يا راحلين إلى البيت العتيق

أحمد بن حسن المعلم

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الحج
عناصر الخطبة
1/استعداد الحجيج لأعمال الحج 2/المشاعر والمناسك وما تذكر به 3/استشعار الصالحين لعظمة المشاعر المقدسة 4/التحذير من التهاون في الحج مع الاستطاعة 5/مقومات الحج المبرور 6/تحريم القتال في الأشهر الحرم 7/استنكار ما حصل من قتل لرجال الأمن

اقتباس

هذا الحج الذي يتشوقُ ويتشوفُ ويتطلعُ إليه المسلمون، إنما هو الحج الذي يتضمن تزكية الروح وتطهير النفس وحُسن الامتثال لله والاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وامتلاء النفس بتعظيم الله وتعظيم شعائره, وتعظيم أحكامه, للمتأدب بآداب الحج، ولمن كف نفسه عما يخالف ذلك، فإن الحج الذي يتضمن ذلك هو الذي يبحث عنه الصادقون الصالحون؛ لأنه هو الذي يحقق لهم تلك النتائج...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله

 

ها نحن نقترب من النصف الأخير من شهر ذي القعدة، وقد بدأ الحجاج يتأهبون ويتهيؤن لتلك الرحلة العظيمة، لذلك السفر المبارك؛ ليحلوا ضيوفاً على رب العالمين -سبحانه وتعالى-؛ ليشاهدوا ويكحلوا أعينهم مباشرة لرؤية بيته العتيق وسائر المشاعر, في مكة ومنى وعرفات وفي طيبة الطيبة، حيث يزورون مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويسلمون عليه وعلى صاحبيه وعلى بقية أصحابه في البقيع وأحد.

 

تلك الرحلة التي بدأها المؤمنون منذ أن أمر الله -عز وجل- إبراهيم بأن يؤذن بالحج فقال: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحج: 27], ومنذ أن دعا إبراهيم ربه بعد أن أسكن ذريته في ذلك الوادي غير ذي زرع فقال: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم: 37].

 

من ذلك الوقت وأفئدةُ وقلوبُ ونفوسُ المؤمنين تهفوا وتتأهب، تتحفز وتتشوق لتحُل في تلك الرحاب الطيبة وتمُر بتلك البقاع الفاضلة، وتمُر بتلك المناسك العطرة، يتذكرون هناك رب العالمين -سُبحانه وتعالى- الذي جعل الطواف بالبيت ورمي الجمار لإقامة ذكره -سبحانه، ويتذكرون خليل الرحمن وما قام به من بناء ذلك البيت ثم الفداء والتضحية التي قدمها حين همّ أن يذبح ابنه، وغير ذلك من الأمور وما تلاه، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنه ما من نبي من الأنبياء من بعد إبراهيم إلا وقد حج ذلك البيت، وهكذا الصالحون من المسلمين وغير المسلمين حرصوا أن يمروا بذلك البيت قبل الإسلام، وقبل أن يصبح هذا البيت خالصاً للمسلمين دون من سواهم.

 

وهكذا بعد بعثة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهجرته، ففي السنة العاشرة من هجرته -صلى الله عليه وسلم- دعا الناس للحج وأخبرهم أنه حاجٌ ذلك العام، فهرع الناس من أطراف الجزيرة العربية، تجمعوا من كل حدب وصوب كثيرٌ منهم ذهبوا إلى المدينة ليأتوا معه ويتعرفوا عليه, ويتشرفوا بصحبته وينالوا من بركته ويقتدوا به ويتعلموا من هديه، وغيرُهم ذهب مباشرة إلى مكة, فاجتمع أكبر جمع عرفته الجزيرة العربية في تاريخها القديم كله، أكثر من سبعين ألفاً يحجون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهكذا مازال الصالحون والمؤمنون والخيرون يحرصون كل الحرص على أن يكونَ مع ذلك الوفد حتى من كان معذوراً منهم فإنه يسوغ عذره ويظهر مشاعره ويقول:

 

يا راحلين إلى البيت العتيق لقد *** سرتم جسومًا وسرنا نحن أرواحًا

إنا أقمنا على عذر نكابده *** ومن أقام على عذر فقد راحا

 

والآخر يقول :

 

يا سائرين إلى منى والوادي *** هيجتموا يوم المسير فؤادي

 

إلى أن يقول: 

 

ضحّـوا ضحاياهـم وسال دماؤها *** وأنا المتيّم قد نحرتُ فؤادي

 

هكذا شعور الناس، شعور الصالحين، فهنيئاً, هنيئاً, هنيئاً لمن وفق واستطاع أن يكون من وفد الله, ومن ذلك الرعيل الذي يتوجه في هذه الأيام إلى بيت الله الحرام، هنيئاً لمن كان صادق النية وشديد العزم على أن يحج فمنعته الأعذار، فهذا قد حج.

 

والمحروم من كان ذا سعة، من كان ذا مال، من كانت عنده القدرة، قوة في الجسد وتوفيرٌ في المال وأمنٌ في الطريق ثم هو يُمهل، ثم هو يتأخر، ثم هو يُسوف، فهذا هو المحروم، أسأل الله أن لا يجعل بيننا وبينكم شقياً ولا محروماً، لكن هذا هو الواقع، من كان قد أُتي الفرصة وأتيحت له الفرصة ليحج, ثم تقاعس وتكاسل وأتى بالأعذار الواهية فهو لا شك محروم، وهو على خطر أن يموت قبل أن يحُج فيأثم الإثم العظيم، وربما دخل في قول الله -تبارك وتعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97], وهنا كفر النعمة وليس الكفر المخرج من الملة ولكن اسم الكفر لا يرضاه أحد .

 

معشر المؤمنين: هذا الحج الذي يتشوقُ ويتشوفُ ويتطلعُ إليه المسلمون، إنما هو الحج الذي يتضمن تزكية الروح وتطهير النفس وحُسن الامتثال لله والاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وامتلاء النفس بتعظيم الله وتعظيم شعائره, وتعظيم أحكامه, للمتأدب بآداب الحج، ولمن كف نفسه عما يخالف ذلك، فإن الحج الذي يتضمن ذلك هو الذي يبحث عنه الصادقون الصالحون؛ لأنه هو الذي يحقق لهم تلك النتائج, يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "العمرة إلى العمرة مكفرات لما بينهن والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".

 

فهذا التلهف والتشوق والحرقة على الحج إذا كان قد أتى بهذا الحج الحاج، إذا أتى بهذا الحج بحيث يصبحُ حجاً مبرورًا جزاءه أن يرجع بالجنة وبمغفرة الذنوب، وهذا هو الذي يبحث عنه الناس، أما إن كان ذهب ورجع ولم يتغير شيء، ولم يختلف سلوك ولا نوايا ولا مقاصد فذاك خسارة في المال وتعبٌ في الأجسام وإضاعة للأوقات، ولم يحقق من ذلك إلا هذا نسأل الله العافية.

 

والمسلم يبحث ويسعى ويحرص أن يكون حجه مبرورًا، والحج المبرور لابد أن يتضمن عدة مقومات :

 

أولها: الإخلاص لله -عز وجل- فلا يكون في نظره ولا في باله أن يذهب ويحج من أجل أن يقول الناس الحاج فلان، بل يقطع النظر عن كل هدفٍ وغايةٍ دنيوية ويجعلها خالصةً لله، لا يُبالي أعلم به الناس أم لم يعلموا، تحدث عنه الناس أم لم يتحدثوا، قال عنه الناس أم لم يقولوا، إذا كان الله قد علم أنه جاء لأجله وحج لأجله وأعطاه الجزاء فتلك هي الغايةُ القصوى إذا حصل ذلك، فهذا جزءٌ كبير من أُسس الحج المبرور، أما إن فعل خلاف ذلك فرب العالمين في الحديث القدسي يقول: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك, من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه" فيكون عمله وبالاً عليه نسأل الله العافية.

 

أما الأمر الثاني: العلم بأحكام الحج وبآدابه, والعلم بشروط صحته وبأسباب بطلانه؛ حتى لا يُترك شرطاً أو ركناً فيبطل حجه ولا يقبل، أو يرتكب محظوراً مما يُبطل الحج ثم يعود بلا حج، فلابد أن يتعلم المسلم ما تيسر له من أحكام الحج، لا يلزم أن يُصبح علامةً في الحج، لكن يتعلم ما لابد له منه، مثل كيف يحرم وما هي محظورات الإحرام، وبأي نُسكٍ من الأنساك يحج وماذا يصنع حينما يقدم مكة، وكيف يرتب أعمال حجه، وهكذا حتى يحافظ على حجٍ صحيح خالٍ من المفسدات وخالٍ من المبطلات.

 

وأمرٌ ثالث: لابد منه ليكون الحج مقبولاً ومبروراً طِيب النفقة، وهو أن تكون النفقة التي يصرفها في الحج حلالاً ليس فيها حرام، ليس فيها نتيجةُ غش، ولا نتيجةُ تدليس ولا نتيجةُ رشوة، ولا نتيجةُ مغالطات واحتيالات وسطو على أموال الناس ونهب لها، واشتراك مع بعض الفاسدين من المسئولين والمتنفذين للاستيلاء على الأراضي بدون حق وبيعها، وغير ذلك مما هو شائع وذائع بيننا، فذاك كله حرام.

 

والجسدُ الذي ينبتُ بالحرام فالنارُ أولى به، والعمل الذي يقوم على الحرام لا يقبله الله، فإن الله أمر بالحلال والطيب، وفي الأخير يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو يذكر لنا مثال الرجل الذي يطيل السفر سواء في الحج أو في غير الحج, أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب, يا رب, ومطعمهُ حرام ومشربهُ حرام وملبسهُ حرام وغُذي بالحرام قال: "فأنى يُستجاب لذلك"، فأنى يُستجاب لذلك، أي لا يستجاب له، وماذا أراد الحاجُ أن يفعل هناك إذا كان لا يستجاب دعائه ولا يقبل عمله؟ ما الفائدة من أن يذهب؟.

 

كذلك اختيار الرفقة الصالحة الذين فيهم طالب علم والعارف بأحكام الحج، وفيهم الخائف والورع من أن يقع في الحرام، وفيهم الزاهد المحب للخير، هؤلاء يعلمونك إن جهلت، ويذكرونك إن نسيت، وينبهونك إن غفلت، ويحثونك على الخير ويكفّونك عن الشر، بعكس الجاهل، بعكس الغافل، بعكس العاصي فإنه يدفع بك إلى السوء وينسيك الخير، ولا يذكرك إن نسيت ، ولا يعلمك إن جهلت، بل يدفع بك أمامه إلى ما لا يرضي الله -عز وجل-.

 

فاتقِ الله ولا تصحب إلا مؤمن، ولا يأكل طعامك إلا تقي كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، هذه بعض أمور نقولها ونحن في الأيام التي تسبقُ الرحلة إلى بيت الله الحرام، وأقول إن هناك دورات وهناك ودروس ومحاضرات كلها في موضوع الحج فعلينا أن نحرص عليها، كلُ من يريد أن يحج، بل وحتى الذي لا يريد أن يحج إذا عنده وقت فليتعلم والعلم خير، والعلم فضيلة، والعلم نور.

 

أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل العلم والنور ومن أهل الخير، ومن كان منا حاجاً فنسأل الله أن يوصله بخير، ويرده بخير ويتقبل منه ومن لم يتمكن فأسأل الله أن يهيأ الأسباب له، ومن كان غافلاً أسأل الله أن يوقظ قلبه حتى لا يتساهل ولا يتغافل عن أداء هذا الركن العظيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد الله حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على سيد الأولين والآخرين، وقائد الغر المحجلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وأشهد أن لا اله الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا .

 

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-.

 

أيها الإخوة المؤمنين :يقول الله -تبارك وتعالى- ونحن في أجواء الحج وأشهر الحج والأشهر المحرمة، الأشهر الحرم، يقول تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) [البقرة: 217] ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2].

 

باختصار شديد هذه الآيات تؤكد لنا حقيقةً أخبر عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله قررها من يوم خلق السموات والأرض، منذ أن خلق السموات والأرض خلقها وخلق الزمان اثني عشر شهراً منها أربعةٌ حرم، هكذا نبه النبي -صلى الله عليه وسلم- وبيّن في حجة الوداع وهي من آخر خطبه -عليه الصلاة والسلام- محكمةٌ ليست منسوخة.

 

فالله -عز وجل- هنا عندما وقع خطأ من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يوم، واشتبهوا هل هو من اليوم الحرام أو ليس كذلك؛ فقاتلوا فيه فقامت الجاهلية بجميع طوائفها وجوانبها ينكرون عليهم أنهم أحلوا الشهر الحرام؛ فجاء السؤال من المؤمنين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يا رسول الله: ماذا؟ ما الذي حصل؟ والرسول أنكر أن يفعلوا ذلك في الشهر الحرام, خصوصاً أنه ثبت بعد ذلك أن هذا اليوم بالفعل هو من الشهر الحرام، وليس مما قبله، هنا جاء الجواب من رب العالمين(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ...) أي القتال فيه ما حكمه قال: (قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ..) أي القتال فيه جرم وذنب ومعصية كبيرة, وليس أمراً هيناً أو ذنباً من اللمم والصغائر، بل هو من الذنب الكبير ومن المعاصي العظيمة, ومن المعارضة والمعاندة للقانون العام للكون وللزمان وللأمم.

 

وحتى الجاهلية كانوا يعظمونه أشد التعظيم ,كان الرجل الجاهلي يمر في الشهر الحرام بقاتل أبيه أو قاتل أخيه فلا يهيجه ولا يفزعه ولا يمسه ولا تمتد يده إليه وهو جاهلي يعبد الأصنام، لكنه متمسك بهذه الشعيرة مما ورثوه عن دين إبراهيم -عليه السلام- .

 

وهكذا في الآية الثانية, الله -عز وجل- ينهى أن نحل شعائر الله، أي البيت الحرام والمحرمات التي فيه ولا نحل الشهر الحرام كذلك، لكن للأسف الشديد، للأسف الشديد المسلمون ومنذ قرون لا أقول اليوم فقط تورطنا في ذلك، منذُ قرون وهم معرضون عن هذا الحكم، يخالف كثير منهم هذا الحكم وينتهكونه ولا يلقون له بالاً إذا كان يتعارض مع أهوائهم ومع شهواتهم ومع رغباتهم في الانتصار على من يحاربون ويقاتلون.

 

وقد تكلمنا كثيراً في هذا الموضوع، لكن الذي جعلنا نتكلم مرةً أخرى في هذا الموضوع هو ما حصل في مديرية ميفعة في محافظة شبوه، حقيقة إنها جريمة بكل المقاييس، وحشية، ماذا أصفها جنود آمنون في معسكرهم وآخرون واقفون في نقاطهم، فيأتي من يقتلهم، الحصيلة كما ذكرت بعض المصادر أربعون قتيلاً، وعددٌ كبير من الجرحى وعدد كبير آخر من الأسرى في الشهر الحرام ! كما تناقلته بعض وسائل الإعلام.

 

وتقتل النفس المعصومة الحرام بأي ذنب قتلت، من الذي أحلها من الذي أباح لهذا الإنسان أن يقتل هذا العدد وهؤلاء الناس، مهما كان ولو طفلاً صغيراً مهما كان، من إنسان معصوم يُقتل هكذا، إنه دليل على الإفلاس الذي وصل إليه الناس هذه الأيام، فإن كان المقصود بهذا وجه الله فذاك هو الضلال البعيد، إذا قال من فعل هذا أنا أريد به وجه الله، فنقول إن هذا هو الضلال البعيد، إن هذا هو الانحراف، إن هذا هو فعل الخوارج، ليس بفعل أهل الإسلام، وليس بفعل أهل السنة، وليس بفعل من يحكِّم الكتاب والسنة، ولا من ينهج منهج الصحابة -رضوان الله عليهم- أبداً، أن يأتي إلى هؤلاء الناس من المؤمنين المسلمين فيقتلهم بهذا الدم البارد.

 

أيضاً خطأ بل انحراف بل دليل على توجه خطير وخبيث إن كان الذي حصل استجابة بمعرفة أو بغير معرفة لما يسير في صنعاء، هناك حوار وهناك محاولات لإصلاح الأوضاع – مع أننا لا نؤمل ولا نعلق آمالاً عليها ولسنا معولين على هذا الحوار أنا شخصياً أقول عن نفسي- لكن مع هذا كله أن يعمل على إفشاله بهذه الصورة، وأن تزهق الأرواح، وتزهق النفوس، ويقتل الناس بهذه الكميات وهذه الصورة البشعة، من أجل تحقيق غرض سياسي، والله إنه الجرم الذي لا يمحى، نسأل الله العافية و أعوذ بالله أن أقول على الله ما ليس به علم .

 

ولكن لا شك في هذا أن أستبيح لنفسي أن أقتل الأبرياء، وأسلط ضعاف العقول على قتل إخوانهم من أجل أن أحوز على منصب، أو أحقق هدفاً، أو أثأر من خصمٍ أو غير ذلك ، إن هذا لهو الجرم وهو الانحراف وهو الظلم، وهو الإجرام الكبير، وهو الطغيان، ما ذا أقول: الطغاة الأولون لم يفعلوا مثل هذا على هذه الأهداف .

 

فيا أيها الأخوة: يجب علينا جميعاً أن نحذر لأنفسنا، نحن وصلنا وفتح اليوم منحدراً ومنعطفاً خطيراً، قد يكون له تداعياته الخطيرة، فعلينا أن نتقي الله، علينا أن نكف ألسنتنا ونكف أيدينا، وأن نبتعد عن الخوض في ما يثير الفتن ويثير النزاعات ويؤدي إلى القتل والقتال فذاك من الفتنة التي حذرنا منها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

وعلينا أن نوعي أنفسنا ومجتمعنا، كلٌ يوعي من حوله من أولاده ومن يلوذ به: المدرس في مدرسته والأستاذ في جامعته والإمام في مسجده وكل ذي صوت مسموع عليه أن يحذر من الفتن، يحذر مما يراد بنا، وهو شيءٌ كثير، أسأل الله أن يوفقنا إلى أن نفعل ذلك، ونسأل الله أن يغفر لهؤلاء الموتى الذين قتلوا بدون حق، قتلوا ظلمًا وجورًا، أسأل الله أن يتقبلهم في الشهداء، وأن يغفر لهم ذنوبهم، وأن ينتقم ممن دبر لقتلهم وممن نفذ قتلهم، وأن يفضح المنافقين المتاجرين بدماء الناس أنه سميع مجيب .

 

 

 

المرفقات

راحلين إلى البيت العتيق

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات