القوة في الحق

صفوان بن محمد مرشد الأزدي

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ قوة العقيدة مقياس للتفاضل 2/ سعادة الأمة بالمؤمن القوي 3/ صفات المؤمن القوي الصادق 4/ فضل القوة في الحق وللحق 5/ حاجتنا للقوة لبسط العدل 6/ أسباب نكبتنا ومخرجنا منها 7/ غفلة المسلمين عن واقعهم 8/ اهتمام النبي بنذر العقوبة 9/ آن للأمة أن تستيقظ 10/ التحذير من المنافقين التغريبيين

اقتباس

ولا يعرف فضل القوة في الحق وللحق إلا من شقي تحت وطأة الطغيان دهراً طويلاً، فتجده يستقبل طلائع القوة وزمجرتها كبوارق الصبح تشق حوالك الظلم. تلك القوة المفقودة هي المطلوبة اليوم لإقامة موازين القسط بين الناس، وبسط العدل في... وهذه القوة الإيمانية لا تعرف في زمن الرخاء والدعة كما تعرف في أوقات المحن والشدائد، فما أسعد المجتمع بالأقوياء الراسخين من أبنائه! وما أشقاه بالضعفاء المهازيل! الذين...

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة، فتركها على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.

 

أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70].

 

أما بعد: معاشر المسلمين: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير" أخرجه مسلم.

 

التفاضل في الخيرية بين المؤمنين، وفي حب الله لهم، مبني على قوة العقيدة ورسوخ التوحيد وبلوغ الذروة في الإيمان والتصديق.

 

وهذه القوة الإيمانية لا تعرف في زمن الرخاء والدعة كما تعرف في أوقات المحن والشدائد، فما أسعد المجتمع بالأقوياء الراسخين من أبنائه! وما أشقاه بالضعفاء المهازيل! الذين لا ينصر بهم حق ولا يخذل بهم باطل، ولا يأمن معهم وبهم صديق، ولا يخاف منهم عدو.

 

فهؤلاء لضعفهم لا تقوم بهم نهضة، ولا ترفع بهم راية، فلا يغتر مغتر بكثرتهم ولا بسوادهم، فسرعان ما تطير الأحداث بأفئدتهم فتجعلها هواء.

 

قال -تعالى- عن الكثرة التي لحقت بطالوت: (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:249].

 

وقد ابيضت عين الدهر، ولم تر مثل المؤمن القوي الصادق العزم، العالي الهمة، لم تر مثله في قوته وثباته وصلابته في الحق وبذله فيه، فلا يصرفه عن حقه وعد، ولا يثنيه عن همته وعيد، ولا ينحرف به طمع، ولا يضله ويغويه هوىً، ولا تصرعه شهوة مال، أو نزوة جاه أو منصب.

 

تجده دائماً داعيا للخير، هاديا للمعروف، ناهيا عن الشر، رادا للمنكر؛ لئن كسر الطاغية بمدفعه سيفه فلن يكسر الباطل نفسه، ولن يثنيه عن عزمه على العمل للإسلام والسير في طريق نصرته بعزيمة ومضاء وصبر ومصابرة، شعاره في مسيره إلى الله قول الله: (وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) [إبراهيم:12].

 

فما أجمل القوة في الحق وفي الخير حين تندفع! بها تزول المظالم وترتفع؛ فيجبر بها الكسير، ويفك بها قيد الأسير. ما أجمل القوة العادلة المفقودة اليوم! عندما يحق بها الحق، ويزهق بها الباطل.

 

ولا يعرف فضل القوة في الحق وللحق إلا من شقي تحت وطأة الطغيان دهراً طويلاً، فتجده يستقبل طلائع القوة وزمجرتها كبوارق الصبح تشق حوالك الظلم.

 

تلك القوة المفقودة هي المطلوبة اليوم لإقامة موازين القسط بين الناس، وبسط العدل في أرجاء المعمورة, قال -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ) [الأنفال:60].

 

والحقوق المسلوبة لن يستطيع ردها إلا رجال لهم جرأة في الحق تربو على جرأة عدوهم في الباطل، وعندهم حرص على التضحية في سبيل الله أشدّ من حرص عدوهم على السطو والاحتفاظ بالمكاسب والمطامع.

 

قال -تعالى- فيهم: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) [التوبة:111].

 

أيها المسلمون: إن ما ظفر به أعداء الأمة من سطو واستيلاء وعربدة واستعلاء لا يرجع إلى خصائص القوة في أنفسهم بقدر ما يعود إلى آثار الضعف والوهن في صفوف حملة الحق وأصحابه، وبقدر ما يعود ابتداء إلى تقصيرنا في الأخذ بأسباب التمكين والبعد عن أسباب الخذلان.

 

وما علينا اليوم إلا أن نقوّم أنفسنا، ونعرض أعمالنا وجهودنا على الكتاب والسنة وسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، مع أفضل ثلة أصحاب وأتباع عرفتها البشرية.

 

فهذه غزوة أحد ينزل فيها القرآن ليضع الأمر في نصابه، ويكشف عن أسبابه، ضمن القدر الكوني الذي أراده الله -عز وجل- لتربية الأمة في محنتها.

 

قال -تعالى-: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) [آل عمران:165-168].

 

وبين الله -عز وجل- للمؤمنين أسباب صرفهم عن موعود الله الحق بالتمكين لهم على عدوهم- بقوله: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) [آل عمران: 152].

 

أيها المسلمون: ما أصابنا اليوم إنما هو بسبب ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وما فعله السفهاء منا.

 

هذه الأمة حين تخلت عن أمر الله صارت مهينة مستكينة يطؤها الخف والحافر، وينالها الكافر والفاجر الماكر.

 

وثقت بمن لا يفي بالعهود، وأسلمت نفسها للعدو اللدود، وقدمت الرويبضة ليقود, وتلّت جبين عزها لذابحها، ومنحت رباطها لخانقها، على حساب دينها وأمنها وحاضرها ومستقبلها، في عالم الكذب والخداع، والمكر والأطماع، حتى باءت بالسخطين، وذاقت الأمَرَّين.

 

ولا ينفعنا اليوم بكاء ولا عويل، وليس على غير الله مستند ولا تعويل، في هدايتنا إلى المخرج وإرشادنا إلى حسن السبيل.

 

وليس لنا-عباد الله- إذا أحاطت بنا الحتوف، ونزل بنا الأمر المخوف، واشتد الكرب، وعظم الخطب، إلا أن نعود إلى الله ونرجع إليه، فهذا -تالله- سبب الفلاح، وسر النجاح.

 

ولا يتحقق ذلك بمجرد شقشقة لسان، أو حركة بنان، أو بوعود كاذبة بالتصحيح والاستقامة تزول فور انكشاف الكربة وانقشاع الغمة.

 

كلا! فتلك وعود كاذبة لو انطلت على بعض البشر فإنها لا تخفى على رب البشر، قال -تعالى-: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:71], وقال -تعالى-: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) [النساء:142].

 

إن الله -عز وجل- حكم عدل مُبِين، لا يبدل أمن الأمم قلقاً، ولا رخاءها شدة، ولا صحتها سقماً، ولا عزها ذلاً، من باب الظلم لهم أو التشفي بهم، كلا! حاشاه سبحانه! (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) [يونس:44].

 

وقال -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) [الرعد: 11].

 

عباد الله: إن رياح التغيير لا تهب عليلة دون كدر، كما أنها لا يمكن أن تهب إلا من داخل صف المسلمين أنفسهم، ومستقبل الأمة لا يمكن أن يصنعه من لا يؤمن بشرعة الله ولا يخافه، فلا بد أن تصنعه الأيادي الطاهرة المؤمنة المنطلقة من الشريعة الغراء، بعيداً عن القوميات والأقليات والعميات الجاهلية.

 

وإذا علم الله منا صدقاً في التصحيح والرجوع، وإخلاصاً في النية والمقصد؛ بدّل أحوالنا من كرب إلى فرج، ومن ضيق إلى سعة، ومن شدة إلى رخاء، ومن ترح إلى فرح.

 

كيف لا؛ وقد قال -سبحانه- في أسرى بدر من المشركين: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأنفال:70]. فلنُري الله من أنفسنا خيراً.

 

أيها المسلمون: إن مما يذيب القلب كمداً، ويعتصر له الفؤاد ألما، أن نرى بعض المسلمين في هذه الأحداث المؤلمة وهم في غفلة معرضون، لاهية قلوبهم يلعبون، نرى صوراً مريضة شائهة، ونفوساً عليلة تائهة، تلهو في أحلك الظروف، وتمرح في أخطر المواقف، وتهزل في مواطن الجد والصرامة، وتلعب في زمن البلاء والبأساء والضراء.

 

غفلة عن النذر، وإعراض عن التذكر، وأمن من مكر الله -عز وجل-, وحَيدةٌ عن حال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.

 

تقول عائشة -رضي الله عنها-، وهي تبين حاله -صلى الله عليه وسلم- في زمن إقبال ما ينذر بالعقوبة، ويُشعر بالعذاب، قالت: كان رسول -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى غيماً أو ريحاً عُرِف ذلك في وجهه فقلت: يا رسول الله، أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية, فقال: "يا عائشة، ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا" أخرجه مسلم.

 

وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: انكسفت الشمس يوماً على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي حتى لم يكد يركع، ثم ركع فلم يكد يرفع رأسه، ثم رفع رأسه فلم يكد أن يسجد، ثم سجد فلم يكد أن يرفع رأسه، فجعل ينفخ ويبكي -صلوات الله وسلامه- عليه ويقول: "رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم؟! رب، ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون؟! ونحن نستغفرك" أخرجه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان وصححه الألباني وأصله في الصحيحين.

 

هكذا كان حال النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فما للعيون ناظرة ولا تبصر؟ وما للقلوب قاسية ولا تفكر؟ وما للنفوس ناسية ولا تذكر؟! أغرّها إنظار الله لها وإمهالها؟ أم عمت الغفلة فاستحكم على القلوب أقفالها؟!.

 

وتذكروا -عباد الله- عذاب الله ووقائعه في الأمم، وتذكروا شدة نقمته إذا انتقم، وحاذروا زوال ما أنتم عليه من النعم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً رسول الله إمام المتقين، صلى الله عليه وسلم من يومنا هذا إلى يوم الدين.

 

وبعد: أمة الإسلام: في مسيرة التغيير الحق آن للمنكرات أن تنكر، ولقنوات الخزي أن تمنع وتدحر، وللربا أن يترك ويهجر، وآن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يبين ويظهر, آن لبلاد الإسلام أن تتطهر، وآن لدين الله أن ينصر.

 

وآن للأمة أن تتذكر قول سيد البشر -صلى الله عليه وسلم-: "من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عنه وأسخط عليه الناس".

 

وفي لفظ: "من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله، ومن أسخط الله برضا الناس وكله الله إلى الناس" أخرجه الترمذي وابن حبان والشهاب وصححه الألباني.

 

وأن تتذكر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف" أخرجه الترمذي وأحمد والحاكم وصححه الألباني.

 

وفي رواية: "احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة" أخرجه أحمد والحاكم وصححه الألباني.

 

وعلى الأمة أن تحذر في هذا الوقت كل ناعق ومنافق ممن لا تؤمن غوائلهم، ولا تقف مكائدهم، الذين زكموا الأنوف بنتن هذيانهم وعفن أباطيلهم وخطراتهم، التي ضرت بالأمة وجرت عليها من الويلات والنكبات ما جرت، سيماهم الترامز، وديدنهم التغامز، ينادون بالانفتاح ويسعون إلى تغريب الأمة، وجوه كالحة، ونواصٍ كاذبة، فالحذرَ الحذرَ عباد الله من هؤلاء وأشياعهم وأنصارهم وأتباعهم!.

 

هذا؛ وارفعوا عباد الله أكف الضراعة، وتوسلوا إلى الله بألوان الطاعة، أن يرحم إخواننا المستضعفين في كل مكان.

 

ادعوه دعاء الغريق في الدجى، ادعوه وأنتم صادقون في الرجاء؛ اللهم اجعل لنا وللمسلمين من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا.

 

اللهم أنت إلهنا، وأنت ملاذنا، وأنت عياذنا، وعليك اتكالنا, اكشف عنا وعن المسلمين كل بأساء، يا أرحم الراحمين.

 

إلى من تكلنا؟ إلى عدو يتجهمنا؟ أم إلى باغ مكلته أمرنا؟ إن لم تكن ساخطاً علينا فلا نبالي، غير أن عافيتك أوسع لنا.

 

نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل علينا غضبك، أو يحل علينا سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك.

 

 

 

 

المرفقات

في الحق

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات