الإجازة والعبادة

مقبل بن حمد المقبل

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ مفهوم العبادة 2/ إهمال العبادات بخاصة عند الإجازة والسفر 3/ ضرورة إحياء القلوب والأوقات بالعبادة 4/ عبادات فاضلة تعمر بها الأوقات بخاصة الإجازة 5/ استغلال الإجازة والسفر في الدعوة وتحصيل العلم 6/ من ثمرات العبادة

اقتباس

إننا نستقبل إجازة الصيف، وإذا كانت العبادة تشكو الإهمال في الأحوال المنتظمة فإن شكواها تتضاعف في الإجازة بسبب انشغال الناس عنها باللهو واللغو والسفر والسهر وغير ذلك، لقد آل الحال ببعض الناس -هداهم الله- إلى أن يجعل الإجازة استجماما عن عمل الدنيا والآخرة، ويا لها من خسارة عندما تكون الأيامُ والليالي في صف الشهود عليك أمام...

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، خلقنا لهدف عظيم، وهدانا للدين القويم، أحمده تعالى وأشكره على فضله العميم، وأتوب إليه وأستغفره وهو الغفور الرحيم.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الجواد الكريم، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله التقي النقي ذو النهج السليم، والخلق المستقيم، - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا -.

 
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله ربكم؛ فإن التقوى لكم حياةٌ، وطوقُ نجاة: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) [مريم:72].

إخوة الإسلام: لقد خُلقنا لغاية شريفة عالية كريمة يعرفها الصغير منا قبل الكبير، ولكننا أسلمناها للإهمال والتضييع والتقصير، وقد حدد الله هذه الغاية في قوله جلّ في علاه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56].

 

وفي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذٍ -رضي الله عنه-: "يَا معاذ بن جَبَل، هل تَدرِي مَا حَقُّ اللهِ على عِبادِهِ؟ وما حَقُّ العِبادِ على اللهِ؟ فَإِنَّ حَقَّ اللهِ على العِبادِ أن يَعبُدُوهُ ولا يُشرِكُوا بِهِ شَيئًا، وَحَقَّ العِبادِ على اللهِ أَلاَّ يُعذِّبَ مَن لا يُشرِكُ بِهِ شَيئًا".

عباد الله: عبادةُ الله هي وظيفتنا الرئيسةُ التي طالما صدَّتْنا عنها الغفلةُ، وألهتنا عنها المتعة واللذة، وهي ليست محصورة في أركان الإسلام المفروضة ونوافِلها كما يتصور البعض، وإن كان التقصير جليّاً في هذه الأصول أيضا.

 

ولكن العبادةَ اسمٌ جامعٌ لِكُلِّ ما يحبُّهُ اللهُ ويَرضَاهُ مِنَ الأقوَالِ وَالأَعمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ؛ فَكُلُّ عَمَلٍ اقتَرَنَ بِنِيَّةٍ صالحةٍ وَكَانَ على مَنهَجِ النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو عِبادَةٌ.

 

بل حتى العَادَات وبَعض مُشتَهَيَاتِ النَّفسِ وَرَغَائِبِها وما تَصبُو إليه وتحبُّهُ تُعَدُّ إِذَا اقتَرَنَت بِالنِّيَّةِ الصَّالحةِ وَابتُغِيَ بها وَجهُ اللهِ عِبَادَاتٍ يُؤجَرُ عَلَيهَا فَاعِلُها وَيُثابُ؛ قال -صلى الله عليه وسلم- لِسَعدٍ -رضي الله عنه-: "وَإِنَّكَ لَن تُنفِقَ نَفَقَةً تَبتَغِي بها وَجهَ اللهِ إِلاَّ أُجِرتَ بها، حتى مَا تجعَلُ في فيّ امرَأَتِكَ".

عباد الله: إننا نستقبل إجازة الصيف، وإذا كانت العبادة تشكو الإهمال في الأحوال المنتظمة فإن شكواها تتضاعف في الإجازة بسبب انشغال الناس عنها باللهو واللغو والسفر والسهر وغير ذلك، لقد آل الحال ببعض الناس -هداهم الله- إلى أن يجعل الإجازة استجماما عن عمل الدنيا والآخرة، ويا لها من خسارة عندما تكون الأيامُ والليالي في صف الشهود عليك أمام خالقِك جل وعلا!.

 

إننا بحاجة إلى تصحيح المسار، وعمارة الأوقات بالطاعات صلاةً وصياما وقراءةَ قرآنٍ وذكراً لله تعالى، بحاجة إلى تربية أنفسنا، ومن ولاهم الله أمرنا على هذه الفضائل؛ لأننا مسؤولون عنهم أمام الله تعالى.

 

ولنحيِ في القلب عباداته؛ فإنها أهم من عبادات الجوارح، فلنجعل القلب مليئاً بالخوف من الله وخشيته، والرغبة والإنابة إليه والرهبة منه، والتوكل عليه، ودعائه والإخلاصِ له، وغيرِها من العبادات التي خف ميزانها فأدى ذلك إلى اتباع الشهوات، واستسهال المنكرات.

عباد الله: وإن أولى العبادات بالاهتمام بعد عبادات القلب الصلاةُ التي هي ركن الدين الثاني وعموده الذي لا يقوم الدين إلا به؛ لكن ميزانها -بكل أسف- خفّ في نفوس كثير من الشباب والفتيات.

 

فالنوم عن الصلاة شائعٌ وكثيرٌ في الإجازات، وكثيرون يجعلون الصلاة إن صلوا محكومة بوقت استيقاظهم فيجمعون صلاتين أو أكثر في لحظة واحدة.

 

ويا لها من مصيبة ورزية تعود بالوبال على الأمة أجمع أن تضيَّعَ الصلاةُ المفروضة! فضلا عن الرواتب والنوافل المطلقة والوتر؛ وقد قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".

عباد الله: إن أبواب العبادة كثيرة ويسيرة لمن زَكَت نفسُه وخلصت نيته، فلننتظم في ركاب أهلها حتى تكون أيامُنا شاهدةً لنا لا علينا.

 

فالوتر والسنن الرواتب وركعتا الضحى عبادات فاضلة، والصوم النفلُ عبادة، ويتأكد في شعبان؛ لما في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "وما رأيته – تعني النبي -صلى الله عليه وسلم- في شهرٍ أكثر صياماً منه في شعبان".

 

والصدقة عبادة، والعمرة عبادة، وزيارة مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- والصلاة فيه عبادة.

 

وَصِلَةُ الأَرحَامِ خاصةً الوالدين عبادةٌ وأيُّ عبادة! في زمن قَلَّ فِيهِ الوَاصِلُ وَكثُرَ القَاطِعُ، وتنافرت القلوب بما أُشرِبَت مِن حُبِّ الدُّنيا والتَّنَافُسِ عليها، قال سبحانَه: (فَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلَّيتُم أَن تُفسِدُوا في الأَرضِ وَتُقَطِّعُوا أَرحَامَكُم. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُم وَأَعمَى أَبصَارَهُمْ) [محمد:22].

 

وقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَن أَحَبَّ أَن يُبسَطَ له في رِزقِهِ وَأَن يُنسَأَ لَهُ في أَثرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".

 

وزِيَارَةُ الإِخوَةِ في اللهِ وَعِيَادَةُ المَرضَى عبادة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "مَن عَادَ مَرِيضًا أَو زَارَ أَخًا لَهُ في اللهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَن طِبتَ وَطَابَ ممشَاكَ، وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنزِلاً".

فاتقوا الله ربكم إخوة الإسلام، واعمروا بالعبادة أوقاتكم؛ فإنها الهدف الأسمى الذي يسعى إلى تحقيقه كل مسلم يدرك حقيقة وظيفته في دار الغرور.

 

اسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.

الخطبة الثانية:

 
الحمد لله رب العالمين...

إخوة الإسلام: ومن العبادات التي ينبغي الحرص عليها في الإجازة وفيها من الفضل الشيءُ الكثير طلبُ العلم، وحضورُ مجالس الذكر، والدَّعوةُ إلى اللهِ تعالى على عِلمٍ وَبَصِيرَةٍ، بِالحِكمَةِ والمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ، وَتَعلِيمُ النَّاسِ العِلمَ وَتَفقِيهُهُم في الدِّينِ ؛ قال سبحانَه: (وَمَن أَحسَنُ قَولاً ممن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسلِمِينَ) [فصلت:33]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَن دَعَا إِلى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجرِ مِثلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ لا يَنقُصُ ذَلِكَ مِن أُجُورِهِم شَيئًا".

 

وهذا التعليم ليس خاصا بطلبة العلم والمشايخ؛ وإنما عليهم الحمل الأكبر منه، قال -عليه الصلاة والسلام-: " بَلِّغُوا عني وَلَو آيَةً".

وقد تكون الدعوةُ من غير أن يتفوه بكلمةٍ واحدة من خلال توزيع الكتبِ والأشرطةِ النافعة خلالَ النزهة أو السفر، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: " فَوَاللهِ! لأَنْ يَهدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيرٌ لَكَ مِن أَن يَكونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ".

إخوة الإسلام: قد تكون تمشيتك بوالديك وأهلك وإخوانك وأولادك عبادةً إذا خالَطَتْها ِالنِّيَّةُ الصالحة، إذ تقصِدُ بها إِدخَالَ السُّرورِ عليهم، وَحِفْظَ أَوقَاتِهم، وَحمَايَتَهُم مِن أَصحَابِ السُّوءِ، وَتَقوِيَةَ الصِّلَةَ بَينَك َوبَينَهُم؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "وَأَحَبُّ الأَعمَالِ إلى اللهِ -تعالى- سُرُورٌ تُدخِلُهُ على مُسلِمٍ".

 

والأهلُ والأبناءُ مِن أَولى مَن يجِبُ إِدخَالُ السُّرُورِ عَلَيهِم؛ بشرط أن تتجرد هذه الرحلة من المنكرات، كسماع غناء، أو تهاون بصلاة، أو تبرج وسفور، أو نحو ذلك من المعاصي التي يزينها الشيطان ليحرم الإنسانَ بها من كثير من الأجور والحسنات.

عباد الله: وَمِنَ الأَعمَالِ الصالحةِ في الإِجازاتِ، مُلازَمَةُ المَسَاجِدِ لِعِبَادَةِ اللهِ، ومِن أَفضلِها تَعَلُّمُ العِلمِ وَتَعلِيمُهُ، وَخَيرُ ذَلِكَ العِلمِ قراءة القُرآنِ وحفظه وَتحفِيظُهُ؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "خَيرُكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ".

ولنعلم -أيها الكرام- أننا إن اقتربنا إلى ربنا بطاعته وعبادته أحبَّنا، واستجاب دعاءنا، وجعلنا مباركين على إخواننا الذين يسومهم النصيريون والروافض سوء العذاب في الشام، فإن استقامتنا لله نفع متعدٍّ يجد أثره إخواننا المسلمون في بقاع الأرض كلها، ونقي بها أنفسنا شر الفتن والمحن.

 

فلنتق الله ربنا، ولنلزم عبادته، حتى آخر نَفَس في دنيانا، (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99].  

 

ولنجعل من إجازتنا نشاطا في العبادة لا تخففا منها.

 

أسال الله أن يجعلنا ممن عبده حق عبادته، وقام بما يجب عليه على أكمل وجه وأتمه.

 

هذا؛ وصلوا وسلموا على نبيكم...

 

 

 

المرفقات

والعبادة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات