نعمة السيارات وخطرها

فهد بن حسن الغراب

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/شكر نعم الله وخطر كفرانها 2/نعمة السيارات وفوائدها 3/الحفاظ على الأنفس من أعظم المطالب 4/مفاسد السرعة في قيادة السيارات ومآسيها 5/عبث الطائشون بالسيارات في الطرقات 6/أرقام وإحصائيات مذهلة حول حوادث السيارات 7/مفاسد ومخاطر قيادة صغار السن للسيارات

اقتباس

النفس ليست ملكًا لأحد من الناس، بل حتى ولا لصاحبها، وإنما هي ملك لله وحده؛ ومن أجل ذلك حرم سبحانه الاعتداء عليها، حتى من قبل صاحبها، قال: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام". ولكن مع وضوح ذلك وجلائه نجد من أبناء المسلمين من يمارس أفعالاً تُلقي بالنفس إلى التهلكة، مخالفة للأنظمة، قطعٌ للإشارات، وعبث بالممتلكات، سرعة وتفحيط، يزعجك صرير الإطارات وأصوات المنبهات، هذا...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله...

 

استيقظوا بقوارع العِبَر، وتفكروا في حوادث الغِيَر، ففي تقلبات الدهر معتبر، وفي طوارق الأيام مزدجر، وقيّدوا نعم الله عليكم بشكرها، وحسن التصرف فيها؛ فإن بالشكر ازدياد النعم، وبحسن التصرف فيها تتمحّض المنن، أما إذا كفرت فذلك سبب زوالها ومعول هدمها، قال جل وعلا: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل: 112].

 

بدّلوا نعمة الله كفرا، فأعرضوا عن دين الله وارتكبوا محارمه، فأبدلهم بنعمه نقما، وبرغد العيش نكدا، أفتظنون أنكم إذا كفرتم بنعم الله ناجون، ومما وقع لأولئك مسلَّمون؟!

 

كلا، فسنن الله في عباده ثابتة: (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) [فاطر: 43].

 

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].

 

عباد الله: إن مما أنعم الله به علينا في هذا العصر تلك السيارات التي ملأت البلاد، قرّبت البعيد، وسهّلت العسير، واختصرت الأوقات، وأعانت على الطاعات، قادها الكبير والصغير، والعاقل والسفيه، فهل شكرنا هذه النعمة وأحسنّا التصرف فيها؟!

 

إن الحياة السعيدة والعيش الرغيد قوامها ظلال الأمن الوارف بعد الإيمان بالله -سبحانه-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].

 

وإن المتأمّل يدرك أن الأمة تواجه متاعب ومشقات، بعضها يسير والآخر عسير، ولكن الكيان يتزلزل حين تُسترخص الدماء، وتُزهق الأرواح، فالحفاظ عليها من أغلى المطالب.

 

والنفس ليست ملكًا لأحد من الناس، بل حتى ولا لصاحبها، وإنما هي ملك لله وحده؛ ومن أجل ذلك حرم سبحانه الاعتداء عليها، حتى من قبل صاحبها، قال: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام".

 

(وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء: 29].

 

(وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة: 195].

 

ولكن مع وضوح ذلك وجلائه نجد من أبناء المسلمين من يمارس أفعالاً تُلقي بالنفس إلى التهلكة، مخالفة للأنظمة، قطعٌ للإشارات، وعبث بالممتلكات، سرعة وتفحيط، يزعجك صرير الإطارات وأصوات المنبهات، هذا مفحّط، وأولئك مشجّعون، هذا مستهتِر، وأولئك معينون، يشجعون ويصفّقون، وللرايات يرفعون، ترى أرواحًا تُزهق، ونساءً تُرمّل، وأسرًا تُفنى، وأطفالاً تُيتَّم، وأمراضًا مزمنة، وإعاقاتٍ مستديمة.

 

ترى منشآتٍ تُهدَم، ومنجزاتٍ تُتلف، وآلافًا من الملايين تُهدر، فواجع تصل إلى الهلع، وخسائر توصل إلى الإفلاس.

 

إن ما تستقبله المستشفياتُ والمقابر، وما تحتضنه الملاجئ، ودور الرعاية، كل ذلك أو جُلُّه ضحايا التهورِ، وعدمِ المسؤولية، قطع للأيدي، وبتر للأرجل، وكسر للعظام، موتى ومشلولون ومقعدون، في صور مأساوية، يصحبها دموع وآهات، وأنَّات وزفرات.

 

أطفال في مقتبل الحياة، وشباب في نضرة العمر، ما حاله وقد فقد عائلته، وما حال المرأة وقد فقدت من يرعاها وأطفالها؟! وما حال الوالدين وقد زهقت روح شابِّهما اليافع؟! وما حال الأسرة وقد حل بها معاق، علاجه مُكْلِف، والكد عليه مُرْهِق، أصبح مقعدًا عاجزًا، عالة على أهله ومجتمعه، حسرة في القلوب، بسبب ماذا كل هذا؟

 

بسبب فعلِ مُتهوّر، وتصرّفِ طائش، وعملِ غير مسؤول.

 

فالطرق لم توضع من أجل أن يتصرف فيها العابثون بسياراتهم كيف يشاؤون، إنها مسالكُ الناس إلى شؤونهم، ومعابرُهم إلى قضاء حوائجهم، ودروبُهم في تحركاتِهم وتحصيلِ منافِعهم، وسبيلُهم إلى أسواقهم وكسبِ معاشهم، وهي منافذهم إلى المعاهدِ والمدارس ودورِ العلم والمساجد وجميع أنواع الحركة والتنقلات.

 

عباد الله: ماذا يبقى إذا هانت الأرواح واسترخصت الدماء؟! وإلى أي هاوية هؤلاء ينحدرون؟! ومتى يهتدي الضالون ويستيقظ الغافلون؟!

 

(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) [الشعراء: 227].

 

فاللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

معاشر الآباء: إن من الأخطاء التربوية التي يقع فيها البعض بدافع عاطفة الأبوة، وإصرار الزوجة وإلحاح الأولاد: أن يقوم بشراء سيارة لابنه الصغير الذي لم يتجاوز الحلم، ولا تكاد تراه من نافذة السيارة. حجج داحضة وحيل باطلة: نجح في الامتحان ولا بد من مكافأته، أبناء العم والخال والجيران ولا بد من مسايرة المجتمع، حتى لا يتعقد ولا يحس بالحرمان، ويشعر بالرجولة ويغنينا عن السائق، فلا من السائق تخلصوا، ولا لولدهم حفظوا، تشترى له سيارة لا يحسن استعمالها ولا يدرك خطرها ولا يعي مقصودها، عندها تحدث الكوارث والنكبات والمصائب والمدلهمات.

 

أتعلمون -يا عباد الله-: أن حوادث السيارات في هذه البلاد أزهقت سبعين ألف نفس كما تقول الإحصائيات؟! هل نحن في حرب تبيد الأخضر واليابس؟! هل نحن في ميادين القتال؟!

 

نعم، نحن في حرب مع السفهاء، في حرب مع الآباء المستهترين، في حرب مع الشفاعات المذمومة التي تتيح للسفيه العبث وتفتح للمستهتر المجال، في حرب مع المحسوبيات، في حرب مع المجاملات والوسطات، هذه الحرب أبادت الكثير، كم عطلت من مصالح، وكم أزهقت من أرواح، أين صرامة النظام؟! أين تعميم العقوبة؟! أين برامج التربية؟! أين مناهج التعليم؟!

 

عبد الله: كم من الآثام ستجني من جراء تفريطك، قتل نفس بغير حق، إتلاف للأملاك، وكلها مما حرم الله، كم من الحسرة ستلاحقك طوال حياتك، إن تسبّبت في قتل عائل لأسرة، ينتظره الشيخ الكبير، والعجوز والطفل الصغير، فتكون سببًا في شقائهم وحرمانهم، وما قدّره الله لا بد منه، ولكن حين يقع القدر وأنت مفرّط تكون موضع اللوم والعتب في الآخرة والأولى.

 

فاتقوا الله -عباد الله-، وأعطوا الطريق حقه، والتزموا بآدابه، وأحسنوا التصرف في ممتلكاتكم، واشكروا نعمة ربكم: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ) [النساء:5].

 

 

 

المرفقات

السيارات وخطرها

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات