إن لبدنك عليك حقا

حسان أحمد العماري

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: قضايا اجتماعية
عناصر الخطبة
1/ اعتناء الإسلام بجسم الإنسان وصحته 2/ الدعوة للبحث عن الدواء والاستشفاء 3/ ابتلاء الأنبياء والصالحين بالمرض 4/ ربما يكون المرض نعمة 5/ واجب المؤسسات الحكومية 6/ من واجبات الأصحاء 7/ شكر نعمة الجسد يقتضي استخدامها في الخير

اقتباس

لقد كانت الغاية من دعوة الإسلام للحفاظ على صحة أجسامنا لأنها أمانة، ويوم القيامة يسأل الإنسان عن ذلك، ومن ذلك حتى نقوم بالعبادة كما أمر الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك استخدامها في الخير وبذل المعروف وتعمير الأرض والاستخلاف فيها وتبادل المصالح والمنافع بين الناس، ومن ذلك أن في ..

 

 

 

 

الحمدُ لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضل الضَّالون، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، أحمدهُ سبحانه حمد عبد نزَّه ربه عما يقول الظالمون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وسبحان الله رب العرش عما يصفون. 

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخليله الصادقُ المأمون، اللهمّ صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين هم بهديه مستمسكون، وسلِّمْ تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بَعْد:

عباد الله: لقد اعتنى الإسلام عناية كبيرة بجسم الإنسان وصحته، وجعل من مبادئه السامية الحفاظ على الجسم السليم المعافى من الأمراض بشتى أنواعها، فمن حق الجسم على الإنسان أن ينظفه إذا اتسخ، وأن يقويه إذا ضعف، وأن يطعمه إذا جاع، وأن يسقيه إذا عطش، وأن يريحه إذا تعب، وأن يبحث له عن الدواء إذا مرض وأصابته الأسقام، بل جعل الإسلام صحة الجسم ومعافاة الجسد من أسباب الراحة والسعادة، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها". حديث حسن، السلسلة الصحيحة للألباني رقم الحديث 2318.

بل إن الله -سبحانه وتعالى- امتدح صاحب الجسد القوي، القادر على تحمل الشدائد، وجعل موهبته من العلم والقوة سببًا لترشيحه للملك، فقال تعالى عن طالوت: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 247]، ولما رأت ابنة شعيب مظاهر القوة عند سيدنا موسى -عليه السلام- قالت لأبيها، كما جاء في سياق القصة في القرآن الكريم: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين) [القصص: 26]، بل كان -صلى الله عليه وسلم- في كل صبح ومساء يقر لله ويعترف له بنعمه، ويطلب من فضله ويدعو لجسده بالعافية والصحة؛ فعن عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ لأَبِيهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "يَا أَبَهْ إِنِّي أَسْمَعُكَ تَدْعُو كُلَّ غَدَاةٍ: "اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، تُعِيدُهَا ثَلاثًا حِينَ تُصْبِحُ، وَثَلاثًا حِينَ تُمْسِي". قَالَ: نَعَمْ يَا بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو بِهِنَّ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ". أبو داود والبخاري في الأدب المفرد، وقال الألبانيّ: حسن. صحيح أبي داود 5090.

لقد كانت الغاية من دعوة الإسلام للحفاظ على صحة أجسامنا لأنها أمانة، ويوم القيامة يسأل الإنسان عن ذلك، ومن ذلك حتى نقوم بالعبادة كما أمر الله -سبحانه وتعالى-، ومن ذلك استخدامها في الخير وبذل المعروف وتعمير الأرض والاستخلاف فيها وتبادل المصالح والمنافع بين الناس، ومن ذلك أن في صحة الأجساد راحة نفسية وسعادة دنيوية للعباد.

عباد الله: ومن عناية الإسلام بصحة الإنسان فقد شرع الشرائع وسنّ القوانين وحذّر من المخالفات في المأكل والمشرب والملبس والعمل والترويح واللعب والزينة، وحتى في العبادة فقد دعا الإسلام إلى التوازن في تربية النفس حفاظًا عليها وصيانة لها.

لقد زار سلمان الفارسي -رضي الله عنه- أخاه أبا الدرداء -رضي الله عنه- فما وجده، لكنه وجد أم الدرداء وهي متبذِّلة -أي تلبس ملابس العمل- فسألها عن شأنـها، فقالت: أخوك أبو الدرداء ليس له بنا حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعامًا، فقال له: كُل، قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نَـم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نَم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نَم، فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قُم الآن، فَصَلَّيَا. فقال له سلمان: "إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حق حقّه"، فأتى أبو الدرداء النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صدق سلمان". رواه البخاري.

وعند نزول المرض وحلول البلاء بجسد هذا الإنسان وظهور أخطار تهدد صحته، فإن الإسلام دعاه إلى بذل أقصى جهده للبحث عن الدواء والعلاج، وأمره بالصبر والاحتساب، فقد يكون ذلك ابتلاءً من الله ليرفع درجته ويغفر ذنبه ويزيد من حسناته، بل يجعل -سبحانه وتعالى- ذلك المرض الذي أصاب جسده سببًا لتوبته ورجوعه إلى الله وتضرعه بين يديه، وكفى بها نعمة، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة:155]، ولذلك انظروا في حياتنا اليوم لا يكاد يخلو بيت من مريض مبتلى في جسده وصحته يعاني الآلام ومرارة الأوجاع وكثرة العلاجات والزيارات للأطباء والمستشفيات، إلى جانب التكاليف المالية الباهظة وغير ذلك.

ثمانية لابـد منها على الفتى *** ولابد أن تجري عليه الثمانيه
سرور وهمّ واجتماع وفرقة *** ويسر وعسر ثم سقم وعافيه

عباد الله، أيها المؤمنون: لم يسلم من الأمراض والأوجاع أحد من البشر حتى الأنبياء، فهذا نبيكم سيد الخلق أجمعين كان أشد الناس بلاءً، حيث كان يشتد عليه المرض أكثر من غيره، حتى قالت عائشة -رضي الله عنها-: "ما رأيت أحدًا أشد عليه الوجع من رسول الله". رواه البخاري ومسلم.

وهذا نبي الله أيوب -عليه السلام- يضرب به المثل في الصبر على المرض، وما قضاه الله فيه فقد ابتلاه ثمانية عشر عامًا في جسده، حتى ملّ الناس زيارته ومجالسته، فصوّر الله حاله وصبره ويقينه بالله، فقال تعالى: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص: 44]، وعندما لجأ إلى الله كانت الإجابة والقبول، قال تعال: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء: 83، 84].

إن الابتلاء بالأمراض والأسقام قد يكون هبة من الله ونعمة ورحمة، ليكفر بها الخطايا ويرفع بها الدرجات، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حطّ الله به سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها". رواه البخاري ومسلم.

وهذا أبي بن كعب -رضي الله عنه- سيد القراء يقول للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أئنا لنؤجر في الأمراض والحمى والمصائب؟! فيقول -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث المتفق عليه" "والذي نفسي بيده لا يصيب المؤمن همٌّ ولا غمٌّ ولا نَصَب ولا وَصَب ولا بلاء، حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها خطاياه". وقال -صلى الله عليه وسلم-: "يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب، لو أن جلودهم كانت قرِّضت بالمقاريض". صحيح الترمذي للألباني (2/287).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عاد مريضًا ومعه أبو هريرة، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أبشر؛ فإن الله -عز وجل- يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار في الآخرة". السلسلة الصحيحة للألباني 557.

وهذا لا يعني أن يطلب المسلم المرض أو أن يتمناه، وإنما إذا حل به كان منه الصبر والاحتساب بغية الأجر والمثوبة من الله، فالمريض الذي أنهكه المرض عليه أن يصبر ويحتسب ويرضى عن ربه وعن قدره ولا يسخط، وبالمقابل عليه أن يبذل الأسباب المادية التي توصله إلى الشفاء، فيذهب إلى الطبيب ويتناول العلاج، فالشفاء من الله فقد بيّن الله تعالى لنا هذه الحقيقة في القرآن الكريم على لسان عبده ونبيّه إبراهيم -عليه السلام- حيث قال: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء: 80].

فالشافي هو الله، وما الطبيب ولا الدّواء إلاّ أسباب للشفاء، ونحن مأمورون بالأخذ بالأسباب، وهو في كلا الأمرين مأجور شرعًا، فإن وصل إلى مبتغاه وشفاه الله فلله الحمد والمنة، وإن لم يصل وصبر واحتسب ورضيَ بالله واستشعر معية الله وأنه لم يبتله بهذا البلاء إلا ليرفع من شأنه ومنزلته في الحياة الآخرة، فسيشعر بسعادة وراحة في نفسه تنسيه تلك الآلام، وهكذا يتعامل المسلم مع نوائب الدهر ومصائب الزمان؛ هذا عمران بن حصين -رضي الله عنه وأرضاه- صحابي جليل، شارك مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الغزوات، وإذا به بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- يصاب بشللٍ يقعده تمامًا عن الحركة، ويستمر معه المرض مدة ثلاثين سنة، فدخل عليه مطرف بن الشخير وأخوه العلاء، فلما رأوه بكوا، فنظر إليهم وقال: أنتم تبكون، أما أنا فراضٍ، أحبُّ ما أحبه الله، وأرضى بما ارتضاه الله، وأسعد بما اختاره الله، وأشهدكم أنِّي راضٍ، وأحدثكم بحديث لعل الله أن ينفعكم به، واكتموا عني حتى أموت، والله إني لأشعر بالملائكة تزورني وتسلم عليّ فآنس بها، فأعلم أن هذا البلاء ليس بعقوبة؛ إذ هو سبب هذه النعمة، فمن يشاهد هذا في بلائه كيف لا يكون راضيًا به؟!

عباد الله: فإذا عرفنا واجب المريض ودوره وعلاقته بالمرض، فإن هناك واجبات أخرى في هذا الجانب، فعلى المؤسسات الحكومية واجبات، وذلك بإيجاد الأطباء المتخصصين والممرضين المتدربين، ولا بد من تجهيز المستشفيات والاهتمام بمستوى أدائها، ولابد من الاهتمام برعاية الأمومة والطفولة وتوفير الأدوية السليمة والنافعة، وعلى الإعلام أن يقوم بواجبه في تثقيف الناس وتعليمهم وتحذيرهم من الأمراض وأخطارها، ثم بعد ذلك فإن على أفراد المجتمع التعاون والتفاعل والمحافظة على صحة الأجسام بالابتعاد عن مسببات الأمراض والتقيد بالإرشادات الصحية ونظافة الطعام والملبس والمكان.

ومن واجبات الأصحاء: زيارة المرضى وعيادتهم والدعاء لهم، ففي ذلك من المثوبة والأجر الكثير؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنّ المسلم إذا عادَ أخاه المسلم لم يَزَل في خُرفَةِ الجنّة حتّى يرجع"، قيل: وما خرفة الجنة؟! قال: جناها. حديث صحيح، رواه مسلم.

تشبيه ما يحصل عليه زائر المريض من الثواب بما يحصل عليه الذي يقطف من ثمار الجنة، والمقصود بـ"حتّى يرجع"، أي المدة ذهابًا وإيابًا، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ: أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً". حسنه الألباني في صحيح الترمذي.

وعَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ". صححه الألباني في صحيح الترمذي.

اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعلنا لقضائك صابرين، ولك شاكرين.

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

 

الخطبة الثانية:

عباد الله: إن البشر قاطبة مجمعون إجماعًا لا اختلاف فيه، على أن الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء، لا يراه إلا المرضى، وأن الصحة والعافية نعمة مغبون فيهما كثير من الناس، وإننا لنتقلب في نعم الله بالليل والنهار، فأين الشاكرون لهذه النعم والله تعالى يقول: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].

وإن من كمال شكر الله على نعمة الصحة عدم استعمال هذا الجسد وهذا العقل وهذه الجوارح فيما يغضب الله تعالى القائل: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 36]، ولنحذر أن نستغل هذه الأجساد وهذه الصحة في الطغيان والظلم والمعاصي والاعتداء على حقوق الآخرين والتكاسل عن الطاعات والعبادات.

يقول أحد الناس -وقد ذهب إلى المستشفى لزيارة قريب له-: إنه دخل على إحدى غرف المستشفى، فإذا رجل مقعد مشلول تمامًا لا يتحرك إلا رأسه، فلما رأى حاله رأف به وقال: ماذا تتمنى؟! ظن أن أمنيته الكبرى أن يشفى ويقوم ويقعد ويذهب ويجيء، فقال المريض: أنا عمري قرابة الأربعين، وعندي خمسة أولاد، وعلى هذا السرير منذ سبع سنين، والله لا أتمنى أن أمشي، ولا أن أرى أولادي، ولا أعيش مثل الناس، قال: عجبًا، إذًا ماذا تتمنى؟! فقال: أتمنى لو أستطيع أن ألصق جبهتي على الأرض وأسجد كما يسجد الناس.

وآخر دخل المستشفى فإذا بمريض يصيح بالمارين، فدخلت عليه فرأيت أمامه لوح خشب عليه مصحف مفتوح، وهذا المريض منذ ساعات، كلما انتهى من قراءة الصفحتين أعادهما، فإذا فرغ منهما أعادهما؛ لأنه لا يستطيع أن يتحرك ليقلب الصفحة، ولم يجد أحدًا يساعده، فلما وقفت أمامه قال لي: لو سمحت اقلب الصفحة، فقلبتها، فتهلل وجهه، ثم وجه نظره إلى المصحف، وأخذ يقرأ.

ولقد حذّرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذه الغفلة بقوله: "بادروا بالأعمال -أي الصالحة- سبعًا: هل تنتظرون إلا فقرًا منسيًا؟! أو غنى مطغيًا؟! أو مرضًا مفسدًا؟! أو هرمًا مفندًا؟! -أي موقعًا في الفند وهو كلام المخرف- أو موتًا مجهزًا؟! -أي سريعًا- أو الدجال؟! فشر غائب ينتظر، أو الساعة؟! فالساعة أدهى وأمر". رواه الترمذي.

عباد الله: ثم ليعلم المرضى، أنه لا ينبغي التهاون بالصلاة حال المرض، فيجب أن يصلي الصلوات الخمس في وقتها إن استطاع، فإن لم يستطع جمع بين الظهر العصر، وبين المغرب والعشاء رخصة من الشارع الحكيم، كما يجب عليه أن يتوضأ للصلاة الوضوء الشرعي، فإن لم يستطع فإنه يتيمم بالتراب، فإن لم يستطع فإنه يصلي على حاله، ولا يدع الصلاة تفوت عن وقتها؛ لأن الله يقول: (فَتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16]، ويقول سبحانه: (لاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) [الأنعام:152].

اللهم ارزقنا لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا، وجسدًا على البلاء صابرًا، اللهم ارزقنا الإخلاص في أقوالنا، والإخلاص في أعمالنا، والإخلاص في أحوالنا، اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

هذا؛ وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على معلِّم البشرية، المبعوث بالحنيفية، خير من قام بالمسؤولية، كما أمركم بذلك ربكم رب البرية، فقال تعالى قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].

والحمد لله رب العالمين.
 

 

 

 

المرفقات

لبدنك عليك حقا

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات