المرأة...بين الحقيقة والحقوق

الخضر سالم بن حليس اليافعي

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ اعتناء الإسلام بالمرأة 2/صور من تكريم الإسلام للمرأة 3/أمثلة لتكريم الإسلام للمرأة في جميع مراحل حياتها 4/العادات ظلمت المرأة والإسلام كرمها 5/يجب تبصير المرأة بحقوقها وتمكينها من المطالبة بها 6/قضية عمل المرأة خارج بيتها.

اقتباس

في كثير من بيئاتنا تعاني المرأة صورا من الظلم والقهر، والإقصاء والتهميش، وغمط الحقوق في معاشها وتربيتها، والنفقة بعيدا عما يطلب لها من حق الإحسان والتكريم والتبجيل. إن هناك تسلطا على ممتلكاتها، وسلبا لحقها في اتخاذ القرار والمشاركة فيه في كثير من شئونها وخاصتها, فمن حقها العدل في القسمة، والعدل في توزيع الميراث والثروة والمنح والهبات والعطايا, واختيار الزوج حسب ما تقضي به أحكام الشرع المطهر...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

لا يخفى على عاقل أن الإسلام كرم أبناءه تكريما راقيا على اختلاف انواعهم ومستوياتهم.  والمرأة في الإسلام كان لها نصيب كبير في هذا التكريم, وما أجملَ قولَ أمير المؤمنين الفاروق عمرَ بن الخطَّاب -رضي الله عنه-: "والله إنْ كنَّا في الجاهلية ما نعدُّ للنساء أمرًا، حتى أنزل الله فيهنَّ ما أنزل، وقسم لهنَّ ما قسم".

 

فلا نعرف دِينًا ولا نظاما ولا توجها ولا منهجا كرَّم المرأة ورفَع شأنها وأنصفَها إلا الإسلام، أنزل الله أحكامًا خاصَّة بالنِّساء، وأنزل سورةً باسمها، وما ذاك إلا ليُعليَ مِن شأنِها، ويرفعَ مكانتها ويُنصفَها.

 

لم يعتبرِ الإسلام المرأةَ جرثومةً خبيثة كما اعتبرَها الآخرون، ولكنَّه قرَّر حقيقةً تزيل هذا الهوان عنها، وهي أنَّ المرأة في الإسلام شريكة الرجل, فأعلنها محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- صريحة واضحة: "إنَّما النساءُ شقائقُ الرجال"، لها ما له من الحقوق، وعليها ما عليها من الواجبات. ذلك ما أجمله الله، بقوله تباركتْ آياته: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 228].

 

لقد نَعِمتِ المرأة تحتَ دِين الإسلام العظيم بوُثُوقِ الإيمان، ونهلتْ مِن مَعِين العِلم، وضربتْ بسَهم في الاجتهاد، وشرع لها مِنَ الحقوق ما لَم يشرعْ لها في أمة مِن الأُمم.

 

كرمها الإسلام في جميع مراحلها، كرمها بنتا وزوجة وأما:

 

كرمها بنتا: فاعتنى بها أيما عناية وصانها وحفظها وفرض لها حقوقا، فسماها الله هبة وقدمها في الذكر على الولد فقال (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ ) [الشورى:49]  فبدأ بالإناث. وأمر بالعدل بين الأولاد في الهبة فعن ابن عباس -رضي الله عنه- مرفوعا: "سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء".

 

وكرمها زوجة: فجعل لها أولا حقَ اختيار الزوج, جاءت فتاة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته ولم يستأمرني, فهل لي في نفسي أمر؟. قال: "نعم". قالت: "ما كنت لأرد على أبي شيئا صنعه؛ ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء".

 

وأمر بإعطائها حقها كاملا (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) [النساء: 4], فلا يجوز لأحد أكل مهرها أو التصرف فيه بغير إذنها الكامل ورضاها الحقيقي، فإذا ما تزوجت فإن على الزوج أن ينفق عليها نفقة كاملة.

 

وكرمها أما: فأوجب الله برها والإحسان إليها وجعل الجنة تحت قدميها, فلا يغلظ في الجواب، ولا يحد النظر إليها, ولا يرفع صوته عليها. ولم ينس النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يصارع سكرات الموت أن يوصي بها: "الا واستوصوا بالنساء خيرا".

 

فهي مكفولة الحقوق في الإسلام, لم يحملها فوق طاقتها وتركيبها بل راعى فطرتها (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) [الزخرف:18]. وما يزعم به البعض أن الإسلام ظلم المرأة فهو مخطئ لأنه لم يعرف الإسلام.

 

الذي ظلم المرأة حقا هي عادتنا وتقاليدنا؛ عادتنا التي منعت المرأة من الميراث بدعوى أنه سيأخذه زوجها, عادتنا التي منعت المرأة من الحصول على حقوقها وأهانتها واستخفت بها وانزلتها منزل الذل والهوان.

 

أدعوكم لقراءة ما سطره الإسلام عن المرأة من نظرة مستقيمة, وفطرة قويمة, ومكانة عالية, ومنهج غير مسبوق في التعامل معها واعلاء شأنها.

 

أما ما ينادي به اليوم دعاة حقوق المرأة فما هي الا دعوى هلامية غير واضحة عن طبيعة هذه الحقوق وماهيتها, وبسبب هذا ضاعت الحقيقة والحقوق، وضيعت الأوقات، وتبعثرت الجهود, ونحن لا ندري ماهي حقيقة هذه الحقوق.

 

ما من شك أن للمرأة حقوقا كما أن للرجل حقوقا، وعليها واجبات كما على الرجل واجبات. ومن اللازم تبصير المرأة بحقوقها، ومساعدتها في تحصيلها وحفظها وحمايتها, و ليس من الحياء ولا من حسن الأخلاق ألا تطالب بحقوقها أمام أبيها وأخيها وزوجها, فقوامة الرجل حق ومسئولية؛ ولكنها ليست تسلطا ولا ظلما ولا تعسفا.

 

في ديار المسلمين ممارسات ظالمة جائرة ليست من الإسلام, يجب النظر فيها وإعطاؤها ما تستحق من الأهمية والأولوية، والاهتمامات والمعالجات.

 

في كثير من بيئاتنا تعاني المرأة صورا من الظلم والقهر، والإقصاء والتهميش، وغمط الحقوق في معاشها وتربيتها، والنفقة بعيدا عما يطلب لها من حق الإحسان والتكريم والتبجيل.

 

إن هناك تسلطا على ممتلكاتها، وسلبا لحقها في اتخاذ القرار والمشاركة فيه في كثير من شئونها وخاصتها, فمن حقها العدل في القسمة، والعدل في توزيع الميراث والثروة والمنح والهبات والعطايا, واختيار الزوج حسب ما تقضي به أحكام الشرع المطهر.

 

وكذا ما يقع من بعض أحوال الضرب والقهر والعضل, والحرمان من النفقة، وما يقع خلف جدران البيوت وأسوار المنازل من التعسف والتنكيل والحسرة والألم والممارسات الظالمة, فيجب مساعدتها وتشجيعها وتبصيرها ودعمها في أن ترفع الظلم الواقع عليها؛ فترفع مظلمتها لمن ينصفها من أقاربها وعقلاء معارفها وحكمائهم، ومن القضاة والمسئولين.

 

إن الإقصاء والتهميش، وإنكار دور المرأة في بيتها ومجتمعها واحتقارها وتنقصها وظلمها وغمط حقوقها كلها مسائل وقضايا لا يجوز السكوت عليها, وهي تصرفات يأباها الإسلام ولا يقرها.

 

معاشر الأحبة: هذه جوانب من المشكلة, وهناك قضية أخرى هامة: إن الإسلام لم يوجب ولم يفرض ولم يحمل المرأة مسئولية العمل خارج المنزل؛ لكنه لا يمنعها من ممارسته بضوابطه الشرعية, فالإسلام حررها من مسئولية العمل وحتميته خارج المنزل؛ لكي لا تقع تحت ضروريات العمل الذي يستعبدها ويستغلها ويظلمها.

 

لكن نظرة العالم الغربي في ظل الثورة الصناعية للمرأة نظرة أخرى؛ وهي النظرة التي تسوق اليوم لبلاد العرب والمسلمين.

 

فالعامل الاقتصادي هو العامل المقدم والأبرز عندهم، وهو المعيار لإقامة حياة اجتماعية أفضل عندهم, والمرأة في هذا الميزان المائل المجحف الطاغي مكلفة بإعانة نفسها؛ سواء كانت بنتا أم زوجة في بيت زوجها, إن على كل ذكر وأنثى في هذا الزحام أن يهتم مستعجلا بشأن نفسه، وأن ينافس الآخرين لجمع المزيد من المال، وتحصيل أكبر قدر من الفرص, تضطر البنت وتدفع المرأة؛ لتخرج في كل صباح لتبحث عن لقمة عيشها, بل لقد ألقوا في روع المرأة أن من العيب أن يحنو عليها والدها، أو يعطف عليها ليغنيها عن الخروج والكد والكدح, فمن العيب عندهم أن يكون الزوج مسئولا عن الإنفاق والرعاية.

 

بهذه الفلسفة وهذا التوجه تم إقصاء المرأة عن رعاية أولادها, بل إنه عرض أنوثتها للدمار، وكرامتها للامتهان، وحياءها للذوبان.

 

وتحت مظلة التنمية طالبوا المرأة في الخروج الى سوق العمل بدعوى دمج النوع الاجتماعي في التنمية, أو ما يسمى بالجندر الذي يصور أن ما تقوم في بيتها بشع ومهين, وليس جزء من التنمية.

 

يا قومنا: إن النظر بعين البصيرة والحكمة والمصداقية والنصح في بعض المجتمعات التي اقتحمت الباب على مصراعيه، واستسلمت لهذه الفلسفة, يرى نساء يمارسن أعمالا أذابت أنوثتهن، وأحالتهن إلى كتل متحركة من قسوة العمل، وقسوة المجتمع في أعمال قاسية، وأوقات أشد قسوة في الليل والنهار, بل في الوقت المتأخر من الليل؛ في الأنفاق والمناجم والمؤسسات والمشافي؛ وعلى نواصي الطرقات وأرصفة الشوارع؛ في أعمال يشمئز منها العقلاء والأسوياء والرحماء والناصحون.

 

أيها المسلمون : هذه بعض مآلات هذه الصورة التي تسوق لبلدنا اليوم, يحمل رايتها جمع من أبناء وبنات السفارات والمنظمات, ويريدون فرضها على المرأة اليمنية التي هي بحاجة إلى التعليم والرعاية والاهتمام.

 

إننا نتحدث عن فكر مسلم، وإعلام مسلم، وثقافة مسلمة متدينة, تسعى لتنظيف مجتمعات المسلمين من إسقاطات المجتمعات المادية.

 

 

 

 

المرفقات

...بين الحقيقة والحقوق

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات