لا ملجأ من الله إلا إليه، واذكروا أن أكبر نعمة عليكم هي: نعمة الهداية للإسلام، بعد أن ضل عنها الـ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي تعالى جبروته فقهر، وأعز من شاء من عباده ونصر، نحمده تعالى على نعمه التي تربو على قطرات المطر، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العليم بما بطن وظهر، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله ومجتباه من البشر، نبي أظله الغمام، واستجاب لدعوته الشجر.

اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين خلفوا أطيب الأثر.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

عباد الله: تأخرت عنا قطرات الغيث والمطر، ولن ولا تنزل إلا بإذن من يتصرف في القدر، ومن ذكر منكم نعم الله عليه فقد شكر، وإن المعاصي والذنوب هي المانعة لما ينفع البشر.

 

فتذكروا -أيها المسلمون والمسلمات-: أن لا ملجأ من الله إلا إليه، واذكروا أن أكبر نعمة عليكم هي: نعمة الهداية للإسلام، بعد أن ضل عنها الكثير من بني البشر: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ) [الأنعام: 116].

 

إن نعمة الإسلام ـــالذي ارتضاه الله -تعالى- لعباده، والذي أتم به النعم عليهم ــ- لا تماثلها نعمة؛ إن على مستوى المحافظة على الأبدان، أو الأموال، أو العقول، أو الأعراض، أو الأمن النفسي والخلقي: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].

 

أيها الصالحون: إذا تصفحنا بعضا من حقبات تاريخ أمتنا، وجدنا أن حال العرب قبل بعثة الرسول الأكرم -صلى الله عليه وسلم- كان سيئا: قبائل متحارب، ومجتمعات متناحرة، وديانات باطلة، وتقاليد وأعراف مستمدة من الأهواء.

 

كانوا يؤدون البنات، ويقتلون الأولاد؛ خوفا من الفقر، ويأكلون الربا أضعافا مضاعفة، يُحكِّمون الكهان في مصائرهم، ويتفاخرون بالأنساب، يتعاطون الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ويشربون الخمور، وسادت بينهم الغلبةُ للأقوى؛ عبر عنها زهير بن أبي سلمى بقوله:

 

ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم**ومن لا يظلم الناس يظلم

 

كانوا بين العالمين لا وزن لهم: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ) [الفرقان: 44].

 

تحيط بهم دولتا الفرس والروم، مستعمرة للأرض، ومستغلة للبشر.

 

وبمجيء خاتم النبيين -صلى الله عليه وسلم-، الرحمة المهداة للعالمين؛ حل نور الهداية محل ظلمات الجهالة؛ وبدأ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بمعية أصحابه ممن اتبعه بجهاد متواصل، آمرا وناهيا حاثا على: التآلف بدل التدابر، والمحبة بدل الكراهية، والاجتماع على الحق بدل التمزق على الباطل، وصدق الله العظيم إذ يقول: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)[طـه: 123-124].

 

فاجتمع الناس على لا إله إلا اله محمد رسول الله بعد أن كانت الحرب تشتعل بينهم لأتفه الأسباب: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) [الحشر: 14].

 

أيها المسلمون: إن من تأمل حال أمة الإسلام حين ذكرت ربها، واستغفرته، وحكمت كتابه، وتمسكت بسنة نبيه يجد أنها أمة عظيمة بين الأمم، أمة السادة والسيدات لا أمة الإمعات؛ ملكت قلوب العباد قبل البلاد فاتسعت أرضهم، وأرزاقهم.

 

ولما نسوا الله أنساهم أنفسهم؛ وحكموا أهواءهم، وسلطت عليهم الأمم من كل جانب، وأغلقت عليهم بركات السماء، وتفرقوا شيعا: (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)[المؤمنون: 53].

 

وأصبحوا قبلة للطامعين، بدءا بفتنة التتار، ثم الصليبيين، وسقوط الخلافة الإسلامية، واستعمر جزء كبير من بلاد الإسلام، وجاءت الفتنة الأمرّ عندما تسلط بعض أبناء الأمة على بعضهم، وكانوا أقسى من الأعداء، حتى صارت الأمة مع اتساع رقعة أرضها، وكثرة أبناءها غثاءً كغثاء السيل، عاجزة يقيدها قيد نسيان الله، وعِقال المعاصي والذنوب: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) [الأنعام: 44].

 

فاعتبروا يا أولي الألباب، فإن للذنوب أخطارا، وهي من أسباب الهلاك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر المهاجرين! خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها؛ إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان؛ إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم؛ إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله؛ إلا سُلِّط عليهم عدو من غيرهم، فيأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، إلا جُعل بأسهم بينهم".

 

فكيف لأمة ألهاها الأمل أن تحظى بنصر الله؟! وكيف لشعوب همها إشباع البطون، واتباع الأهواء والشهوات أن تفتح عليها البركات؟! كيف لأمة أن يستجاب لدعاء صالحيها وفيها من يسخر بدين الله ويستهزئ قولا وفعلا؟!

 

فالله الله في أنفسكم، الله الله في أهليكم، الله الله في أولادكم، الله الله في أرزاقكم، الله الله في أمتكم.

 

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وكلام سيد المرسلين، ويغفر الله لكل عبد قال: "آمين".

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي لم يزل بالنعم منعما، وبالإحسان محسنا، وبالكرم موصوفا، كل يوم هو في شأن، يكشف الكرب، ويغيث الملهوف، ويغفر الذنوب، ويستر العيوب، ويعلم الغيوب، يرسل الآيات تخويفا، نسأله السلامة من عواقب العصيان، والصلاة والسلام على خير المرسلين.

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: لقد تأخر وانحبس الغيث والمطر؛ بعد أن بدأ القنوط يتسرب إلى نفوس البشر، وبعد أن أصبحت البهائم بلا عشب في خطر، والناس في كثير من المناطق يحتاجون الماء ولا أثر.

 

واعلموا -أيها المسلمون-: أن ما عند الله لا يُنال إلا برضاه، ولا ينال رضاه إلا بطاعته وتقواه، واحذروا من بخس المكاييل، وأكل أموال الناس بالباطل، والغش والغدر والخداع وظلم الناس، فإن المعاصي تذهب النعم، وتسبب القحط، وتمنع نزول المطر: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ) [الأعراف: 96].

 

ولقد فتح الله على الناس في زماننا من أسباب الدنيا الشيء الكثير، ولكنه منزوع البركة.

 

أكثروا -أيها المسلمون- من الأعمال الصالحة، وذكروا بعضكم بعضا بالله، وبالتوبة إليه، وأكثروا من الاستغفار، واعلموا أن الاستغفار سبب من أسباب نزول الرحمة، ورفع النقمة، فما من بلاء وقع بنا إلا بذنب أذنبناه، وما من بلاء رُفع عنا إلا بثوبة صادقة.

 

فاللهم ارفع بلاءك عنا، ولا تعذبنا بذنوبنا، ولا بذنوب غيرنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا.

 

اللهم أعد لقلوب عبادك حياتها، وأعد لأرضك حياتها، وأنزل علينا رحماتك، ولا تجعلنا من القانطين.

 

اللهم أغث البلاد والعباد.

 

 

 

المرفقات

والاحتياط والاعتبار مما للمعاصي والذنوب من الأخطار

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات