عناصر الخطبة
1/ أعياد الإسلام وأعياد الجاهلية 2/أهمية الترويح عن النفس في العيد 3/منافع العيد في العقيدة والعبادة والشريعة والاجتماع 4/من حكم العيد وغاياته 5/وجوب المحافظة على أركان الإسلام 6/التحذير من الكبائر واقترافها 7/توجيهات للنساء 8/زكاة الفطر 9/التذكير بالآخرةاهداف الخطبة
1/التذكير بدعوات الإصلاح وبعض معالم الإصلاح الحقيقي 2/ بيان من يحق له الفرح بالعيداقتباس
العيد في الإسلام فهو معان عظيمة، ومثل كريمة، ومنافع كبيرة، ومصالح عاجلة وآجلة، والإسلام له عيدان لا ثالث لهما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وكلاهما يكونان عقب عبادة عظيمة، وبعد ركن من أركان الإسلام يؤدى كل ركن في أفضل زمان، فعيد الأضحى يعقب الوقوف بعرفات ويكون يوم الحج الأكبر، وعيد الفطر يكون بعد صيام شهر رمضان وقيامه، وبعد اجتهاد في العبادة وتشمير في الطاعة في أيام وليالٍ فاضلة شريفة، وساعات...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون- حق التقوى، واستمسكوا من دينكم بالعروة الوثقى، اطلبوا رضى ربكم بطاعته، واحذروا نقمته وغضبه بترك معصيته.
أيها المسلمون: إن لكل أمة عيدًا يتكرر عليهم في أوقات مخصوصة، يتضمن عقائدهم وعاداتهم ومورثاتهم وتطلعاتهم وآمالهم، تبتهج كل أمة في عيدها، وتفرح باجتماعها، وتقدس له الزمان وتختار له المكان وتلبس له الجديد وتتجمل فيه بالطارف والسريد، وقد جعل الله لكل أمة من الأمم الجاهلية عيدًا بقضائه وقدره؛ فتنة لهم وزيادة في ضلالهم كما قال تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)[آل عمران: 178]، وقال تعالى: (لّكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ) [الحج:67]، قال ابن عباس -رضي الله عنه-: "المنسك العيد" عن أنس -رضي الله عنه- قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة ولنا يومان نلعب فيهما فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: "لقد أبدلكم الله تعالى بهذين العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى".
وأعياد الأمم غير الإسلامية أعياد جاهلية ضالة، خالية من المعاني السامية والمصالح العاجلة والآجلة، مجردة من العواطف النبيلة الصادقة، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85].
أما العيد في الإسلام فهو معان عظيمة، ومثل كريمة، ومنافع كبيرة، ومصالح عاجلة وآجلة، والإسلام له عيدان لا ثالث لهما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وكلاهما يكونان عقب عبادة عظيمة، وبعد ركن من أركان الإسلام يؤدى كل ركن في أفضل زمان، فعيد الأضحى يعقب الوقوف بعرفات ويكون يوم الحج الأكبر، وعيد الفطر يكون بعد صيام شهر رمضان وقيامه، وبعد اجتهاد في العبادة وتشمير في الطاعة في أيام وليالٍ فاضلة شريفة، وساعات منيفة يضاعف فيها الثواب ويتقي فيها المسلم العقاب، يسابق فيها المسلم الزمن، ويبادر ساعات العمر بصالح العمل، ويستنفذ طاقات بدنه في مرضات ربه حتى إذا بلغت الروح حاجاتها وتحققت أشواقها ونالت هذه الروح غذاءها من العبادة وبدأت النفس تكل، وبدأ العزم يمل، فتح الإسلام للمسلم باب المباح الطيب، وأرخى له زمام الدعة والتمتع بالحلال لتجم القوى، ولتتكامل التربية الروحية والبدنية وليستعد الإنسان إلى أنواع من العبادات الأخرى.
وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن لربك عليك حقًا، وإن لبدنك عليك حقًا، وإن لزوجك عليك حقًا، وإن لزورك عليك حقًا"، وقال بعض السلف: "رَوِّحُوا عن هذه القلوب ساعة وساعة؛ فإنها تكل كالأبدان".
والدين الإسلامي ينقل خطوات المسلم في طريق مأمون، وينقله من حال إلى حال، ومن حسن إلى أحسن، فيجدد حياته وحيويته ويدفعه للصلاح والإصلاح ويأخذ بيده إذا عثر.
والعيد من شعائر الإسلام الظاهرة، وحكمه الباهرة، ومنافع العيد كثيرة، ومصالحه وفيرة، فمنافع العيد في العقيدة، ومنافع العيد في العبادة، ومنافع العيد في الشريعة، ومنافع العيد في الاجتماع الإنساني، ومنافعه في الدنيا والآخرة.
أما منافع العيد في العقيدة: فإن أحكام العيد تكرر توحيد الله على عباده وما يجب للرب على خلقه من العبادة التي لا تنبغي إلا لله، بما يتضمن هذا العيد من الدعاء والتعظيم والانقياد والاستسلام والحب ونحو ذلك مما هو خالص حق الله تعالى، قال الله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ) [الجن: 18].
وأما منافع العيد في العبادة: فإن تعاليم العيد تتحقق بها العبادة لرب العباد؛ حيث يتم في فريضة العيد الذل والخضوع لله مع المحبة للرب، والعبادة يدور قطب رحاها على المحبة والذل والخوف، قال بعض السلف: "من عبد الله بالخوف وحده فهو خارجي، ومن عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبد الله بالذل والخوف والمحبة فذلك هو العابد"، قال تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء: 90].
وأما منافع العيد في الشريعة فمن حيث إظهار فرائض الإسلام وشعائر الدين وإعلان تعاليم الإسلام، وإعلاء شأن شرائع الإيمان ليبقى الدين الإسلامي محفوظًا قويًا عزيزًا منيعًا لا تؤثر فيه معاول الهدم, ولا تمتد إليه يد التغيير والتبديل لأن الإسلام ذاته قويٌ في تشريعاته، يمتزج بالفطرة امتزاج الروح بالبدن, ويسهل تعلم أحكامه على الكبير والصغير والذكر والأنثى، والحاضر والبادي.
فأركانه مشاهدة ظاهرة، وحدوده علانية، وتعاليمه وأحكامه منشورة وطبيعته عالمية، قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم: 30], ولهذه القوة الذاتية يزداد صفاءً كل يوم ويتسع انتشارًا ويثبت رسوخًا, فهو كالشمس في علوه وكضيائها في دنوه، فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين مؤمنين.
وأما منافع العيد في الاجتماع فيتحقق بالعيد الألفة بين المسلمين وانطفاء الأحقاد والضغائن والعداوة, ويتم التعاطف والتراحم والتزاور وتنتهي القطيعة، ويتبادلون المنافع، وفي الحديث: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
ومن منافع العيد وحِكمه وغاياته إظهار جمع المسلمين فاقتهم وحاجاتهم واضطرارهم إلى ربهم، وأنه لا يستغنون عنه طرفة عين يتوسلون إلى الله في قضاء حاجاتهم وصلاح أمرهم بصلاة العيد في جَمْعِهم وسماع التذكير بنعم الله وأيامه, واستماع ومعرفة أحكام الإسلام في الخطبة, فينقلبون من مصلاهم بالخير العظيم والفضل العميم الذي لم يكن لأمة قبلهم, فلله الحمد على سوابغ نعمه وعلى عظيم كرمه.
عن سعيد بن أبي أوس الأنصاري عن أبيه مرفوعًا: "إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فينادون: اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم يمن بالخير، ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أُمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، أطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا نادى منادي: ألا إن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة"، ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة. رواه الطبراني.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- يرفعه: "إذا كان يوم عيد الفطر هبطت الملائكة على أبواب السكك تنادي بصوت تسمعه الخلائق إلا الإنس والجن: يا أمة محمد: اخرجوا إلى رب كريم يعطي الجزيل، فإذا برزوا إلى مصلاهم قال الله تعالى: يا ملائكتي ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ قالوا: إلهنا وسيدنا أن توفيه أجره، فيقول الله: أشهدكم أني قد جعلت ثوابهم من صيامهم وقيامهم مغفرتي ورضواني، وعزتي وجلالي لا يسألوني اليوم في جمعهم هذا شيئًا في الآخرة إلا أعطيتموه، ولا لدنياهم إلا نظرت لهم، انصرفوا مغفورًا لكم" قال مورك العجلي: "فيرجع قوم من المصلى كيوم ولدتهم أمهاتهم".
ولما يغشى هذه الأمة من الخير في هذا العيد المبارك ولما يتنزل عليها من الرحمة والبركات أمر النبي-صلى الله عليه وسلم- بالخروج إليه حتى الحُيَّض وذوات الخدور من غير تبرج وتطيب وتزين ِفتنة ليشهدن الخير، عن أمة عطية -رضي الله عنها- قالت: أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نخرج في الفطر والأضحى العواتق والحُيَّض وذوات الخدور، فأما الحُيَّض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت يا رسول الله: إحدانا لا يكون لها جلباب قال: "لتلبسها أختها من جلبابها" رواه الشيخان. وفي رواية قالت: "كنا نُؤمر أن نخرج يوم العيد حتى تخرج البكر من خدرها، حتى تخرج الحُيَّض فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته".
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر ولا إله إلا الله ولله الحمد.
عباد الله: الصلاة الصلاة فإنها عمود الإسلام وناهية عن الفحشاء والآثام، أقيموها في بيوت الله جماعة؛ فإنها أول ما يُسأل عنه العبد فإن قبلت قبلتْ وسائر العمل، وإن ردت، ردت وسائر العمل.
وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم, فمن أداها فله البركة في ماله والبشرى له بالثواب، ومن بخل بها فقد محقت بركة ماله والويل له من العقاب.
وصوموا شهر الصيام وحجوا بيت الله الحرام تدخلوا الجنة بسلام، وعليكم ببر الوالدين وصلة الأرحام, فقد فاز من وفى بهذا المقام، وأحسنوا الرعاية على الزوجات والأولاد والخدم ومن ولاّكم الله أمره، وأدوا حقوقهم واحملوهم على ما ينفعهم وجنبوهم ما يضرهم قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6]. وفي الحديث: "كلكم راع، وكلم مسئول عن رعيته".
الله أكبر، الله أكبر, لا إله إلا الله, والله أكبر, الله أكبر, ولله الحمد.
أيها المسلمون: إياكم والشرك بالله في الدعاء والاستغاثة والاستعانة والذبح والنذر والتوكل ونحو ذلك من العبادة؛ فمن أشرك بالله في عبادته فقد حرم الله عليه الجنة قال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) [المائدة: 72] وإياكم وقتل النفس التي حرم الله، ففي الحديث: "لا يزال المسلم في فسحة من دينة ما لم يصب دمًا حرامًا".
وإياكم والربا؛ فإنه يوجب غضب الرب، ويمحق بركة المال والأعمار، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة: 278، 279]. وفي الحديث: "الربا نيف وسبعون بابًا أهونها مثل أن ينكح الرجل أمه".
وإياكم والزنا؛ فإنه عار ونار، قال تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) [الإسراء: 32]، وفي الحديث: "ما من ذنب أعظم عند الله بعد الشرك من أن يضع الرجل نطفته في فرج حرام".
وإياكم وعمل قوم لوط؛ فقد لعن الله من فعل ذلك، ولعن رسول -صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك، لعنه ثلاثًا. وإياكم والمسكرات والمخدرات فإنها موبقات مهلكات توجب غضب الرب، وتمسخ الإنسان فتجعله كالحيوان، يرى الحسن قبيحًا والقبيح حسنًا، عن جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل مسكر حرام، وإن على الله عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال, عصارة أهل النار" رواه مسلم والنسائي.
وإياكم وأموال المسلمين وظلمهم؛ فمن اقتطع شبرًا من الأرض بغير حق طوقه الله إياه من سبع أراضين. وإياكم وأموال اليتامى والمساكين؛ فإنه فقر ودمار، وعقوبة عاجلة ونار. وإياكم وقذف المحصنات الغافلات؛ فإن ذلك من المهلكات.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ولله الحمد.
وإياكم والغيبة والنميمة؛ فإنها ظلم للمسلم وإثم تذهب بحسنات المغتاب وقد حرمها الله بنص الكتاب. وإياكم وإسبال الثياب والفخر والخيلاء؛ ففي الحديث: "ما أسفل من الكعبين فهو في النار".
يا معشر النساء: اتقين الله تعالى، وأطعن الله ورسوله، وحافظن على صلاتكن، وأطعن أزواجكن، وارعين حقوقهم، وأحسنَّ الجوار، وعليكن بتربية أولادكن التربية الإسلامية ورعاية الأمانة, وإياكن والتبرج والسفور والاختلاط بالرجال، وعليكن بالستر والعفاف تكنَّ من الفائزات، وتدخلن الجنة مع القانتات، ويرضى عنكن رب الأرض والسموات.
عن عبد الرحمن بن عوف قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت" رواه أحمد والطبراني.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاء إلى النساء مع بلال فقال: "(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الممتحنة: 12]، ثم قال: "أنتن على ذلك" قالت امرأة: نعم يا رسول الله. وروى الإمام أحمد أن أمامة بنت رقية بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على هذه الآية وفيه "ولا تنوحي ولا تتبرجي تبرج الجاهلية".
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر, ولله الحمد.
بسم الله الرحمن الرحيم: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف: 204].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر عدد ما خلق في السماء، الله أكبر عدد ما خلق في الأرض، الله أكبر عدد ما بين ذلك، الله أكبر عدد كل شيء، الله أكبر ملء كل شيء، الله أكبر عدد ما أحصاه الكتاب، الله أكبر ملء ما أحصاه الكتاب.
الحمد لله رب الأرض والسموات، ولي الكلمات، مجيب الدعوات، يقبل التوبة ويعفو عن السيئات، لا يتعاظم شيئًا يريد أن يتفضل به من الخيرات، ولا يضيق عفوه بغفران الكبائر والموبقات، أحمد ربي على معروفه الذي لا ينقطع في وقت من الأوقات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى وعظيم الصفات، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله المبعوث بالبينات، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه البررة السادات.
أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون- وأطيعوه، واطلبوا رضاه ولا تعصوه.
أيها المسلمون: إن عيدكم هذا عيد كريم وجمع عظيم تطوَّل الله فيه على أمة الإسلام بكل خير، وقد شرع لهذا العيد أحكام مرضية، وسنن نبوية.
فيشرع لصلاة العيدين الاغتسال قبل الصلاة، والتجمل بلبس الجديد، وفي الحديث: "إن الله إذا أنعم على عبد يحب أن يرى أثر نعمته على عبده".
ويسن السواك والتطيب، ويحف شاربه ويقلم أظافره، ولكن لا يحلق لحيته؛ لأن حلقها كبيرة من الكبائر، وإعفاؤها واجب.
ويسن أن يأكل تمرات قبل الفطر، ويخالف طريقه في المجيء والعودة، ويسن إظهار التكبير ليلة العيدين، ويجهر المسلم بالتكبير عند الخروج إلى المصلى حتى يفرغ الإمام من الخطبة.
ومن حكم التكبير: تعظيم الرب وإرغام الشيطان وإصغاره وإذلاله، وإظهار الاستعلاء على الرغبات والملذات والمحبوبات وبيان أن الله أكبر من كل شيء في قلب المسلم.
فالله أكبر من الملذات، والله أكبر من كل محبوب، والله أكبر من كل مرغوب، لا يعوق المسلم عن أمر الله شيء، ولا يدفعه لمعصيته شيء من الأشياء إذا استشعر حقيقة الله أكبر.
وما أعظم المناسبة بين هذا الذكر وتمام الصيام قال الله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185].
أيها المسلمون: روى أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس قال: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين". وعن أبي سعيد الخدري قال: "كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من بر أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر أو صاعًا من زبيب، أو صاعًا من أقط" ويجزئ أن يخرج هذا القدر من قوت بلده.
وهي واجبة على كل مسلم، ذكرًا كان أو أنثى، صغيرًا كان أو كبيرًا، والأفضل إخراجها قبل صلاة العيد، ويجوز قبل ذلك بيوم أو يومين، وإذا أخرجها بعد صلاة العيد فهي صدقة من الصدقات.
عباد الله: إنه قد صفت في رمضان الأوقات، وتمتعتم وتلذذتم فيه بالطاعات وتطهرتم بترك المحرمات، وإن عدوكم إبليس كان مصفدًا مع المردة لا يخلص في رمضان إلى ما كان يخلص إليه في غير رمضان، ويريد أن يأخذ منكم بثأره، ليبطل الحسنات، ويزين السيئات، فادحروه خاسئًا ذليلاً بالتوكل على الله (وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) [النساء: 81].
وتذكروا -عباد الله- ما أمامكم من الأهوال والأمور العظام التي تكونون إليها بعد الموت، وهو مدركنا لا محالة، وتفكروا فيمن صلى معكم في هذا المكان في سالف الزمان من الأبناء والإخوة والآباء والخلان, كيف استدبروا الدنيا وأقبلوا على الحياة الأخرى، ولم ينفعهم شيء إلا ما قدموا، ولم يلازمهم في قبورهم إلا ما عملوا.
ولا تغتروا بزخرف الدنيا واجعلوها مطية للآخرة، ومزرعة للباقية، فمن ركن إليها خانته، ومن اطمئن إليها أهلكته، وحالها شاهد عليها، ومن خبرها لم يأسف عليها.
أين ثمود وعاد؟، وأين من بنى المدن والحصون وجمع الأجناد؟، وأين الأمم الخالية الذين عمروا البلاد؟، أتى على الكل أمر لا مرد له من رب العباد.
اشكروا الله -عباد الله- على نعمه الظاهرة والباطنة، واحمدوا ربكم على نعمة الإسلام والإيمان، واحمدوا الله على الأمن في الأوطان، واشكروه على العافية في الأبدان، واحمدوه على تواصل الأرزاق، واشكروه على الاستقرار ودفع الفتن والفرقة والشقاق.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56], فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وسلم تسليمًا كثيرًا.
اللهم ارض عن الصحابة أجمعين...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم