يا ليتني كنت معهم

عادل الكلباني

2022-10-09 - 1444/03/13
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ أصل كلمة \"ليت\" ومعناها 2/ مقطتفات من استعمالاتٍ شهيرةٍ لـ \"ليت\" عبر القرون 3/ كثرة استعمال أصحاب النار لـ \"ليت\" 4/ البدار بالعمل وترك التسويف مسابقةً لـ \"ليتَ\"

اقتباس

سابقوا "ليت"، واتركوها، وشمروا عن ساعد الجد؛ فاسعوا إلى آخرتكم فاعمروها، فإن "ليت" تشعل الحسرة في القلوب، وتزيد سعارها في النفوس، ولا تقدم شيئا ولا تؤخره. وقالها المنافق، حين رأى النصر يحوط المؤمنين، وتوزع الغنائم، وقد تخلف عن الجهاد، وبطأ وثبط، وتأخر وتردد، فلما جاء النصر، ونال المجاهدون الغنيمة، وابتهجت قلوبهم بنصر الله، قال...

 

 

 

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

معاشر المسلمين: هل تعرفون ليتَ؟ إنها حرف للتمني، والترجي، والطمع، يستخدمها الناس على مختلف مشاربهم، وأهوائهم، في زمن مضى، ولزمن آتٍ.

 

وأصلها من لات، وألات، وهو بمعنى النقص؛ قال -جل وعلا-: (وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا) [الحجرات:14]، أي: لا ينقصكم.

 

وتجيء بمعنى صفحة العنق، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ثم ينفخ في الصور، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا، ورفع ليتا" أخرجه مسلم في الفتن، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

 

وقد استعمل الكثيرون "ليت" عبر مر القرون، ولن ينقطعوا، والسعيد من وعظ بغيره.

 

قالها ورقة بن نوفل للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد نزول الوحي عليه أول مرة: "يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك". قالها يئسا من بلوغ ذلك الوقت، وإدراك تلك المحنة.

 

وقالتها البتول، مريم بنت عمران -عليها السلام-، حين جاءها المخاض، وبلغ منها الهم والغم كل مبلغ، فقالت: (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا) [مريم:23]، فتمنت أن قد ستر الموت فضيحتها، وأغلق القبر على مصيبتها.

 

وقالها أهل الدنيا، المنغرّون بها وبزخرفها، فأعمت بصائرهم، وأعشت أبصارهم، فتمنوا أمنيات خادعات، ليست من الباقيات الصالحات.

 

فلما رأوا قارون يخرج عليهم في زينته، متبخترا بين حاشيته، قالوا: (يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [القصص:79].

 

فرد عليهم العالمون كما هي حالهم في كل حين: (وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) [القصص:80].

 

وقالها ذلك المسكين، اغتر بجنتيه، وأغمض عن طريق الهدى عينيه، فـ (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا) [الكهف:42].

 

وقالها المنافق، حين رأى النصر يحوط المؤمنين، وتوزع الغنائم، وقد تخلف عن الجهاد، وبطأ وثبط، وتأخر وتردد، فلما جاء النصر، ونال المجاهدون الغنيمة، وابتهجت قلوبهم بنصر الله، قال المنافق: (يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا) [النساء:73].

 

وظن المسكين أن متاع الحياة الدنيا هو الفوز العظيم، وغاب عنه أن الفوز العظيم ربما فاته حين أصابت المسلمين المصيبة، وظن بجهله أن قد أنعم الله عليه إذ لم يكن معهم شهيدا؛ فغاب عن ناظريه أن الفوز العظيم إنما هو فيما فاته من أجر الشهيد، حين يقتل في سبيل الله، ومن لم يجعل الله له نورا، فما له من نور.

 

ويقولها الرجل حين تتتابع عليه الفتن، وتعظم المحن، فيمر بالقبر، فيتمرغ عليه، ويقول: "يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر!".

 

إخوة الدين والعقيدة: قد قال "ليت" ناصحون، تحترق أفئدتهم حرصا على هداية أقوامهم، وتذهب نفوسهم حسرة على ضلالهم، وتتطلع همتهم إلى تبليغ الرسالة، ونصح القوم، حتى بعد الممات، فهم دعاة إلى الله على بصيرة، أحياء وأمواتا.

 

وهذا شأن المؤمن، كما قال قتادة -رحمه الله-: "لا تلقى المؤمن إلا ناصحا، لا تلقاه غاشا".

 

ومصداق قول قتادة قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المشهور: "من غش فليس منا".

 

ومصداقه في قول الله -تعالى- على لسان نوح -عليه السلام- حين قال لقومه: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ) [الأعراف:62]، وقال هود -عليه السلام-: (وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) [الأعراف:68]، وقال صالح -عليه السلام-: (وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف:79]، وهكذا قال شعيب: (وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ) [الأعراف:93].

 

وصاحب ياسين يطؤه قومه بأرجلهم، بعد أن نصح لهم، وبين لهم طريق السلامة، والنجاة، فلما قتلوه (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) [يس:26].

 

تمنى أن يرى قومه ويعلموا ما مُنّ به عليه من الكرامة عند الله. قال ابن عباس: نصح قومه في حياته بقوله: اتبعوا المرسلين. وبعد مماته، بقوله: (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) [يس:26-27].

 

أمة الإسلام: إن الاشتراك في المصيبة في الدنيا يحصل منه تسلية لمن شاركه في مصيبته، فيخفف من ألمها، ويقلل من وقعها، كما قالت الخنساء حين رثت أخاها:

ولولا كثرةُ الباكينَ حولي *** على قتلاهُمُ لَقتلتُ نفسي

وما يبكونَ مثلَ أخي ولكنْ *** أُسَلِّي النفسَ عنهُ بالتأسِّي

 

وإنما يكون الاشتراك في المصيبة مسليا للمصاب في الدنيا، وأما في الآخرة فقد قطع الله بين أهل النار هذه التسلية، ولم يعد اشتراكهم في النار مخففا عنهم عذابها، ولا مسليا في محنتهم (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) [الزخرف:39].

 

جاء هذا تعقيبا على تمني الشقي من أصحاب النار حين رأى قرينه من الشياطين قد وافاه في الجحيم فقال: (قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) [الزخرف:38].

 

فكان اجتماعهم في النار زيادة في الحسرة، وتشديدا في الألم، ذلك لأنهم تغافلوا عن ذكر الله، وأعرضوا عن هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجعلوا الشيطان لهم قرينا، فصدهم عن السبيل، ويحسبون أنهم مهتدون: (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الزخرف:40].

 

وهكذا؛ يكثر استعمال ليت في النار، مع كل فريق من أصحابها، فهي لهم ملازمة في جميع أحوالهم، وما تغني عنهم شيئا! (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنعام:27].

 

(يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) [الأحزاب: 66]، يقولون ذلك وهم على شفير جهنم واقفون، ويقولون ذلك وهم في الدركات يعذبون.

 

وقد قال الشقي منهم وهو في العرصات، بعد أن رأى الأهوال، وتقطعت به الحبال، ولم يستطع نصرا، وقد أدرك أين المآل، وقد كان يومه عليه ثقلا، فعض على يديه من الندم، وقال: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) [الفرقان:27-29].

 

عباد الله: ليت، إنما هي للتمني، ولكنها لا تغني عن المتمني شيئا، فلا تخرجه من النار، ولا تؤجل يومه إذا دنا، ولا تنقذه من مصيبة، أو تدفع عنه بلية، ولا تعيد ماضيا سلف، ولا تقرب مستقبلا لم يحن أوانه، ولم يأت زمانه.

 

فلم يدرك ورقة إخراج النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم تنفع ليت مريم أو تخفف عنها، كما لم يرجع أهل النار إلى الدنيا ليعملوا صالحا، ولم تفد ذلك الشقي فتبعد عنه قرينا صاحبه في نار جهنم، والعذاب المقيم.

 

كما أنها لم تنفع ذلك الشقي، يؤتى كتابه بشماله، فيقول: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ) [الحاقة:25-27].

 

كما لم تنفعه، حين (دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) [الفجر:21-24]. فما تفيد ليت من كان في النار خالداً فيها، وبئس المصير؟!.

 

أخي الحبيب: أنت في زمن لا تحتاج فيه إلى ليت، فقدم لحياتك، واعمل في زمن مهلتك ما يقيك من عذاب جهنم، ويبعدك عن حرها وحسيسها، ويدخلك جنات النعيم، لهم فيها ما يشاءون خالدين، كان على ربك وعدا مسئولا.

 

نعم أيها الحبيب، إن ليت ليست إلا أمنيات، وليت بمغنية عمن قالها شيئا، فلم يعد شباب القائل:

ألا ليت الشبابَ يعودُ يوماً *** فأخبرهُ بما فعل المـَشيبُ

 

فلن يعود الشباب، ولن يخبره أبدا بما فعله المشيب، فليتعظ من وخطه الشيب، فإنه النذير.

 

ولا يغترنّ شاب بنضرة شبابه، فقد تخطفت يد المنون شيبا وشبانا، وصدق من قال: إن ليتا، ولو، عناء.

ليتَ وهل ينفع شيئاً ليتُ؟ *** ليتَ شباباً بوع فاشتريتُ

 

أيها المسلمون: سابقوا "ليت"، واتركوها، وشمروا عن ساعد الجد؛ فاسعوا إلى آخرتكم فاعمروها، فإن "ليت" تشعل الحسرة في القلوب، وتزيد سعارها في النفوس، ولا تقدم شيئا ولا تؤخره.

 

وتأمل بقلبك، وأرع سمعك لهذه الأمنية، يعلنها كافر موقوف بين يدي رب العالمين، وقد حوسب، وأيقن بالهلاك، ولم يكن قد اتخذ مع الرسول سبيلا، ولم يقل صوابا، ولم يتخذ إلى ربه مآبا.

 

فلما نبأه مولاه بما قدم وأخّر، وكان على نفسه بصيرة، ونظر إلى أعماله الفاسدة مسطورة، في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة...، ورأى الله -تعالى- قد اقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، حينها يقول الكافر: (يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا) [النبأ:40]، أي: ليتني كنت حيوانا، شاة أو عجلا له خوار، المهم أن أنجو من النار، ولو بأن أرجع إلى التراب، ولكنها أمنيات كالسراب، يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، ووجد الله عنده فوفاه حسابه، والله سريع الحساب.

 

فاحرص -أخي الحبيب- أن تكون من الفائزين المتقين، أهل دار النعيم والسعادة، لهم الحسنى وزيادة، لما قدموا من التوحيد والعبادة، وهجران الفراش والوسادة، فكانوا في القيامة أئمة وسادة، وأحسنت لهم المرافق والرفادة.

 

فسر على طريقهم، واسلك سبيلهم، وعض على سنتهم بنواجذك، واتل كتاب ربك: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف:28].

 

إلّا تفعلْ تكن في الجانب الآخر، جانب الأشقياء، الفجار والمنافقين والكفار، وكل من كان في الجانب الآخر، سيقول متمنيا حين يرى المتقين: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيما!.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، وجعلني وإياكم هداة مهتدين، وحشرنا في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيما لشأنه؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وإخوانه، وسلم تسليما.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.

 

ثم اعلموا أن ملك الموت قد تخطاكم إلى غيركم، وسيتخطى غيركم إليكم فخذوا حذركم.

وقد قيل:

وما المال والأهلون إِلّا وديعةٌ *** ولا بُدَّ يوماً أنْ تُرَدَّ الودائعُ

 

وها أنت أخي في دار الأمنية، فبادر قبل فوات الأوان، واغتنم ما بقي من أيام عمرك، ما دام في الإمكان، فحياتك فيها فرصة عظيمة لتخفيف السكرات، وأن تجعل قبرك روضة من رياض الجنات، وتدخل فيمن قيل عنهم: (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) [النمل:89]، وتشرب من حوض الحبيب، وتدخل في شفاعته، وتستظل بعرش الرحمن، وييسر عليك الحساب، وترث الأرض تتبوأ من الجنة حيث تشاء، (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [الزمر:74].

 

وقف عند قوله: (أَجْرُ الْعَامِلِينَ)، فالأجر للعاملين لا للخاملين، ولا المسوفين، ولا للمتمنين، جعلني الله وإياكم من العاملين، والوارثين، الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون.

 

ألا وصلوا وسلموا على خير الناس أجمعين، رسول رب العالمين، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

 

 

 

المرفقات

ليتني كنت معهم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات