الظلم

خميس بن سعد الغامدي

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: قضايا اجتماعية
عناصر الخطبة
1/ شيوع الظلم وكثرة المظالم 2/ التحذير من الظلم قليله وكثيره 3/ الظلم يأكل الحسنات 4/ عقوبة الظالم يوم القيامة

اقتباس

إنه الظلم الذي حرّمه الله على نفسه وجعله بين عباده محرمًا، إنه الظلم الذي يؤهل المعتدي للاستيلاء على حقوق الآخرين، إنه الظلم الذي يقلّب الحقائق، ويغير النتائج، إنه الظلم الذي توعد الله عليه أشد الوعيد: (إِنَّمَا ?لسَّبِيلُ عَلَى ?لَّذِينَ يَظْلِمُونَ ?لنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِى ?لأرْضِ بِغَيْرِ ?لْحَقّ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [الشورى:42].

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

أما بعد:

أعرض اليوم موضوعًا له أهميته الكبيرة لكثرة ولوج الناس في ظلماته، بعلم منهم وبلا علم، وأهميته تنبع من كون الإنسان إذا مرّت أيام حياته وهو يتقلب فيما سنتحدث عنه، وإذا به يقف عند نهاية العمر، ضامنًا لسخط العزيز الجبار، يائسًا من النجاة من هلكته الخسران متيقنًا بنتيجة سوداء مظلمة وحسرة دائمًا مضنية.

أيها الناس: موضوعي لكم اليوم هو مشكلة اجتماعية تنامت أطرافها، وتوسع خطرها، وكثر الحديث عنها في مجالس القضاء وقاعات المحاكمات، وربما انساق في أدراجها كثير من الناس سعيًا لكسب المال وربما الجاه وربما لمآرب أخرى.

إنه الظلم الذي حرّمه الله على نفسه وجعله بين عباده محرمًا، إنه الظلم الذي يؤهل المعتدي للاستيلاء على حقوق الآخرين، إنه الظلم الذي يقلّب الحقائق، ويغير النتائج، إنه الظلم الذي توعد الله عليه أشد الوعيد: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِى الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [الشورى:42].

أيها المؤمنون: يسعى الإنسان في هذه الدنيا طلبًا لكسب رزقه وقوته وقوت عياله، فيضرب في الأرض يرجو من الله أن يرزقه، وما هي إلا أيام وليالٍ إذا بنهاية العمر أتت، وأشد ما يلقاه العبد في دنياه من عناء الظلم ووحشة الظالم.

أيها المسلمون: لقد حرّم الله علينا ظلم الناس وانتهاك حقوقهم وأكل أموالهم والقدح في أعراضهم، فإن تلك كلها أصناف للظلم، في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال فليتحلله اليوم قبل أن يؤخذ منه يومَ لا دينار ولا درهم، فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر عمل مظلمته، وإن لم يكن له عمل أخذ من سيئاته فحملت عليه".

أيها الناس: إن ظلم الإنسان لأخيه الإنسان بأي شكل من أصناف الظلم -سواء بأكل ماله أو انتهاك عرضه أو الاستطالة عليه لضعفه- أمر عظيم ونتيجة وخيمة، ولربما سعى الإنسان في الدنيا لكسب الرزق وجمع المال، فيقع في ظلم عباد الله من أجل تحقيق مصلحته وبلوغ مآربه، وإن الظلم عظيم عظيم، وإن كان في أمر يسير فقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرّم عليه الجنة"، قيل: يا رسول الله: وإن كان شيئًا يسيرًا؟! قال: "وإن كان قضيبًا من أراك".

الله أكبر!! "وإن كان قضيبًا من أراك"، إذًا ظلم العبد فيه كان سببًا في تحريم الجنة على الظالم وإيجاب النار له. فكيف بغيره!! كيف بالأراضي ذات المساحات الكبيرة التي تدخل إلى جعبة الظالم بالحيل والخداع والأيمان الفاجرة؟! كيف برواتب العمال التي ربما بلغت الآلاف التي تذهب مع مهب الرياح؟! كيف بعرق العامل الذي يسكب بلا مقابل؟! كيف بالمعاملة السيئة والاحتقار لعباد الله والاستطالة عليهم بالشتم والسب والاستهزاء وربما بالضرب لأنهم ضعفاء؟! الله أكبر!! إن الظلم كبيرة عظيمة.

أما والله إن الظلم شـؤم *** ومـا زال المسيء هو الظلوم
ستعلم يا ظلوم إذا التقينا *** غـدًا عند المليك من الملـوم

إن الظلم مذهب لبركة العمر، مضيع لجهد الإنسان، ممحق للكسب، بل إن الظلم إفلاس من كل مكسب في الدنيا والآخرة؛ روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أتدرون من المفلس؟!"، قالوا: المفلس من لا درهم له ولا دينار ولا متاع، قال: "المفلس من أمتي الذي يأتي يوم القيامة بصلاته وزكاته وصيامه، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم وطرحت عليه ثم طرح في النار".

أيها الناس: إن البعض من الناس يظلم الناس ويأكل أموالهم ويحرمهم من ثمرة جهدهم، وربما يعتدي عليهم ليوفّر لأبنائه حياة بذخ سعيدة مرفهة، فيحلف على أرض فلان حتى تؤخذ لأبنائه ميراثًا طائلاً، ويأكل أجور العمال والموظفين، يجمع لأبنائه أموالاً طائلة، ويعتدي على الناس بالسب والشتم والاستهانة بهم؛ ليُكسب نفسه وأبناءه هيبة ووجاهة وسلطة، وما علم المسكين أنه سيدخل حفرة مظلمة لا مال فيها ولا ولد، وإنما حساب وسؤال، ما علم المسكين أنه -وإن كثر عياله، وزادت أمواله، وكثرت عمائره، وارتفعت سيارته، وأصبح الناس يخشونه لظلمه وجبروته، وأصبح له في المجتمع صولة وجولة ومهابة- ما علم أن ذلك إنما هو إملاء له ليلقى مغبة ذلك عند رب لا يظلم مثقال ذرة.

في الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى يملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته"، ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِىَ ظَـالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:102]".

وعند مسلم من حديث جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم".

أيها الظالم: أبشر -والله- بما أعده الله لك يوم القيامة: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَاء كَلْمُهْلِ يَشْوِى الْوجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا) [الكهف: 29].

نعم أبشر -والله- بعد سعادتك بظلم الناس وفرحتك بأكل أموالهم وانتهاك حقوقهم، أبشر بمال كله ظلمة، كله حزن، كله حسرة، كله ندم: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) [الشعراء: 227].

(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِى الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [الشورى:42].

 

الخطبة الثانية:

إن شعور الإنسان بالقوة والغلبة والقهر يدفعه إلى ظلم عباد الله والتسلط عليهم وأكل أموالهم وانتهاك حقوقهم؛ ذلك لأنه قوي وهم ضعفاء، ذلك لأنه سيد وهم مسودون، ذلك لأنه ذو جاه وسلطان وهم ضعفة، ولكنّ الحق أن ذلك الظالم مسكين لأنه مهما جمع المال والأراضي والبيوت والأبناء، ومهما طالت به سطوته وامتد به عمره فهو مقبل إلى رب لا يظلم، رب عادل: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَـاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) [النساء:40].

سيأتي اليوم الذي يقول الظالم فيه: (مَا لِهَـاذَا الْكِتَـابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا) [الكهف:49].

(وَنَضَعُ الْمَوزِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَـامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَـاسِبِينَ) [الأنبياء:47].

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرًا *** فـالظلم مصدره يفضي إلى الندم
تنـام عينـاك والمظلوم منتبه *** يدعـو عليك وعين الله لم تنـم

تذكّر يا من ظلمت أن يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم، فإذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فاذكر قدرة الله عليك.

وتذكّر أن مَنْ ظلم عباد الله كان له خصمه دون عباده؛ يقول سفيان الثوري: "إن لقيت الله تعالى بسبعين ذنبًا فيما بينك وبين الله أهون عليك أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد".
 

 

 

 

المرفقات

1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات