من أسرار مناسك الحج

داود بن أحمد العلواني

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/ الحج خامس أركان الإسلام 2/مكانة مكة وما خصها الله به   3/مظهر الوحدة الإسلامية في الحج 4/تبادل المنافع من ثمرات الحج 5/اغتنام الأيام العشر من ذي الحجة   6/صيام يوم عرفه.

اقتباس

كل تجمعات الدنيا مهما بلغت في سمو الأهداف وكثرة العدد لن تبلغ هدف هذا المؤتمر العالمي الإسلامي، فواجب على كل من سعد بحضور هذا المؤتمر أن يشكر الله على فضله، ويثوب إلى رشده، ويقلع عن غيه، فيتوب إلى الله توبة نصوحًا خالية من التسويف والتأويلات والطرق الملتويات، ويفتح صفحات جديدة في عقيدة سليمة ليخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة، نصب أعلام هذا الدين، فمن تمسك به صادقًا مخلصًا أعزه الله ورفعه، ومن حاد عنه أذله وأخزاه ووضعه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وجعلنا الله من أتباعهم، إنه على كل شيء قدير، فهو نعم المولى ونعم النصير.

 

أما بعد:

 

عباد الله: إنكم تعيشون الآن في أشهر الحج التي قال الله تعالى فيها: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 197].

 

والحج -عباد الله- هو أحد أركان الإسلام الخمسة الأساسية التي بني عليها الإسلام، وهو من أوضح العبادات أثرًا في حياة المسلمين أفرادًا وشعوبًا، وكيف لا يكون كذلك والله -سبحانه وتعالى- يقول: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) [الحج: 27، 28]؟.

 

ليشهد الناس منافع لهم في بلد المقدسات ومتنزَّل الرحمات ومهبط الوحي، بلد أمين آمن عظّم الله من شأنه وحمى حماه، وأقسم به -تبارك وتعالى-، ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، أما المخلوق فليس له أن يقسم إلا بالله -جل وعلا-، وهو البلد الأمين الذي أقسم الله به في القرآن الكريم، وأضفى عليه الأمن وحمى حماه، وجعل فيه بيته المعظم لإقامة شعائر الدين، وليكون قبلة المسلمين إلى يوم الدين، كما قال الله تعالى: (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج:25].

 

هذا البلد الأمين يلتقي فيه المسلمون من مختلف الأقطار وشتى الطبقات، وقد ساوى الإسلام بينهم بالحج، فتذوب بذلك كل الفوارق، وتضمحل الشخصيات، فلا يشمخ شريف بشرفه، ولا يتعالى زعيم بزعامته، والكل يلبس ذلك اللباس البسيط الموحد الذي هو أشبه ما يكون بأكفان الموتى، يلبسه الملك والأمير، كما يلبسه الغني والفقير، قد وحدتهم رابطة العقيدة في الشعائر والهدف الواحد، فلا إقليمية، ولا عنصرية، ولا قبلية، ولا قومية، ولا عصبية للونٍ أو جنس أو طبقة.

 

الكل يعيش في أمان وسلام فريد من نوعه، حتى إنه شمل الطير في الجو والصيد في البر والنبات في الأرض، ما دام في بلد الله الحرام الذي جعله الله -تعالى- مثابة للناس وأمنا، (وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِنًا) [آل عمران:97]، أمان كامل من كل شيء.

 

ومن أجل تحقيق هذه الوحدة الإسلامية العظيمة السامية الرفيعة والتي تذوب فيها كل الفوارق, وقف رسول الله في أيام التشريق يخطب الناس ويقول: "يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي, ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى", ويقول الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13] فالمفاضلة والتفاضل بالتقوى وحدها.

 

 

عباد الله: هذه ثمرة من ثمار الحج، والثمرة الأخرى تظهر بذلك التجمع الكبير في مؤتمر عالمي يضم أناسًا شتى، من شتى بقاع الأرض وقارات الدنيا الخمس، فيلتقي رجال العلم والسياسة والإصلاح والدعوة والخاصة والعامة مع بعضهم على هدف واحد، ولو أنهم عقلوا هذا المعنى جيدًا لبلغوا الأهداف وحققوا الآمال بالتمسك بكتاب الله -تعالى- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

ومن الثمار العظيمة للحج -يا عباد الله- فرصة تبادل المنافع التجارية على نطاق واسع بين المسلمين، وقد كان بعض المسلمين يتحرج من الاتجار في موسم الحج، فسألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فنزل قول الله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مّن رَّبّكُمْ) [البقرة:198].

 

عباد الله: هذه بعض الثمار التي يجنيها المسلم في موسم الحج العظيم إلى جانب المقصد الأول من العبادات كلها، ألا وهو توحيد الله -عز وجل-, والامتثال لله -جل وعلا-, والوفاء بحقه -تبارك وتعالى-.

 

ولتعلموا -أيها الإخوة المسلمون- أن كل تجمعات الدنيا مهما بلغت في سمو الأهداف وكثرة العدد لن تبلغ هدف هذا المؤتمر العالمي الإسلامي، فواجب على كل من سعد بحضور هذا المؤتمر أن يشكر الله على فضله، ويثوب إلى رشده، ويقلع عن غيه، فيتوب إلى الله توبة نصوحًا خالية من التسويف والتأويلات والطرق الملتويات، ويفتح صفحات جديدة في عقيدة سليمة ليخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، كما قال عليه الصلاة والسلام: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته". الله أكبر -يا عباد الله- إنها -والله- لفرصة ثمينة وعظيمة، نسأل الله -جل وعلا- أن يرزقنا بفضله ذلك.

 

أقول هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله البشير النذير، صاحب المقام المحمود والقدر العظيم، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: فإن من رحمة الله -تعالى- ومنَّته على عباده أن جعل لنا موسم العشر من ذي الحجة ليشترك به كل الناس من حاجٍّ ومقيم، فمن عجز عن الحج انكبّ في العشر على عمل صالح يعمله في بيته يكون له به فضل أكثر من الجهاد الذي هو أفضل من الحج، فقد روى البخاري من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام"، فقالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلاً خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء".

 

عباد الله: اتقوا الله وأكثروا من العبادات كلها في أيام العشر من ذي الحجة، كذكر الله -عز وجل- والصلاة والصيام والصدقة، فإن السلف -رضوان الله عليهم- كان يعظمون ثلاثة أعشار: عشر ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان، والعشر الأول من شهر الله المحرم.

 

ومن أيام العشر -عباد الله- يوم عرفة، وهو عيد أهل الموقف، وفيه أكمل الله -عز وجل- للمسلمين دينهم فنزلت الآية الكريمة: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) [المائدة: 3].

 

ويوم عرفة يوم شرفه الله وعرفه وجعله الله -جل وعلا- يوم مغفرة للذنوب والتجاوز عنها والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف، يتجلى فيه الله -تبارك وتعالى- ويقول: "انصرفوا قد رضيت عنكم وأرضيتكم"، فيستحب صيامه لأهل الأمصار، كما يستحب الإفطار لأهل الموقف، فهم ضيوف الرحمن؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحبه في حجة الوداع لم يصوموا.

 

وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه بعد الظهر يوم عرفة كان مستقبلاً القبلة على ناقته القصواء يذكر الله -جل وعلا- ويدعو حتى غربت الشمس، وثبت عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "خير ما قلت أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"، فما رآه الصحابة اشتغل بأكل ولا شرب ولا نوم حتى ظنوا أنه صائم، فرفعوا إليه -بأبي وأمي صلى الله عليه وآله وسلم- إناء فيه ماء فشرب. فليكن لك -أيها الحاج- القدوة من فعل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.

 

قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله".

 

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90], وأقم الصلاة.

 

 

 

 

المرفقات

أسرار مناسك الحج

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات