وقفات مع نظام العمل والعمال

محمد بن موسى الفيفي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: قضايا اجتماعية
عناصر الخطبة
1/ أهم المخالفات الجسيمة لنظام العمل والعمال 2/ فتاوى لكبار العلماء تتعلق بمخالفات العمل 3/ فرصة تصحيح الأوضاع ووضع الأمور في نصابها 4/ ضرورة استصحاب الكفلاء والعمال لتقوى الله

اقتباس

فقد عاش المجتمع في الأسبوع المنصرم أحداث أزمة طارئة سببتها إشاعات طائشة، ترددت عبر وسائل الاتصالات الاجتماعية، فنتج عنها بلبلة غير يسيرة, ورب ضارة نافعة، ومحنة... ومن هنا نقول: إن عبء وجود تلك المخالفات يقع على الكفيل والمكفول على حد سواء، وقد ينفرد الكفيل بكل الوزر في بعض الحالات، وتلك...

 

 

 

 

أما بعد: فقد عاش المجتمع في الأسبوع المنصرم أحداث أزمة طارئة سببتها إشاعات طائشة، ترددت عبر وسائل الاتصالات الاجتماعية، فنتج عنها بلبلة غير يسيرة, ورب ضارة نافعة، ومحنة في طيها منحة.

 

وإن لي مع هذا الحدث وقفتين: فأما الوقفة الأولى فهي أن تلك الأزمة قد أظهرت للجهات المسؤولة في الدولة مدى وجود مخالفات جسيمة لنظام العمل والعمال، وشروط الاستقدام، ونظام الكفيل على وجه الخصوص، وإلا فإنه لو لم تكن هناك مخالفات حقيقية لما قامت كثير من المؤسسات التجارية وغيرها بإغلاق أبوابها.

 

ومن هنا نقول: إن عبء وجود تلك المخالفات يقع على الكفيل والمكفول على حد سواء، وقد ينفرد الكفيل بكل الوزر في بعض الحالات،  وتلك في النهاية مخالفة صريحة لأولي الأمر الذين أمرنا بطاعتهم بنص الكتاب والسنة.

 

عباد الله: إن المقام ليس مقام تفصيل وبيان واستقصاء؛ ولكن حسبنا أن نوجز أهم تلك المخالفات.

 

أولا: إنه مما يؤسف له أن كثيرا من الكفلاء يستقدمون عمالة بعقود موافقة لشروط الجهات المعنية في الدولة، ولكن؛ ما إن يحط العامل على أرض هذه البلاد رحله حتى ينقلب عليه الكفيل، ويفهمه بأنه ليس بحاجة إليه، وأن عليه أن يبحث له عن عمل بطريقته الخاصة، ويكتفي الكفيل بتحصيل قيمة التأشيرة التي لا يحل له أكل ثمنها من الأساس.

 

وربما زاد الكفيل على ذلك ظلما آخر وأعظم وذلك بأن يطالب ذلك العامل المسكين بمكوس وإتاوات ومبالغ شهرية أو سنوية بحجة تجديد الإقامة أو التأمين الصحي، وبعضهم قد يتوهم ويظن أنه شريك للعامل فيما يحصله بجهده وعمله وكد جبينه.

 

وهذا وهْم لا أساس له من الشرع؛ وذلك لأمور:

 

أولها: لا يمكن لمن خالف الله -تعالى- في أمره بطاعة ولي الأمر أن يكون ما يحصله من تلك المخالفة شرعيا وحلالا؛ لأن المعصية والحلال أمران متضادان، فالطاعة يأتي من ورائها لقمة الحلال، والمعصية لله ولأولي الأمر يأتي من ورائها المال الحرام.

 

ثانيها: عقد الشراكة عقد رضائي، وأموال الناس محترمة، ولا يجوز تحصيلها ولا أخذها إلا برضا الطرفين، ومتى كان أحدهما مكرها أو مجبرا على ذلك فإن العقد باطل، وما يأخذه الطرف الآخر هو ظلم وسحت محرم لا يجوز بحال من الأحوال.

 

ثالثها: عقود الشركات وأنواعها في الفقه الإسلامي ليست مطلقة ولا مفتوحة لنا نفصلها كما نشاء،  ونضع صورها وأشكالها على ما يحلو لنا ونهواه؛  بل هي محددة ومعددة شرعا، ومنصوص عليها فقها ونظاما، وليس منها مشاركة العامل المستقدم فيما يحصله من أجور ورواتب.

 

وإذا تبين هذا؛ فإن كل شركة ليس منصوصا عليها في الشرع فهي مُحَرَّمَة شرعا، ومُجَرَّمَة نظاما.

 

هذا؛ وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن حكم توزيع العمال المكفولين للعمل عند الناس وأخذ نسبة من العمال المكفولين نهاية كل شهر؟.

 

فأجابت برئاسة العلامة ابن باز -رحمه الله- بما نصه: "لا يجوز أخذ نسبة من العمال وتركهم يعملون عند غير كفيلهم".

 

كما وُجه للجنة سؤال من شخص قام باستخراج اثنتي عشرة فيزا لاستقدام عمال من دولة الباكستان، فأعطاه مكتب الاستقدام في تلك الدولة عن كل تأشيرة ألف ريال، ثم اتضح له أن ذلك المبلغ تم استقطاعه من العمالة المستقدمة!.

 

فأجابت اللجنة الدائمة بما نصه: "يجب عليك رد المبلغ المذكور إلى العمال، فإن تعذر فتصدق به عنهم؛ لأن المبلغ اقتطع منهم بغير حق".

 

قلت: فكيف الحال بمن يطلب المبلغ مقدما، وبأرقام خيالية؟!.

 

كما أصدر مجلس هيئة كبار العلماء قرارا جاء فيه ما نصه: "قرر المجلس أن كل استخدام أو تشغيل للمستقدمين يخالف ما أقرته الدولة للمصلحة العامة فهو ممنوع، وأن كل ما يأخذه المستقدمون من العمال مقابل تمكينهم من العمل عند غيرهم يعتبر محرما".

 

ومن المخالفات لنظام الاستقدام والكفالة أيضا: تستر الكفيل على مكفوله، بحيث يستخرج له سجلا تجاريا باسمه ويترك عامله يعمل لحسابه، فهو بهذا قد خالف نظام الكفيل، وأضاف إليه مخالفة أخرى وهي مخالفته لنظام التستر، فارتكب معصيتين في وقت واحد.

 

ومن المخالفات أيضا: أنه عندما يرفض توظيف العامل لديه، ويفهمه بأن عليه أن يبحث عن عمل بنفسه؛ فإن بعض العمال ربما يتجه إلى العمل في أمور تضر هذه البلاد، كأعمال التجسس لدول معادية، أو الاشتغال في ترويج المخدرات، أو أعمال الدعارة، أو السطو والسرقة ونحوها، فيكون بذلك الكفيل قد تحمل مثل الآثام التي ارتكبها عامله.

 

ويضاف لذلك وزر آخر، وهو إثم جنايته على مجتمعنا المسلم, وعلى أمن هذا البلد الحرام واستقراره.

 

ومن المخالفات أيضا أن البعض من الذين يستقدمون الأجانب يستقدمونهم من غير حاجة، وإنما يستقدمونهم من باب المباهاة والمفاخرة ومجاراة الآخرين، ليفتخر بذلك.

 

والأمر الفظيع الذي لا يمكن السكوت عنه أن بعضهم يكون ساكنا في بيته بمفرده ويستقدم امرأة وليس معها محرم، ويسكنها في بيته كأنها من محارمه! مع أنه -صلى الله عليه وسلم- قد بيّن أنه "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما"، وقال أيضا: "إياكم والدخولَ على النساء!" قيل: أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت".

 

إخوة الإيمان: ومع هذا؛ فإننا لا ننكر أنه في بعض الأحيان يكون العامل المستقدم هو الذي يرفض العمل بالراتب لدى كفيله، وفي هذه الحالة فإن على الكفيل أن يسلمه إلى الجهات المختصة للتعامل معه وفق الأنظمة المرعية؛ لمخالفته لما تم التعاقد عليه، ولقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة:1].

 

على أنه لا يفوتنا أن ننبه إلى أنه لا  مانع من الاستعانة ببعض الإخوة المتمكنين في حفظ القرآن الكريم في العمل لساعة أو ساعتين في بعض الأيام في حلقات التحفيظ بالمساجد أو دور التحفيظ النسائية، ولكن بعد أخذ الإذن من الجهات العليا المشرفة على تلك الحلقات والدور؛ لأن الأصل في هؤلاء أنهم ما عملوا في مجال التحفيظ إلا احتسابا وتطوعا، وإن أخذ أجرا فهو رمزي لا يُذكر.

 

وإن ذلك متى كان خارج فترة عمله لدى كفيله، وكان قد اجتاز المقابلة لدى الإدارات المعينة، وحصل على الإذن بالتحفيظ فإنه، لا بأس بذلك إن شاء الله؛ وهذا بحمد الله هو ما عليه العمل حتى اليوم.

 

أخيرا -عباد الله- فإن الأسابيع القادمة فرصة مواتية لتصحيح الأوضاع، وإعادة الأمور إلى نصابها وطريقها الصحيح، عبر الوسائل النظامية المتاحة.

 

فمن كان في حاجة إلى عامل أو أكثر فليوفِ له عقده، وليشغِّلْه عنده بالراتب المتفق عليه مسبقا.

 

وأما من لم يكن بحاجة إلى هؤلاء فإنه لا يحل له أن يتخذ من استقدامهم تجارة يتكسب من ورائها ما لا يحل له شرعا ولا نظاما، وفي ما أباحته الشريعة من أبواب الزرق الحلال مندوحة وملجأ.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر:17-18].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم...

 

أقول قولي هذا، وأستغفِر اللهَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة.

 

 

 

 

المرفقات

مع نظام العمل والعمال

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات