عناصر الخطبة
1/من صور استعباد الشيطان للإنسان 2/بعض أعمال الشيطان في الإنسان (تتبع خطوات الشطيان) 3/مداخل الشيطان على الإنساناقتباس
هل يوجد شيء أخطر على الإنسان من لسانه، وإذا ما تحكّم الشيطان بهذا اللسان، تحكّم بالإنسان، وبسببه يسعد السعداء بالجنة، ويشقى الأشقياء بالنار، فقد سأل معاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- عن العمل الذي يدخله الجنة ويباعده عن النار، فأخبره صلى الله عليه وسلم برأس الأمر وعموده، وذروة سنامه، ثم ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله...
أما بعد:
أيها المسلمون: كان حديثنا في الجمعة الماضية عن الشيطان، وتعرضنا لعقيدة أهل السنة والجماعة عن الشيطان، وذكرنا بأن الشيطان من الجنّ، كما قال تعالى: (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) [الكهف: 50].
ثم تعرضنا بعد ذلك للعداوة القديمة بين بني الإنسان والشيطان، وذكرنا بأن الشيطان يحاول استعباد بني آدم، ولهذا حذرنا الله من ذلك بقوله: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) [يــس: 60 - 61].
ومن صور هذا الاستبعاد بأنه يحاول نزع اللباس عن جنس الإنسان، فحذرنا القرآن في قول الله -سبحانه وتعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا) [الأعراف: 27].
وسنحاول بعد توفيق الله -عز وجل- في جمعتنا هذه تتبع بعض أعمال الشيطان، عسى أن تكون نافعة لنا في توقّيها والابتعاد عنها.
أول عمل يقوم به إبليس للإنسان هو الطعن: وذلك عند أول خروجه إلى هذه الدنيا؛ كما جاء ذلك في صحيح البخاري عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كل ابن آدم يطعنه الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد، غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب".
يقول القرطبي -رحمه الله-: هذا الطعن من الشيطان هو ابتداء التسليط، فحفظ الله مريم وابنها منه ببركة دعوة أمها حيث قالت: (وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [آل عمران: 36].
ومن أعمال الشيطان أيضاً: الخمر والميسر والأنصاب والأزلام؛ كما جاء في قول الله -تعالى-: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 90].
فأما الخمر سمي خمراً؛ لأنه يخامر العقل ويغطيه، فإذا ما ذهب عقل الإنسان أصبح كالطين في يد الشيطان يشكله كيفما يشاء.
وأما الميسر فهو القمار، وسمي بالميسر اشتقاقا من اليسر؛ لأن فيه أخذ للمال بيسر وسهولة من غير كد وتعب، وأي فرصة يجدها الشيطان في مثل هذا الموضع لإيقاع الغضب والعداوة، وربما المقاتلة بين المقامرين، استمع لتتمة الآية: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)[المائدة: 90- 91].
ومن أعمال الشيطان أيضاً: البول: هل سمعتم -يا عباد الله- ببول الشيطان؟
ذكر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل نام ليلة حتى أصبح، قال: "ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه، أو قال في أذنه" [رواه البخاري في صحيحه].
وبول الشيطان هو حجب سمعه عن الذكر فينام عن الصلاة، فكل من نام عن الصلاة الفجر فذاك رجل بال الشيطان في أذنيه.
والمكان الذي يستخدم للبول مكان مستقذر، فلا ترضى -يا عبد الله- بذلك، واحرص على صلاتك تفوز بسعادة الدنيا والآخرة.
ومن أعمال الشيطان: الضحك: قال رسول الله -صلى الله علية وسلم-: "التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا قال ها ضحك الشيطان" [رواه البخاري].
ومن أعمال الشيطان أيضاً: الاختلاس: روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة -رضي الله عنها وعن أبيها-، أنها سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التفات الرجل في الصلاة، فقال: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة أحدكم".
فانتبه -يا عبد الله- ولا تلتفت في صلاتك، فكلما زاد التفات الرجل في الصلاة، زاد سرقة الشيطان واختلاسه من صلاته.
ومن أعمال الشيطان أيضاً: الانتشار في بداية الليل: يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري من صحيحه: "إذا استجنح الليل أو كان جنح الليل، فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم".
وهذه من الأسباب التي ينبغي للآباء والأمهات أن يأخذوا بها لحفظ أولادهم.
فسأل الله -عز وجل-...
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد:
أيها المسلمون: فكما أن للشيطان أعمال فإن له على الإنسان مداخل أيضاً.
فأول مدخل من مداخل الشيطان على الإنسان: الأمر بالسوء: قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 169].
لأن الأمر بالسوء هو الضمان الوحيد لتحقيق مراده، وقد أخذ إذناً من الله وعهوداً على نفسه بأن يؤذي بني آدم أشد الإيذاء، وأن يحاربهم بكل وسيلة؛ كما قال تعالى: (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ) [النساء: 118- 119].
إنه عدو ذو هدف، وصاحب الهدف لا يفتر أبداً حتى يحققها، والشيطان لا يأمر إلاّ أولئك الذين استولى عليهم فأنساهم ذكر الله: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المجادلة: 19].
فالنسيان: مدخل آخر من مداخل الشيطان على الإنسان، ولا نقصد بالنسيان، النسيان المعتاد فهو أمر فطري، ولكن نقصد نسيان أوامر الدين؛ كما في قول الله -عز وجل-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) [طـه: 124 - 126].
عباد الله: ومن مداخل الشيطان أيضاً: النزغات: وأشدها خطورة نزغ اللسان، قال الله -تعالى-: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) [الإسراء: 53].
وهل يوجد شيء أخطر على الإنسان من لسانه، وإذا ما تحكّم الشيطان بهذا اللسان، تحكّم بالإنسان، وبسببه يسعد السعداء بالجنة، ويشقى الأشقياء بالنار، فقد سأل معاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- عن العمل الذي يدخله الجنة ويباعده عن النار، فأخبره صلى الله عليه وسلم برأس الأمر وعموده، وذروة سنامه، ثم قال: "ألا أخبركم بملاك ذلك كله؟ قال: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه ثم قال: كف عليك هذا، فقال معاذ: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم"[رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح].
وقال عليه الصلاة والسلام: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة" [رواه البخاري].
والمتأمل في مجالس الناس اليوم يرى ويسمع كيف أن الشيطان أغواهم وأهلكهم بألسنتهم.
ومن مداخل الشيطان أيضاً: الأماني الكاذبة: كما قال تعالى: (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا) [النساء: 120].
فالشيطان يدخل على الإنسان من باب الأماني الكاذبة بأن يهون عليه عذاب النار، ويمنيهم بالتوبة، فيجرئهم على المعاصي، ويمنيهم النجاة من عاقبة أعمالهم، ويزرع في قلوبهم الأماني؛ كما قال الأول:
ونستلذ الأماني وهي مردية *** كشارب السم ممزوجاً مع العسل
أيها المسلمون: ومن مداخل الشيطان كذلك: تصيد عيوب الآخرين، وعدم الانتباه لعيب النفس:
إذا أنت عبت الناس عابوا وأكثروا *** عليك وأبدوا منك ما يستر
وقد قال في بعض الأقاويل قائل *** له منطق فيه كلام محبر
إذا ما ذكرت الناس فاترك عيوبهم *** فلا عيب إلا دون ما منك يذكر
فإن عبت قوماً بالذي ليس فيهم *** فذلك عند الله والناس أكبر
متى تلتمس للناس عيباً تجد لهم *** عيوباً ولكن الذي فيك أكثر
فسالمهم بالكف عنهم فإنهم *** بعيبك من عينيك أهدى وأبصر
اللهم...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم