التلفزيون – 2

ناصر بن محمد الأحمد

2013-03-04 - 1434/04/22
التصنيفات: حكم التشريع
عناصر الخطبة
1/ الآثار التي تركها التلفاز في حياة الناس 2/ تغيير أنماط النوم والطعام 3/ آثار التلفاز على الأُسر 4/ تعويد الناس على استمراء المنكر وإقراره 5/ محاولات الهدم المكشوف لأخلاق الناس 6/ خطورة البث المباشر

اقتباس

ومن أسوء آثار التليفزيون أنه يُعوّد الناس على التغاضي عن كثير من الفضائل الإسلامية، بل باب الهدم فيه أعظم، بما يخدش من حياء، وما يحطّم من قِيم، وما يقوم على رذيلة، بل الأدهى... وصرنا لا ننكر وجود رجل وامرأة في وضع الزوجين، بل إن من يتقن ذلك نصفه بأنه ممثل محترم، وأنها ممثلة قديرة، وصرنا لا ننكر على أن تظهر المرأة حاسرة الرأس، كاشفة الشعر والرقبة والذراعين والساقين. وتعودنا...

 

 

 

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، …

أما بعد: تكملةً لحديثنا معكم في الجمعة الماضية عن جهاز التلفاز، وما يُعرَض فيه، والآثار التي تركها هذا الجهاز في واقعنا.

وكنا قد فصّلنا في الجمعة السابقة، واستعرضنا لكم بعض ما يُعرض فيه، وبيّنا مخالفتها لشرع الله تبارك وتعالى، وفي بعض المسلسلات يُعرض الإلحاد والشرك والكفر بالله جل وعلا. ناهيك عن حرب الإسلام بشتى الصور والأساليب وتمييع الدين في قلوب الناس، والدعوة النشطة إلى التنصير.

فنقول بعد ذلك: ما هي الآثار التي تركها التلفاز في حياة الناس؟! وما الذي فعله في واقع الأُسر؟!

لقد فعل أشياء كثيرة: أولاً: تغيير أنماط النوم، فمن آثار هذا الجهاز أنه عوّد الناس على السهر، وهذه عادة سيئة، لم تكن قبل تفشي هذا الجهاز، فكان الناس ينامون مبكراً، ويستقبلون يومهم الثاني بنشاط وارتياح.

أما في هذا الزمان، فالنوم مبكراً صار أعجوبة الزمان، بل صار يُستغرَب من الشخص الذي ينام بعد صلاة العشاء مباشرة، هذا إذا لم يسلم من السخرية، ويُشبه ببعض الطيور التي تنام مبكراً، وكأن الرجولة وكمال الشخصية هو في السهر حتى ساعة متأخرة من الليل.

ثانياً: من آثار التلفاز على واقع الناس: تغيير نمط الطعام، فصارت وجبات الطعام ملتزمة بمواعيد البرامج، قبل البرنامج أو بعده، ولو كانت الوجبة خفيفة ولا تُشغل عن المشاهدة والمتابعة، فلا بأس بتناولها مع البرنامج.

وأحياناً يأتي موعد الوجبة الغذائية ويمضي، والمشاهدون مشدودون للتلفاز، دون اهتمام بحاجة الجسم للطعام ودون شعور بالجوع في بعض الأحيان، وذلك عندما يبلغ سكر الفيلم منتهاه. ولا شك أن الأمهات يعانين من هذه المشكلة كثيراً، تذهب وترجع وتعود وهي تنادي الأولاد للأكل، مرات ومرات، دون أن يبالي بها أحد، وأحياناً تقوم بتسخين الأكل أكثر من مرة، دون أن يحس أو يشعر بها أحد.

ثالثاً: غيّر التلفاز طريقة تجمع الناس، كان هناك تزاور بين الجيران في السابق، وكانت هناك أحاديث جميلة، وتسامر نظيف، واهتمام بمشاكل بعضهم لبعض، مع لهفة في متابعة أخبار بعضهم لبعض، أما الآن، فالكل مشغول بمتابعة الأفلام، وليس هناك وقت للسؤال عن أحوال الجيران والأقارب.

ولو حصل هناك اجتماع وكان هذا الجهاز مفتوحاً، ففي الغالب لا أحد يتكلم، وإنما فقط أجساد كثيرة متواجدة في مكان واحد، حتى ينتهي المسلسل ثم ينصرف كلٌّ إلى بيته، وأحياناً يأتي ضيف وصاحب الدار مشغول بمتابعة مباراة أو سباق هجن، فيأتي الضيف ولا يشعر بترحيب، ولا يشعر باهتمام من صاحب المنزل؛ وأحياناً يجلس مدة طويلة ولا أحد يحادثه، فيشعر بثقله على مضيفه فيستعجل في الانصراف.

رابعاً: من آثار التلفاز على الأُسر، أنه لا يقرّب بين أعضاء الأسرة، ولا يجعلهم يجلسون مع بعض، ويتحدثون فيما بينهم. وقل ما تجد هناك وقتًا لتبادل الآراء والأفكار. اسأل نفسك أيها الوالد، متى تفرغ من عملك اليومي؟ قرب العصر، وهناك من يعمل حتى المغرب أو العشاء. ثم بعد ذلك، يجلس الجميع لو كان مزاجهم متفقاً لمشاهدة البرامج، وفي الغالب أن الأمزجة تختلف؛ فكلّ يريد محطة خلاف الآخر، فكلّ في غرفته، يتفرج لما يروق له.

فاسأل نفسك أيها الوالد، متى تجلس مع أولادك، لكي تُكسِبهم من أخلاقك، ومتى سوف يتعلمون منك التعقل والحكمة والاتزان، ومتى يقتبسوا من أفكارك وآرائك أيها الوالد، إذا كنت الآن، وفي هذا السن، لا تجلس معهم، فبعد أن ينتهي الولد من المرحلة الثانوية، فالتقاؤك معه سوف يكون في المناسبات، فالتلفاز لم يترك هناك وقتًا للالتقاء الأسري، ولا للتجمع العائلي، وليس هناك مجال لتبادل الخبرات والتجارب.

خامساً: من آثاره: تعوُّد الناس على الضجيج والصراخ والصخب، أين تلك الحياة الهادئة التي كانت تخيّم على المدينة بعد غروب الشمس، لقد ساهم التلفاز في حرمان الناس الهدوء، فطوال النهار حركة وعمل وذهاب وإياب، وإذا جاء الليل، اشتغلت أفلام رعاة البقر، ومسلسلات العنف والجريمة، وجولات المصارعة الحرة، فلا هدوء لا في ليل ولا في نهار، ولذا يشتكي كثير من الناس من أمراض ارتفاع الضغط، واضطراب الأعصاب والصداع، وغير ذلك من الإزعاج وعدم الهدوء الذي له أكبر الأثر في ازدياده.

سادساً: ومن أسوء آثاره، إن لم يكن أسوأها على الإطلاق، أنه يُعوّد الناس على التغاضي عن كثير من الفضائل الإسلامية، بل باب الهدم فيه أعظم، بما يخدش من حياء، وما يحطّم من قِيم، وما يقوم على رذيلة، بل الأدهى ما يهدم من أحاسيس، وتعويد على استمراء المنكر وإقراره حتى صار المنكر معروفاً والمعروف منكراً، والأمثلة على ذلك أكثر من أن نستقصيها، فصار من ينظر إلى التلفاز، يتقبل أن يحتضن رجل بنتاً شابة؛ لأنه يمثل دور أبيها، وصَدّق ذلك ولم يعد ينكره، بل نحن مطالبون أن نأخذ الأمور بعفوية وطبيعية.

وصرنا لا ننكر وجود رجل وامرأة في وضع الزوجين، بل إن من يتقن ذلك نصفه بأنه ممثل محترم، وأنها ممثلة قديرة، وصرنا لا ننكر على أن تظهر المرأة حاسرة الرأس، كاشفة الشعر والرقبة والذراعين والساقين. وتعودنا مناظر احتساء الخمور والتدخين والاغتصاب والسرقات، والقتل والسباب بأقذع الألفاظ، مع أن هذه الأوضاع جميعها مصادمة لأمر الله عز وجل، فعوّد هذا الجهاز الناس على التغاضي عن الحرام، وصار طبيعياً في حياة الناس، وهذا من أسوأ آثاره.

سابعاً: من آثاره أيضاً، أنه هدم كثيراً من قيمنا الدينية الإسلامية، فمثلاً شرع الإسلام الاستئذان للأولاد قبل الدخول على أبويهم (ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ) [النور: 58]، لكن هذا الجهاز هتك ستر الأبوين، ولم يعد للزوجين من أسرار خاصة، ولم يعد لغرفة النوم ولا لفراش الزوجية ذلك الاحترام والاحتشام والسرية والصيانة.

بل إن حياة الأزواج مكشوفة في هذا الجهاز بصورة مبتذلة رخيصة وإسفاف بالغ. فما الغاية من الاستئذان بعدما تكشفت العورات؟! هل المقصود منه أن لا ينكشف أمام ناظري الابن شخصان بعينهما، أم أن الغاية أشمل من ذلك وأعم!! إنها حفظ الهيئة والوضع والحياة الخاصة بشمول لا يقتصر على أشخاص محدودين. بل إن الأدب الإسلامي الرفيع الذي لا تدانيه رفعة، ليلزم الأخ أن يستأذن على أخته، والولد أن يستأذن على أمه؛ حفاظاً على خُلق الحياء والعفة في مجتمع طاهر نظيف.

مثال آخر: في هدم القيم الإسلامية، حين يُروّج الدعاية مباشرة أو ضمنية ضد كثرة النسل، ويصور الأسر الراقية النظيفة المهذبة هي ذات العدد الأقل من الأبناء، فهي المنعمة بحياة مستقرة خالية من المتاعب والمشاكل، تحظى بمستوى معيشي جيد، ومستوى تعليمي عالٍ، ومستوى من الوعي الراقي والتربية الرفيعة، بينما الأسر ذات النسل الكثير فهي المتدنية اجتماعياً واقتصادياً وصحياً وثقافياً وتعليمياً وتربوياً، وإنهم الفئة الفقيرة الجاهلة الصاخبة ذات المشكلات المعقدة والضوضاء والضجيج.

وهذا خداع مكشوف. فكل الدول تسعى لتكثير نسلها حتى الشيوعية، وحتى دولة يهود، ولا يُطالب أحد بالحد من نسله وتقليله إلا المسلمون. بل إن السعي الآن الجاد من قبل أعداء الإسلام ما يسمونه بالتطهير العرقي، ومحاولة تطبيق ذلك في بعض مناطق العالم.

مثال ثالث: تشويه وتزوير الشخصيات الإسلامية التي تُعرَض؛ فهناك مغالطة في شخصية عقبة بن نافع القائد المجاهد، وهناك تشويه ومغالطة في شخصية هارون الرشيد، الخليفة الحاج الغازي، الذي ما أن يسمع العامة اسمه، إلا وقفز في مخيلتهم صور الجواري والنساء والخمور والشهوات والملذات، وذلك بسبب ما عرض على شاشات التلفاز وهو منها براء رحمه الله، فإنه كان يحج عاماً ويغزو عاماً. ناهيك عن الشخصيات الأخرى مثل ابن تيمية والإمام مالك حين يركز العرض على الشاشة على جانب يخدم ما تريده النفوس، أو حين يدخل في سيرتهم ما لا سند له من الصحة أو التوثيق.

ثامناً: من آثاره أيضاً: محاولة إقناع الناس بالمتناقضات، وإلا فعندما يعرض لدعاية تجارية، لأمواس الحلاقة مثلاً، ما دخل العنصر النسائي في الموضوع؟! ولماذا يقحم العنصر النسائي في كل دعاية، كالدعاية لإطارات السيارات مثلاً، أو أنواع الأسمدة، فيظهر دعاية لأنواع الأسمدة مع امرأة عارية أو شبه عارية، لماذا هذه المتناقضات، ولماذا هذا الهدم المكشوف لأخلاق الناس، عن طريق المرأة، وإقحامها فيما لا يخصها.

تاسعاً: من آثار التلفاز: تلويث بيئة الطفل. يشتكي الناس من تلوث البيئة بسبب مخلفات المصانع وناقلات النفط، وأدخنة السيارات، فيحبون العيش في المدن الصغيرة، وقل من يتنبه لهذا التلوث الخطير الذي يسببه التلفاز في حياة الطفل، فمن هذا التلوث: أنه يُنشئ الطفل على حب المغامرة، والتحرر، والتمرد على القيود، والتفلت وعدم الانضباط، ومن التلوث أيضاً الغلظة في المشاعر والشلل في الأحاسيس والتبلد بسبب المسلسلات العنيفة والبرامج البوليسية والمغامرات بما فيها من القتل والدماء والصدام والحرائق والموت.

ومن التلوث: الخوف الذي يصيب الأطفال ويروعهم بسبب بعض الأفلام، وينعكس ذلك بأن يصاب بعض الأطفال بالغثيان، وبأمراض نفسية، والتبول اللاإرادي أثناء النوم وغيره.

ومن التلوث: إثارة الغرائز الجنسية مبكراً عند الأطفال، فالولد في سن العاشرة من عمره أو ربما أقل من ذلك، يبدأ يفكر في قضايا الجنس، بسبب الإثارة المبكرة من خلال التلفاز، ويبدأ في إيجاد المشاكل لأهله والتعرض لقضايا لا أخلاقية، تُحرج الوالد والأسرة أمام الناس، والولد لا يهتم لذلك؛ لأنه ما يزال طفلاً في عقلياته.

ومن التلوث: أنه يُعلّم الأولاد التدخين؛ لأنه معجب ببطل الفلم، والبطل يدخن، فلا بد أن يقلده.

عاشراً: من آثار التلفاز، عدم الطلاقة في النطـق والحديث عند كثـير من الأولاد.. اختبر ولدك، تجد أنه أنهى المرحلة الثانوية وإلى الآن لا يحسن الكلام، والتفاهم والتخاطب مع الرجال في المجالس، وليس عنده طلاقة في الكلام، لماذا؟ لأنه جل وقته ساكت لا يتكلم، فهو قرابة الخمس إلى ست ساعات في المدرسة، وغالب الوقت ساكت والمدرس يتكلم، ثم هو سبع إلى ثمان ساعات نائم، لا كلام فيه، ويقضي يومياً أربع إلى خمس ساعات أمام التلفاز كمشاهد، أيضاً لا يتكلم، فمتى يتعلم الكلام..

أيها المسلمون: لا أريد الإطالة عليكم، ولو أسترسل معكم في ذكر آثار هذا الجهاز السيئة، لبلغت أضعاف أضعاف ما ذكرت، لكن ما ذكرته إشارة، والحر تكفيه الإشارة.

بارك الله لي ولكم...... أقول ما سمعتم......

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه......

أما بعد: أيها المسلمون: إن جميع ما عرضته لكم مما يعرض في شاشاتنا وجميع الآثار المترتبة على ذلك مما سقته هذا اليوم، هذا كله أيها الإخوة من المحطات القريبة منا، ولم نتحدث بعد عن البث المباشر..لم نتحدث بعدُ ما تبثه الأقمار الصناعية، عبر ما يسمى بالبث المباشر، والذي ينقل لنا زبالة الغرب وعفنِه.

أيها المسلمون: إن الأمر جد خطير، وكنت قبل ثلاثة أيام أقرأ في أحد الجرائد خبراً، بأن هناك اجتماعاً حصل في دبي بشأن القمر – عربسات – وأن هناك طرحاً لشراء قمر آخر مستعمل، ليسهل نقل كميات أكبر من البرامج التلفزيونية. فأتساءل وهل نحن فعلاً في نقص وأن ما يبث الآن لا يكفي، أم ماذا؟!

عباد الله: إن ما يعرض على نسائنا وأولادنا الآن، من خلال المحطات المحلية، فيها من الطامات ما فيها، وفيها من الشر ما فيه، فما بالكم لو سُهِّــل الأمر، وبأسعار زهيدة، أن يتفرج الناس على محطات فرنسا وبريطانيا وأمريكا، وما يُعرض هناك؟ إن كل شيء في عرفهم حلال، وسوف يدخل علينا شرّ لا يعلمه إلا الله.

فلا غرابة أيها الإخوة، والأمر كذلك، أن يفتي العلماء في هذه البلاد، بحرمة هذه الأقراص التي تسمى – بالدش –؛ لأنها وسيلة لنقل المجون والدعارة والخلاعة والكفر والإلحاد.. فقد أفتى علماؤنا، بحرمة بيعها وشرائها واستعمالها وتصنيعها.
فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى، فيمن ولاكم الله عليهم، إنكم والله ستسألون عنهم يوم القيامة.

فلنتناصح فيما بيننا، ولنأمر بالمعروف ولننهى عن المنكر، وننصح كل من غلبه شيطانه، وأحضر لأولاده هذه الأقراص؛ فإن مصيبتها أيها الإخوة عظيمة، وشرها مستطير وعاقبتها الخزي في الدنيا والآخرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].

أيها المسلمون: إن هذه الأقراص، أو ما يسمى بالبث المباشر، تستقبل محطات التلفزة من شتى بقاع العالم، وهل تعلمون أيها الإخوة بأن هناك محطات خاصة لتدمير الأخلاق، تبث من إسرائيل ومن جنوب شرق آسيا، ومن إيطاليا، ومن غيرها متخصصة لتدمير أخلاق الناس، وتربية الناس على الإباحية والفجور والعياذ بالله.

وهناك محطات أخرى تخصصها وهمّها زعزعة الأمن في الدول؛ تعلم طريقة الجريمة والتفجيرات، وأن كل عاقل ينظر إليها، ليعلم أنه ليس في صالح أهل أي بلد أن يشاهدوا مثل هذه الأشياء، فاتقوا الله أيها المسلمون، يا من اقتنيتم مثل هذه الأقراص، قال الله تعالى: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ) [القصص: 17] فالله هو الذي أعطاك نعمة هذا المال، فلا تستخدمه بأن تكون ظهيراً للمجرمين.

قد يقول قائل: أنا لا أقصد أن أتفرج على النساء، ولا أن أشاهد الدعارة، ولا أن أتعلم الجريمة، بل إن رؤية هذه الأشياء لا تؤثر عليّ والحمد لله، فمنذ فترة وأنا أشاهدها، ومع ذلك أنا محافظ على الصلوات في الجماعة، ولم أتعرض لارتكاب محرم، وقصدي من هذا البث هو متابعة أخبار العالم والتعرف عليها.

فلنفترض جدلاً أنك إنسان، وأنك رجل لا تفكر في المرأة، ولا تفكر في الصورة العارية، ولا تفكر في حفلات الرقص، ولا تفكر بألوان الخلاعة، مع أن هذا الافتراض فيه مغالطة، وفيه كذب، وفيه مخالفة لفطرة الإنسان التي خلقه الله عليها وهو تأثر الرجل بمنظر المرأة، لكن لنفترض أن ما تقوله صحيح، فأين أنت من أسرتك، أين أنت من أولادك، بناتك، الصغار، الكبار، فأي تربية سوف يتعلمونها؟! وأي قدرة على مقاومة مثل هذه الوسائل الخطيرة والجديدة والتي صارت تغزو من خلال النشرة، ومن خلال الدعاية والفيلم والتلوين ومن خلال الإغراء، ويتقدمون يوماً بعد يوم؟!

فضلاً أيها الإخوة -وهذه قضية ينبغي التفطن لها- عن المحطات الخاصة التي تعمل على التنصير، وقد جنّد الفاتيكان مئات محطات التلفزة، وآلاف الإذاعات، التي يملكها وبعضها يستأجرها لبث التنصير، إلى العالم بشكل عام، وإلى العالم الإسلامي بشكل خاص.

فاتق الله أيها المسلم، ولا تكن سبباً لزعزعة العقيدة والدين في قلوب أهل بيتك بإدخالك هذه الأشياء عليهم، ولا تكن سبباً في إدخال الشرك والكفر في بيتك وفي رمضان.

ثم أيها الإخوة: نحن في هذه الأيام على أبواب استقبال شهر رمضان المبارك، ومع كل أسف فإن في رمضان تنشط البرامج التلفزيونية أكثر من الأشهر الأخرى، وكأن الأمر مقصود، وهو لمسح وإزالة الأجر الذي كسبه الناس في نهارهم فيضيّعونه في ليلهم، مع أن البرامج تعمل ليل نهار حتى في رمضان، وكما سمعت من بعضهم، وذلك لأجل ألا يحس الصائم بطول النهار، وثقل الصوم عليه، فإنه يخفف عنه بالبرامج النهارية لكي يقضي معها الوقت، ولا يدري أنه يقضي معها على الأجر أيضاً.

فاتقوا الله أيها المسلمون، لنستقبل هذا الشهر بتوبة صادقة مع الله جل وعلا، ولنحفظ أسماعنا وأبصارنا عن كل ما حرّم الله، في رمضان خاصة، وبقية العام بشكل عام. ولنفتح مع ربنا صفحة جديدة كلها إيمان وتقوى وعمل صالح، وتكون أولها بإزالة هذه الأشياء التي أدخلناها على بيوتنا بأيدينا، أن نزيلها بأيدينا.

أيها المسلمون: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183]، ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه، من حديث أبي هريرة: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، فهذه فرصة أيها الإخوة والمحروم من أدرك رمضان ولم يُغفر له.

واحرصوا رحمكم الله على كتاب الله، فإنه شهر القرآن، فأكثروا فيه من القراءة، ثم عليكم بصلاة التراويح، فإن "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه، والعمرة إلى البيت الحرام لها أجر حجة مع الرسول صلى الله عليه وسلم.

اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان، اللهم وفقنا فيه للتوبة والرجوع إليك يا أرحم الراحمين.

اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل الدائرة تدور عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه، يا قوي يا عزيز. اللهم عليك بأعداء الدين من كل ملة ونحلة، اللهم أحصهم عدداً، وأهلكهم بدداً، ولا تغادر.

اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا.. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين.

اللهم وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر. اللهم رحمة اهد بها قلوبنا، واجمع بها شملنا ولم بها شعثنا ورد بها الفتن عنا. اللهم صل على محمد …
 

 

 

 

المرفقات

– 2

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات