الدعوة إلى تقارب الأديان

ناصر بن محمد الأحمد

2013-07-07 - 1434/08/28
عناصر الخطبة
1/ التوحيد دعوة جميع الرسل 2/ أسباب كفر اليهود والنصارى 3/ التوحيد هو ملة إبراهيم عليه السلام 4/ غلبة النصارى على المسلمين محنة عظمى 5/ غايتهم من الدعوة لحوار الأديان 6/ التقريب بين الأديان قدح في عقيدة الولاء والبراء
اهداف الخطبة
1/التحذير من تحايل أهل الكتاب 2/ بيان بطلان دعوة التقريب بين الأديان 3/ بيان أن التوحيد دعوة جميع الرسل 4/ التحذير من الدعوة إلى تقارب الأديان 5/ التذكير بأن الإسلام هو دين الحق لا يقبل الله سواه

اقتباس

وقد مضت عصور المسلمين على هذا الاعتقاد، وهو أن دين الإسلام هو دين الحق الذي لا يقبل الله ولا يرضى ديناً سواه، وأن كل من لم يدخل دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر مستوجب لدخول النار والخلود فيها إذا مات على ذلك، ولهذا أوجب الله دعوة الناس كلهم من اليهود والنصارى وغيرهم إلى الإسلام وجهادهم لإعلاء كلمة الله ودينه ليدخل في الإسلام من شاء الله أو يخضع...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله..

 

أما بعد:

 

 أيها المسلمون: فإن الله بعث رسلَه من أولهم إلى آخرهم من نوحٍ إلى محمدٍ صلى الله عليهم أجمعين بدين الإسلام, الذي حقيقتُه عبادةُ الله وحده لا شريك له، وترك عبادة ما سواه، والبراءة منه، وهذا حقيقة إخلاص الدين لله، قال الله تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) [الزمر: 2]. ويدخلُ في حقيقة الإسلام طاعتُه سبحانه وطاعةُ رسله، وقد دل على هذا الحقيقةِ آياتٌ كثيرة، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل: 36]، وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) [الأنبياء: 25]، وقال تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) [الزخرف: 26، 27]. وحقيقة الإسلام هو معنى "لا إله إلا الله"، وهو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، وهي العروة الوثقى، وكلمة التقوى، قال الله تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [البقرة: 256]. ومن الدليل على أن دين الرسل اسمه الإسلام قوله تعالى عن نوح عليه السلام: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس: 72]، وقال عن إبراهيم ويعقوب عليهما السلام: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة: 132]، وقال عن موسى عليه السلام: (قَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ) [يونس: 84]، وقال عن الحواريين: (آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 52]. وبيَّن سبحانه أن الدين عنده الإسلام، وأنه لا يقبل من أحد ديناً سواه، قال الله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران: 19]، وقال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85]. فعلم بذلك أن من خرج عن دين الرسل، فهو كافرٌ خاسر في الدنيا والآخرة، سواءً خرج بالجحد والتكذيب، أو الشك أو الاستكبار عن قبول دعوة الرسل، ولو كان مصدِّقاً في الباطن، قال الله تعالى: (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام: 33]، وقال تعالى في فرعون وقومه: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) [النمل: 14]. فعلم أن الرسل وأتباعهم مسلمون، ويجب أن يعلم أن من أصول الإيمانِ الإيمانُ بجميع الرسل فمن آمن ببعضهم دون بعض لم يكن مؤمناً ولا مسلماً، بل يكون مكذباً بجميعهم، ولهذا قال تعالى: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء: 105]، وقال تعالى: (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء: 123]، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) [النساء: 150، 151]، وقال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة: 285]. ومن أدلة الكتاب والسنة على أن دين الرسل واحد قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون: 51، 52]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياءُ إخوةٌ لِعَلَّات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد" متفق عليه. وهذا مما يؤكد أن دين الرسل واحد، ولهذا يبشر أولُهم بآخرهم ويؤمن به، وآخرُهم يصدقُ أولَهم ويؤمن به، كما قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف: 6].

 

أيها المسلمون: إن أعظم الأمم ذكرًا في القرآن وتنويهاً بشأنها بنو إسرائيل، يعقوب عليه السلام، فقد كانت النبوة قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم فيهم، وأعظم أنبيائهم موسى وعيسى عليهما السلام وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، فإنهما من أولي العزم من الرسل، وقد أنزل الله عليهما التوراة والإنجيل، وقد قصَّ الله علينا من خبر هذين الرسولين في نشأتهما وإرسالهما وأحوال بني إسرائيل معهما خبراً مفصلاً، وقد كان أنبياء بني إسرائيل من بعد موسى يحكمون بالتوراة حتى جاء عيسى عليه السلام، فجاء مصدقاً بالتوراة وناسخاً لبعض أحكامها، قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا ) [المائدة: 44]، وقال عن المسيح عليه السلام: (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ) [آل عمران: 50]. وكان المؤمنون بموسى عليه السلام المحكمون لشريعة التوراة مسلمين على الحق حتى جاء عيسى ابن مريم، فمن آمن به واتبعه كان مسلماً، ومن كذبه كان كافراً، وكان المنتسبون للإيمان بموسى عليه السلام يُعرفون باليهود حتى جاء عيسى عليه السلام فعُرف أتباعه بالنصارى، وبقي اسم اليهود لمن كفر به، وبهذا صار بنو إسرائيل طائفتين: اليهود والنصارى، وكلٌ من الطائفتين منهم المؤمن والكافر، وقد فصَّل الله في كتابه الخبر عن الطائفتين: مؤمنُهم وكافرهم، وبيَّن أسبابَ كفرِ مَنْ كفر منهم، فأما اليهود فمن أسباب كفرهم تحريفهم التوراة، وقتل الأنبياء، وقولهم: عزيرٌ ابن الله، ثم بتكذيبهم للمسيح عليه السلام، ثم بتكذيبهم لخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، فجمعوا بين أنواع من الكفر، ولهذا قال سبحانه وتعالى: (لَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ * بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ) [البقرة: 89، 90].

 

وأما النصارى فمن أسباب كفرهم تأليهُ المسيح وأمه، وقولهم: المسيح ابنُ الله، وقولهم: إن الله ثالثُ ثلاثة، ثم بتكذيبهم لمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، قال الله تعالى: (قَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [المائدة: 72، 73]

 

وقد أخبر الله تعالى في كتابه عن غرور كلٍ من الطائفتين بأنفسها وذمها للأخرى، وزعمها اختصاص ما هم عليه بالهدى، واختصاصهم بدخول الجنة دون من سواهم، قال تعالى: (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 111، 112]، وقال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ) [البقرة: 113]، وقال تعالى: (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [البقرة: 135]، وقد زعمت اليهود أنهم على ملة إبراهيم، وأنه كان يهودياً، وزعمت النصارى مثل ذلك، فأكذبهم الله فقال سبحانه: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [آل عمران: 67]، ثم قال تعالى: (إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 68].

 

ومن هاهنا يُعلم أن أهل الملل الثلاث: اليهود والنصارى والمسلمين يتفقون على تعظيم إبراهيم عليه السلام والانتساب إليه، وقد أبطل الله دعوى اليهود والنصارى لذلك، وحكم بأن أولى الناس بإبراهيم الذين اتبعوه على التوحيد، والبراءة من الشرك والمشركين، ومحمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه، وذلك أن ملة إبراهيم هي: عبادة الله وحده لا شريك له، وإخلاص الدين له، والبراءة من المشركين وما يعبدون، وهي التي أمر الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم باتباعها، قال تعالى: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل: 123] فالمسلمون هم الذين على ملة إبراهيم دون اليهود والنصارى، قال تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) [الحج: 78], وقد مضت عصور المسلمين على هذا الاعتقاد، وهو أن دين الإسلام هو دين الحق الذي لا يقبل الله ولا يرضى ديناً سواه، وأن كل من لم يدخل دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر مستوجب لدخول النار والخلود فيها إذا مات على ذلك، ولهذا أوجب الله دعوة الناس كلهم من اليهود والنصارى وغيرهم إلى الإسلام وجهادهم لإعلاء كلمة الله ودينه ليدخل في الإسلام من شاء الله أو يخضع لسلطان الحق، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 33]، ولم تزل الحرب سجالاً بين المسلمين وأعدائهم والأيام دولٌ، وضمِن الله نصره لمن نصره، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) [محمد: 7، 8].

 

أيها المسلمون: لقد عظُمت محنةُ الإسلام والمسلمين في العصور المتأخرة بغلبة النصارى على كثير من بلاد المسلمين, ثم باستيلاء الموالين لهم من المنتسبين للإسلام، فلما زال عن بلاد المسلمين الاستعمار العسكري بقي الاستعمار الفكري في التعليم والإعلام وسائر نظم الحياة ينفذه من ربطوا أنفسهم بالتبعية لدول الغرب الكافر، وذلك بسبب جهلهم بحقيقة دين الإسلام، وبُعدهم عن القيام بشرائعه وأحكامه في أنفسهم فضلاً عن حمل شعوبهم على ذلك، فأذلهم الله وسلط عليهم دول الكفر وطغيان دولة الأمريكان تعدهم وتوعدهم وتمنيهم، وجعلت لنفسها الوصاية على بلادهم والتدخل في شؤونها الداخلية باسم "هيئة الأمم المتحدة"، ودولة الأمريكان هي المتحكمة في الحقيقة فجعلوها مرجعهم يتحاكمون إليها في قضاياهم، وأبرز مثال لذلك القضية الفلسطينية لم تستطع الدول العربية والإسلامية حلّها، ولا حلّ لها إلا بجهاد دولة اليهود من خارج فلسطين، وهذا لا يُنتظر ممن تقدم وصف حالهم، ولكن قد قال الله تعالى: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد: 38]، فهذا وعد من الله والله لا يخلف الميعاد، ولا يُنتظر النصر إلا بشرطه المذكور في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) [محمد: 7، 8]. ومن آثار احتلال النصارى لبلاد المسلمين عسكرياً في السابق، وتنفيذ مخططاتهم على أيدي المتولين لهم في الحاضر لم يكتف الأعداء وأولياؤهم من المنتسبين للإسلام بما نشروه في مجتمعات المسلمين من أنواع الفساد والانحرافات، وقد اتخذوا المرأة أداة لذلك منذ بداية الاستعمار وإلى اليوم باسم حقوقها وحريتها، وكذا ما وضعوه من القوانين التي جعلوها بدلاً من شرع الله فحكّموا هذه القوانين، وفرضوا التحاكم إليها، لم يكتفوا بهذا وذاك حتى طمعوا في إفساد عقيدة المسلمين في أصل دينهم بطريقة ماكرة, فلذلك روَّج لها المنافقون على علم، وقبلها كثير من جهلة المسلمين لجهلهم بحقيقتها، بل وجهلهم بحقيقة دين الإسلام، وهذه الطريقة الماكرة الخبيثة هي ما يسمى : بــ "دعوة التقريب بين الإسلام والنصرانية"، أو "دعوة التقريب بين الأديان"، أو "وحدة الأديان"، أو "توحيد الأديان الثلاثة"، أو "الإبراهيمية"، أو "الملة الإبراهيمية"، أو "الوحدة الإبراهيمية"، أو "وحدة الكتب السماوية"، ومن عباراتهم عن هذه الدعوة "الإخاء الديني" و "نبذ التعصب الديني" و "الصداقة الإسلامية المسيحية"، و"التضامن الإسلامي المسيحي". وكل هذه الأسماء والعبارات من لبس الحق بالباطل، ومن زخرف القول لتزيين الباطل، وقد يمعنون في الخداع والتلبيس فيعبرون عن هذه الدعوة بـ "حوار الحضارات" أو "حوار الأديان"، والغاية من هذه الدعوة أحد أمرين:

 

أولاً: احترام الأديان الباطلة، أو احترام ما يسمى بالأديان السماوية كاليهودية والنصرانية، وذلك بعدم الطعن فيها، وبترك الجهر ببطلانها، وترك إطلاق اسم الكفر على من يدين بها، وهذا ما يعبر عنه بعضهم بـ "التعايش السلمي بين أهل الملل الثلاث".

 

ثانياً: الاعتراف بصحتها، وبأنها طريق إلى الله كالإسلام، ومعنى هذا أن كلاً من اليهود والنصارى والمسلمين لا فرق بينهم إذ كلٌ منهم على دينٍ صحيح.

 

وهذه حقيقة الوحدة المزعومة، وبهذا يكونون إخوةً فلا عداوةَ ولا بغضاء، بل لا دعوة ولا جهاد، والقول بهذه الوحدة كفرٌ بَواح، وهو معدودٌ في نواقض الإسلام.

 

أيها المسلمون: إن دعوة التقارب بين الأديان دعوة إلى نسيان الماضي التاريخي والتخلص من آثاره، كالذي حصل من الصليبين في حروبهم الصليبية وما قاموا به من ظلم وتقتيل وتشريد للمسلمين. إن دعوة التقارب بين الأديان دعوة إلى فتح صفحة جديدة بين الأديان يسودها السلام والعدل والتسامح بزعمهم. ولا يخفى على اللبيب خُبثَ هذه الدعوة وما وراءها ولكنها لا تنطلي على المسلم الواعي لعقيدته، الواعي لتاريخه، الواعي لواقعه المعاصر الذي يمارس فيه هؤلاء الكفار الذين يدعوننا إلى الحوار، شتى صور القتل والتعذيب والتشريد في بلدان المسلمين، ويكفينا ما يدور الآن في العراق وأفغانستان وفلسطين والصومال من الغرب الصليبي اليهودي والذي تتولى كبره أمريكا الكافرة.

 

إن الذين يحاولون تمييع هذه المفاصلة بين المسلمين والكفار بحجة التسامح والتقريب والحوار بين أهل الأديان يخطئون في فهم دين الله الحق، وفهم الأديان المخالفة، كما يخطئون فهم معنى التسامح، وفهم الواقع الأليم. فالغرب الكافر يريد من المسلمين أن يتسامحوا من طرفٍ واحد ويتقبَّلوا العدوان عليهم والتقتيل والاحتلال ويستسلموا للأعداء، أما هو فلا حسيب على عدوانه وحقده لأنه جاء ينشر الحرية والعدل والديمقراطية بزعمه. ومع ذلك نجد من بني جلدتنا من يحسن الظن بعدونا الكافر، ولا ندري هل هذا جهلاً منه أو خبثاً، ويرى أن في مؤتمرات الحوار والتعاون بين الأديان فرصةً لنشر السلام والقضاء على الفقر والظلم والعدوان.

نسأل الله جل وتعالى أن يهدي ضال المسلمين ..

 

بارك الله لي ولكم ..

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله ..

أما بعد: أيها المسلمون: لقد تحصّل مما تقدم أمور:

 

أولاً: أن الدين عند الله الإسلام، وهو دين الرسل كلهم.

 

ثانياً: أن الله لا يقبل من أحد ديناً سواه.

 

ثالثاً: أن الإسلام بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم مختص فيما جاء به وفي أتباعه.

 

رابعاً: أن كل من خرج عن شريعة الإسلام التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، لأن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم عامة فلا يسع أحدًا الخروجُ عمَّا جاء به.

خامساً: أن اليهود والنصارى كفار تجب دعوتهم إلى الإسلام وجهادهم إذا تهيأت أسبابه، كما تجب دعوة المشركين وجهادهم لتكون كلمة الله هي العليا ودينه الظاهر، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) [التوبة: 33].

 

سادساً: أن من صحح دين اليهود والنصارى الذي هم عليه بعد التحريف والتبديل والنسخ، فهو كافر مرتد عن الإسلام.

 

سابعاً: أن من مات من اليهود والنصارى وغيرهم على كفره، وقد بلغته دعوة الإسلام، فهو من أهل النار خالداً فيها، كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ) [البينة: 6]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " والذي نَفْسي بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأُمّة يهوديٌّ أو نصرانيٌّ ثم يموت ولا يُؤمن بالذي أُرسلتُ به إلا كان من أصحاب النَّار ". رواه مسلم.

 

ثامناً: وجوب البراءة من الكافرين ومن دينهم، وبغضُهم وعداوتُهم حتى يؤمنوا بالله وحده.

 

تاسعاً: بطلان دعوة التقريب بين الأديان، أو وحدة الأديان، وأنها دعوة كفرية، لأنها تتضمن صحة دين اليهود والنصارى الذي هم عليه، وهو دين باطل.

 

عاشراً: تحريم ما يُتخذ وسيلة إلى ذلك، مثل ما يسمى بـ: "حوار الأديان"، ونحوه من الأسماء، وأما الحوار بين المسلمين وأهل الأديان الباطلة لدعوتهم إلى الدخول في الإسلام على أساس من قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) [آل عمران: 64]، وقوله تعالى: (اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) [النساء: 36]، وقوله تعالى: (قلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) [الأعراف: 158] فهو من سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه، (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) [يوسف: 108].

 

الحادي عشر: تحريم ما يسمى "احترام الأديان" و "التسامح بين الأديان" الذي مضمونه ترك الطعن في الأديان الباطلة كاليهودية والنصرانية وغيرهما، فإنه لا دين يجب احترامه إلا دين الإسلام، لأنه الدين الحق، دون ما سواه.

 

الثاني عشر: أنه لا أخوة بين المسلمين والكفار، فلا يجوز أن يقال: إخواننا النصارى أو غيرهم من الكافرين، وإنما الأخوة والولاء بين المؤمنين، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10], وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وكونوا عباد الله إخوانا" متفق عليه، قال الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة: 71] ، وقد عقد الله الأخوة بين الكفار والمنافقين، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) [الحشر: 11] وجعل سبحانه وتعالى الكافرين بعضهم أولياء بعض، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال: 73].

 

الثالث عشر: أن التوراة والإنجيل بعد التحريف والتغيير والنسخ لا يجوز الرجوع إليهما في طلب الهدى ومعرفة ما يقرب إلى الله، ولا يجوز ذكرهما مع القرآن على أن لهما حرمة بحجة أنهما منـزلان من عند الله، فقد دخلهما كثير من الباطل، ونسخ كثير من أحكامهما، وما فيهما من حق أغنى الله المسلمين عنه بكتابه العزيز الذي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت: 42]، ولهذا لما أتى عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، غضب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال: "أمتهوكون فيها يا بن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني". رواه أحمد.

 

نسأل الله أن يهدينا وسائر المسلمين صراطه المستقيم صراط (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) [النساء: 69]، وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم والضالين، وأن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا، ويكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، ويجعلنا من الراشدين فضلاً منه ونعمة والله عليم حكيم ..

 

 

 

 

 

المرفقات

إلى تقارب الأديان

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
محمود محمد
02-01-2020

السلام عليكم ملتقى الخطباء حياكم ايها موقع المبارك والله في هذا الخطبة عجيب لكن شوى طوله