وقفاتٌ مع عشر ذي الحجة

محمد بن فهد الأحمد

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/فضل العمل الصالح في عشر ذي الحجة 2/العبادات المشروعة في عشر ذي الحجة

اقتباس

الله أكبر -عبادَ الله-: فضائلُ عظيمة، وأيامٌ قليلة، وأعمالٌ يسيرة، في دنيا فانية؛ لنكسب بها جنةً عرضها السموات والأرض يوم القيامة. فأين المشمرون في هذه العشرِ المقبلة؟ وأين المستعدون للعمل الصالح في أيامِ الرجاء؟ أيها المسلمون: كلُّ عملٍ صالحٍ يُقرِّبك من الله، وتتعبّدُ اللهَ به، فهو محبوبٌ عند الله في هذه العشر. فاحرص -أخي المسلم- على...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله.

 

أَمَّا بَعْدُ:

 

فهاهو العام قد قارب على الرحيل، تتصرَّمُ أيامنا، وتنقضي ليالينا، ولا نزال غافلين مُلْتَهين.

 

عباد الله: نحنُ في أيامٍ هي أفضل أيام السنة على الإطلاق كما ذكر العلماء، وحثاً على فعلِ الخير فيها، ومحبةً للأمة، فقد بيّن لنا صلى الله عليه وسلم فضْل هذه الأيام، فقال صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ" فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ".

 

الله أكبر -عبادَ الله-: فضائلُ عظيمة، وأيامٌ قليلة، وأعمالٌ يسيرة، في دنيا فانية؛ لنكسب بها جنةً عرضها السموات والأرض يوم القيامة.

 

فأين المشمرون في هذه العشرِ المقبلة؟ وأين المستعدون للعمل الصالح في أيامِ الرجاء؟

 

أيها المسلمون: كلُّ عملٍ صالحٍ يُقرِّبك من الله، وتتعبّدُ اللهَ به، فهو محبوبٌ عند الله في هذه العشر.

 

فاحرص -أخي المسلم- على الصلاة، وسابق إليها، فـ"ما مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا؛ إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ"[رواه مسلم].

 

بل واحرص في هذه العشر على أن لا يفوتك الصفُّ الأول، فالملائكة يصلون -يعني: يستغفرون ويدعون-؛ لأصحاب الصف المقدَّم.

 

إخواني في الله: من العبادات الفاضلة في هذه العشر: صومها، فهو من أفضل الأعمال، فـ"مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ -يعني في مرضاته ويريد به وجه الله والدار الآخرة -المعنى مستفاد من ابن حجر في الفتح- إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا"[متفق عليه، واللفظ لمسلم].

 

وإن لم تستطع صيام كلَّ هذه الأيام، فلا تترك صيام بعضها، على الأقل: يومي الاثنين والخميس.

 

عباد الله: لنتذكَّر في هذه الأيام أن من الأصناف السبعة الذين يضلهم الله في ضله يوم لا ضلَّ إلا ضله: "رجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".

 

فأنفق من مال الله ولا تبخل به، فـ"مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا".

 

ولتعلم أن المرءَ يوم القيامة: "في ظلِّ صدقته حتى يُقضى بين الناس".

 

أيها المسلمون: من الشعائر في هذه العشر: شعيرةُ التكبير: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد".

 

فيُشرع التكبير المطلق، في هذه الأيام العشر، في المنازل والطرقات والأسواق؛ لأن التكبير وذكرُ الله من الأعمال الفاضلة، فالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ -أي في هذه العشر- مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ".

 

يا مَن أُنزلَ القرآن عليهم: ليكن للقرآن العظيم نصيبٌ في هذه العشر، ولو كانت آياتٍ يسيراتٍ كل يوم، فكلنا لا نريد أن نأتي يوم القيامة وقد شكانا كتاب ربنا هجرانَه.

 

كُنْ -أخي الكريم- في هذه العشر كأبي بكرٍ -رضي الله عنه-، حينما سأل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الصحابةَ فقال: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ"[رواه مسلم (1028].

 

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

 

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد خير النبيين، وعلى آله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

فمن الأعمال الصالحة التي يحبها الله وينظر إليها: أعمالٌ لا يُلقي كثيرٌ منَّا لها بال، ولا يُراجع المسلمُ ما عمل فيها، بينما هي المناط، وعليها يدور أمر القبول، إنها: أعمال القلوب.

 

هل ملأنا قلوبَنا إخلاصاً لله، وطهرناها من الرياء؟ هل ملأناها يقينا بالله ومحبةً له؟ هل سيكون التكبير في العشر له معنىً قلبيٍّ، بأن نجعلَ اللهَ أكبرَ من كلِّ خوفٍ نخافه، وأكبرَ من خوفنا من الفقر، وأكبرَ من خوفنا من الصدع بكلمة الحق، وأكبرَ من هذه الدنيا الفانية؟ هل راجعنا أنفسنا وألسنتنا فيما نتفوّه به وما ينطق به لساننا؟ هل تعلمُ قلوبُنا أن الغيبة والكذب من كبائر الذنوب، وأن تطهير القلب واللسانِ منها هو الطريق الهادي لصفاء القلوب، وسلامة الصدور، ونشر الرحمة والسكينة بين الخلائق؟

 

لنملأ قلوبَنا بالتقوى، ونستشعر عظمة الله.

 

لنستشعر رحمته سبحانه بنا، ولتختلطَ صدورُنا بالإيمان حتى نكون من المحسنين، ف"تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ".

 

(وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيم)[فُصِّلَت: 34-35].

 

اللهم وفقنا فيما تبقى من أيام ذي الحجة.

 

اللهم وفقنا فيها للعمل الصالح، وتقبله منا يا سميع يا مجيب.

 

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

 

اللهم إنَّا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.

 

اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها..

 

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، واغفر لوالدينا ووالد والدينا ولجميع المسلمين.

 

اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بشرِّ ما عندنا، اللهم إنا خلقٌ من خلقِك.. فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك يا ذا الجلال والإكرام..

 

اللهم انصر إخواننا في فلسطين وفي سوريا وفي كلِّ مكان يا رب العالمين، اللهم ارحم ضعفهم واجبر كسرهم وقوِّ عزائمهم وانصرهم على عدوهم يا رب العالمين.

 

اللهم مكّن للمسلمين وأبرم لأمتنا أمراً رَشَداً، واستعملنا اللهم في نصرة دينك ورفع راية شريعتك.

 

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

فاللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسول وخليلك محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين...

 

 

 

المرفقات

مع عشر ذي الحجة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات