المرأة بين تكريم الإسلام ودعاوى التحرر

خالد بن سعد الخشلان

2022-10-09 - 1444/03/13
التصنيفات: قضايا المرأة
عناصر الخطبة
1/أعظم نعمة أنعم الله بها على البشرية 2/المرأة بين إهانة الجاهلية وتكريم الإسلام 3/تكريم الإسلام للمرأة بنتا وأما وزوجة 4/نساء غربيات يطالبن بالفصل بين الرجال والنساء في جميع المجالات 5/النتائج النكدة والآثار الكارثية لما يسمى بتحرير المرأة 6/ خصائص الرجال والنساء 7/ تنظيم الإسلام للغريزة الفطرية بين الجنسين 8/ ارشادات ربانية للرجال والنساء 9/ لماذا يطالب العلماء ولاة الأمر بتطبيق الضوابط الشرعية في عمل المرأة؟ 10/ وجوب عرض الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة على الكتاب والسنة

اقتباس

أيها الأخوة المسلمون: جاء الإسلام والمجتمعات الجاهلية كافة كانت تعد المرأة من سقط المتاع، لا وزن لها ولا قيمة، ولا مكان لها ولا اعتبار. فجاء هذا الدين العظيم، جاءت هذه الشريعة المباركة التي بعث بها محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، جاء هذا الدين الخالد ليمحق تلك التقاليد الجاهلية، وليقضي على تلك الصور المهينة، والأوضاع السيئة التي كانت تعاني منها المرأة، وتعامل على...

 

 

 

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: اتقوا لله عز وجل، واعلموا رحمكم الله أن من اتق الله عز وجل حفظه ربه ووقاه، وهداه وكفاه، وجعل له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا.

 

ألا فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله ربكم بفعل ما أمركم به، واجتناب ما نهاكم عنه، اتقوا الله عز وجل في أقوالكم، اتقوه في أفعالكم، اتقوه بجوارحكم، اتقوه بقلوبكم؛ فتفلحوا وتسعدوا في الدنيا والآخرة، جعلني الله وإياكم من عباده المفلحين، وأوليائه المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

 

أيها الأخوة المسلمون: إن من أعظم نعم الله علينا، وأكبر آلائه، وأجزل مننه؛ نعمة الإسلام هذا الدين العظيم، هذا الدين الخالد الذي ختم الله به النبوات والرسالات.

 

هذا الدين الذي جاء منظما للحياة كلها، ما من ميدان من ميادين الحياة ولا مجال من مجالاتها إلا وللإسلام فيه حكم وتوجيه، وهداية وإرشاد، من أخذ بها والتزم؛ حصلت له السعادة والريادة، حصلت له العزة والرفعة وحصل له التمكين في الأرض، ومن تنكر لها وأعرض عنها واستبدل بشريعة الله استبدل بها حثالات الأفكار البشرية، وزبالات النظم الجاهلية ذل وهان، وخاب وخسر، وصدق الله عز وجل إذ يقول في محكم كتابه: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه:123-124].

 

أيها الأخوة المسلمون: إن من القضايا المهمة التي أبدى القرآن فيها وأعاد، وجاءت السنة النبوية الكريمة تؤكد وتأسس لها "قضية المرأة" التي جاء الإسلام والمجتمعات الجاهلية كافة كانت تعد المرأة من سقط المتاع، لا وزن لها ولا قيمة، ولا مكان لها ولا اعتبار.

 

لقد كانت المرأة في النظم الجاهلية تورث كما يورث المتاع والمال، بل كانت عند ولادتها مبعث شؤم، ومصدر قلق، حتى وصل الحد ببعض الناس إلى دفنها وهي حية مخافة العار والشنار، أو خوف العيلة والفقر.

 

فجاء هذا الدين العظيم، جاءت هذه الشريعة المباركة التي بعث بها محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، جاء هذا الدين الخالد ليمحق تلك التقاليد الجاهلية، وليقضي على تلك الصور المهينة، والأوضاع السيئة التي كانت تعاني منها المرأة، وتعامل على ضوءها.

 

جاء الإسلام ليعلن على الملأ أن أصل الخليقة واحد: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات:13].

 

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) [النساء:1].

 

جاء الإسلام العظيم ليعلن أن المعيار معيار التقوى، وأن مقياس المفاضلة ليس الذكورة والأنوثة، وإنما العمل الصالح، والعمل الصالح وحده الذي يرتب عليه الجزاء الأخروي: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل:97].

 

وفي آية أخرى يقول الله عز وجل: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[الأحزاب:35].

 

جاءت هذه الشريعة المباركة، وأبطلت ما كان عليه أهل الجاهلية من التشاؤم بالبنات، فعابتهم ووبختهم، بقول الله عز وجل: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [النحل:58-59].

 

جاء هذا الدين الخالد وبين من جملة ما بين من أحكامه وشرائعه ما للرجال من حقوق وواجبات ومسؤوليات تتناسب مع خصائصهم وطبائعهم، وقرر في الوقت ذاته ما للنساء من حقوق وواجبات ومسؤوليات تتناسب مع خصائصهن وطبائعهن.

 

وبينت هذه الشريعة أن القوامة للرجال على النساء إنما هي قوامة مسئولية وتكليف، لا قوامة استبداد وتسلط.

 

قوامة عمادها حماية المرأة، والمحافظة عليها، والإنفاق عليها، والإسهام في كل ما من شأنه خيرها وصلاحها وسعادتها في الدنيا والآخرة: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ) [البقرة:228].

 

والرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته؛ كما يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم، مبينا في هذا الحديث أهمية قوامة الرجل على المرأة، القوامة الرشيدة، هذه القوامة التي يحاول كثير من الناس اليوم نزعها من الرجل حتى تكون المرأة بلا قوامة عليها.

 

جاء هذا الدين فكرم المرأة أيما تكريم، كرمها أما وطفلة، كرمها بنتا وأختا، كرمها زوجة، بل وكرمها أجنبية.

 

كرمها أما؛ فقال الله عز وجل في آيات كثيرات؛ منها قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء: 23].

 

وقال عليه الصلاة والسلام لما سأله رجل: من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك"  قال: ثم من ؟ قال: "أبوك، ثم أدناك أدناك".

 

بل جاءت هذه الشريعة فجعلت عقوق الأم والأب من أعظم كبائر الذنوب، حتى جاء في الحديث: "لا يدخل الجنة عاق" أي عاق لوالديه.

 

وحرمت حتى مجرد التأفف من الأم والأب بما يصدر منهما من قول أو فعل، وبخاصة عند الكبر: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء:23-24].

 

كرم الإسلام المرأة بنتا وطفلة، فجعل في رعاية البنات، والإحسان إليهن، والنفقة عليهن، وتربيتهن وتوجيههن؛ جعل ذلك كله سببا من أسباب دخول الجنة، والنجاة من النار.

 

كرم الإسلام المرأة زوجة؛ فبين في نصوص محكمات تحريم الإضرار بالزوجة، ووجوب معاشرتها، والنفقة عليها، والإحسان إليها، يقول الله عز وجل: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 19].

 

وفي خطبة حجة الوداع التي كرم فيها النبي صلى الله عليه وسلم أمهات الدين، ومحكمات الشريعة أكد على هذا الحق، بقوله صلى الله عليه وسلم: "ألا فاستوصوا بالنساء خيرا، فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله".

 

وكان صلى الله عليه وسلم القدوة الأسمى في ذلك، كان المثل الأعلى في هذه الرعاية والإحسان، يقول صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

 

بالله عليكم -أيها الأخوة المسلمون- هل عرفت الدنيا كلها نظاما أعطى للمرأة هذه الحقوق، وبوأها هذه المنزلة الرفيعة، والرتبة المنيفة؟

 

هل شهدت الدنيا كلها حرية حقيقية للمرأة كما شهدتها في رحاب الإسلام وشريعة القرآن والسنة؟

 

أيها الأخوة المسلمون: ليست القضية قضية متاجرة أو مزايدة، وليست القضية تهويشا إعلاميا، أو تهريجا سياسيا في زمن التهريج والتهويش، لكنها الحقيقة الناصعة التي لا يمكن لأي منصف أن يتجاهلها أو ينكرها.

 

إنها الحقيقة التي شهد بها حتى منصف الغرب، وإن كنا لسنا محتاجين لشهادتهم، ولكن كما قيل: "والحق ما شهدت به الأعداء".

 

لقد جربت المرأة في العالم الغربي الذي يدعى بأنه عالم متمدن ومتحضر، جربت المرأة في العالم الغربي كله، وفي بعض بلدان المسلمين الذين قلدوا الغرب، وساروا في ركابه، لقد جربت المرأة في تلك البلاد وتلك المجتمعات، ما يسمى على زعمهم بـ: "تحرير المرأة".

 

خرجت المرأة عن طبيعتها، خرجت عن رسالتها الأصلية، خرجت سافرة الوجه، حاسرة الشعر، كاشفة الصدر، والذراعين والساقين، واختلطت بالرجال في التعليم والمستشفيات، والمتاجر والمعارض، والأسواق والمنتديات، والندوات والمؤتمرات، وعملت جنبا إلى جنب مع الرجال في المصانع والكليات العسكرية، والوزارات والسفارات، والبرلمانات ومجالس الشورى.

 

جربت كل شيء، وأعطيت كل شيء، فماذا كانت النتيجة؟!

 

ماذا كانت النتيجة من زج المرأة والخروج بها عن طبيعتها التي طبعها الله عز وجل عليها؟

 

لم تكن النتيجة فيما نشاهد في مجتمعات جربت هذا التحرر سنين طويلة، لم نجد للمرأة سعادة قلبية، لم نجد تحرير المرأة كما يقولون ويزعمون، لم نجد سعادة قلبية في ذلك التحرر اكتسبته المرأة، ولم نجد هدوء ولا سكينة، ولا زيادة في عفة المرأة وكرامتها، ولا محافظة على سترها وحياءها، ولا تمسكا بأنوثتها وأمومتها.

 

لم يكن شيء من ذلك في بلاد المسلمين التي حذت حذو القذة بالقذة، في الاختلاط، اختلاط المرأة بالرجال، وعمل المرأة في جميع الأعمال، لم نجد ولم تجدوا في تلك المجتمعات، لا تقدما اقتصاديا، ولا نماءً معاشيا، ولا قضاءً على البطالة، ولا قضاء على الفقر، ولا قضاء على المشكلات، لم يكن شيء من ذلك ألبتة.

 

بل على العكس، لقد كان خروج المرأة عن رسالتها وطبيعتها، ومخالطتها الرجال في كافة ميادين الحياة؛ سببا عظيما في قلقها وكآبتها، ورحيل عفتها وحياءها.

 

لقد كان سببا في أحيان كثيرة في الاعتداء عليها، وما حوادث الاغتصاب، والزنا، والتحرش الجنسي بالمرأة التي تشهد ارتفاعا كبيرا في المجتمعات الغربية إلا خير شاهد على ذلك.

 

حتى قامت بعض المظاهرات في المجتمعات الغربية والشرقية تطالب برجوع المرأة إلى بيتها، إلى سكنها، إلى مملكتها، لتجد الأنس والسكينة، والسعادة والراحة.

 

مطالبات اليوم في بلاد الغرب والشرق لتخصيص مدارس وجامعات لا يدرس فيها إلا النساء، مدارس وجامعات لا تختلط فيها الفتيات بالشباب، مطالبات في بلاد الشرق والغرب اليوم بتخصيص حتى حافلات للنساء لا تختلط فيها بالرجال.

 

ما الذي دعاهم إلى ذلك؟

 

إنها النتائج المرة، إنه الحصاد المر لحركة تحرير المرأة كما يسمون ويزعمون؛ لسفورها، لتبرجها، لخروجها عن طبيعتها، ومزاحمتها الرجال في ميادين العمل.

 

هذه هي النتائج المرة، والثمار النكدة لما يسمى بتحرير المرأة، هذه هي الآثار المدمرة ليس على مستوى المرأة وحدها، بل على مستوى المجتمعات التي جربت الاختلاط، وشجعت عليه، فهل نعي هذه التجربة ونستفيد من دروسها وعبرها؟ أما أننا وللأسف الشديد سنبدأ من حيث بدأ الآخرون، ونخوض التجربة كما خاضها الآخرون، وربنا عز وجل يقول في كتابه الكريم: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[المائدة:50].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.

 

أيها الأخوة المسلمون: اتقوا الله عز وجل في جميع ما تأتون وتذرون، وتقولون وتفعلون.

 

واعلموا رحمكم الله أن أعمالنا كلها محصاة علينا، وسنواجه بها يوم القدوم على الله يوم العرض الأكبر على الله: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ) [الحاقة:18].

 

أيها الأخوة في الله: لقد خلق الله الإنسان، وجعل منه الذكر والأنثى، وجعل لكل من الصنفين خصائصه ومكوناته التي تتناسب معه: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ) [القصص : 68].

 

(أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الملك:14].

 

وإذا استحسن أن يعمل الرجل مثلا في مصنع الحديد، فإن من المستهجن أن تعمل المرأة في ذلك؛ لأن  هذا يتنافى ويتعارض مع طبيعتها.

 

وإذا استحسن أن تعمل المرأة حاضنة للأطفال فإن من المستهجن أن يقوم الرجل بذلك، ولو رغب كل من الذكر والأنثى أن يقوم يدور الآخر لما استطاع إلى ذلك سبيلا.

 

أيها الأخوة في الله: لقد أودع الله في كل من الرجل والمرأة الميل للآخر، غريزة فطرية، فطر الله الناس عليها، ولكن الإسلام جاء ليهذب هذه الغريزة، ويشرع من الأحكام ما يضبطها، فإذا اختلت هذه العلاقة بين الرجل والمرأة، بين الذكر والأنثى، واضطربت، حصل من الفساد العظيم، والشر المستطيل ما لا يكاد يوصف.

 

أليس رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي ما من خير إلا ودلنا عليه، وما من شر إلا وحذرنا منه، يقول فيما صح عنه صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ".

 

ألم يأت التحذير النبوي من الإخلال بهذه العلاقة: "ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء".

 

بل جاءت التوجيهات القرآنية والنبوية كلها لتحافظ على هذه العلاقة بين الرجل والمرأة، بين الذكر والأنثى، حتى يسير المجتمع برجاله ونساءه سيرا حسنا إلى الله عز وجل.

 

فأمر الله عز وجل كلا من الرجال والنساء بغض الأبصار: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) [النور:30-31].

 

وحرم الإسلام خلوة الرجل الأجنبي بالمرأة: "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما".

 

وحرم على المرأة المسلمة أن تسافر بغير محرم: "لا تحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم".

 

وأمر المرأة بالحجاب وستر وجهها، حتى لا تفتن الآخرين، فيحصل لها ولغيرها من الأذى والشر ما يحصل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الأحزاب:59].

 

حرم على المرأة المسلمة أن تبدي مفاتنها أمام الرجال الأجانب: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ) [النــور: 31].

 

وحرم اختلاط النساء بالرجال الأجانب؛ صيانة للعفة، وحماية للفضيلة، إلى غير ذلك من التوجيهات الرشيدة، والأحكام الشرعية المحكمة، التي تهدف إلى ضبط الحياة، والعلاقة بين الرجال والنساء.

 

أيها الأخوة المسلمون: إن الغيورين من أهل العلم والصلاح والدعوة، يوم يؤكدون على هذه المعاني، ويناشدون ويطالبون بمنع الاختلاط، وتطبيق الضوابط الشرعية الحقيقية في عمل المرأة، ليس ذلك منهم تزمتا، ولا تشددا، كما يقول أهل النفاق والزيغ، ومحبو الشهوات، إنما ذلك محض النصح لله ولرسوله ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم.

 

إنه السعي الجاد للمحافظة على خصوصية هذا البلد وأمنه واستقراره.

 

إنه استجابة حقيقية لأوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

إنه استخلاص للدروس والعبر من مجتمعات أعرضت عن هداية القرآن، وشريعة الرحمن.

 

إن من الوهم الكبير أيها الأخوة المسلمون أن يظن أن تقليد المجتمعات الغربية في عمل المرأة سيكون سببا لتخفيف تلك المجتمعات؛ لكي تخفف عدائها، أو أن يكسب رضاها، أو أنه عاملا لتقدم المجتمع ورقيه.

 

إن القوة الحقيقية للمجتمع المسلم وتقدمه ونمائه، إن الأمان والطمأنينة الحقيقية للمجتمع المسلم لا تتحقق إلا بمزيد من التمسك بأحكام الدين، والتطبيق الصحيح الجاد لأحكام الشريعة، وما جاءت به، مما يكفل الخير والسعادة لأفراد المجتمع رجالا ونساءً.

 

إن من الحقائق أيها الأخوة المسلمون التي ينبغي أن يعيها كل مسلم أن المرجعية في مواقفنا وأحكامنا نحن المسلمين من كل قضية إنما هي أحكام الشرع المطهر، وكل ما خالف ذلك من اتفاقات ومعاهدات تبرهما الأمم المتحدة وغيرها، فلا وزن لها ولا قيمة، مهما زينت وزخرفت؛ لأننا نعلم يقينا أن ما من خير للرجل والمرأة إلا وشريعتنا، ودين ربنا قد جاء به وقرره، وما من حكم فرقت فيه الشريعة بين الرجال والنساء في أي مجال من مجالات الحياة، سواء أكان في العبادة أم النكاح أم المواريث، أم السياسية إلا وفي ذلك التفريق بين الرجل والمرأة التي دعت إليه الشريعة إلا وكان في ذلك التفريق العدل والخير والصلاح، وفي إلغاء ذلك الفرق الجور والظلم والبغي والفساد العريض، وصدق الله عز وجل إذ يقول: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50].

 

إن ما يسمى باتفاقيات "سيداو" أو "اتفاقية مكافحة العنف ضد المرأة" وغيرها من الاتفاقيات التي تصدرها الأمم المتحدة، وتلزم الدول كلها بموجبها إنما هي اتفاقيات توزن ويوزن ما جاء فيها بميزان الشرع المطهر لدينا نحن المسلمين، الذين نعظم شريعة ربنا، وندرك يقينا أنه لا خير لنا إلا في اتباع حكم الله وحكم رسوله: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور:51].

 

(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب:36].

 

فجميع بنود تلك الاتفاقيات إنما تعرض على ميزان الشرع المطهر الذي يقرره أهل العلم الربانيين، الذين أمرنا الله عز وجل بالرجوع إليهم، وسؤالهم، لمعرفة أحكام الشرع: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)[النساء:83].

 

والمراد بـــ (الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) العلماء الذين يستنبطون أحكام الشرع المطهر من نصوص القرآن والسنة، ولهذا يقول الله عز وجل: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل:43].

 

فجميع ما ورد في تلك الاتفاقية ما كان منها موافقا لحكم الشرع؛ فعندنا في شريعة ربنا ما يغني عن الالتزام به، والدعوة إليه، والحث على تطبيقه، وما ورد في تلك الاتفاقيات مخالفا لأحكام ربنا، وشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فلا وزن له ولا قيمة، مهما اتفق عليه المتفقون، ودعا إليه المتآمرون.

 

نسأل الله عز وجل أن يلطف بالمسلمين، وأن يردهم جميعا إلى دينه ردا جميلا حميدا، وأن يقيهم شر الأشرار، وكيد الفجار، ومؤامرات الكفار، إنه على كل شيء قدير.

 

هذا، وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا".

 

اللهم صل وسلم وبارك ...

 

 

 

المرفقات

بين تكريم الإسلام ودعاوى التحرر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات